قمر في سماء أفرِيقيا
  • رأى شاب رؤيا عن صدق المسيح الموعود عليه السلام.
  • بغية عمر للذهاب إلى ربوة للقاء الخليفة.
  • سهل الله طريقهم إلى بغيتهم بعد صعاب عدة.

__

بعد أن صلَّى صلاة التهجد في تلك الليلة، غالبَ النومُ الشابَّ عمر معاذ كوليبالي، ابن الثمانية عشر ربيعا وهو على سجادة صلاته، فرأى أن السماء متلبدةٌ بالغيوم، وأخذ البرقُ يلمعُ والرعدُ يهدرُ، وبدأت السماءُ تساقطُ حجارة. ثم انقشعت الغيومُ، وصفَتتِ السماءُ، فإذا بالبدر ينبلجُ في السماءِ وإذا على البدر مكتوبٌ:
«لا إله إلا الله أحمدُ من الله رسولٌ إليكم».
كانت هذه الكتابة تتلألأ أكثر من تلألؤ البدر نفسه. ثم بدأ البدرُ يقتربُ من الأرض، وإذا برجلٍ صالحٍ ينادي عمرَ ويقول له: اقتربْ من القمر. فاقترب فإذا بالقمر يتحولُ إلى هيئة مستطيلة، وإذا بالكتابة تتحول إلى:
«جاء الإمامُ المهدي».
فقال له الرجل الصالح أن يمد يده لأخذ هذه الكتابة، فإذا بالكتابة تنتقل بين يديه، لتتحولَ إلى سمكة كبيرة طرية، ثم تتقطع هذه السمكة ويبدأ الماءُ والدمُ يخرج منها بين يديه.
أفاق عمرُ بعد هذا المشهد، ووقع في روعه أنَّ الإمام المهدي لا بد أن يظهر خلال ثلاث سنين في البلاد العربية.

كانت هذه الكتابة تتلألأ أكثر من تلألؤ البدر نفسه. ثم بدأ البدرُ يقتربُ من الأرض، وإذا برجلٍ صالحٍ ينادي عمرَ ويقول له: اقتربْ من القمر. فاقترب فإذا بالقمر يتحولُ إلى هيئة مستطيلة، وإذا بالكتابة تتحول إلى:«جاء الإمامُ المهدى»

كان هذا المشهد قد حدث معه في ساحل العاج في عام 1980، وهو في ضيافة عائلة من بلاده الأصلية مالـي تقطن هناك، وكان قد ترك مالي ليعمل في ساحل العاج بما تيسر له من عملٍ ليجمع النقودَ ليعود إلى بلاده لإكمال دراسته، إذ لم يكن والداه قادريْن على الإنفاق على تعليمه. مكث في ضيافة هذه العائلة شهرين كاملين، وكان قد رأى هذه الرؤيا في ليلة الجمعة من ذي الحجة قبيل عيد الأضحى المبارك، ووقع في نفسه أنه لا بد أن يترك ضيافة هذه العائلة ويبحث عن سبيل آخر. فاستأذن المضيفَ وقال إنه سيسعى للبحث عن مكانٍ آخر، لعله يجد عملا، إذ لم يجد عملا خلال هذه المدة كلها.
انطلق عمرُ في شوارع أبيدجان عاصمة ساحل العاج، فجنَّ عليه الليل، فإذا بأحد المارَّة يقول له أنه من الأفضل له أن يبحث عن مأوى، وإلا فإن اللصوص سيظنون أن الحقيبة التي يحملها تحتوي مالا فيقتلونه لأجله، وأشار بيده نحو جهةٍ وقال إن هنالك مسجدًا للعرب، فاذهب إليه لتبيت هناك.
وبالفعل توجه عمرُ إلى هذا المسجد، وكان الناس قد فرغوا من صلاة العشاء، فدخل فرأى رجلين يبدوان كعربيين له، وبدأ يتكلم معهما بالعربية التي تعلمها في مالي في المدرسة منذ صغره، ولكنه لاحظ أنهما لا يبدوان عربيين تماما، لأن في كلامهما لُكنة وعُجمة. كانا مبشريْن للجماعة الإسلامية الأحمدية من باكستان، وكان المسجد هو أحد مساجد الجماعة.
عندما نظر عمر إلى المصلين، وجد أنهم يربطون أيديهم في الوقوف في الصلاة، فقال في نفسه: هذه هي المصيبة الأولى! لأنه كان مالكيا وكان يرى أنه لا بد من إسبال الأيدي لا ربطها، ولكنه أسرَّ الأمر في نفسه رغم عدم ارتياحه. ثم بعد صلاة الفجر جلس أحد المبشرين ليلقي درسا، فكان الدرس عن وفاة المسيح عيسى بن مريم ، فشعر بأن مصيبةً قد نزلت عليه، وقرر أنه لا بد أن يترك هذا المكان فورا. تحدث معه المبشرون وأخبروه أنهم من الجماعة الإسلامية الأحمدية، وأعطوه بعض الكتب، ولكنه بقي مصرا على أن يغادر المكان، ثم كتب رسالة وأعدَّها ليرسلها إلى ملك السعودية يقول له فيها إن هنالك جماعة تفسد في الإسلام، وعليكم تدارك الأمر بصفتكم العرب وأنتم أحق الناس بالدفاع عن الإسلام!

