الحب الإلهي
  • لا بد أن تجد الله أولاً
  • الخطوة الثانية معرفة الله الحقة
  • التقليد الأعمى
  • لا يضل من جاهد بإخلاص
  • الإيمان بالإمام
  • عدم التمسك بالدنيا
  • من هو الزاهد؟
  • حب المسيح الموعود لله

__

هذا السر العظيم، والقوة السارية في عروق المؤمنين، عين الحياة الأبدية، من شرب منه فسيحيا بل يكون من المُحيين. إنها زهرة الخلود التي ذهب جلجامش ليبحث عنها.

تبدأ رحلة الإنسان مع الحب الإلهي عندما يلتفت الإنسانُ إلى وجود الله . إن العقل السليم والفطرة السليمـة يقودان إلى حتـمية وجـود الله ، ولـكن الإنسـان لا يصـل إلى الحب الإلهي إلا عـندما يستقـر في أعماق نفسه يقـينٌ بأن الله موجـود فعـلا.

وعندما تتعرض عقيدة التجسيم للنقد، يقوم السلفيون بالدفاع عنها، فهم لا يدافعون عن الله ، وإنما يدافعون عن تلك الصورة التي رسمها لهم مشايخهم.

لكي تصل إلى الحب الإلهي، لابد من أن تجد الله أولا.

يبدأ الإنسان طريق البحث عن الله عندما يستجيب إلى ذلك الداعي الداخلي في نفسه الذي ينادي بوجود قوة مقدسة فوق الإنسان، ويدفعه إلى حتمية الخضوع لها.

قال تعالى

وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (الأعراف 174)

فإن استجاب لهذا الداعي، فإنه يجد نفسه مندفعاً نحو البحث عن تلك القوة المقدسة، حتى يصل إليها ويتعرف عليها ويلتصق بها.

وأما الذي لا يستجيب لهذا الداعي، فإنه أحد رجلين:

إما أنْ يسلك طريق إنكار وجود الله .

وإما أنْ يكتفي بما وجد عليه مجتمعه وأهله، ولا يسعى للتعرف على الله ويكتفي بأداء الطقوس والشعائر.

قال تعالى

لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (الرعد 19)

وما هي الاستجابة لله إلا اليقين بوجوده ثم التعرف عليه .

فأول خطوة على طريق البحث عن الله هي الاستجابة لندائه المغروس في أعماق النفس الإنسانية.

والخطوة الثانية هي معرفة الله .

ومعرفة الله   تعني معرفة أسمائه ومعانيها، وصفاته وتجلياتها في الكون، ولا يبلغ المرء معرفة الله إلا من خلالها.

فالإنسان لا يمكن أن يحب شيئاً يجهله، بل لا يشعر بوجوده أصلا.

ووسيلة المعرفة هي العقل. لابد من أن يقتنع الإنسان أولا بأنه عاقل، فلو اقتنع المرء بأنه عاقل ولديه القدرة على التمييز بين الصواب والخطأ، عندئذ تتولد بداخله رغبة في اقتحام سياج التقليد الأعمى. وتلك الرغبة يتولد منها الجهد والصبر.

أما الإنسان غير المقتنع بأنه عاقل، تجده محتاجاً إلى عقلٍ آخر يميز له بين الخير والشر والصواب والخطأ. كالطفل تماماً، ولذلك نجد أن الطفل غير مكلف، لأنه لا يستطيع أن يميز بين الخير والشر والصواب والخطأ. ويبدأ التكليف عندما يصبح قادراً على التمييز.

وهذا النوع من البشر لا يمكن أن يعرف الله ، فإنه يؤمن بالصورة التي رسمها له شيخه عن الإله، مهما كانت هذه الصورة فإنه يؤمن بها، بل يدافع عنها.

فعندما تتعرض عقيدة الثالوث المسيحية للنقد، يقوم رجال الدين بالدفاع عنها. إنهم لا يدافعون عن الله، بل يدافعون عن تلك الصورة التي رسمها لهم آباء الكنيسة.

وعندما تتعرض عقيدة التجسيم للنقد، يقوم السلفيون بالدفاع عنها، فهم لا يدافعون عن الله ، وإنما يدافعون عن تلك الصورة التي رسمها لهم مشايخهم.

