منكم التي تمناها اليهود
  • تمني السابقين وجهدهم بقاء النعمة فيهم.
  • منة الله على المسلمين بهذه النعمة.
  • جحود أكثر المسلمين في قبول النعمة.

__

استمات اليهود لتأويل النبأ عن بعثة النبي الموعود مثيل موسى، أو بالأحرى تحريفه، ليكون ذلك المبعوث “منهم” لا من “وسط إخوتهم” كما جاء في نص التثنية:“أُقِيمُ لَهُمْ نَبِيًّا مِنْ وَسَطِ إِخْوَتِهِمْ مِثْلَكَ” (اَلتَّثْنِيَة 18 : 18)

وتمنوا أن يصرِّح الوحي ويقول إنه سيكون “منكم”، لأنهم أدركوا أن بعثته من وسط إخوتهم، وليس منهم، هي عقوبة إلهية وإعلان من الله تعالى أن النعم والبركات التي حظوا بها لمئات السنين ستتركهم بسبب عصيانهم وجحودهم. وقد زاد المسيح الأمر إيضاحا لليهود بقوله:

“لِذلِكَ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَلَكُوتَ اللهِ يُنْزَعُ مِنْكُمْ وَيُعْطَى لأُمَّةٍ تَعْمَلُ أَثْمَارَهُ.” (إِنْجِيلُ مَتَّى 21 : 43)

فعوضا عن أن يسمعوا منه بشارة تقول لهم إن الموعود سيكون منكم، سمعوا منه أن ملكوت الله سينـزع منكم! وكأنه اختار في رده أسلوبا يبدد به أمنيتهم، ويبين لهم أن جهودهم لتحريف هذا النبأ ستكون عبثا.

ومن منّة النبي على هذه الأمة المرحومة أن الأحاديث كلها التي تذكر بعثة ذلك الموعود لا تخلو من “منكم” أو “فيكم”، زيادة للإيضاح وتأكيدا على النبأ القرآني.ورغم هذا الوضوح التام، نرى أن معارضي المسيح الموعود ما زالوا يصرون على أن النازل سيكون عيسى بن مريم نفسه! فيالَ شقاوتهم!

ومع ذلك لم يألُ اليهود جهدا ولم ييأسوا من محاولة تحريف هذا النبأ أو السعي لكي ينطبق عليهم. فقطنوا المدينة لعلمهم أن الموعود سيظهر في ذلك المكان، وعارضوا النبي أشد المعارضة لأن بعثته كانت التحقق العملي لنـزع ملكوت الله منهم الذي أُنذروا به من قبل، واستمروا حتى يومنا هذا على إصرارهم بأن النبأ يعنيهم.

أما المسلمون، فقد منّ الله عليهم بأن بشَّرهم بأن المبعوث الذي سيبعث في آخر الزمان سيكون منهم، وأن ملكوت الله لن ينـزع منهم ولن يغادرهم، وأن النعم والبركات ستتجدد فيهم إلى قيام الساعة، وأنه سيبعث فيهم موعودا سيكون منهم في آخر الزمان، فقال تعالى:

هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (الجمعة 3-4)

فكما كانت بعثة النبي منهم في الأولين، كذلك ستكون البعثة الثانية منهم أيضا في الآخرين!

وأكد القرآن الكريم أيضا أن ذلك المبعوث سيكون شاهدا من النبي ؛ أي من أمته، ولن يكون من خارجها:

أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (هود 18)

كذلك فقد أنبأ القرآن الكريم أن وعد الاستخلاف عموما في الأمة سيكون منها وفيها، حيث قال تعالى مكررا “منكم”:

وَعَدَ الله الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (النور 56)

فأكد تعالى في هذه الآية أن الاستخلاف دوما سيكون منكم وفيكم لا من غيركم. ومن أهم ما يتعلق به وعد الاستخلاف هو بعثة ذلك الخليفة الذي سيكون مثيل عيسى في أمة محمد .

وزاد النبي الأمر إيضاحا في حديثه، حيث سمى ذلك المبعوث المسيح ابن مريم إشارة إلى أنه سيكون له كما كان المسيح لموسى، وأكّد أنه سيكون “منكم” أيها المسلمون، حيث جاء في الحديث:

“كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا نَزَلَ ابْنُ مَرْيَمَ فِيكُمْ وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ ” (صحيح البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء)

أي سينزل هذا المسيح مثيل ابن مريم فيكم؛ وليس في غيركم، وسيكون إمامكم، وسيكون منكم! وبهذا أكد الحديث أنه سيكون منكم وفيكم.

وفي صحيح مسلم جاء الحديث أكثر وضوحا ليؤكد أن ذلك المبعوث سيكون إمامكم وسيكون منكم: “كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا نَزَلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ فَأَمَّكُمْ مِنْكُمْ. “ (صحيح مسلم، كتاب الإيمان)

ومن منّة النبي على هذه الأمة المرحومة أن الأحاديث كلها التي تذكر بعثة ذلك الموعود لا تخلو من “منكم” أو “فيكم”، زيادة للإيضاح وتأكيدا على النبأ القرآني.

ورغم هذا الوضوح التام، نرى أن معارضي المسيح الموعود ما زالوا يصرون على أن النازل سيكون عيسى بن مريم نفسه! فيالَ شقاوتهم!

إن هذا الإصرار إنما يدل على أن هؤلاء ليس لديهم أدنى غيرة على هذه الأمة، وكأنهم بأنفسهم يريدون سلب هذه الأمة النعمة التي أنعم الله بها عليها. إنهم محرومون من رحمة الله تعالى بسبب عصيانهم وفجورهم، ويريدون أن يحرموا الأمة من هذه النعمة بشقاوتهم وعنادهم. ليتهم شابهوا اليهود في غيرتهم؛ أولئك الذين رأوا أن في بعثة النبي من غيرهم خسارة لهم، وأصروا على رفضها عنادا. فهؤلاء لم يشابهوا اليهود في غيرتهم بل شابهوهم في الشقاوة والعناد والكفر بذلك المبعوث، ولكنهم خالفوهم عجبا بإصرارهم على أنه يجب ألا يكون منهم!

لو حظي اليهود بهذا الكمّ من البشارات التي تبشر ببعثة المبعوث فيهم لقدروها أشد التقدير ولفرحوا بها، ولكَمْ تمنوا أن تتضمن الأنباء “منكم” أو “فيكم” التي يزخر بها القرآن والحديث، ولكن الله لم يحقق لهم أمانيهم الباطلة تلك.

فهؤلاء لم يشابهوا اليهود في غيرتهم بل شابهوهم في الشقاوة والعناد والكفر بذلك المبعوث، ولكنهم خالفوهم عجبا بإصرارهم على أنه يجب ألا يكون منهم!

إن هؤلاء الحرفيّيـن من المسلمين الذين نسوا “منكم” و “فيكم” وأصروا على أن المسيح هو عيسى بن مريم نفسه – رغم أن القرآن الكريم لم يصفه بالمسيح ابن مريم، بل صرَّح بوفاة عيسى بن مريم وعدم عودته إلى الدنيا مجددا، ورغم أن تسميته بالمسيح بن مريم في الأحاديث لم تهدف إلا لتوضيح أنه سيكون مثيل المسيح في هذه الأمة ليس إلا- إن هؤلاء لم يصروا على هذا الفهم بسبب اجتهاد خاطئ أو بسبب أن هنالك التباسا، بل هم يصرون عليه بسبب أن ذلك الموعود قد بُعث فعلا من هذه الأمة مصداقا للأنباء، فاحترقت قلوبهم حسدا وحقدا وكمدا، وقاموا لمعارضته معاندين غير مبالين بالأمة ولا بمقام النبي خاتم النبيين الذي لا يمكن أن يبعث بعده من خارج أمته نبي قديما كان أم حديثا. فأي بلاء ابتليت به هذه الأمة! نسأل الله تعالى أن يفتح القلوب والعيون لمعرفة إمام هذا الزمان، وأن يُدخل الأمة في رحمته ويحررهم من هؤلاء الظالمين، آمين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك