هل في الإسلام أساطير؟

هاني الزهيري

• آراء البعض حول وجود أساطير إسلامية
• أحاديث الدجال تحت الفحص
• خصائص الفكر الأسطوري

__

كثيراً ما نسمع هذه الكلمة، وكثيرا ما نطلقها على أي خرافة أو قصة شعبية. ولكن هل تصورنا يوما ما أن في الدين أساطير؟ هل يمكن أن يتخيل أحدنا أن في دينه أساطير؟

يقول الدكتور خزعل الماجدي في كتابه (بخور الآلهة): إن جميع الأديان (البدائية والقومية والشمولية) تحتفظ بأساطيرٍ خاصة بها، إذ لا يمكن أن تنمو الأديان ويزداد تركيبها دون أن تخلق معها أساطيرها الخاصة بها.

ويرى فراس سواح في كتابه (دين الإنسان) أن أي دين من الأديان يتكون من ثلاثة عناصر رئيسة هي المعتقدات والطقوس والأساطير.

والإسلام في وجهة النظر هذه لم يشذ عن القاعدة، فهو أيضا مثقل بالأساطير كغيره من الأديان.

ولقد اتُهم القرآنُ منذ نزوله على الرسول بأنه أساطير الأولين، وقد دفع القرآن الكريم هذه الشُبهة عن نفسه، ولكن مع الأسف لقد جعل المفسرون والمشايخ من القرآن الكريم كتابا يحوى أساطير الأولين فعلا. إنهم لم يتدخلوا في نصوص القرآن بالحذف أو بالإضافة بل أقحموا على آياته تفسيرات أفقدته رونقه وبلاغته ولم يبق في وجه الكتاب جماله.

ومن هذه الأساطير التي ادخلوها على كتاب الله أسطورة تجسيم الله فقالوا بأن لله جسمًا ولكنه ليس كالأجسام، ونسبوا إليه الجوارح كاليد والوجه والساق والعين كصفات زائدة على ذاته المقدسة، وأثبتوا له جهة ومكاناً ونزولا يليق بجلاله!!

وقالوا إنه مذهب السلف ومن حاد عنه فإنه من أهل البدع. والحقيقة أنه ليس بمذهب للسلف ولم يكن له أي سلف، بل هو بقايا الوثنية القديمة، والتجسيم الذي لا يميل إليه حتى العوام.

لقد انتقد زينوفون اليوناني ما ينسبه الإغريق إلى آلهتهم قائلاً بأن هناك إلهاً واحداً عظيماً بين الآلهة والبشر، ولا يشبه البشر في هيئته أو تفكيره……فلو كان للثيران أو للأسود أو للخيول أيادٍ يرسمون بها لرسموا آلهتهم في صور تشبه صورهم، وصوّرها ذات أجساد تشبه أجسادهم. (كتاب بخور الآلهة – خزعل الماجدي)

وهناك مثال آخر في نبوءات النبي تحول إلى أسطورة عملاقة، وكأنه من روما القديمة أو ربما من العصور السومرية، وهي نبوءات الدجال.

وردت في أحاديث الرسول نبوءات كثيرة عن الدجال، تتحدث عن أمور كثيرة في صفته وفتنته وما معه من أمور. وفي موضوع الدجال تحديداً يظهر أثر التفسير الخاطئ على الدين، حيث من الممكن أن يجعلها التفسير نبوءات عظيمة، ومن الممكن أن يجعلها أساطير عظيمة.

وفي هذا المقال سوف نضع التفسير الحرفي الخاطئ تحت مناظر الفحص والتمحيص لكي يتضح لنا مدى الإساءة التي يوجهها أصحاب هذا الفكر إلى الدين الحنيف.

الفكر الأسطوري له سمات ومميزات، وليس كل خرافة أو قصة شعبية يمكن أن يطلق عليها أسطورة، فهناك خصائص تتعلق بالفكر الأسطوري، خصائص تتعلق بمكونات وعناصر الأسطورة، وخصائص تتعلق بالتعبير الأسطوري.

وسوف نستعرض بعض روايات الدجال ونرى هل تنطبق عليها سمات الأسطورة؟

قال رسول الله :

“يخرج الدّجالُ في خِفَّةٍ مِنَ الدِّين وإِدْبَارٍ من العِلم وله أربعون ليلَةً يَسْبَحُهَا في الأرض اليومُ منها كالسنةِ، واليوم منها كالشهر. واليوم منها كالجُمُعَةِ، ثم سائر أيامه كأيامكم هذِهِ وله حمار يركبه عرض ما بين أذنيه أربعون ذِراعاً، فيقول للناس: أنا ربّكم وهو أعورُ وإِن ربكم ليس بأعْوَرَ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَفَرَ بِهَجَاءٍ يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِن كاتب أوْ غير كاتب يَرد كلَّ ماءٍ ومنهل إلا المدينةَ ومكّةَ حًرّمهمَا الله عليه وقامَت الملائكةُ بِأبْوابِهما……” (مسند أحمد ابن حنبل)

1. القصة المقدسة

إن أبرز ما يميز الفكر الأسطوري هو الارتباط الوثيق بالدين. فقد كانت الأسطورة في أبسط أشكالها تتضمن بعض الدوافع التي تعد بمثابة تباشير لمثل دينية عليا، ومن هنا تحمل طابع القداسة. ويعتقد الباحثون أن الأسطورة يجب أن تُفهم كظاهرة دينية ولا يمكن أن تُفَسر مطلقاً بمصطلحات غير دينية. فيذكر (ميرسيا إلياد) أن من خصائص الأسطورة أنها قصة مقدسة تتكون من أفعال قامت بها كائنات عُليا، وتتعلق دائماً بخلق شيء جديد.كذلك يذكر ( كاسيرر) أن الخيال الأسطوري ينطوي على العقيدة، وبدونها تفقد الأسطورة أرضيتها.

ولو نظرنا إلى الرواية السالفة الذكر لوجدنا أنها تتوفر فيها هذه الخاصية من خصائص الفكر الأسطوري، فأساس الرواية هو البُعد الديني، حيث إن الرواية وغيرها من الروايات تتحدث عن أثر خروج الدجال على المسلمين فقط. بالرغم من أنها تذكر أنه يسيح الأرض كلها ولا يترك موطأ قدم إلا أتى عليه. كذلك ذكرت اختلافين واضحين بين الله ومدعي الألوهية وهو الدجال:

1. أنه أعور

2. مكتوب بين عينيه كافر

وأوضحت أن الذي يستطيع أن يقرأ هذه الكلمة على جبين الدجال هو المؤمن فقط سواء كان متعلماً أم جاهلاً. ولم تقل الرواية يقرأه كل شخص أو كل إنسان. ومن هنا يظهر البُعد الديني العقائدي في الرواية.

ب. الشخصية الأسطورية

تحدثنا هذه الرواية عن كائن لا يُعرف له اسم لكنها تطلق عليه صفة الدجال، كذلك لا يُعرف مكان ولادته أو تاريخ ولادته، كذلك لا يُعرف أي شيء عن مراحل حياته المختلفة، مما يوحي بأنه خلْق آخر غير الإنسان والملائكة والدواب والحيوانات المعروفة. وهذه سمة بارزة من سمات مكونات الأسطورة.

ج. البعد عن التعليل والتحليل

كذلك تخبرنا الرواية أن الدجال يخرج، ولم تحدد سبباً لهذا الخروج الفجائي، أي أنها لا تقدم علة لخروج هذا الكائن. وهذه سمة مميزة من سمات التعبير الأسطوري.

د. خاصية التعالي

ثم تقول الرواية (وله أربعون ليلَةً يَسْبَحُهَا في الأرض اليومُ منها كالسنةِ، واليوم منها كالشهر. واليوم منها كالجُمُعَةِ، ثم سائر أيامه كأيامكم هذِهِ) وهنا تظهر سمة أخرى من سمات مكونات الأسطورة وهى التي يطلق عليها خاصية التعالي والتي تعنى أن الأسطورة تتعالى عن حدود الزمان والمكان والتجربة الواقـعية.

هـ . المخلوقات الخرافية

ثم تقول الرواية (وله حمار يركبه عرض ما بين أذنيه أربعون ذِراعاً) وهنا تظهر خاصية أخرى من سمات المكون الأسطوري وهى خاصية المخلوقات الخرافية. فإن هذا الكائن المسمى بالدجال له حمار يستعمله كوسيلة انتقال، لكن يختلف تماما عن الحمار المعروف لدى جميع الناس، مما يوضح أن هذا الحمار هو مخلوق مختلف عن الحيوانات المعروفة في عالمنا، وهو بلا شك كما تصوره الرواية مخلوق خرافي.

و . التمثيل الحسي

وتظهر خاصية التمثيل الحسي وهى من خصائص التعبير الأسطوري عندما تقول الرواية أن هذا الدجال عندما يخرج يقدم نفسه للناس على أنه الإله المتجسد ويقول للناس أنا ربّكم. وتوضح الرواية أنه ليس إلهاً بسبب أن عينه عـوراء وأن الله ليس بأعور. وهنا تتجلى خاصـية التمثيل الحـسي بكل وضوح حيث لا تنفـى الرواية أمـكانية تجسـد الله وإنما نفـت أن يكـون الله لـه عين عـوراء.ز .

التصور الدرامي للعالم

تقول الرواية (قال فيفِدُ المسلمون إلى جبل الدخان بالشام فيأتيهم فيحاصرُهُم فَيُشثدُ حِصَارهم ويُجْهِدُهم جُهداً شديداً، ثم ينـزل عيسى بن مريم …………. فإذا صلّوا صلاة الصبح خرجوا إليه، قال فحين يراه الكذابُ يَنْماثُ كَمَا يَنْمَاثُ المِلْحُ في الماء)

وهنا يظهر التصور الدرامي للعالم القائم على الصراع المحتوم بين الإنسان والقدر، والخير والشر، والأرض والسماء، فيظهر الكائن الشرير (إله الشر) فيملأ الأرض فساداً وشراً، فينـزل الكائن الطيب (إله الخير) فيحاربه في معركة عظيمة وملحمة بديعة وينتصر عليه في آخر المطاف، ويساعد إلهَ الخير في مهمته الأتباعُ المخلصون له من الناس، أو غيرهم من الكائنات وقد ظهر ذلك في هذه الرواية عندما تقول: (فيمشي إليه فيقتلُه حتى إن الشجرة والحجرَ ينادي يا روحَ الله هذا يهوديٌّ).

إذاً فقد تجلت في هذه الرواية كل السمات المميزة للأسطورة سواء السمات المتعلقة بالفكر الأسطوري أو التعبير الأسطوري أو مكونات الأسطورة.

كما تظهر في رواية تميم الداري في صحيح مسلم سمات أخرى للشخصية الأسطورية.

لكن التفسير الأحمدي لهذه الروايات يخرجها من بحر سجل الأساطير ويكتبها في سجل النبوءات التي تشهد بصدق النبي . أما إذا آمن أحد بتحقق هذه الأمور على ظاهرها فلا تُعد كونها أسطورة.

ح. نموذجية الشخصية الأسطورية

فالشخصية الأسطورية شخصية مثالية أو نموذجية، في الأغلب تجمع بين خصائص وصفات متباينة وتتراوح بين الخير والشر. فيظهر في هذه الرواية أن الدجال ليس شريراً في ذاته بدليل أنه يقول أن الخير في اتباع النبي ، ومع ذلك فإنه عندما يخرج سوف يدعي بأنه هو الله، وبهذا فقد جمع بين الخير المحض والشر المحض.

كذلك من خصائص الشخصية الأسطورية أنها شخصية فائقة تفوق المعقول ذات جلال رائع وقوة غير مألوفة قادرة على تحدى الزمن. حيث وصفته الرواية بـ “فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه قط خلقا “.

ط. البطل الموضوعي بمعنى ما قبل الذاتية

يظهر في هذه الرواية أن الدجال هو رجل من البشر واقع تحت سيطرة الإله. فإنه – أي الدجال – يقص عليهم ما الذي سيقوم به وما الذي لا يجب أن يقوم به، فهو يخبرهم عن ذهابه إلى كل أنحاء العالم، ولكنه ممنوع من الدخول إلى مكة أو المدينة حيث أن عليها ملائكة تحرسها. وهذا ما يُسمى بالبطل الموضوعي بمعنى ما قبل الذاتية أي أن إرادته وعقله ليستا مُلكاً له، لأنه واقع تحت سيطرة الإله الذي سخره لهذه المهمة ولذلك صورته هذه الرواية والقيود في يديه وقديمه ومحبوس في جزيرة داخل دير.

وبعد أن أوضحنا انطباق سمات الأسطورة على هذه الرواية، والتي يمكن تطبيقها أيضا على روايات أخرى. فلو أصر المشايخ على الأخذ بظاهر هذه النصوص وعدم تأويلها فليس أمامنا إلا أن نقول أن فكرة ظهور الدجال ما هى إلا أسطورة لا يمكن أن تكون قد صدرت عن الذي لا ينطق عن الهوى.

لكن التفسير الأحمدي لهذه الروايات يخرجها من بحر سجل الأساطير ويكتبها في سجل النبوءات التي تشهد بصدق النبي . أما إذا آمن أحد بتحـقق هذه الأمور على ظاهـرها فلا تُعد كـونها أسـطورة.