المهدي الذي فيه يختصمون

المهدي الذي فيه يختصمون

هاني الزهيري

  • الفُرقة في الإسلام
  • فلسفة إحياء الإسلام
  • معنى كلمة (آل محمد)
  • معنى حديث “يدفن معي في قبري”
  • توضيح لحديث “المهدي منا أهل البيت”
  • إطلاق اسم الشيء على شبيهه
  • علماء أمة محمد على درجة الأنبياء السابقين
  • من هو الشاهد الآتي؟

_

بعث الله محمداً ليقيم التوحيد في الأرض، ويخلص الناس من عبادة العباد ويصرفهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وأنزل عليه الشريعة الخاتمة، ومع كل الجهد الذي بذله رسول الله أخبره الله أن أمتك لن تبقى متماسكة على قلب رجل واحد بل ستفترق إلى بضع وسبعين فرقة. ولكن في الوقت نفسه بشره بأنه سيأتي من بعده شاهد منه يعيد الأمة إلى وحدتها ورونقها.

السؤال هنا : هل التفرق والتشرذم الذي تنبأ عنه رسول الله كان افتراقا سياسيا؟ بمعنى أن كل شعب من شعوب الأمة ستصبح له دولته الخاصة؟

الجواب : لا …لم يكن المقصود هو التفرق السياسي للأمة. فالمسلمون على عهد النبي لم يكونوا يعيشون في دولة واحدة، فكان هناك مسلمو المدينة، وكان هناك مسلمو اليمن تحت الحكم الفارسي، وكان هناك مسلمو الحبشة تحت الحكم النصراني، وكان هناك مسلمو مكة تحت الحكم الوثني. ولكن كانوا جميعا يتبعون إماماً روحانياً واحداً وهو رسول الله . ولم يدعهم النبي إلى الانضمام تحت كيان سياسي واحد.

وبالتالي فإن التفرق والانقسام المقصود في أحاديث النبي هو التفرق والانقسام الديني، أي أن الأمة الإسلامية لن تبقى موحدة بل ستنقسم إلى فرق وطوائف.

وبالتالي فإن ذلك الذي سيظهر في آخر الزمان ستكون مهمته توحيد الأمة دينياً وليس سياسياً، أي ليست له مهمة سياسية لإقامة دولة أو مملكة، ولن يكون حكماً دنيوياً بل حكماً دينياً.

فلسفة إحياء الإسلام

أنقل من كتاب (فلسفة إحياء الإسلام) لحضرة الخليفة الرابع رحمه الله تعالى: “ليس من سبيل إلى إحياء الديانات إلا بتدخل إلهي، فالله العلي القدير يبعث المجدد لينقذ الناس من تهافتهم على المادة ويعيدهم إلى خالقهم، وشأن هذا المجدد دائما حض الناس على بذل تضحيات عظمى في سبيل الله. فهو يدعو الناس إلى الجهد والعرق، إلى الصبر والتحمل، ويلقنهم أن من أراد الحياة فليكن على استعداد لنضال طويل مضن، شاقا طريقه وسط معارضة عمياء واضطهاد قاس على أيدي أولئك الذين يسعى المبعوث ومن معه لهدايتهم بكل محبة. وكما قلت، هذه هى الفلسفة الوحيدة الخالدة لإحياء الإسلام، وكل فلسفة مخالفة لها ليست سوى ضرب من الوهم” ثم يقول حضرته ” فكيف يتحقق بعث الإسلام؟ وكيف يمكن أن ينال حياة جديدة ويدب حماس جديد في هذا الدين الذي راح أهله في سبات عميق؟

عند الإجابة على هذه الأسئلة تتفق كلمة المسلمين عامة بما فيهم الجماعة الإسلامية الأحمدية على أن هذا الأمر يتحقق بمجيء المسيح عيسى بن مريم وبظهور الإمام المهدي المنتظر، أي بواسطة المصلح الذي يصطفيه الله تعالى لهذه المهمة وتوجهه الهدايةُ السماوية. وعند تفسير هذا الاتفاق الظاهري ينشأ عنه في الواقع رأيان متعارضان تماما. فالجماعة الإسلامية الأحمدية تنظر إلى النبوءات المتعلقة بمجيء المسيح على أنها جاءت بأسلوب المجاز، وأنه لا سبيل لإدراك معناها الحقيقي إذا أُخذت بمعناها الحرفي وعلى النقيض تماما من هذا، تُصر الفرق الإسلامية الأخرى على تحقق تلك النبوءات على ظاهرها الحرفي. وهذا هو الفرق الأساسي الذي يميز الجماعة الإسلامية الأحمدية عمن سواها من الفرق الإسلامية.”1