لماذا هذا التقليد الأعمى؟

لأنهم في أعماق أنفسهم يدركون بأنهم ليسوا عقلاء، ولا يستطيعون أن يأتوا بأفضل مما جاء به “العاقلون”.

فلو أدرك المرء أنه عاقل مميز واستقر ذلك في قلبه، لوضع معتقداته تحت منظار الفحص والتمحيص، ولاستطاع أن يتخذ القرار بأن هذا صواب وهذا خطأ.

ولو اعترض معترض قائلا: وماذا لو فعل المرء هذا ثم ضل الطريق؟

أقول: لو فعل المرء هذا بإخلاص ثم ضل الطريق في البداية، فإنه حتماً سوف يصل إلى الصواب في النهاية، والله قد وعد بذلك حيث قال:

وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ الله لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (العنكبوت  70).

فماذا على الإنسان إلا أن يبذل الجهد في معرفة الله ، وعلى الله أن يهديه إلى السبيل القويم.

إن أصل الدين، وأساس الإيمان هو معرفة الله ، والشعائر والطقوس ما هي إلا سياج للحفاظ على الإيمان. ومن يكتفي بالعقيدة من دون الشعائر والطقوس، فمثله كمثل مَن يبني قصراً من الرمال، تذروه الرياح، وبمرور الوقت يضيع ويتبعثر.

ومَثل مَن يكتفي بالشعائر والطقوس من دون العقيدة الصحيحة، كمثل رجل بنى بيتاً فجعله أحسن ما يكون من الخارج، وتركه من الداخل خرابا يباباً. فمهما زاد من حسنه في الخارج، لا يصلح للسُكنى من الداخل ويظل خاوياً خرباً.

وبيت الله الحقيقي هو قلب المؤمن، كما جاء في الحديث القدسي “مَا وَسِعَنِي أَرْضِي وَلا سَمَائِي، وَلَكِنْ وَسِعَنِي قَلْبُ عَبْدِي الْمُؤْمِنِ”، فلابد من أن يَعُدّ المرء قلبه لاستقبال الله ، وأن يفرش قلبه بمعرفته . ولكن إذا خلا القلب من معرفة الله ، مع الحفاظ على الشعائر والطقوس، فكيف يسكن الله بيتاً جميلا من الخارج، خرباً من الداخل؟

المُعلـم

ولو يتسائل المرء، كيف يمكن لي أن أعرف الله الذي هو غيب الغيب، وباطن الباطن، بعقلي؟ أوليس هذا تكليف بما لا أطيق؟

أقول: عَلِم الله تلك الحقيقة فأنشأ المُعلم، واتصل به بوحي منه ، وعرّفه بنفسه، وأمره أن يُعرّف الناس بربهم.

وهذا المُعلم هو الإمام، ولا يترك الله الدنيا بغير مُعلم. وكيف يتركها بغير إمام، وقد افترض عليها معرفته ؟

أيكفي أن بعث الله آدمَ منذ آلاف السنين؟

ولماذا أرسل في شيع الأولين؟

ثم توقف بعد بعثة خاتم النبيين؟

لو توقف الله عن بعثة إمام يُعرّف الناس بربهم، وفي نفس الوقت يكلف الله الناس بمعرفته، فهذا تكليف بما لا يطيقون.

ولا يعثر المرءُ على الإمام حتى يستسقي معرفة الله . قال تعالى

وَإِذْ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً (البقرة 61)

لابد من أن تستسقي المعرفة أولا عندئذ سوف يُفجر الله لك الينبوع وهو الإمام. فالمتدين الحقيقي هو الذي يتخذ الدين شغلا له، يهتم به ويبحث في علومه ويعمل الصالحات من العبادات والأخلاق الحسنة. ومن لا يطلب لا يُعطى، ومن لا يستفتح لا يُفتح له، ومن يستغني يُستغنى عنه. ومن لا يُظهر الحاجة والفقر إلى معرفة الله لا يُعطى الصدقات، فإن الله يقول

إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ (التوبة 61)

الدليل على الحب الإلهي

كل إنسان يريد أن يدخـل الجنة ولكـن لا أحـد يريد أن يـموت.

مَن يزعم محبة الله، والرغبة في الدار الآخرة، ثم يحزن على ضياع الدنيا من يده، أتراه صـادقا في زعمـه؟

مَن هو الصادق إلا الذي يُصدّق قولَه عملُه.

مَن هو الزاهد؟

إذا كان الزاهد هو الفقير الذي لا يملك شيئا، فبأي شيء يزهد؟

إن الزاهد الحقيقي هو الذي تأتي الدنيا بين يديه ومع ذلك يتركها. هو الغني الذي يستطيع أن ينال كل ملذات الدنيا وبالرغم من ذلك يتركها. وكذلك سير الزاهدين.

أما الفقير، أو الذي لا يستطيع أن ينال شيئا من متاع الدنيا فهو ليس بزاهد.

قال المازني:

عزوفا عن الدنيا ومن لم يجد بها مراداً لآمال تعلل بالزهد

المُحب هو من يجد في نفسه شعوراً بالرغبة في الابتعاد عن الدنيا والميل إلى الآخرة.

بعد ذلك يتعرض للاختبارات، هنا يظهر حقيقة شعوره بالميل إلى الآخرة، هل هو شعور حقيقي أم شعور مزيف؟

إذا نجح في الاختبار وتجاوز الفتنة فهو مُحب فعلا.

إذا سقط في الفتنة فهو ليس بمُحب، وشعوره بالميل إلى الآخرة شعور مزيف.

لقد تولد في يوسف شعور بالميل إلى الآخرة، وتعرّض للفتنة، ونجح فيها.

وتولد في إبراهيم شعور بالميل إلى الآخرة، وتعرض للفتنة، ونجح فيها.

وكل نبي يمر بهذا الشعور ثم الفتنة ثم النجاح. أولئك هم المتدينون حـقاً.

الحب الإلهي عند المسيح الموعود

ما ذكرناه آنفاً لم يكن إلا فهماً لكلمات إمام العصر المسيح الموعود ، ففي قصيدته ” يا مَن أحـاط الخـلقَ  بالآلاءِ” رسم لنا إمامُنا وهادينا ومسيحُنا ومهدينا، الطريق الذي يجب أن نسير فيه حتى نصـل إلى معـرفة الله ، فبدأ بالالتفـات إلى وجـود الله حـيث قال:

يا مَن أحـاط الخـلقَ  بالآلاءِ

نُثـني عليك وليس حولُ  ثناءِ

ثم طلب المعرفة فقال:

إنّا رأينا  في الظـلام  مصيـبة

     فارحَـمْ وأَنْزِلْنا  بدار ضـياءِ

فوصل إلى المحبة فقال:

أعطيـتَني كأس المحـبة  رَيْقَها

     فشربتُ رَوحاءً على رَوْحـاءِ

ثم نجح في ابتلاءات الدنيا فقال:

لما رأيتُ كمال  لطفك  والندا

     ذهَب البلاء فما  أُحِسُّ  بلائي

إني تركتُ  النفس مع  جذباتها

      لما أتـاني طالبُ الطـلبـاءِ

متْـنَا بمـوت لا يراه عـدوُّنا

     بعُدتْ  جنازتُنا  من الأحـياء

ومَثل مَن يكتفي بالشعائر والطقوس من دون العقيدة الصحيحة، كمثل رجل بنى بيتاً فجعله أحسن ما يكون من الخارج، وتركه من الداخل خرابا يباباً. فمهما زاد من حسنه في الخارج، لا يصلح للسُكنى من الداخل ويظل خاوياً خرباً.

فاصطفاه الله ليكون آدم هذا الزمان، فقال:

اللهُ أعطـاني حـدائق علمِـه

     لولا العـناية كنتُ كالسفهاءِ

وقد اقتضتْ زفراتُ مرضَى مَقْدَمي

       فحضرتُ حمّالاً كؤوسَ شفاءِ

ومَن يريد الله، فهذا هو باب الله، فيا أيها المرضى هذا هو الطبيب، ومعه كؤوس الشفاء.

Share via
تابعونا على الفايس بوك