رقي المجتمع والأحكام المدنية
وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ(281) وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ(282)

شرح الكلمات: 

نظِرة –النظرة: التأخير والإهمال في الأمر (الأقرب).

التفسير:

يقول الله تعالى: إنكم لو عاملتم الناس بالحسنى اليوم، وراعيتم الرفق معهم عند تقاضي أموالكم التي أعطيتموها كقرض حسن، فلسوف يعاملكم الله أيضا بالرفق عندما يحاسبكم، ويعفو عن سيئاتكم. أما إذا لم تتعالموا معهم اليوم بالرفق فلن تجدوا من الله معاملة بالحسنى يوم القيامة. وهذا هو نفس الأمر الذي نبهنا إليه النبي مرارا بقوله (ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) (الترمذي، البر).

 

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (283)

شرح الكلمات: 

تداينتم_ تداين القوم استدان بعضهم من بعض (الأقرب).

يُملِل- أمللت الكتاب على الكاتب إملالا وأمليت عليه إملاء: ألقيته عليه، أي قلت له فكتبه عني (الأقرب).

سفيها-السفيه: قليل العلم؛ الجاهل (الأقرب). قال الإمام الشافعي هو المسرف (روح المعاني). وهذا المعنى أميل إليه. فقد ورد في القرآن (أنؤمن كما آمن السفهاء) أي يقول المنافقون: نكفر بمحمد ونحافظ على أموالنا ونحميها من النفاد، ولكن هؤلاء المسلمين لا يعرفون كيف يحافظون عليها، إنهم بإيمانهم يضيعون أموالهم.

التفسير:

في الآيات السابقة بين الله سببا من أكبر أسباب دمار الأمم، وهو الربا. وهنا بين سببا آخر لانحطاط الأمم فقال: إن الناس لا يأخذون الحيطة والحذر فيما يتم بينهم من معاملات. عندما يقرضون أحدا مالا، فإنهم –بزعم المحبة والصداقة بينهم –لا يحددون موعدا للسداد، ولا يضبطونه كتابة، وعندما يرون المقترض لا يرد المال يبدأ الشجار والخصومة، ويصل الأمر إلى رفع القضايا إلى المحاكم، وتتحول الصداقة إلى عداوة. يقول الله تعالى: لا تفسدوا العلاقات بينكم، بل عليكم التمسك بنصيحتين منا عند التعامل: أولا- عندما تتداينون حدِّدوا موعد سداد القرض. وثانيا –اكتبوا التعامل في وثيقة واضبطوه. ومن أكبر منافع هذا أن المقترض سيفكر قبيل اقتراضه ما إذا كان بوسعه سداده في هذا الموعد أم لا. ثم إنه بعد أخذ الديْن سوف يشعر دائما أن عليه سداد هذا الدين في هذا الموعد، وبالتالي سوف يجتهد لسداده. ومن فوائد هذا التسجيل التحريري أيضا أن يبقى المدين مطمئنا لفترة معينة، فلا تحيطه المخاوف: متى سيفاجئني صاحب المال ويطالبني بسداد القرض؟ كما أن المقرض يعرف متى يذهب للمدين ويطالبه بماله طبقا للتعهد الكتابي.. فيذهب إليه في الموعد المحدد ولا يضطر إلى التردد عليه ومطالبته كل يوم. وهكذا ينتفع الدائن والمدين معا.

ومن فوائد هذا الشرط أيضا أن بعض ضعاف الإيمان قد يحتجون بأننا نقرض المال بالربا لأن المدين هكذا يكون دائما مهتما بسرعة أداء ما عليه من دين، ويبذل جهودا للتخلص من أداء هذا العبء الواجب، ولكن إذا لم يكن عليه ربا فإنه لا يهتم بسداد دينه. ولإزالة هذه الوسوسة قال الله تعالى: إذا تداينتم بدين وجب أن تكتبوه كمعاهدة بأن المدين سوف يسدد الديْن في موعد محدد، وهكذا تُحفظ أموالكم ويشعر المدين بمسئوليته.

ولكن لا يعني هذا أن الديْن إذا كان إلى أجل مسمى فاكتبوه، أما إذا لم يكن إلى أجل مسمى فلا بأس إذا لم تكتبوه. ذلك لأن الإنسان إذا أقرض المال لغيره فإنه ولا شك يتوقع أنه يسترده بعد أجل مسمى، قصيرا كان ذلك الأجل أم طويلا، وله كل الحق في أن يطالب بسداده بعد هذه المدة. لا يحدث أبدا أن يُقرض أحد غيره مالا ولا يفكر في استرداده. إذا أعطاه هدية أو معونة فهذا أمر آخر. ولكن المال المسمى قرضا لا بد أن يكون إلى أجل مسمى.. سواء ذُكر هذا الموعد باللسان أم لا. أما إذا لم يعط هذا المال لأجل مسمى، بل أعطاه لساعة أو ساعتين أو ليوم أو يومين فليس هناك إثم في ألا يكتبه الإنسان.

وللأسف أن المسلمين لا يهتمون بالأمرين: فلا يضربون موعدا لسداد الديْن بسبب المحبة والصداقة بين الطرفين، ويقولون: ترد الدين كما شئت، كما لا يضبطون هذه المعاملة خطِّيًا. مما يؤدي إلى كثير من المفاسد ويجنون ثمارا مرّة لهذه المخالفة.

ثم قال (وليكتب بينكم كاتب بالعدل) وهذا أمر ثالث. يجب أن يكون كاتب هذه المعاهدة شخصا ثالثا غير الدائن والمدين، وأن يكتب بالعدل والإنصاف.. فلا يضيف ولا ينقص من المعاهدة شيئا، وإنما يكتب ما يملي عليه.

ثم أمر (ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب). ويعني قوله (كما علمه الله ) أن يكتب بقدر ما علمه الله من الكتابة. ويمكن أن يعني أيضا أن يكتب لأن الله قد أنعم عليه وعلّمه الكتابة، فيجب أن ينفع الناس كما تفضل الله عليه، ولا يرفض مساعدة من يحتاجون إلى الكتابة، ولا يتركهم للمعاناة.. أي أن يُحرَم الناسُ المحتاجون للقرض لأنهم لم يجدوا من يكتب لهم.

ثم قال (وليملل الذي عليه حق)، وهذا أمر رابع، أي إن يملي هذا الصك أو المعاهدة مَن أخذ الدين، وفي هذا حِكمة كبيرة. الظاهر يقتضي أن يملي صاحب الحق أي الدائن، ولكن الله لا يأمر بذلك، بل فرض هذه المسئولية على المدين، ذلك أن المدين عند تحقق حاجته بأخذ المال يشعر بشعور الفرح والرضا ولا يفكر في مقدار المال. فمن الممكن بعد سداد حاجته أن يدعي عدم إدراكه لما كان يُكتب.. لذلك أمر الله أن يملي المدين بنفسه لكي يكون هناك اعتراف بلسانه. أما صاحب المال فإنه يكون حذرا عندما يُعطي المال لأنه ماله، ولن ينسى في أي حال أنه أعطى كذا من المال.

والسبب الثاني أن هذه المعاهدة الخطية تبقى محفوظة لدى الدائن وعنده الفرصة ليقرأها ويتعرف على ما فيها من خطأ أوصواب، أما المدين فإنه لا يحتفظ بها، وإذا لم يملل هو بنفسه وبحذر ما يُكتب فيها وقت التعاهد فهناك احتمال أن يتضرر، ولذلك سوف يملي بكل حرص.

ثم قال (ولا يبخس منه شيئا)، وهذا أمر خامس بألا يُنقص المدين في إملائه أي شيء من الديْن بل يمليه صحيحا.

وهنا ينشأ سؤال: أنه لا يمكن أن ينقص من الديْن، لأن الطرفين موجودان وجها لوجه، فلماذا أمر ألا يبخس منه شيئا؟ فلنتذكر أن بعض الاتفاقيات أو المعاهدات للقرض تكون عجيبة، يتلاعب فيها الناس بكلمات معوجة مما يؤدي إلى خسارة الدائن، خاصة في الديون التي تكون طويلة الأجل، أو من أنواع مختلفة.. بمثل ما يحدث في حالة الديون بين الحكومات. فبما أن الناس يلجئون عموما إلى المكر والخداع في الاتفاقيات للديون طويلة المدى.. لذلك أمر الله أن تكونوا أمناء عند الإملاء ولا تنقصوا الدين شيئا.

قوله (فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل) يعني لو كان المدين ضعيف العقل ولا يدرك أهمية المعاملات المالية، أو يكون ضعيفا كأن يكون صغير السن أو شيخا هرما، أو يكون غير قادر على الإملاء لسبب مثل الخرس أو الأمية.. فيجب أن يتولى أحد أوليائه الإملاء بالعدل والإنصاف بحسب قانون البلد. فالأصل أن يملي المدين بنفسه، أما إذا لم يستطع فيقوم بهذا الواجب وليه.

ثم قال (واستشهدوا شهيدين من رجالكم)، وهنا جاء الأمر السابع، فقال يجب أن يشهد على هذا الصك أو المعاهدة شهيدان من الرجال الذين تعرفونهم وتعتمدون عليهم وتستطيعون دعوتهم والاستعانة بهم وقت الحاجة بسهولة، فلا يكون شخصا من غير بلدكم أو مسافرا أو أجنبيا، فيكون هناك خطر ضياع شهادته ولا تعرفون أين تجدونه عند الحاجة.

وقال (فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى) وهذا أمر ثامن.. أي إذا لم يتوفر رجلان فيمكن الاستشهاد برجل واحد وامرأتين.. على أن يكونوا جمعيا ممن ترضون. وذكر سبب النص على امرأتين بدل رجل واحد، وقال: إذا نسيت واحدة منهما ذكَّرتها الأخرى. وقوله (إحداهما) يدل على أن أي واحدة منهما قد تنسى، ولا يمكن الجزم والتحديد أيتهما التي سوف تنسى. وبناء على هذه الآية من الممكن اتخاذ امرأتين كشاهدتين على حدث واحد أمام المحكمة في وقت واحد، فتقول إحداهما إن الحدث جرى هكذا، وتؤيدها الأخرى في قولها أو تصححها. فكما يجيب الشاهد على أسئلة المحكمة بعد تفكر وتدبر..كذلك تتفاهم المرأتان معا وتتفقان على رواية الحدث لتنقلاه للقاضي. والحكمة في اعتبار شهادة امرأتين معادلة لشهادة رجل واحد هي أن الذي اعتاد ممارسة عمل في مجال ما يكون أكثر خبرة فيه من الآخرين. والرجل عموما يمارس من الأعمال ما يتصل بالمعاملات التجارية والشئون العامة والقضائية ويدرك مسئولية الإدلاء بالشهادة. لذلك فهو يحفظ تفاصيل الأحداث بدقة، ويدلي ببيانه بحذر واحتياط. أما النساء فإنهن يعملن في البيت عموما، فيحفظن ما يتعلق بالخصومات العائلية أكثر، ولكن لا يكون لهن دخل عادة بالمعاملات الخارجية الأخرى ولا يعرفن كيف تجري الأمور في المحاكم. لذلك يمكن أن لا تحفظ المرأة بعض الأمور حفظا كاملا، ومن أجل ذلك اعتبر الله شهادة امرأتين مساوية لشهادة رجل واحد.

أما قوله تعالى (ممن ترضون من الشهداء) فقد قال البعض إنه بدلٌ من (رجالكم). وقال البعض إنه صفةُ (فرجل وامرأتان) (روح المعاني). ولكن المفسر أبا حيّان قال إنه متعلق بـ(استشهدوا). وهذا هو الصحيح، لأن شرط الأهلية والرضى يشمل الرجال والنساء، ولا يخص الرجال دون النساء ولا النساء دون الرجال.. أي أن يكونوا جميعا مرضيين عند الفريقين، وفيهم الأهلية للإدلاء بالشهادة حتى يُعتبروا شهود عدل.

وقوله (ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا) هذا أمر تاسع.. أي أن الشهداء إذا دعوا للإدلاء بالشهادة فلا يرفضوا. بل يجب أن يدلوا بها بصدق وبدون خوف من سخط أحد الفريقين.

قوله (ولا تسئموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله). هنا ذكر (أجله) ليشير إلى الأمر السابق المذكور في قوله تعالى (إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه) فلا يعني ذلك ألا تكتبوا القرض الذي لا أجل له، أو أن تكتبوا موعد السداد فقط وتتركوا القرض مبهما، وإنما يعني أن تكتبوا بيانات القرض كاملة، ومدة السداد بصفة خاصة. وبما أن (إلى) بمعنى (مع) أيضا فقد يكون الأمر بأن تكتبوا القرض مع أجله، وكأنه يقول: اكتبوا مبلغ القرض مع مدة السداد وأسماء الشهود لكي لا يكون هناك فرصة للخيانة.

ثم قال (ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة) أي أن هذا الأسلوب أدعى لتوطيد العدل وللمحافظة على الشهادة سليمة صحيحة. وبدون هذا القانون لا يتوطد العدل ولا تبقى الشهادة سليمة.

وفي قوله (وأدنى ألا ترتابوا) بيّن فيه أنه باتباع هذا التعليم ستكونون بمأمن من الوقوع في الوساوس والشبهات فيما يتعلق بصدق وأمانة بعضكم البعض، أي تكونوا في اطمئنان من ناحية المحافظة على أموالكم فلا تضيع.

ثم قال (إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم) وبه استثنى من هذا القانون موضوع التجارة الحاضرة أمام الطرفين، ففي هذا الحال لا إثم ولا حرج إذا لم يكتبوا هذا التعامل، لأن هذا ليس دَيْنا. فلو كانت بضاعة موجودة أمام الأطراف وقال التاجر: بضاعتي في المخزن، ادفع مبلغ كذا وأحضرها لك من المخزن.. فلا حرج عندئذ في أن يعطيه المبلغ دون كتابة تعهد خطّي. ويتعرض التجار كثيرا إلى مثل هذه المواقف والتعاملات كل يوم.

غير أنه يتجلى من قوله (فليس عليكم جناح ألا تكتبوها) أنه في وقت التجارة ليس من الإثم ألا تكتب، ولكن الأفضل أن تكتب في إيصال كما هي العادة في الشركات والتّجّار الإنجليز.. فهم إذا اشترى المرء منهم شيئا أعطوه إيصالا، وبذلك تُحسم كثير من النزاعات والخصومات، ولا يمكن أن يتهم أحد غيره بالنقص أو السرقة وغير ذلك.

فهنا يذكر الله تجارة السلم وتجارة النقد. في تجارة السلم لا بد من تعيين المدة لسداد المبلغ وكتابته أيضا، وكذلك من المفروض أن تكون هناك كتابة إذا أخذت البضاعة ووُعد بتسديد المبلغ فيما بعد. أما إذا تمت الصفقة نقدا.. أي أخذ السلعة ودفع الثمن فليست الكتابة فرضا في هذه الحالة، وإن كانت العبارة تنمُّ عن أن الكتابة أفضل. أما إذا لم تكن هناك كتابة فيجب أن يكون هناك شهود على التبايع كما هو ظاهر من قوله تعالى:  (وأشهدوا إذا تبايعتم) حتى لا يتهمه صاحب البضاعة بالسرقة ولا تحدث فتنة.

ثم قال (ولا يضار كاتب ولا شهيد) وهذا هو الأمر الحادي عشر بصدد المعاملات. يجب ألا يكون استدعاء الكاتب والشهيد إلى المحاكم بدون إمدادهما بالنفقة اللازمة حتى لا يتضررا. وإذا كان الكاتب محترفا فلا يُجبر على الكتابة بدون أجر، بل يُدفع له أجر مناسب، ويجب ألا يُدعى الشاهد على حساب وقت عمله ورزقه.. فيجب عدم تعريض أحد منهما إلى الضرر بأي شكل.

ثم قال (وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم).. أي إذا ضايقتم الكاتب والشهيد فترتكبون مخالفة لأوامرنا وتلقون نير الطاعة عن أعناقكم. وقوله (بكم) يعني فيكم: أي أن هذا الأمر يخلق فيكم عادة الفسق والخروج عن الطاعة.

ثم قال (واتقوا الله ويعلمكم الله، والله بكل شيء عليم). أي هذه أحكام مدنية يتوقف عليها رقي مجتمعكم، فيجب أن تضعوها في الاعتبار دائما، وتدركوا أنكم كلما ازددتم تقوى بوركت أعمالكم، وسوف يعطيكم الله من علمه، فإنه لا يخفى عليه طريق للرقي، ويعلم كل شيء علما تاما.

Share via
تابعونا على الفايس بوك