هذا الفرق الرئيس والأساسي بين الجماعة الأحمدية وغيرها. أما الفروق الأخرى فجاءت نتيجة مترتبة على هذا الاختلاف الرئيس. فغيرنا من الفرق يرى أنه في آخر الزمان سيظهر كائن جبار يسمى الدجال وسينزل عيسى بن مريم الذي كان رسولا إلى بني إسرائيل من السماء لقتل هذا الكائن الضخم، وسيظهر في تلك الفترة ملك أو خليفة عادل يتلقب بالمهدي ليقيم المملكة الإسلامية، وبمساعدة عيسى بن مريم ستغزو المملكة الإسلامية كل العالم، وتخير الناس بين الإسلام أو القتل حيث أن الجزية ستُلغى ويحل محلها الإسلام أو القتل.

ويعتمدون في هذا التفريق بين شخصية المهدي وشخصية المسيح على الأحاديث النبوية التي تذكر المهدي بأنه من آل محمد واسمه اسم النبي . أما المسيح فمعروف أنه من بني إسرائيل وقد رُفع إلى السماء في وجهة نظرهم وسينزل منها. ونحن لا ننكر هذه الأحاديث ولكن لا نأخذها على ظاهرها، وإنما نفهمها ونعقلها ونعتمد في فهمنا على القرآن الكريم وأحاديث النبي . وهنا لابد من توضيح بعض الأمور الهامة التي تساعدنا في فهم وجهة نظر الجماعة الإسلامية الأحمدية .

معنى (آل محمد)

لابد أولا من فهم معنى (آل محمد) حتى يتسنى لنا فهم جملة أن المهدي من آل محمد.

يقول الإمام محي الدين بن عربي في الفتوحات المكية:

“و( الآلُ) يُعَظّمُ الأشخاص. فَعُظْمُ الشخص في (السراب) يسمى (الآل). فـ (آل محمد) هم العظماء بمحمد. ومحمد مثل السراب يُعَظِّمُ من يكون فيه، وأنت تحسبه محمد العظيم الشأن، كما تحسب السراب ماءاً وهو ماء في رأى العين.”2

ومعنى هذا الكلام أن كلمة (آل) في اللغة العربية تعنى السراب. ومعنى آل محمد هو الشخص الذي إذا رأيته حسبته محمداً من شدة ما بينهما من تشابه في الخُلُق ولكن ليس هو محمد على الحقيقة. كما أنك ترى السراب في الطريق أو في الصحراء تحسبه ماء وهو ليس بماء على الحقيقة. وهذا هو معنى قول النبي “خُلقه خُلقي” وقوله “اسمه اسمي” فالاسم يأتي بمعنى الصفة كما نقل الله تعالى عن عيسى :

وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ (الصف 7)

فالرسول الذي جاء بعد المسيح اسمه محمد فدلَّ ذلك على أن كلمة “اسمه” في الآية لا تعني الاسم الذي سيُعرف به بين الناس وإنما معناه صفته، أنه كثير الحمد.

والخلاصة من ذلك أن الإمام المهدي سيكون انعكاسا كاملا لمظهر النبي وجزء لا يتجزأ منه فإذا رأيته فكأنما رأيت النبي بخُلُقه وصفاته. وما أروع ما قال حضرته في هذا الصدد: “من فرَّق بيني وبين المصطفى فما عرفني وما رأى.”

يُدفن معي في قبري

من المعروف أن الشريعة الإسلامية لا تجيز دفن اثنين في قبر واحد إلا في حالات الضرورة القصوى، فكيف يتنبأ النبي بما يخالف شريعته؟

من هنا نفهم أن كلمة “قبري” هنا لا تعني تلك الحفرة التي يوضع فيها جثمان الميت، بل قد يكون المقصود بها الحالة القبرية أي البرزخ. فعندما نقول عذاب القبر ونعيم القبر لا نعني أن النعيم أو العذاب يقعان في تلك الحفرة التي يوضع فيها جثمان الميت، وإنما النعيم أو العذاب يقعان في البرزخ.

فالمهدي المعهود والمسيح الموعود بعد وفاته ينتقل إلى صحبة النبي ، وهذه منقبة لم تُذكر لرجل من المسلمين غيره، مما يدل على عظمة مكانته عند الله .

المهدي منا أهل البيت

نأتي الآن إلى معنى قول النبي أن المهدي من أهل البيت. وهنا أنقل كلام الشيخ محي الدين بن عربي في الفتوحات المكية المجلد الحادي عشر حيث يقول:

“ولما كان رسول الله عبداً محضاً قد طهره الله وأهل بيته تطهيرا، واذهب عنهم الرجس وهو كل ما يشينهم فإن الرجس هو القذر عند العرب هكذا حكى الفراء. قال تعالى:

إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (الأحزاب: 34)

فلا يضاف إليهم إلا مُطهر ولا بد. فإن المضاف إليهم هو الذي يشبههم. فما يُضيفون لأنفسهم إلا من له حكم الطهارة والتقديس. فهذه شهادة من النبي لسلمان الفارسي بالطهارة والحفظ الإلهي والعصمة حيث قال رسول الله فيه (سلمان منا أهل البيت) “ثم يقول الشيخ” فدخل الشرفاء أولاد فاطمة كلهم ومن هو من (أهل البيت) مثل سلمان الفارسي إلى يوم القيامة في حكم هذه الآية.”3

وهذا هو معنى وصف النبي للمهدي أنه من أهل البيـت أي أنه مُطـهر ومقدس وداخل في نطـاق هذه الآية مـثل سـلمان الفـارسي.

إطلاق اسم الشيء على شبيهه

هذه نقطة مهمة، هل يمكن أن نطلق اسم شيء ما على شيء آخر لوجود تشابه بينهما؟

الجواب نعم، وقد استخدم القرآن الكريم هذه الطريقة في قوله تعالى:

فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ * إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ*وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ *وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ *فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ 4

يقول الله هنا بعد أن ذكر قصة موسى مع فرعون، أنه قد أخرج فرعون وقومه من جنات وعيون وكنوز ومقام كريم وذلك بإغراقهم في اليم وأن الذي ورث هذه الحياة الكريمة والمُلك العظيم هم بنو إسرائيل، ومن المعروف أن قصة فرعون مع موسى قد حدثت في مصر. فهل ورث بنو إسرائيل مُلك مصر؟ لا، ولكنهم ورثوا مُلك فلسطين. إذاً كيف يقول الله تعالى:

كذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (الشعراء: 60)

الجواب هنا هو المشابهة، أي أن الله قد أعطى لهم مُلك فلسطين الذي يشبهه مُلك مصر فكأنهم قد ورثوا مُلك مصر.

إذاً عندما نقول أن معنى مجيء المسيح عيسى بن مريم يعنى مجيء شخص من الأمة الإسلامية يشبهه في الفضل فقولنا ليس ببدعة وقد استخدمها القرآن الكريم نفسه. كذلك أطلق النبي على أبي جهل لقب فرعون كما ورد في كتاب البداية والنهاية عندما رآه النبي مقتولا فقال الحمد لله الذي قد أخزاك الله يا عدو الله هذا فرعون هذه الأمة.

مع أن أبا جهل لم يكن مصريا ولا فرعونيا، ولكن لأنه قام بأعمال عدائية ضد النبي محمد مثل التي قام بها فرعون ضد موسى فاستحق أن يُطلق عليه اسم فرعون.

علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل

وفى قول النبي “العلماء ورثة الأنبياء” وقوله “علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل” دلالة على أنه يمكن لعالم ربانيّ من الأمة الإسلامية أن يصل إلى درجة نبي من الأنبياء السابقين ويدعى في السماء باسمه. وقد ذكر الشيخ محي الدين بن عربي في كتابه الفتوحات المكية كلاما لطيفا عن وراثة العلماء للأنبياء حيث يقول في المجلد الرابع:

“فالوارث الكامل من الأولياء منا، من انقطع إلى الله بشريعة رسول الله إلى أن فتح الله له في قلبه في فهم ما أنزل الله على نبيه ورسوله محمد بتجلٍّ إلهي في باطنه. فرزقه الله الفهم في كتابه وجعله من المُحدثين في هذه الأمة. فقام له هذا مقام المَلَك الذي جاء إلى رسول الله . ثم رده الله إلى الخلق يرشدهم إلى صلاح قلوبهم مع الله، ويفرق لهم بين الخواطر المحمودة والمذمومة. ويبين لهم مقاصد الشرع وما ثبت من الأحكام عن رسول الله وما لم يثبت، بإعلام الله (آتاه رحمة من عنده، وعلمه من لدنه علما) فيُرقى هممهم إلى طلب الأنفَس بالمقام الأقدس، ويرغبهم فيما عند الله، كما فعل رسول الله في تبليغ رسالته. غير أن الوارث لا يحدث شريعة ولا ينسخ حكماً مقرراً. لكن يُبين. فإنه على بينة من ربه وبصيرة من علمه، ويتلوه شاهد منه بصدق اتباعه. وهو الذي أشركه الله تعالى مع رسوله في الصفة التي يدعو إلى الله فأخبر تعالى وقال: أَدْعُو إِلَى الله عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وهم الورثة. فهم يدعون إلى الله على بصيرة. وكذلك شركهم مع الأنبياء عليهم السلام في المحنة وما ابتلوا به فقال:

“إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ الله وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنْ النَّاسِ” وهم الورثة فشرك بينهم في البلاء، كما شرك بينهم في الدعوة إلى الله”.5

يقول في المجلد الرابع:

“ومن الرجال الواصلين، من ليس لهم معرفة بهذا المقام، ولا بالأسماء الإلهية. ولكن لهم وصول إلى حقائق الأنبياء ولطائفهم. فإذا وصلوا، فُتح لهم باب لطائف الأنبياء، على قدر ما كانوا عليه من الأعمال في وقت الفتح. فمنهم من تتجلى له حقيقة موسى فيكون موسوي المشهد. ومنهم من تتجلى له لطيفة عيسى .وهكذا سائر الرسل. فيُنسب (الواصل) إلى ذلك النبي بالوراثة، ولكن من حيث شريعة محمد المقررة من شرع ذلك النبي، الذي تتجلى له”.6

ثم يقول في المجلد الحادي عشر ” فمن كرامة رسول الله محمد أن جعل من أمته وأتباعه رسلاً وإن لم يرسلوا . فهم من أهل المقام الذي منه يرسلون وقد كانوا أرسلوا. فاعلم ذلك! ولهذا صلى رسول الله ليلة إسرائه بالأنبياء عليهم السلام في السماوات لتصح له الإمامة على الجميع”.7

نفهم من هذا أن في هذه الأمة مَن وصلوا إلى درجة النبوة وهذه كرامة للنبي ولهذه الأمة. كذلك نفهم من كلامه عن الوراثة أنه يمكن لشخص من الأمة الإسلامية أن يصل إلى مقام نبي من الأنبياء السابقين فيظهر بمظهر ذلك النبي. وهذا ما قصده النبي عندما وصف المهدي بأنه عيسى بن مريم . وقد ذكر الشيخ محيي الدين أيضا في كتابه الفتوحات المكية كلاماً بهذا المعنى إذ يقول في قصيدة له8:

كل من أحيا حقيقته

وشفى من علة الحجب

فهو عيسى لا يناط به

عندنا، شيء من الريب

فلقد أعطت سجيته

رتبة تسمو على الرتب

بنعوت القدس تعرفه

في صريح الوحي والكتب

لم ينلها غير وارثه

صفة في سالف الحقب

فسرت في الكون همته

في أعاجيم وفي عرب

فبها تحيا نفوسهم

وبها إزالة النوب

 توضح هذه القصيدة أن الإنسان إذا سمي في روحانيته وإيمانه ووصل إلى درجة عيسى بن مريم يصبح هو نفسه  عيسى بن مريم . وهذا ما نقوله نحن عندما نذكر أن المسيح الآتي في آخر الزمان هو مثيل للمسيح الإسرائيلي عیسی بن مریم فكيف يصبح كلامنا بدعًا من القول أو لم يقل به أحد من علماء الأمة؟

من الشاهد الآتي

“أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَامًا وَرَحْمَةً”9

والذي على بينة من ربه هو محمد صلى الله عليه وسلم “ويتلوه ” أي يأتي بعده كقوله تعالى “والشمس وضحاها والقمر إذا تلاها” أي جاء بعدها. و”شاهد” أي يشهد بصدقه و” منه” أي من أمته، و”من قبله کتاب موسى” أيضا يشهد بصدقه .

فكان موسى عليه السلام بما تلقاه من نبوءات عن ظهور النبي الخاتم يظهر صدق محمد ﷺ، وفي آخر الزمان سوف يظهر من يشهد بصدق محمد ﷺ على أهل آخر الزمان، فيكون صدق محمد من أول الزمان إلى آخره.

فهذه الآية الكريمة تتنبأ بظهور شخص واحد فقط شاهد وتابع للنبي ﷺ وهذا الشخص وصفه النبي ﷺ بعدة أوصاف منها: خليفة الله، المهدي، المسيح، قائم آل محمد، الحكم، العدل، رجل من أهل فارس.

و بالتالي فإن وصف المهدي والمسيح هما صفتان من عدة أوصاف ذكرها النبي ﷺ في حق ذلك الشاهد الآتي من بعده.

ولا يمكن أن يكون التي ﷺ يتحدث عن عدة أشخاص يخرجون من بعده ، بل كل هذه الصفات هي صفات لشخص واحد فقط.

لذلك عندما ذكر النبي ﷺ نزول المسيح في آخر الزمان ، لم يكن يقصد عیسی بن مریم رسول بني إسرائيل الذي كان على قيد الحياة منذ ألفي عام ، وإنما كان ذلك من إحدى صفات الشاهد الآتي في آخر الزمان.

إذا هذا هو المعنى الحقيقي لترول المسیح و خروج المهدي، فهو رجل يجمع في ذاته اسم النبي ﷺ أي صفته ومن أهل بيته، وفي نفس الوقت قد حاز مقام عیسی بن مريم عليه السلام وورث روحانيته وصفته أيضا. فهو ذلك الشاهد الذي أخبر به القرآن الكريم “وَيَتْلُوْهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ”.

والشخص الوحيد الذي أعلن أنه هو الإمام المهدي وهو المسيح الموعود هو سيدنا أحمد عليه السلام، وهذه ملاحظة جديرة بالاهتمام فكل أدعياء المهدوية في السابق كانوا يدعون المهداوية فقط، ولم يقل واحد منهم أنه هو المهدي والمسيح، لأنهم لم يفهموا سر کلام الرسول ﷺ فظنوا أن المسيح الموعود هو عيسى عليه السلام الذي كان على قيد الحياة منذ ألفي عام، والمهدي هو خليفة عادل أو ملك صالح يقيم الدولة الإسلامية. ولهذا وبالرغم من تحقق الكثير الأحاديث النبوية في نفوسهم لم يكن أي منهم هو الإمام المهدي من فعلا.

و بالتالي فإن إعلان سيدنا أحمد عليه السلام أنه هو الإمام المهدي والمسيح الموعود يوضح أنه لم يكن ليعلن هذا من تلقاء نفسه، وإنما بعدما تلقاه من الوحي الذي يخبره بأنه هو المسيح الموعود. وقد ذكر سيدنا أحمد عليه السلام في مواضع كثيرة نصوص الوحي التي تلقاها من الله عز وجل. منها على سبيل المثال:

1- “إنك أنت مني المسيح ابن مريم. وأرسلت ليتم ما وعد من قبل ربك الأكرم. إن وعده كان مفعولا وهو أصدق الصادقين”.10

2- “إنك أنت هو في حلل البروز. وهذا هو الوعد الحق الذي كان كالسر المرموز. فاصدع بما تؤمر ولا تخف ألسنة الجاهلين وكذلك جرت سنة الله في المتقدمين”.11

3- “وبشرني وقال: إن المسيح الموعود الذي يرقبونه والمهدي المسعود الذي ينتظرونه هو أنت. نفعل ما تشاء فلا تكونن من الممترين”.12

وهذا الفهم الصحيح لم يقل به أحد من أدعياء المهدوية من قبل. ونطق به سيدنا أحمد عليه السلام. وهذا الفهم يتفق مع القرآن الكريم والأحاديث النبوية .

المراجع:

  1. فلسفة إحياء الإسلام تأليف الإمام طاهر أحمد
  2. الفتوحات المكية للإمام محي الدین ابن عربي
  3. “المرجع السابق المجلد الحادي عشر
  4. سورة الشعراء الآيات 54-60
  5. الفتوحات المكية المجلد الرابع للإمام محي الدين ابن عربي
  6. المرجع السابق
  7. الفتوحات المكية المجلد الحادي عشر للإمام محي الدين اين عربي
  8. المرجع السابق
  9. سورة هود الآية 18
  10. کتاب التذكرة ص 325
  11. المرجع السابق ص  352
  12. المرجع السابق 316
Share via
تابعونا على الفايس بوك