السلام عليكم، أيها الأتقياء الأصفياء، من العرب العرباء
  • ذكرى النبوءات
  • زمان الثرى وزمن الثريا
  • نشأة الإسلام الثانية وجماعة المؤمنين
  • كلمات للمسيح الموعود

__

أَشْهَدُ أَنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ. أَمَّا بَعْدُ فَأَعُوْذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ. بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ.

إِخْوَتِي وَأَخَوَاتِي الْعَرَب!

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

كنتُ أودّ أن أخاطبَكم اليومَ بإيجازٍ بالأردية، وأن يترجمَ كلامي ترجمةً فوريةً إلى العربيةِ، ولكن بإلحاحٍ مِن السيّد “محمد شريف عودة” وإخوةٍ آخَرين، قرّرتُ أن أقرأَ الترجمةَ العربيةَ لِرسالتي هذه، فأهميةُ هذا اليوم دفعتْني لأنالَ حظًّا من فيضِ وبركاتِ لغةِ سيّدي ومطاعي محمدٍ رسولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم وصحيفةِ اللهِ الأخيرةِ الكاملة، فأذكرَ لكم بنفسي أهميةَ هذا اليومِ بهذه اللغةِ المباركة.

إنّ هذا اليوم يومٌ عظيمٌ، يَجْعَلُني أجولُ بِمُخَيَّلَتي وأعودُ أربعةَ عشرَ قرنًا إلى الوراء، فأرى مجلسًا يجلسُ فيه سيّدي ومطاعي محمدٌ ، في مسجدِه النبوي في المدينة المنورة، بين صحابته المخلصين، رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين، يقسِم لهم من مائدةِ العلوم والمعارف والثمراتِ الروحانية. كانت قلوبُهم فيّاضةً يقينًا بغلبةِ الإسلام وازدهارِه، وظهورِه وانتصارِه، وبتحقُّقِ القدرِ الإلهي المتعلقِ بالغلبةِ الأبديةِ لهذه الشريعةِ الأخيرة. وفي هذه الحالةِ نزلتْ البشرى التاليةُ لتزيدَ القلوبَ المليئةَ باليقينِ يقينًا

: وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (الجمعة 4).

عند ذلك سألَ أحدُ الصحابةِ سيّدي وحبيبي مرةً بعدَ أُخرى عمَّنْ يكونُ هؤلاء الآخرون؟ أمّا بقيةُ الصحابةِ فقد استمعوا بإصغاءٍ تامٍّ، آملينَ أن يُطلعَهم على أولئك السُّعَداء الذين سيحظَون بشرَفِ:

وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ،

حيث يلتحقون بالصحابة الكرام، فصَمتَ النبي برهة، ثم وضع يدَه الشريفةَ بكل حنان، على كتفِ سلمان، ذلك الفارسيّ من بين العربِ العاربين، وقال: لَوْ كَانَ الإيمانُ عندَ الثُّريَّا لنَالَهُ رَجُلٌ مِن هَؤلاء.

ومع عِظَمِ هذه البشرى، وما تحمِلُه مِن نبوءةٍ كبرى، فقد فَهِم الصحابةُ الكرام بهذه الكلمات، أن الله تعالى قد قدَّر لهذا الدين بعد الغلبةِ والظفرِ والانتصاراتِ، زمانًا من الزوالِ والانحطاط، لا يبقى فيه من الإسلامِ والإيمانِ إلا اسمُهما، وسيكون المسلمون فيه من الذين يقولونَ ما لا يفعلون.

ولكنَّ الله تعالى أنزلَ هذه الشريعة الكاملةَ لتدومَ إلى يومِ القيامة، ولم ينـزلها ليبتعدَ الإسلامُ معلَّقًا بالثُّريَّا، فقد بشَّر النبيُّ بِبعثةِ رجلٍ فارسيٍّ يُعيد الإيمانَ إلى هذه الدنيا ثانيةً، ويقيمُ جماعةً يطابق فعلُها قولَها، وتكونُ خاضعةً لِحُكمِ القرآن، مُؤْثرةً الدينَ على الدنيا، مستعدةً لتقديم كل تضحيةٍ لإقامةِ حكمِ القرآن الكريم كالصحابةِ الكرام. وبذكرِ هاتَين المرحلتين دلَّنا النبيُّ على عُمقِ معاني:

وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ،

وعرَّفَنا على العظَمَة والشوكَةِ التي ينالُها الإسلام في آخِر الزّمان.وبفضل الله تعالى، فقَدْ شهِدْنا تحقُّقَ هذهِ النبوءة، فبعد مرور عصرِ الانحطاط والظلام، رأينا أن عصرَ النشأةِ الثانية للإسلام قد ابتدأ وانْبَرَى، بجميعِ آياتِه الكُبرَى، وِفقًا لنبوءَةِ خيرِ الوَرَى . وقد ابتدأَ هذا العصرُ في الثالثِ والعشرينَ من آذار عامَ ألفٍ وثمانِ مئةٍ وتسعةٍ وثمانينَ، مُبَرْهِنًا على صدقِ الصّادقِ المَصدوق النبيِّ الأمين، محمدٍ خاتمِ النبيين في آخر الزّمان أيضًا. وقد تحقَّقتْ في هذا العصرِ كلُّ الآياتِ والنبوءات، الّتي من ضِمنِها آيةٌ عظيمةٌ ظهرتْ في السماواتِ، وهيَ الخسوفُ والكسوفُ في رمضان، وِفقًا للأوقات المحدَّدَة من سيّد الكائنات. وهي آيةٌ لم تكنْ مِن قَبْلُ لإنسان، وقد جاءتْ كبرهان، على عظَمةِ هذا الخادم الصادق والمحب المخلص للنَّبيِّ العدنان. وبها قد ثبتَ صدقُ النبي وصدقُ ذلك المبعوث، وقد ظهرتْ في الشرق تارةً وفي الغربِ تارةً لتكون شهادةً لسيدي ومطاعي أشرف الخلقِ وخاتم النبيين، ويتحقّق بها قولُ الله تعالى في الكتابِ المكنون

: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (سبأ 29).

ومع أنّ هذه الآيةَ قد ظهرتْ دليلاً على صدقِ ذلك المبعوثِ، إلا أنّها في الحقيقة دليلٌ على أنّ الله تعالى قد قضَى أن يقيمَ حُكمَ النبيّ وشريعتَه في الشرقِ والغرب، بل في كل بُقعةٍ من بِقاعِ العالم، ويخبر أنه ليس هناك دينٌ حيٌّ على وجه الأرض إلاّ الإسلامَ، وليس هناك نبيٌّ حيٌّ إلا محمدًا خيرَ الأنام، عليه أفضلُ الصلاة وأزكى السلام.

فيا إخوتي الأحِبَّة، هذه هي أهميةُ هذا اليوم، حيث شرَّف الله تعالى حضرةَ مرزا غلام أحمد القادياني ، لِتفانيه في حبّه لسيده ومطاعه ، أن يكون مسيحًا موعودًا ومهديًّا معهودًا، وينشئ جماعةَ الآخرين من الأطهار الصلحاء المخلصين، ليُلحقَهم بالأولين، وليأخذَ منهم البيعةَ على أن يبذلوا كل تضحية بالنفس والمال والوقت في سبيل النشأة الثانية للإسلام، ولرفع راية النبي خفَّاقةً في كل أنحاء العالم.

إننا نشهدُ أن سيّدَنا محمدًا رسولَ الله خاتمُ النبيين، ونعلنُ أن مهمَّتنا هي أن نُعرِّفَ العالم على كمالاته ونترك نقشَ خاتَمه على قلب كلّ إنسان، لكي يصبح خادمًا لحضرته . فهذه المهمةُ التي وُكِّلتْ بالمؤمنين بالمسيح الموعود والمهدي المعهود ليستْ باليسيرة. فنحتفل بهذا اليوم لكي يدفعَنا إلى مُراجعةِ أنفسِنا ومحاسبتها واستعراضِ حالتِنا العملية، وأن نسعى جاهدين لنكون جزءًا من الآخَرين الذين بشَّر عنهم النبي في مجلسه وقال بأنهم سيلتحِقون بالأوّلين. فينبغِي ألا نرتاح ما لم نَحشُر العالمَ كلّه عند قدمَي النبي . إنها ليست بمهمةٍ يسيرةٍ هذه التي عَهِدَها الله تعالى إلينا بعد الإيمان بالمسيح الموعود والمهدي المعهود .

فيا أيها السعداء من العربِ الذين آمنتم بهذا الخادمِ الصادق للنبي ، وتعهَّدْتم بإنجازِ هذه المهمة العظيمة! بلِّغوا بكلِّ حكمةٍ جميعَ المسلمين، ولاسيما أولئك الذين يتكلمون بلغة هذا النبي الأخير والأحبّ إلى الله تعالى، والذين يعرفون لغةَ الكتاب الكامل والشريعة الأخيرة قراءةً ونطقًا وفهمًا، بلِّغوهم جميعًا أن بقاءَهم ورقيَّهم في أن يجتمعوا على يدِ المسيح الموعود ويصبحوا ملةً واحدة. كونوا أنصارَ المسيح الموعود بنقلِكم لوعتَه وحرقتَه إلى بني قومكم، داعينَ إيّاهم: تعالوا نرفع متَّحِدين معًا رايةَ النبي خفّاقةً عاليةً في العالم، ونجعل بلدًا بعد بلدٍ وقومًا بعد قومٍ وإنسانًا وبعد إنسانٍ، خادمًا وخاضعًا لسيدنا محمد .

وأقدم إليكم الآن، من أجلِ البركة والتذكير، تلك الرسالة التي كان إمام الزمان المسيح الموعود والمهدي المعهود قد وجَّهَها إلى العرب. يقول حضرته :

“اَلسّلامُ عليكم، أيها الأتقياءُ الأصفياء، مِن العَرَبِ العَرْباء. اَلسّلامُ عليكم، يا أَهْلَ أرضِ النبوةِ وجيرانَ بيتِ اللهِ العُظمى. أنتم خيرُ أمم الإسلامِ وخيرُ حِزبِ اللهِ الأَعلى. ما كان لقومٍ أن يبلُغ شأنَكم. قد زِدتم شَرَفًا ومَجدًا ومَنـزِلا. وكافِيكم مِن فخرٍ أن اللهَ افتتحَ وحيَه من آدمَ وختَم على نبي كان منكم ومِن أرضِكم وَطَنا ومَأوًى ومَولدًا. وما أَدراكم مَن ذلك النبي! محمدٌ المصطفى، سيدُ الأَصفياءِ وفخرُ الأنبياءِ، وخاتَمُ الرسلِ وإِمامُ الوَرى. قد ثبَت إحسانُه على كل مَن دَبّ على رِجلين ومَشَى. وقد أَدرَكَ وحيُه كُل فائت مِن رموز ومَعان ونِكات عُلَى. وأَحيَا دِينُه كُل ما كان ميتا مِن معارفِ الحق وسُننِ الهدى. اللهم فصَل وسلمْ وبَارِكْ عليه بعَدَدِ كل ما في الأرض من القطرات والذراتِ والأحياءِ والأموات، وبعَدَدِ كل ما في السماوات، وبعَدَدِ كل ما ظهَر واخْتَفَى، وبَلِّغْه منا سلامًا يَملأُ أَرجاءَ السماءِ. طُوبَى لقوم يحمِل نِيرَ محمدٍ – – على رقبته، وطُوبَى لقلب أَفضَى إليه وخالَطَه وفي حُبه فنَى.