عندما وصلهم الرد سُرُّوا سرورا كبيرا، وجلبوا الخريطة ليروا كيف يمكنهم أن يصلوا إلى ربوة في باكستان للقاء الخليفة، فوضع عمرُ يده على الخريطة وقاس المسافة فوجدها شبرا، فقال إن بيننا وبين الوصول إلى بغيتنا شبرًا واحدًا!

خرج من المسجد عازما على أن يبحث عن مكان جديد، ولكنه فشل في العثور على مكان إقامة أو عمل، فحلَّ الليل فوجد نفسه مضطرا إلى العودة لأنه لا يجد مكانًا يأوي إليه، وتكرر هذا الأمر إلى عدة أيام. حينها قرر أن ينظر في هذه الكتب التي أعطوه إياها، ففتح كتاب سفينة نوح، فرأى أن المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام يقول أنه كان يعتقد بأن المسيح حي في السماء كما هي عقيدة كثير من المسلمين، ولكن عندما أطلعه الله تعالى على حقيقة وفاته غيَّر عقيدته. فقال في نفسه: سبحان الله! هذا رجل رباني متواضع، فلا يمكن أن يصرح بذلك سوى من كان من كبار رجال الله. وحينها تذكر الرؤيا التي رآها، وعلم أنها كانت تتعلق بحضرته عليه الصلاة والسلام، فانغرس الإيمان في قلبه بقوة، وبايع من فوره، ولكنه قرر أنه لا بد أن يذهب إلى بلدة الإمام المهدي عليه الصلاة والسلام دون إبطاء مهما كلفه الأمر!
عندما فاتح المبشِّرَ في ذلك الأمر أخبره بأن هذه الفكرة تبدو صعبةً للغاية وعليه أن يعدِل عنها، ثم بدأ يعملُ في المسجد في تعليم الصغار مبادئ الإسلام والصلاة، وهناك تعرف إلى اثنين آخرين من زملائه من ساحل العاج في مركز الجماعة، وتشجع الثلاثة مع الوقت على فكرة الذهاب حيث مركز الجماعة والخلافة، وبعد إصرار أرسلوا إلى الخليفة الثالث رحمه الله تعالى أنهم يرغبون في السفر، فأرسلوا هذه الرسالة في بداية شهر رمضان، وجاء الرد من حضرته سريعا في شهر شوال أنه يدعو أن يذلل الله لهم الصعابَ وتتحقق بغيتهم.

فكان هذا التدبير سببا في نقل المعسكر مع هؤلاء السجناء الثلاثة فورا إلى داخل ليبيا، فحملوهم إلى الطائرة معهم، وكان هذا تدبيرا إلهيا لإدخالهم إلى ليبيا، علما أنهم منذ انطلاقهم لم يكن لديهم جوازات سفر، بل كانوا يحملون بطاقات هوية فقط.

