وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة

إني جاعل في الأرض خليفة

هاني الزهيري

  • مرجع المؤمنين
  • غياب الخلافة غياب البوصلة
  • الرحمانية الموعودة والممدودة.

__

الأنبياء هم ظل الله في الأرض، يبلغون للناس رسالة الله سبحانه وتعالى ويعرّفونهم بربهم، ويعرّفونهم بالطريق الذي من خلاله يتحقق لهم الوصال الكامل مع رب العالمين.

والخلفاء هم أظلال الأنبياء من بعدهم، وإليهم يرجع المؤمنون فيما اختلفوا فيه من فهم آيات الوحي الإلهي الذي نزل على النبي المُرسل. وبالتالي تبقى أمة النبي موحدة لا تنازع بين أفرادها ولا شقاق.

إذا كان مئات الألوف من العلماء والمشايخ الذين ظهروا على مر العصور لم ينجحوا في لملمة شتات الأمة ولم ينجحوا في التوفيق بين فرقائها. فمن يا ترى القادر على أن يفعل هذا؟

والخليفةُ هو الذي يقود خُطى المؤمنين نحو الصلاح والتقوى، فإن سُبل الصلاح والتقوى دقيقة جداً، وسبر أغوارها يحتاج إلى خبير بها مجربٍ لها.

قال تعالى:

وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَة الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ (الأنبياء 75)

أي جعلناهم أئمة يهدون الناس إلى سُبل الهداية والتقوى بعد أن بيناها لهم وأظهرناها لهم، وبينا لهم ما هو الخير وما هى الصلاة وكيفية إقامتها أي علمناهم كيف تصبح الصلاة صلة حقيقية بين الله والإنسان، وعلمناهم كيف يؤتون الزكاة أي كيف يستخدمون أمور الدنيا كالأموال لتحقيق أهداف روحانية ترفعهم وتوصلهم إلى الله سبحانه وتعالى.وقال تعالى:

وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (السجدة 26)

فمن نِعم الله سبحانه وتعالى على بني إسرائيل بل على جميع الأمم هى إقامة الإمام فيهم، إذ إن الهدف الذي من أجله خلق الله الإنسان هو معرفته سبحانه وتعالى وعبادته، وكيف يمكن أن يعرف الإنسان الله الذي هو غيب الغيب وباطن الباطن من دون مُعلم وإمام يوحي الله سبحانه وتعالى إليه؟ولكنّ الرافضين للوحي الإلهي دائما يقولون:

فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا (التغابن7)،

فهؤلاء لا يبصرون تجليات الله سبحانه وتعالى على خلقه، ولا يفقهون معنى إني جاعل في الأرض خليفة، فمن أي جنس يكون الخليفة؟ هل من النباتات؟ من الجمادات؟ من الملائكة؟. الخليفة من البشر، لأن الإنسان هو المخلوق الوحيد المستخلف في هذا العالم.

وفي عصر النبي محمد كان المسلمون أمة واحدة ليس فيها فِرق ولا مذاهب ولا تناحر بين العلماء والفقهاء، ولم يُصنّف صحابيٌّ كتاباً ليرد به على صحابيٍّ آخر. ولم يَضعْ فريقٌ من الصحابة قانوناً للتوفيق بين الأدلة السمعية والنقلية وبين الأدلة العقلية، كالذي وضعه الرازي وأصحابه أو كالذي وضعه أبو بكر بن العربي ومن قبله القاضي أبو بكر الباقلاني.

لقد كان المسلمون في عصر النبي يرجعون إليه ليبين لهم ويوضح لهم ويحكم بينهم فيما اختلفوا فيه.

وعلى هذا الدرب سار الناس في عهد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، إلى أن استشهد ثلاثة من الخلفاء، وارتفع الوفاق من بين المسلمين، ونزل الخلاف والشقاق، وذهبت كل طائفة تفهم الدين على قياس عقولهم، ولم يجد الناس مَن يرجعون إليه ليرشدهم ويهديهم. فانطلق كل مسلم خلف عالم مندفعاً إما بعواطف قلبية أو معجباً بآرائه ومتقبلاً لها.والطبيعةُ البشرية غالبا ما تغلب العقل وتنفيه خارج موطن التفكير، فظهر التعصب المذهبي والتكفير والقتل بحجة البدعة أو الردة. وتمزقت الأمة وتحقق فيها قول الله سبحانه وتعالى:

وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ (الأنفال 48).

واستمر الوضع المأساوي إلى ألف عام أو يزيد، حتى تشوه الإسلام من أقوالهم وأفعالهم ومعتقداتهم. وظهر الدَّجال واستغلَّ فُرْقة المسلمين وأقوالهم الفاسدة، ولم تجتمع الأمة مرة أخرى برغم ألوف العلماء ورغم ألوف المشايخ.

إذا كان مئات الألوف من العلماء والمشايخ الذين ظهروا على مر العصور لم ينجحوا في لملمة شتات الأمة ولم ينجحوا في التوفيق بين فرقها. فمن يا ترى القادر على أن يفعل هذا؟

إذا كان أهل الأرض قد أُسقط في أيديهم وفشلت مساعيهم، أوليس في الكون إله قادر على إنقاذ أمة حبيبه ؟

أم يظنون أن الله سبحانه وتعالى من ألغى من ذاته صفة الهادي ولم يعد يكلمنا ولا يهدينا السبيل؟

أفلا تقبلون بإلهٍ خلقكم، وتتركون إلهاً أنتم خلقتموه في أذهانكم؟

إن الله سبحانه وتعالى قد منَّ على الناس وأفاض من رحمانيته وأعاد نظام الخلافة مرة أخرى وبعث إماماً مهدياً ومسيحاً وحكماً عدلاً ليهدي الناس ويفتح عيونهم.

وأنى للذين اسودت قلوبهم أن يقبلوا به؟ إن قروناً من اتباع الباطل، وميراثاً ثقيلاً من التطاحن والتصارع قد جعلهم من الصم البكم العمي الذين لا يعقلون.

وإن تعجب فعجب لقومٍ يأتيهم حَكَمٌ عدلٌ فإذا بهم يحكمون عليه، ويأتيهم مهديٌّ ليتبعوه فإذا بهم يطلبون منه اتباعهم، ويأتيهم مسيحٌ فيقولون نحن أعلم بكتاب الله منك.

يريدون مهدياً يتبع أهواءهم؟ ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدي من الله؟

والمهديُّ نفسه قد تخلص من أهوائه واتبع وحي الله سبحانه وتعالى، فهل تريدون منه أن يترك وحي الله سبحانه وتعالى ويتبع علماءكم ومشايخكم؟ألم تقرأوا قول الله سبحانه وتعالى عن اليهود:

إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا (المائدة 43)

فما لكم تتبعون اليهود شبراً بشبرٍ وذراعاً بذراعٍ؟

إذا كان مئات الألوف من العلماء قد فشلوا في هدايتكم ولملمة شتات الأمة ولن ينجحوا في هذا، وقد أعطاكم الله دليلاً ممتداً منذ ألف عام على أنكم لن تستطيعوا أن تؤلفوا بين قلوبكم.

فهل من أحد من البشر قادر اليوم بعقله وعلمه فقط أن ينجح فيما فشل الملايين من المسلمين على مر التاريخ؟

لقد سلك أسلافُكم كل طريق واستفتحوا كل باب، ولم يتركوا صغيرة ولا كبيرة في الدين إلا اختلفوا فيها ولم يجتمعوا على شيء. فهل من أحدٍ غير الله قادر على أن يجمع كلمتكم ويهديكم سواء السبيل؟أقرأوا قول الله سبحانه وتعالى:

ضَرَبَ الله مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (الزمر 31)

تدبروا في كلامه عز وجل، أيهما أفضل – وأنتم ترون هذا الواقع بأم أعينكم- أمة لها آلاف العلماء المتشاكسون، أم أمة لها خليفة واحد؟

إن نظام الخلافة الذي أقامه الله سبحانه وتعالى يهدف إلى تحقيق الهداية والسلام بين الناس، وأن يلجأ الناس إلى إمام واحد، وأن تظل بركات النبوة في الأرض يشاهدها الناس في كل العصور.

من الممكن أن يفتيكم ألف عالم ولكن لا يستطيع واحد منهم أن يقول بأن فتواه هى حكم الله سبحانه وتعالى، ولكن مهدياً واحداً يُوحى إليه يستطيع أن يجزم بأن كلامه هو حكم الله سبحانه وتعالى

من الممكن أن يفتيكم ألف عالم ولكن لا يستطيع واحد منهم أن يقول بأن فتواه هى حكم الله سبحانه وتعالى، ولكن مهدياً واحداً يُوحى إليه يستطيع أن يجزم بأن كلامه هو حكم الله سبحانه وتعالى، فتدبروا في قوله سبحانه وتعال:

ضَرَبَ اللهمَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرّاً وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (النحل 77)

فهؤلاء المشايخ هم العبد المملوك الذي لا يقدر على شيء، وهذا المهدي هو العبد الذي رزقه الله سبحانه وتعالى رزقا حسناً، فهل يستوون؟

Share via
تابعونا على الفايس بوك