يا سكانَ أرضٍ أوطأته قَدَمُ المصطفى.. رَحِمَكم الله ورَضِيَ عنكم وأَرْضَى.. إن ظني فيكم جليلٌ، وفي روحي للقائكم غليلٌ، يا عبادَ اللهِ. وإني أَحِن إلى عِيانِ بلادكم، وبركاتِ سوادِكم، لأزورَ مَوطِئَ أقدامِ خيرِ الورى، وأجعلَ كُحْلَ عيني تلك الثرى، ولأَزورَ صلاحَها وصُلحاءَها، ومَعالِمَها وعُلماءَها، وتَقَر عيني برؤيةِ أوليائِها، ومَشاهدِها الكبرى. فأَسْأَل اللهَ تعالى أن يرزُقَني رؤيةَ ثراكم، ويَسُرني بمَرآكم، بعنايتِه العظمى.

يا إخوان.. إني أُحِبكم، وأُحِب بلادَكم، وأُحب رَمْلَ طُرُقِكم وأَحجارَ سِكَكِكم، وأُوثِرُكم على كل ما في الدنيا.

يا أَكبادَ العرب.. قد خَصكم الله ببركاتٍ أَثيرة، ومَزايا كثيرةٍ، ومَراحِمِه الكبرى. فِيكم بيتُ اللهِ التي بُورِكَ بها أُم القُرَى، وفيكم روضةُ النبي المبارك الذي أشاعَ التوحيدَ في أقطارِ العالَمِ وأَظهَرَ جلالَ اللهِ وجَلّى. وكان منكم قومٌ نصَروا اللهَ ورسولَه بكل القلبِ، وبكل الروحِ، وبكل النهَى. وبذَلوا أموالَهم وأنفسَهم لإشاعةِ دينِ اللهِ وكتابِه الأَزْكَى. فأنتم المخصوصون بتلك الفضائلِ، ومَن لم يُكرِمْكم فقد جارَ واعتَدَى.

يا إخوانِ.. إني أكتب إليكم مكتوبي هذا بكبدٍ مرضوضةٍ، ودموع مفضوضةٍ، فاسمعوا قولي، جزاكم الله خير الجزاء.” (“التبليغ” آئينه كمالات اسلام، روحاني خزائن جلد 5 ص 419-422)

ثم يقول:

“وإنّي معكم، يا نُجباء العرَب بالقلبِ والرُّوح. وإنّ ربّي قد بشّرني في العرب، وألهَمَني أن أُمَوِّنَهم وأُرِيَهم طريقَهم، وأُصلِح لهم شؤونهم، وستجدونني في هذا الأمر إن شاء الله من الفائزين.أيها الأعزة، إن الرب تبارك وتعالى قد تجلى عليّ لتأييد الإسلام وتجديده بأخص التجليات، ومَنَحَ علي وابلَ البركات، وأنعم علي بأنواع الإنعامات. بشرني في وقتِ عبوسٍ للإسلام وعيشِ بؤسٍ لأمة خير الأنام، بالتفضلات والفتوحات والتأييدات؛ فصبَوتُ إلى إشراككم، يا معشرَ العرب، في هذه النعم، وكنت لهذا اليوم من المتشوِّفين. فهل ترغبون أن تَلحقوا بي لله ربّ العالمين؟” (حمامة البشرى، روحاني خزائن جلد 7 ص 182-183)

هذا نَزْرٌ يسيرٌ من رسالته الفيَّاضة بالحُرقة والمواساة والحكمة. لو قبل اليوم مسلمو العالم عامةً والعربُ خاصةً، رسالةَ هذا الخادم الصادق للنبي ، ولَبّوا دعوتَه، لتحوّلت حالةُ البلاد الإسلامية الباعثةِ على القلق اليوم إلى بشائر ورحماتٍ ومسرّات.

وفّق الله تعالى المسلمين جميعًا، والعربَ خاصّةً، لتلبية هذا النداء حتى يُبهر وجهُ الإسلام المنيرُ هذا العالمَ ثانيةً بشأنٍ عظيمٍ، فيتعرّف إلى الله الواحد الأحد. اللّهم انصُرْنا، ووفِّقْنا لأداء واجباتِنا حتى نرى في حياتِنا غلبةَ الإسلام على الدّين كلّه. آمين يا ربّ العالمين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك