ردا على (أكبر مسجد في أوروبا ممنوع على المسلمين دخوله)

ردا على (أكبر مسجد في أوروبا ممنوع على المسلمين دخوله)

تميم أبو دقة

كاتب وشاعر

طالعتنا صحيفة الشرق الأوسط في عددها رقم 9079 الصادر بتاريخ 7/10/2003 بتقرير يحمل عنوانًا: “أكبر مسجد في أوروبا ممنوع على المسلمين دخوله”. التقرير يتحدث عن المسجد الذي تم افتتاحه مؤخرًا من قبل الجماعة الإسلامية الأحمدية في بريطانيا بعد سنوات من الجد والعمل المتواصل والتضحيات التي أدت إلى إنشاء هذا الصرح التاريخي الذي يحمل اسم “مسجد بيت الفتوح”.

ولا شك أن مناسبة من هذا النوع يفترض أن تكون مناسبة للفرح والسرور للمؤمنين حيث وفقهم الله تعالى لإقامة هذا المسجد الذي هو الأكبر في غرب أوروبا ولكن للأسف، وكما هو معتاد، كانت هذه المناسبة الإسلامية التاريخية عبارة عن فرصة لشن هجمة جديدة ظالمة على الجماعة الإسلامية الأحمدية التي تعرضت لظلم تاريخي من بني أمتها الإسلامية أكثر من سواهم.

ولعله من اللافت للانتباه أن تتفق تيارات إسلامية مختلفة في توجهاتها على عدائها للجماعة وعلى اتهامها إياها بتهم باطلة لا أساس لها من الصحة.

ومبعث ذلك بتقديرنا هو أمران: إما الدس المغرض من حساد هذه الجماعة التي عملت وتعمل بجهود جبارة بحيث كانت لها اليد الطولى لنصرة الإسلام بينما قصر غيرها؛ وإما أن تكون هذه الافتراءات مجرد نقل عن جهات مشبوهة تعمل لحساب أعداء الأمة الإسلامية وتحاول إبعاد هذه الجماعة عن دائرة الإسلام وتشويه صورتها بكم كبير جدا من الكذب والافتراءات كي يتباعد الناس عنها.

وفي كلا الحالتين يرتكب من قام بذلك جريمة الحسد والكذب إن كان متعمدا لذلك، أو خيانة الأمانة وعدم توخي الدقة في نقل ما لايعلم، ومن ثم الحكم عليه حكمًا ظالما.

أولا وقبل كل شيء لا بد من التأكيد على أن الجماعة الإسلامية الأحمدية هي جماعة مسلمة، تؤمن بالله تعالى ربا وبالإسلام دينا وبمحمد خاتم النبيين رسولا.