عندما وصلهم الرد سُرُّوا سرورا كبيرا، وجلبوا الخريطة ليروا كيف يمكنهم أن يصلوا إلى ربوة في باكستان للقاء الخليفة، فوضع عمرُ يده على الخريطة وقاس المسافة فوجدها شبرا، فقال إن بيننا وبين الوصول إلى بغيتنا شبرًا واحدًا! فقال له المبشر إن هذا الشبر هو عبارة عن آلاف الأميال والعديد من الدول والصعوبات، فقال عمرُ واثقا بمعونة الله تعالى: إنه شبر واحد، ولو كان بيننا وبين الوصول إلى مركز الجماعة سدٌّ من حديد، فإننا سنصطدم بهذا السد ونموت هناك ولن نرجع دون تحقيق بغيتنا! ورغم أن الفكرة قد بدت مجنونة لكل من سمع بها، إلا أن المبشر والأحمديين تركوهم ليبدأوا سفرهم هذا، وأخذ كلُّ من يستطيع أن يقدم لهم المساعدة بجمع مبلغ صغير لهم من المال ليعينهم على السفر.
ودَّعوا الإخوة في مركز الجماعة في أبيدجان وانطلقوا نحو غانا راكبين سيارة أجرة، فوصلوا غانا، والتقوا هنالك بالأمير المرحوم عبد الوهاب آدم، وأخبروه بنيتهم، فقال لهم: يبدو أن الأمر صعب جدًا. ولكنهم كانوا عازمين أمرهم وقرروا ألا يتراجعوا أبدا. ثم ساعدهم الأمير في ركوب سيارة أجرة إلى نيجيريا، وعندما وصلوا مركز الجماعة في لاغوس التقوا هنالك بالأمير فقال لهم أيضا نفس ما قال لهم أمير غانا، ولكن عندما رآهم مصرين ساعدهم في الوصول إلى بلدة «كانو» لينطلقوا منها إلى الكاميرون.
عندما وصلوا الكاميرون تعرضوا للسلب من قِبَل الشرطة الكاميرونية، فأخذوا ما معهم من مالٍ قليلٍ وردوهم عن الحدود، فسلكوا طريقا آخر تهريبا ودخلوا الكاميرون ليتوجهوا إلى تشاد عبر بحيرة تشاد. ركبوا العبَّارة ليدخلوا تشاد، ولكن الشرطة التشادية ردَّتهم لأن البلاد كانت واقعة في حرب أهلية بين حكومة جوكوني عويدي ووزير دفاعه المتمرد حسين حبري، وقالوا لهم إن دخولكم تشاد يعني قتلكم. فعندها قرروا أن يتفرقوا ويدخلوا البلاد بالقوارب الصغيرة، ثم يلتقوا هناك. وبالفعل هذا ما حدث، والتقوا بعد ثلاثة أيام.

فعندما هدأت الحرب طلبوا أن يساعدهم الفلسطينيون في متابعة رحلتهم. وفي ذلك الوقت التقوا مصادفة بالضابط الليبي الذى كان قائد المعسكر الذى سُجنوا فيه في تشاد، فقال إن هؤلاء صادقون ورجال حقا، وبهذه التوصية وبعد أن رأي الفلسطينيون إخلاصهم وتفانيهم في القتال، قرروا أن يساعدوهم في متابعة رحلتهم.

عندما عرفوا أنه لا سبيل للسفر الطبيعي في هذا الوقت من الحرب الدائرة، قرروا أن يتطوعوا مع قوات الحكومة المدعومة من ليبيا ليدخلوا ليبيا بصفتهم جنودا ولكي يتطوعوا بعد ذلك مع المنظمات الفلسطينية التي كانت متواجدة في ليبيا لمقاتلة إسرائيل التي تصب مظالمها على الفلسطينين في لبنان، فذهبوا إلى معسكر لليبيين وأخبروهم برغبتهم، فطلبوا منهم أن يكتبوا رغبتهم هذه وأن يوقعوا عليها، ثم أن يعودوا بعد بضعة أيام ليتمكن المسؤولون من دراستها.
عندما خرجوا من عند الليبيين كانوا مسرورين، وقرروا أن يضحوا بكبش بما لديهم من مال قليل، وبالفعل ذبحوا كبشا ووزعوا لحمه على الفقراء في المنطقة. خرج أحدهم وكان على ثيابه آثار دماء، فغاب ولم يعثروا عليه، وظنوا أنه قد قُتل، ثم ذهب عمرُ وزميله الثاني إلى المعسكر، فعند وصولهم قام الليبيون باعتقالهم ووضعهم في زنزانة ضيقة للغاية. وهناك سمعوا صوت زميلهم الثالث كان يبكي، فعندما سمعوا بكاءه أخذوا يبكون أيضا. كان قد تعرض لتعذيب شديد من الليبيين الذين عثروا عليه وعلى ثيابه آثار الدماء، وضربوه ضربا مبرحا وكسروا أسنانه!
قضوا ليالي وأياما في السجن، وأثناء وجودهم في السجن رأى أحدهم أن الله تعالى يخبرهم بأنهم لن يستطيعوا أن يواصلوا طريقهم حتى يصبحوا كلابا!! فاحتاروا في هذه الرؤيا وما المقصود منها.
كان هذا السجن سجنا للشرطة العسكرية الليبية، وكانوا دائما يجلبون جنودهم الذين جُنَّ جنونهم في تشاد عندما رأوا النساء والخمر متاحيْن لهم، فيحلقون رؤوسهم ويضربونهم ويسجنونهم عقوبة على سوء فعالهم. كانت الغاية من اعتقال الثلاثة هو اختبار حالهم والتأكد من صدق رغبتهم. وقد عاملهم الليبيون في السجن معاملة الكلاب، وكانوا يرمون الخبز أمامهم رميا، ففهموا أن هذا هو المقصود من الرؤيا. وحاول السجانون اختبارهم بعرض الأفيون والخمر عليهم، فلاحظوا أنهم متقون لا يقربون السيئات ويلتزمون بصلواتهم، فبدأوا يثقون بهم بعد مرورهم بهذه التجربة المريرة. كان قائد المعسكر ضابطا ليبيا من ذوي البشرة السوداء، وكان يراقب حالهم عن كثب.
حلَّ عيد الأضحى في تلك الأيام، فأخرج الليبيون جنودهم من السجن بمناسبة العيد ولكنهم تركوا الثلاثة في السجن وحدهم، بل قد نسوا أمرهم تماما، ولم يقذفوا لهم الطعام في ذلك اليوم كالمعتاد، وعندما عادوا من العطلة اعتذروا لهم على نسيانهم لهم ذلك اليوم.
وكما كانت عادة القذافي، فبين عشية وضحاها غضب على جوكوني عويدي وقرر أن يغادر جنوده تشاد فورا بعد عطلة العيد، فكان هذا التدبير سببا في نقل المعسكر مع هؤلاء السجناء الثلاثة فورا إلى داخل ليبيا، فحملوهم إلى الطائرة معهم، وكان هذا تدبيرا إلهيا لإدخالهم إلى ليبيا، علما أنهم منذ انطلاقهم لم يكن لديهم جوازات سفر، بل كانوا يحملون بطاقات هوية فقط.
عندما دخلوا ليبيا وضعوهم في أحد الفنادق وبقوا هنالك أربعين يوما، فقالوا إنهم يريدون مواصلة رحلتهم، فقال المسئول إنه مأمور فقط بأن يبقيهم في الفندق في طرابلس، ولا يعلم ماذا بعد ذلك، وأنهم أحرار في الخروج إن شاءوا. فقالوا له إنهم يريدون أن يذهبوا للتطوع مع الفلسطينيين في لبنان لمقاتلة إسرائيل كما أخبروا ذلك في تشاد من قبل، وأنهم يريدون مقابلة القذافي بنفسه ليساعدهم في الوصول إلى هناك. فقرروا أن يذهبوا حيث القذافي، فذهبوا إلى معسكر كان يُعتقد أن القذافي متواجد فيه، وكان فيه وجود عسكري كثيف للقوات الخاصة والآليات العسكرية، فعندما وصلوا أوقفوهم، ثم التقوا بضابط وأخبروه أنهم يريدون المساعدة في التطوع مع الفلسطينيين، فقرر أن يساعدهم في رغبتهم هذه، وأمر جنوده بمرافقتهم إلى الفندق وأخذوهم إلى معسكر «الروض» في طرابلس استعدادا لنقلهم إلى لبنان.
بعد مرور شهرين وهم في المعسكر، كانوا يلبسون ثياب الجنود، ويأكلون مع الجنود، ولكنهم لم يدربوهم على السلاح، وفي يوم من الأيام أخبرهم قائد المعسكر أنه سيسفرهم إلى نجامينا في تشاد مرة أخرى، لأنه ليس واثقا بهم. وفي تلك الليلة شعروا بالغم الشديد، وأخذوا يصلون لله تعالى ويبكون، لأن رجوعهم إلى هناك مصيبة. وفي الصباح أخذتهم السيارة إلى المطار لتحملهم الطائرة إلى نجامينا، ولكن عند وصولهم علموا أن الرحلات في ذلك اليوم ألغيت بسبب سوء الأحوال الجوية، وأعلمهم الضابط الذي كان معهم في التسفير بأنه كانت هنالك رسالة مرفقة تقترح قتلهم عند وصولهم إلى نجامينا.
عندما عادوا إلى المعسكر دخل عمرُ إلى قائد المعسكر وأخذ يوبخه بكلمات شديدة على نيِّته المبيَّتة، فاستمع القائد إلى هذا التوبيخ بصبر، ثم أمر أحد الجنود بتصويرهم! كان على ما يبدو قد اقتنع بصدقهم، فقرر أن يساعدهم، واستصدر لهم بطاقات هوية، وأعطاهم رسالة إلى الشركة الأهلية لمواد البناء ليعملوا هناك.

