«فبهت الذي كفر»
  • حلول ساعة عقاب المكذبين وأئمة الكفر.
  • بشرى رسوخ قضية الدين
  • معنى اليقين في إيمان الرسول صلى الله عليه وسلم.

__

الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآَنَ عِضِينَ (92)

شرح الكلمات:

جعَلوا: مِن معاني جَعَلَ: ظَنَّ، يقال: جعَل البصرةَ بغداد أي ظنَّها إياها (الأقرب).

عِضِين: جمعُ عِضةٍ ومعناها القطعة من الشيء والجزءُ منه، وهي مشتقة مِن عَضَّهَ العضاهَ: قطَعـها؛ وتعني أيضًا الكذبَ مِن عَضِهَ الرجلُ يَعْضَهُ عَضَهًا: كَذَبَ؛ ومشتقة أيضًا مِن عضا الشيءَ يعضُوه عَضْوًا أي فرَّقه (انظُر الأقرب).

التفسـير:

أرى أن المعنى الثاني لـ عِضِينَ أي الأكاذيب هو الأكثر انطباقًا هنا، لأن كلمة جعلوا هنا تعني (ظنّوا)، فالمراد من هذه الآية مع ما قبلها: أَنْذِرِ الذين اقتسموا فيما بينهم أعمالَ الفتنة والشغب ضدك والذين اعتبروا القرآن الكريم مجموعة من الأكاذيب بأنه قد حانت ساعة عذابهم. وهذا المعنى واضح جلي بحيث يخلّصنا من كل المشاكل التي واجهت المفسرين.

فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93، 94)

التفسـير:

المراد من قوله تعالى لَنسألنّهم أن الله تعالى سيحاسبهم الآن على شرورهم ويعاقبهم عقابًا شديدًا.

فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (95)

شرح الكلمات:

فاصدَعْ: صدَعه صَدْعًا: شقَّه؛ وقيل: شقَّه بنصفين؛ وقيل: شقَّه ولم يفترق. صدَع الأمرَ: كشَفه وبيّنه. صدَع بالحق وبالحجة: تكلم بها جِهارًا. صدَع بالأمر: أصاب به موضعَه وجاهَرَ به مصرِّحًا. وصدَع الأمرَ بالحق: فَصَلَه (الأقرب).

التفسـير:

قد يكون معنى هذه الآية أن جاهِرْهم بقرارنا بهلاكهم وغلبة المسلمين، ولا تناقشهم بعد اليوم، وقد تعني – وأرى هذا المعنى أكثر انطباقًا – عليك أن تستعد للحكم بما أمرك الله به.. بمعنى أننا سوف نتيح لك الآن الفرصة لتطبيق ما أنـزلناه إليك من أحكام الشرع تطبيقًا كاملاً بحيث لن تكترث بمكائد الكفار. وكأن هذه الآية أيضًا تمثّل نبأً عن الهجرة النبوية وقيام الدولة الإسلامية.

إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ * الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ( 96 و97)

التفسـير:

يقول الله تعالى لرسوله الكريم: لا داعي الآن للنقاش مع هؤلاء المستهزئين، لأننا نريد أن نرد على استهزائهم بآيات من السماء، ونعاقبهم عقابًا يجعلهم عبرة لمن بعدهم. لن نمهلهم أكثر من ذلك، ولن نسكت على إساءتهم إلينا المتمثلة في اتخاذهم الشركاء معنا.

وقد هَرَأَ بعضُ الحمقى من أهل البدعة فقالوا أن هذه الآية تعني أن على الإنسان أن يواصل في العبادة إلى أن يحصل له اليقين، أما بعد ذلك فلا حاجة لـه بعبادة الله تعالى!

هذا النبأ لم يتحقق على نطاق قومي إلا بعد الهجرة النبوية حيث ضُربت على الكفار الذلة والمسكنة؛ غير أنه قد تحقق بشكل فردي أيضًا بصورة مدهشة. فقد قال محمد بن إسحاق عن عروة بن الزبير إن أكبر المستهزئين خمسة نفر.. الأسود بن المطلب، والأسود بن عبد يغوث، والوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، والحارث بن الطلاطلة. فأتى جبريل رسولَ الله في شأنهم وأشار إلى بطن الأسود بن عبد يغوث، فاجتمع في بطنه ماء أصفر، فمات منه. أما الوليد بن المغيرة فأشار جبريل إلى رجله، وكان بها أثر جرح قديم مندمل، فخُدش، فانتفض به فقتَله. أما العاص بن وائل فأشار إلى أخمص قدمه، فخرج على حمار لـه يريد الطائفَ، فأصيب في أخمص قدمه بشيء كالشوكة، فقتَلتْه. أما الحارث ابن الطلاطلة فأشار إلى رأسه، فجُرح رأسه جرحًا قتَله. أما الأسود بن المطلب فأشار جبريل إلى عينه، فعمي ومات (تفسير ابن كثير، قوله تعالى: إنا كفيناك المستهزئين).

علمًا أن هذا مروي أيضًا عن سعيد بن جبير وعكرمة، حيث قال سعيد إن أحدهم هو الحارث بن الطلاطلة، بينما قال عكرمة اسمه الحارث بن قيس، ولكنه ليس باختلاف، إذ قال الزهري إن الطلاطلة أمه، وأن قيسًا أبوه.

وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (98)

التفـسير:

قوله تعالى بما يقولون لا يعني أن رسول الله كان يتضايق مما يقابله به الكفار من السباب والشتائم، وإنما هو إشارة إلى قوله تعالى يجعَلون مع اللَّه إلَهًا آخَرَ ، والمراد أننا نعلم أنك – لما تكنّ لنا من حب بالغ – تضيق صدرًا وتتألم جدًّا من دعاواهم الوثنية، فاستبشِرْ الآن وافرَحْ، لأننا سنقضي على الشرك ونوطد التوحيد.

فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (99)

التفسـير:

أي سوف نوطد الآن التوحيد الذي هو الغاية من بعثك، فعليك بالتسبيح وأداء الشكر لله فرحةً وسرورًا؛ أو معناه: عليك بتربية المؤمنين بحيث يشكّلون للعالم برهانًا عمليًّا على سبوحية الله وحمده .

ما أروعَ ما خفّف الله به على رسوله من وطأة الآلام التي كان يعالجها.

وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِين (100)

شرح الكلمات:

اليقين: إزاحةُ الشك وتحقيق الأمر؛ العلمُ الحاصل عن نظر واستدلال، ولهذا لا يسمى علمُ الله يقينًا؛ الموتُ (الأقرب).

التفسـير:

اليقين قد يعني هنا الموت؛ فكأن الله تعالى يقول لرسوله: عليك الآن أن تواصل عبادة الله حتى الموت.. بمعنى أنه لن يستطيع الآن أحد الحيلولة دون الغلبة التي سوف نكتبها للإسلام، وسوف تتمكن من عبادة ربك طيلة الحياة نهارًا جهارًا دونما عرقلة ومضايقة، لأننا سوف نستأصل شأفة هؤلاء الذين يمنعونك من عبادتنا.

مرة جاءني أحد هؤلاء المبتدعين وسألني: إذا وصلت السفينة إلى الساحل فهل ينبغي لراكبها أن ينـزل عنها أم عليه ألا يبرحها؟ فأجبتُه: إذا كان لذلك البحر ساحل ووصلت السفينة إليه فعليه أن ينـزل عنها، وأما إذا كان بحرًا لا شاطئ له، فإن ما يظنه الراكب ساحلاً فهو ليس إلا خدعة نظره، وحيثما ينـزل عن السفينة يغرق. فبُهت الذي كفَر.

وقد يكون اليقين هنا بمعناها المعروف، والمراد: عليك أن تعكف على عبادة الله بشكل مركَّز حتى تأتي الساعة التي وُعدتَ بها.. وكأن اليقين هنا تعني ظهور آثار الساعة أي العذاب، لأن الوعد الإلهي لا تتجلى حقيقته بشكل واضح إلا بعد تحققه. فالآية تعلّمنا أنه إذا قطع الله لقوم بوعد فعليهم أن ينهمكوا في العبادة والدعاء بشكل خاص لكي يحقق الله وعده مع كل خيراته وبركاته.

غير أن هذا لا يعني أبدًا أنه يجوز للإنسان التهاون في العبادة في أيام أخرى، ذلك أن النبي كان يعبد الله تعالى قبل نزول هذه الآية أيضًا. فالحق أن الآية إنما تحثّنا على العبادة أكثر من المعتاد في مثل تلك الأيام. وقد هَرَأَ بعضُ الحمقى من أهل البدعة فقالوا أن هذه الآية تعني أن على الإنسان أن يواصل في العبادة إلى أن يحصل له اليقين، أما بعد ذلك فلا حاجة لـه بعبادة الله تعالى!

الحق أن هؤلاء الحمقى لا يدرون أن قولهم هذا يشكل هجومًا على شخص الرسول ، لأن قولهم هذا سيعني أن النبي لم يكن – والعياذ بالله – يتمتع باليقين إلى حين نزول هذه الآية، لذلك أُمر هنا أن يواصل العبادة حتى يأتيه اليقين. وأقول: إذا كان محمد رسول الله لم يتيسر لـه اليقين – كما يزعم هؤلاء الجاهلون – وذلك رغم تشرفه بالنبوة، فكيف يمكن لهم ادعاء إحراز اليقين، وأن لا حاجة لهم الآن إلى العبادة؟ نعوذ بالله من هذه الخرافات! مرة جاءني أحد هؤلاء المبتدعين وسألني: إذا وصلت السفينة إلى الساحل فهل ينبغي لراكبها أن ينـزل عنها أم عليه ألا يبرحها؟ فأجبتُه: إذا كان لذلك البحر ساحل ووصلت السفينة إليه فعليه أن ينـزل عنها، وأما إذا كان بحرًا لا شاطئ له، فإن ما يظنه الراكب ساحلاً فهو ليس إلا خدعة نظره، وحيثما ينـزل عن السفينة يغرق. فبُهت الذي كفَر.

Share via
تابعونا على الفايس بوك