ولا دين لها إلا الإسلام، ولا نبي لها إلا محمد ، ولا كتاب لها إلا القرآن الكريم. وهذا ما ذكره مؤسسها بنفسه في بعض كتاباته. وبيوت عبادة هذه الجماعة هي مساجد، ومساجدها مفتوحة ولا يمنع أحد من دخولها. وإن كانت الفرق والجماعات الإسلامية تتباين في أفكارها وبعض معتقداتها فإن الجماعة الإسلامية الأحمدية، بشكل عام، لا تختلف عن المنهج السني الوسطي ولا يوجد في معتقداتها نقاط شاذة؛ بل على العكس تماما، فان معتقدات الجماعة متفرقة في معتقدات علماء الأمة من السلف وخلفهم. وقد دللنا على ذلك في أكثر من مناسبة. إن النقطة الأساسية التي نختلف فيها مع جمهور المسلمين هي شخصية الإمام المهدي، فنحن ندعي أنه قد جاء وهو مؤسس هذه الجماعة عليه الصلاة والسلام، ولدينا من الدلائل على دعوانا الشيء الكثير؛ بينما غيرنا قد لا يتفق معنا ولا زال ينتظر قدوم شخص آخر. وهذا الأمر لا يبرر الهجوم العنيف الظالم المبني على الاتهامات الباطلة. لأن عقيدة المهدي هي عقيدة ثابتة عند غالبية الفرق والمذاهب الإسلامية. وسجل الكذبات والتهم التي يرددها المعارضون، لا شك أنه ساذج ومثير للسخرية لأي عاقل يقرؤه. وكثيرا ما لفتت هذه الكذبات الساذجة نظر من قرأها فيندفع باحثا عن الجماعة الإسلامية الأحمدية ويقبل على الاطلاع على فكرها وينضم إليها بفضل الله تعالى. فمن قولهم أننا نعتقد بأن الله تعالى ينام ويصحو، ويفطر ويصوم؛ إلى قولهم أننا نعتقد أن الله تعالى هو “إنكليزي” !!!!؛ إلى قولهم أننا نصلي باتجاه بلدة قاديان في الهند ونحج إليها، إلى قولهم أننا نبيح شرب الخمور وتعاطي الأفيون والمخدرات؛ إلى أننا نعتقد بعدم كون المصطفى خاتم النبيين؛ إلى القول بأننا نبطل الجهاد وأن لنا دينا غير الإسلام وكتابا غير القرآن؛ كذلك يزعم البعض أننا نضيف إلى القرآن الكريم آيات جديدة، وغير ذلك من الافتراءات التي لا أساس لها من الصحة. وبعضها ما هو إلا تشويه واجتزاء لنصوص وإخراجها من سياقها على طريقة “لا تقربوا الصلاة”، ويحاولون ردها إلى مصادر في كتب الجماعة لم يطلع أحد منهم عليها كما يبدو. وكما نرى وكما رأى القارئ الكريم، فقد تم ترداد هذه التهم من قبل أعداء الجماعة ومخالفيها. فيردد الشيخ سكراني بعضا من هذه التهم. أما الشيخ السباعي فيتابع سوق بعض التهم الأخرى. ويتابع السباعي اجتهاده المريض ويحكم على المسجد بأنه “مسجد ضرار”، بما يحتويه هذا المسمى من تحريض صريح وواضح، لكي يتعامل المسلمون مع المسجد بالطريقة التي تعامل بها المصطفى مع مسجد ضرار بأن هدمه وأحرقه، كأنه يريد أن يقول بأن من يريد اتباع سنة المصطفى عليه أن يقوم بهدم المسجد وحرقه.

والمشكلة أن من يوصفون بالمعتدلين من هذه الشاكلة ما هم إلا من يزرع بذور الفتنة والاضطراب ومن يؤصلون ويسوّغون للمتطرفين أعمالهم التي لا تمت للإسلام بصلة.

أما المتطرف عمر بكري زعيم المهاجرين فيصف تسمية المسجد بالمسجد أنه وصمة عار على الإسلام والمسلمين!! دون أن يوضح كيف يمكن أن يكون بناء مسجد سببا لهذا العار (حاشا لله أن يمس الإسلام والمسلمين).

ونلاحظ ما نلحظه دوما، أن كاتب التقرير، الصحفي “محمد الشافعي”، قد أعطى مساحة كبيرة جدا لأعداء الجماعة كي يتحدثوا عنها، ثم أعطى جزءًا يسيرًا جدًّا للمتحدث باسم الجماعة. وجعل حديث المعارضين في بداية التقرير وحديث الجماعة في آخره. وهذا تشويه متعمد وموقف غير مهني قام به هذا الصحفي الذي انحاز إلى أعداء الجماعة. فالأصل أن يعطي الصحفي مساحة لأصحاب المناسبة كي يتحدثوا عن أنفسهم وأن يعطي لمعارضيهم مساحة معادلة على الأكثر. أما أن يكون مصدر الاستعلام والمعلومات عن الجماعة هو من أفراد أعدائها فهذا مخالف لأعراف الصحافة المهنية النزيهة وبعيد كل البعد عن الموضوعية المطلوبة. كذلك فإن العنوان والمقدمة كانا بخلاف الحقيقة وكانا افتراء من طرف الصحفي كاتب التقرير. فمن قال إن المسلمين ممنوع عليهم دخول مسجد بيت الفتوح. وكيف تكون الجماعة الإسلامية الأحمدية جماعة محظورة بين المسلمين في الغرب؟. محظورة ممن وكيف؟!.