أخذ عمر أثناء دراسته يرسل أشرطةً صوتية يشرح فيها عن الجماعة لأهله ولمعارفه في مالي، وبهذا نشأت الجماعة في مالي وبدأ الناس في الدخول إلى أن وصلت الجماعة إلى ما وصلت إليه اليوم بفضل الله، إذ يتواجد ما يقارب المليون من الأحمديين الذين ينتشرون في عرض البلاد وطولها، والذين يترشح الإخلاص من وجوههم بفضل الله تعالى، وما تزال المسيرة تسير بخطى سريعة واثقة.

فرحوا بأن خطة تسفيرهم قد ألغيت، وقرروا أن يعملوا لبعض الوقت لجمع المال الكافي لمتابعة رحلتهم. وأثناء وجودهم في ليبيا استصدر عمرُ جواز سفر من سفارة مالي في طرابلس، كما استصدر الآخران جوازي سفر من سفارة ساحل العاج.
بعد أن عملوا لأربعة أشهر حدث الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، وكانت الأخبار عن القتل الوحشي للإسرائيلين للناس تملأ وسائل الإعلام، فقرروا أن يعودوا مرة أخرى إلى فكرة التطوع مع الفلسطينيين بسبب هذا العدوان الإسرائيلي. كانت ليبيا قد قررت أن ترسل من أراد من المتطوعين فورا إلى سوريا فلبنان، فعندما أخبر الثلاثة برغبتهم في التطوع استقبلوهم فورا وأخذوا بتدريبهم على السلاح في نفس اليوم، ثم في تلك الليلة في الساعة الثانية ليلا نقلوهم بالطائرة إلى دمشق لينقلوا بعد ذلك إلى معسكر تدريب فلسطيني في إحدى القرى المجاورة لدمشق. وهنالك جرى تدريبهم تدريبا قاسيا لشهرين، ولكن أبدى الثلاثة عزيمة في التدريب بحيث قال قائد المعسكر إنه لو كان لديه أربعون من أمثالهم لاستطاع أن يحقق الكثير.
نُقل الثلاثة بعد ذلك إلى البقاع في لبنان، وشاركوا في الدوريات والقتال ضد إسرائيل، ولكنَّ الحربَ كانت قد أوشكت على نهايتها، وأسفرت عن خروج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان. فعندما هدأت الحرب طلبوا أن يساعدهم الفلسطينيون في متابعة رحلتهم. وفي ذلك الوقت التقوا مصادفة بالضابط الليبي الذي كان قائد المعسكر الذي سُجنوا فيه في تشاد، فقال إن هؤلاء صادقون ورجال حقا، وبهذه التوصية وبعد أن رأى الفلسطينيون إخلاصهم وتفانيهم في القتال، قرروا أن يساعدوهم في متابعة رحلتهم. ذهبوا بهم إلى السفير الباكستاني في دمشق، ولكن السفير رفض إعطاءهم التأشيرات. فأصرَّ الثلاثة على أنهم يريدون أن يستقلوا الطائرة إلى باكستان مهما كلَّف الأمر، فبالفعل قام الفلسطينيون بحجز تذاكر لهم، وأعطوا كل واحد منهم 400 دولار أمريكي لإعانتهم على السفر.
في يوم السفر تأخر الفلسطينيون الذين يرافقونهم في الوصول إلى المطار، وعند الوصول كانت الطائرة على وشك الإقلاع، ولكن بعد أن تدخلوا لدى المسئولين قرروا أن يصعدوهم إلى الطائرة فورا، وفعلا جرى إصعادهم دون أن يتحقق موظفو الخطوط الباكستانية من تأشيراتهم.
عند وصولهم إلى كراتشي في باكستان فوجئ مسئول الهجرة بهم، وكيف أنهم قد جاءوا بلا تأشيرة، فقالوا له إنهم جاءوا من أجل الدين والأخوة الإسلامية، فرَقَّ قلبُه لهم، وقرر أن يدخلهم البلاد.
عندما خرجوا من المطار توجهوا إلى محطة القطار، كانوا يسألون الناس عن كيفية التوجه إلى «ربوة» فعندما سمعهم أحد المشايخ الذي كان هناك أخذ يذهب إلى شبابيك التذاكر ويخبر الموظفين بشيء ما لكي يعيقوا وصولهم، فكلما كانوا يصلون شباكًا كان الموظفون إما يطلبون منهم مبالغ طائلة أو يقولون لهم إنه لا يوجد أمكنة، فكانوا يلاحظون هذا الشيخ وأفعاله ويستغربون. عند ذلك لاحظ أحد الشباب هذا الشيخ وما كان يفعله، وذهب إليه ووبخه بشدة وقرر أن يساعد الثلاثة، فقام بحجز تذاكر لهم وإصعادهم إلى القطار، رغم أنه كان من الصعب على المسافرين العاديين الحصول على التذاكر بسبب كثافة المسافرين.
عندما ركبوا القطار أخذوا يسألون المسافرين متى سنصل إلى محطة ربوة، فكان بجانبهم أحد المسافرين وقال لهم إنه هو مدير محطة ربوة ولكنه ليس أحمديا، ولكن سيساعدهم في الوصول إلى الجماعة. وعند الوصول إلى ربوة قام هذا الشخص بإرسالهم عن طريق عربة حصان إلى الجامعة الأحمدية. عند وصولهم سمع الثلاثة طالبينِ يتحدثان بينهما ويقولان أثناء حديثهما «خليفة المسيح الرابع»، ففهموا أن الخليفة الثالث كان قد توفي، وأن الله تعالى قد أخفى عنهم هذا الأمر كي لا يَفُتَّ ذلك في عضدهم وكي لا تخور عزائمهم، ولكن عمر كان قد تذكر أن الله تعالى كان قد أخبره بصورة ما بالأمر أيضا، إذ رأى في الليلة التي توفي فيها حضرته أنه مستلق على سرير وعمر عند قدميه يدلكه، فقال له عمر إننا نواجه صعوبات كثيرة في الطريق، فقال له: لا بأس، عليكم أن تكثروا من قراءة سورة الإخلاص والمعوذتين وإن شاء الله تتمكنون من الوصول. كانت رسالة الخليفة التي أرسلها إليهم زادهم الحقيقي في طريقهم، فكانوا يحملونها معهم ويقرأونها ويتبركون بها كلما واجهتهم الصعوبات والعقبات.
وفي ربوة هناك التقوا بالخليفة الرابع رحمه الله، ورأوه مملتئا بالعزيمة والشباب، فأحبوه وأحبهم، وبدأوا الدراسة في الجامعة الأحمدية. أخذ عمر أثناء دراسته يرسل أشرطةً صوتية يشرح فيها عن الجماعة لأهله ولمعارفه في مالي، وبهذا نشأت الجماعة في مالي وبدأ الناس في الدخول إلى أن وصلت الجماعة إلى ما وصلت إليه اليوم بفضل الله، إذ يتواجد ما يقارب المليون من الأحمديين الذين ينتشرون في عرض البلاد وطولها، والذين يترشح الإخلاص من وجوههم بفضل الله تعالى، وما تزال المسيرة تسير بخطى سريعة واثقة.
كانت هذه قصة عمر، بل قصة مالي، فسبحان الله المقدِّر الهادي النصير.

Share via
تابعونا على الفايس بوك