وكما قلنا سابقا، فالجماعة قد تعرضت لهجوم عنيف وتاريخي وما زال هذا الهجوم مستمرا. ومعظم مادة هذا الهجوم هي الكذبات التي يظنون أنها قد تنفر من يسمع أو يقرأ عن هذه الجماعة ويحاول الابتعاد عنها كأنه يهرب من قسورة. وهذا التكتيك الساذج سرعان ما بدأ بالانهيار في عصر الاتصالات الذي نعيشه الآن. فمبادئ الجماعة ومعتقداتها الإسلامية الصرفة متاحة للجميع ويمكن الاطلاع عليها بكل سهولة ويسر لكل من شاء ذلك. وقد انقضى وقت التعتيم الإعلامي الذي حاولت الجهات المعادية فرضه على إنجازات هذه الجماعة وجهادها، وهي التي لا تتوكل إلا على الله تعالى وتعتمد في دخلها على تضحيات أبنائها الذين غالبيتهم من الفقراء الذين يضحون بكل طاقاتهم في سبيل إعلاء كلمة الله. فقد تكتم الإعلام العربي والإسلامي على نشاطات هذه الجماعة لعقود. وهذه الجماعة منتشرة اليوم في معظم دول العالم وقد ترجمت ونشرت معاني القرآن الكريم إلى ما يزيد عن 53 لغة عالمية. كذلك قدمت باقات من أحاديث المصطفى بما يزيد على 120 لغة عالمية. وقد قامت ببناء عدد كبير جدا من المساجد في جميع أصقاع الأرض، وبنت المستشفيات والمدارس في البلاد الفقيرة، وقاومت التبشير النصراني في إفريقيا والهند. وهي التي تقوم ببناء المساجد والمراكز في أوروبا وأمريكا وأستراليا وتقدم الإسلام للمسلمين وغيرهم، وتقدم دراسات مقارنة بين الأديان تظهر بجلاء تفوق الدين الإسلامي على غيره.

هذه الجماعة، التي قامت بجهاد أفرادها وتضحياتهم بأموالهم وأنفسهم وأوقاتهم، قامت بإنجازات عجزت عنها كل الدول الإسلامية مجتمعة بكل ما تملك من أموال ومقدرات.

لربما كان أهم ما يميز هذه الجماعة هي روح الفدائية للإسلام التي تمثلت في رجالاتها على كل المستويات. فمن لم يسمع بالسيد محمد ظفر الله خان أول وزير خارجية باكستان وبطل قضية فلسطين، وهو المسلم المدافع بشدة عن كل قضايا المسلمين. ومن لم يسمع بالبروفسور د. محمد عبدالسلام الذي نال جائزة نوبل في الفيزياء.. العالم الفذ الذي قدم للبشرية نظرية تجاوزت نظرية آينشتاين.

كذلك فإن المسلمين الأحمديين قد تشبثوا بأرضهم في فلسطين ولم يغادروها بأمر من الخليفة الثاني في ذلك الوقت الذي قال لهم بأن يبقوا فيها ولا يخرجوا منها، وقدم النصح للفلسطينيين جميعا بان لا يهاجروا، ولم يكن هناك إذن صاغية لما يقول.

هذه هي الجماعة التي ساهمت مساهمة كبيرة جدا في تأسيس باكستان وفي الدفاع عنها من خلال ضباط وجنود وطيارين مقاتلين قدموا أروع الأمثلة في القتال خلال الحربين بين باكستان والهند. وهي التي كان خليفتها الثاني رئيس لجنة كشمير. وهي التي قدمت المساعدات الكبيرة للمسلمين في البوسنة والهرسك وعملت على إيوائهم وتقديم كل مساعدة ممكنة لهم.

هي الجماعة التي كانت دائما في المقدمة فيما يخص قضايا العرب والمسلمين. ولكن أعداءها الذين كان أسلافهم في أحيان كثيرة في صف المستعمرين وأعداء الأمة بشكل جلي وواضح يحاولون التغطية على هذا التاريخ الذي قد يبدو مجهولا تماما لطبقات وفئات كبيرة من العرب والمسلمين في هذه الأيام بتعمد وسبق إصرار.

لقد تفوقت الجماعة الإسلامية الأحمدية في الماضي والحاضر بفكرها ونظرتها للمستقبل وعملها المنظم على غيرها. وسيحمل المستقبل، إن شاء الله، سجلا جديدا من الانتصارات والإنجازات التي هي للإسلام وللمسلمين كافة. وأبواب الجماعة ومراكزها ومساجدها مفتوحة ومشرعة للجميع وبخاصة للإخوة المسلمين.

فمسجد بيت الفتوح مفتوح لهم وهو بيت الله تعالى وهو ليس ممنوعا على أحد من المسلمين،

وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ .

فهذا الخوف والحظر هو في عقول وقلوب من لا يحب أن يرى هذا المسجد شامخا في أوروبا ويسعى في خرابه وتمنى إزالته. وسيحمل المستقبل القريب إن شاء الله مزيدا من الفتوحات. ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك