سر الخلافة (10)
    • إن الضالين عن سبيل الله يحاولون بكل ما أوتوا من تفكير سيئ ليجملوا طريق الكفر بأعين الناس الغير واثقين بإيمانهم
    • عظمة اللغة العربية التي استخدمها المسيح الموعود في مؤلفاته ليكشف عن آيات آخر الزمان لهي دليل كاف على أنه هو المهدي المنتظر والمسيح الموعود

__

فحاصل البيان أن المهدي الذي هو مجدد الصلاح عند طوفان الطلاح، ومبلِّغ أحكام ربّ الناس إلى حد الإبساس، سُمّي مهديًا موعودًا وإماما معهودًا وخليفة الله رب العالمين. والسر الكاشف في هذا الباب أن الله قد وعد في الكتاب أن في آخر الأيام تنـزل مصائب على الإسلام، ويخرج قوم مفسدون ومن كل حدَبٍ ينسلون، فأشار في قوله مِنْ كُلِّ حَدَبٍ (1) أنهم يملكون كل خصب وجدب، ويحيطون على كل البلدان والديار، ويُفسدون فسادًا عاما في جميع الأقطار، وفي جميع قبائل الأخيار والأشرار، ويضلّون الناس بأنواع الحيل وغوائل الزخرفة، ويلوّثون عرض الإسلام بأصناف الافتراء والتهمة، ويظهر من كل طرف ظلمةٌ على ظلمة، ويكاد الإسلام أن يزهق بتبعة، ويزيد الضلال والزور والاحتيال، ويرحل الإيمان وتبقى الدعاوي والدلال، حتى يخفى على الناس الصراط المستقيم، ويشتبه عليهم المَهْيَع القديم. لا ينتهجون محجّة الاهتداء، وتزلّ أقدامهم وتغلب سلسلة الأهواء، ويكون المسلمون كثير التفرقة والعناد، ومنتشرين كانتشار الجراد، لا تبقى معهم أنوار الإيمان وآثار العرفان، بل أكثرهم ينخرطون في سلك البهائم أو الذياب أو الثعبان، ويكونون عن الدين غافلين. وكل ذلك يكون من أثر يأجوج ومأجوج، ويشابه الناس العضو المفلوج كأنهم كانوا ميتين.

ففي تلك الأيام التي يموج فيها بحر الموت والضلال، ويسقط الناس على الدنيا الدنيّة ويعرضون عن الله ذي الجلال، يخلق الله عبدًا كخلقه آدم من كمال القدرة والربوبية، مِن غير وسائل التعاليم الظاهرية، ويُسمّيه آدم نظرا على هذه النسبة، فإن الله خلق آدم بيديه وعلّمه الأسماء كلها، ومنّ منًّا عظيمًا عليه وجعله مهديا، وجعله من المستبصرين.

وكذلك سماه عيسى ابن مريم بالتصريح بما كان خلقه وبعثه كمثل المسيح، وبما كان سِرّه كسرّه المستور، وكانا في علل الظهور من المتحدين. وتشابهت فتن زمنهما وصور إصلاحهما، وتشابهت قلوب أعداء الدين. فالعلامة العظمى لزمان المهدي ظلمة عظيمة من فتن قوم يأجوج ومأجوج إذا علوا في الأرض وأكملوا العروج، وكانوا من كل حدب ناسلين(2). وفي اسم المهدي إشارات إلى هذه الفتن لقوم متفكرين. فإن اسم المهدي يدل على أن الرجل المسمى به أُخرج من قوم ضالين، وأدركه هُدى الله ونجاه من قوم فاسقين. فلا شك أن هذا الاسم يدل على مفاسد الزمان بمُجمَلٍ مَطْويٍّ من البيان، ويذكر من زمن الظلمات ووقت الظلامات وأوان نزول الآفات، ويشير إلى شوائب الدهر ونوائبه، وغرائب القادر وعجائبه من تأييد المستضعفين. ويدل بدلالة قطعية على أن المهدي لا يظهر إلا عند ظهور الفتن المبيدة والظلمات الشديدة، فإذا كثر الضلال وزاد اللدد والجدال، وعدم العمل الصالح وبقي القيل والقال، فيقتضي هذا الحال أن يهدي رجلا الربُّ الفعّال، وتتضرع الظلمة في الحضرة لينـزل نورٌ لتنوير المحجّة، فتنـزل الملائكة والروح في هذه الليلة الحالكة بإذن رب ذي القدرة الكاملة، فيُجعَلُ رجل مهديا ويُلقَى الروح عليه، ويُنوَّر قلبه وعينيه، ويُعطَى له السؤدد والمكرمة موهبة، ويُجعَل له التقوى حلية، ويُدخَل في عباد الله المنصورين. فإن البغي إذا بلغ إلى انتهاء، فهذا هو يومُ حكم وقضاء، وفصل وإمضاء، وعون وإعطاء، ولو لا دفعُ الله الطلاحَ بأهل الصلاح لفسدت الأرض ولسُدّت أبواب الفلاح ولهلك الناس كلهم أجمعين. فلأجل ذلك جرت سُنة الله أنه لا يُظهِر ليلة ليلاء إلا ويُري بعدها قمراء، وإنه جعل مع كل عسرٍ يُسرا، ومع كل ظلام نورا. ففكر في هذا النظام ليظهر عليك حقيقة المرام، وإن في ذلك لآيات للمتوسمين.

واعلم أن ظلمة هذا الزمان قد فاقت كل ظلمة بأنواع الطغيان، وطلعت علينا آثار مُخوفة وفتن مذيبة الجَنان، والكفار نسلوا من كل حدب كالسِّرحان ناهبين. فحان أن يُعان المسلمون ويُقوَّى المستضعفون، ويوهَن كيد الدجّالين. ألم تمتلئ الأرض ظلاما، وسفهت النفوس أحلاما، ونحَت الناس أصناما، وغلب الكفر وحاق به الظفر وقلّ التخفّر، فزخرفوا الزور الكبير وزيّنوا الدقارير، وصالوا بكل ما كان عندهم من لطم، وما بقي على كيد من ختم، واتفق كل أهل الطلاح، وصاروا كالماء والراح، وطفق زمر الجهال يتبعون آثار الدجال، ومن يقبل مشرب هذيانهم يكون خالصةَ خُلصانهم. ووالله إن خباثتهم شديدة، وأما حلمهم فمكيدة، بل هو أحبولة من حبائل ختلهم، ورَسَنٌ استمر من فتلهم، وستعرفون دجاليّتهم متلهّفين.

وإنهم قوم تفور المكائد من لسانهم وعينيهم وأنفهم وأُذنيهم، ويديهم وأصدريهم ورجليهم ومِذروَيهم، وأرى كل مضغة من أعضائهم واثبة كالماكرين. فسد الزمان وعمّ الفسق والعدوان وتنصرت الديار والبلدان؛ فالله المستعان. والناس يُدلجون في الليلة الليلاء ويعرضون عن الشمس والضياء، ويضيعون الإيمان للأهواء متعمدين. وأرى القسيسين كالذي أكثبَه قنصٌ، أو بدت له فرصٌ، وأجدهم بأنواع حيل قانصين.

ومن مكائدهم أنّهم يأسُون جراح الموهوص، ويرِيشون جناح المقصوص، لعلهم يُسخّرون قوما طامعين. يُرغّبون ضُلًّا بنَ ضُلٍّ، ويفرِضون له مِن كلِّ كثيرٍ وقُلٍّ، لعلهم يحبسونه بغُلٍّ، ثم يُسقطونه في هوّة الهالكين. يُبادرون إلى جبر الكسير وفكّ الأسير ومواساة الفقير، بشرط أن يدخل في دينهم الذي هو وقود السعير، ويرغّبونهم إلى بناتهم وأنواع لذاتهم ليغترّ الخَلق بجهلاتهم ويجعلوهم كأنفسهم مفسدين. فالناس لا يرجعون إليهم بأناجيل متلوّة، بل بخطبة مجلوّة أو بمال مجّان كالناهبين. ولا يتنصرون لأعتاب الرؤوف البَرّ، بل يهرولون لاحتلاب الدرّ لكي يكونوا متنعمين. وكذلك أشاعوا الضلالات ومدّوا أطنابها، وفتحوا من كل جهة بابها، وأعدّوا شهوات الأجوفَينِ ودعوا طُلابها، فإذا يُسِّرَ لأحد منهم العقد، أو أُعطِيَ له النقد، وآمَنوه مِن عيشٍ أنكَد، فكأَنْ قَدْ. وكذلك كانت فخُّ سِيَرهم، وشِباكُ حِيَلهم، ولأجلها اصطفّ لديهم زُمر من الكسالى، لا يعلمون إلا الأكل والشرب والدلال، ولا يوجد صغوُهم إلا إلى شرب المدام أو إلى الغِيد وأطايب الطعام، فيعيشون قرير العين بوصال العِين ووصول العَين. وكذلك لا يألو القسيسون جُهدًا في إضلال العوام، ويُنعمون على الذين هم كالأنعام، وينفُضون عليهم أياديَ الإنعام، ويوطنونهم أمنع مقام من الإكرام، وتراهم مكبّين على الحطام، كأنهم هُنَيدة مِن راغية، أو ثُلّة من ثاغية. فهؤلاء هم الدجال المعهود، فليَسْرِ عنك إنكارك المردود. وإن هذه الأيام أيام اقتحام الظلام، وأظلال خيام يوم القيام، وإنا اغتمدنا الليل واقتحمنا السيل مختبطين. وفي منازلنا طرق يضلّ بها خفير، ويحار فيها نحرير، وخوّفَنا يومنا الصعب الشديد، ورأينا ما كنا منه نحيد، وليس لنا ما يشجّع القلب المزءود، ويحدو النِضْوَ المجهود إلا ربنا رب العالمين.

والناس قد استشرفوا تلفًا وامتلأوا حَزَنًا وأسفًا، ونسوا كل رزء سلَفَ وكل بلاء زلَفَ، ويستنشئون ريح مُغيث ولا يجدون مِن غير نتن خبيث، فهل بعد هذا الشر شر أكبر منه يُقال له الدجال؟ وقد انكشف الآثار وتبينت الأهوال، ورأينا حمارًا يجوبون عليه البلدان، فيطِسّ بأخفافه الظرّانَ، ويجعل سَنةً كشهر عند ذوي العينين، ويجعل شهرا كيوم أو يومين، ويعجب المسافرين. إنه مركبٌ جوّاب لا تواهقه رِكاب، ولا ثنية ولا ناب، والسبل له جُدّدت، والأزمنة بظهوره اقتربت، والعِشار عُطّلت، والصحف نُشرت،ن والجبال دُكّت، والبحار فُجّرت، والنفوس زُوّجت، وجُعلت الأرض كأنها مطويّة ومزلف طرفيها، وتُركت القِلاص فلا يُسعى عليها. وليس هذا محلّ إلباس، بل أرصده الله لخير الناس، ولو كان من صنع الدجّالين. فهذه المراكب جارية مذ مُدّة، وليست سواها قعدة، وفيها آيات للمتفطنين.

فثبت من هذا البيان أن هذا هو وقت ظهور المهدي ومسيح الزمان، فإن الضلالة قد عمّت، والأرض فسدت، وأنواع الفتن ظهرت، وكثرت غوائل المفسدين. وكل ما ذُكر في القرآن من علامات آخر الزمان فقد بدت كلها للناظرين.

والذين يرقبون ظهور المهدي من ديار العرب، أو من بلدة من بلاد الغرب، فقد أخطأوا خطأ كبيرًا وما كانوا مُصيبين. فإن بلاد العرب بلاد حفظها الله من الشرور والفتن ومفاسد كفار الزمن، ولا يُتوَقَّع ظهور الهادي إلا في بلاد كثرت فيها طوفان الضلال، وكذلك جرت سُنة الله ذي الجلال. وإنا نرى أن أرض الهند مخصوصة بأنواع الفساد، وفُتحت فيها أبواب الارتداد، وكثر فيها كل فسق وفجور، وظلم وزور، فلا شك أنها محتاجة بأشدّ الحاجة إلى نصرة الله ذي العزة والقدرة، ومجيءِ مهديٍّ من حضرة العزّة. ووالله لا نرى نظير فساد الهند في ديار أُخرى، ولا فتنًا كفتن هذه النصارى. وقد جاء في الأحاديث الصحيحة أن الدجال يخرج من الديار المشرقية، والقرآن يشير إلى ذلك بالقرائن البينة، فوجب أن نحكم بحسب هذه العلامات الثابتة البديهة، ولا نتوجه إلى إنكار المنكرين.

والذين يرقبون المهدي في مكة أو المدينة فقد وقعوا في الضلالة الصريحة. وكيف، واللهُ كفل صيانة تلك البقاع المباركة بالفضل الخاص والرحمة، ولا يدخل رعب الدجال فيها، ولا يجد أهلها ريح هذه الفتنة. فالبلاد التي يخرج فيها الدجال أحق وأولى بأن يرحم أهلَها الربُّ الفعال، ويبعث فيهم من كان نازلا بالأنوار السماوية كما خرج الدجال بالقوى الأرضية كالشياطين.

وأما ما قيل أن المهدي مُختفٍ في الغار فهذا قول لا أصل له عند ذوي الأبصار، وهو كمثل قولهم أن عيسى لم يمت بل رُفع بجسمه إلى السماء، وينـزل عند خروج الدجال والفتنة الصمّاء، مع أن القرآن يُخبر عن وفاته ببيان صريح مبين. فالحق أن عيسى والإمام محمد أطرحا عنهما جلابيب أبدانهما وتوفاهما ربّهما وألحقَهما بالصّالحين، وما جعل الله لعبد خُلدًا، وكل كانوا من الفانين. ولا تعجَب من أخبار ذُكر فيها قصة حياة المسيح، ولا تلتفت إلى أقوال فيها ذكر حياة الإمام ولو بالتصريح، وإنها استعارات وفيها إشارات للمتوسّمين.

والبيان الكاشف لهذه الأسرار، والكلام الكامل الذي هو رافع الأستار، أن لله عادة قديمة وسُنّة مستمرة أنه قد يُسمّي الموتى الصالحين أحياء، ليفهِّم به أعداءً أو يبشِّر به أصدقاءً، أو يُكرم به بعض عباده المتقين، كما قال في الشهداء: لا تحسبوهم أمواتا بل أحياء، ففي هذا إيماء إلى أن الكافرين كانوا يفرحون بقتل المؤمنين وكانوا يقولون إنّا قتلناهم وإنا من الغالبين. وكذلك كان بعض المسلمين محزونين بموت إخوانهم وخلانهم وآبائهم وأبنائهم مع أنهم قُتلوا في سبيل ربّ العالمين، فسكّت الله الكافرين المخذولين بذكر حياة الشهداء، وبشّر المؤمنين المحزونين أن أقاربهم من الأحياء وأنهم لم يموتوا وليسوا بميتين. وما ذكر في كتابه المبين أن الحياة حياة روحـاني وليس كحياة أهل الأرضـين، بل أكد الحيـاة المظـنون بقوله: عِنْـدَ رَبّهِمْ يُرْزَقُونَ *، وردَّ عـلى المنكـرين.

(2) الحاشية: هذه هي العلامة القطعية لآخر الزمان وقرب القيامة كما جاء في مسلم من خير البرية. قال قال رسول الله : تقوم القيامة والرومُ أكثر من سائر الناس. وأراد من الروم النصارى كما هو مُسلَّم عند ذوي الأدراس والأكياس والمحدّثين. منهاعلم أن القرآن مملوٌّ من الأنباء المستقبلة والواقعات العظيمة الآتية، ويقتاد الناس إلى السكينة واليقين، وعِشاره تخور لحمل السالكين في كل زمان، وأعشاره تفور لتغذية الجائعين في كلّ أوان، وهو شجرة طيبة يؤتي أكله كل حين، وذُلّلت قطوفه في كل وقت للمجتنين. فما من زمن ما له من ثمر، ولا تعطل شجرته كشجرة عنبٍ وتمرٍ، بل يُرِي ثمراته في كل أمر، ويُطعم مستطعمين. ومن أعظم معجزاته أنه لا يغادر واقعة من الواقعات التي كانت مفيدة للناس أو مُضرّة، ولكن كانت من المعظمات، كما قال : فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ *، وفي هذا إشارة من رب عليم إلى أن كل ما يُفرَق في ليلة القدر من أمرٍ ذي بال، فهو مكتوب في القرآن كتاب الله ذي كل عظمة وجلال، فإنه نزل في ليلة القدر بنـزول تام، فبورك منه الليل بإذن رب علام؛ فكل ما يوجد من العجائب في هذه الليلة يوجد من بركات نزول هذه الصحف المباركة؛ فالقرآن أحق وأولى بهذه الصفات، فإنه مبدأٌ أوّلُ لهذه البركات، وما بوركت الليلة إلا به من ربّ الكائنات، ولأجل ذلك يصف القرآن نفسه بأوصاف توجد في ليلة القدر، بل الليلة كالهلال وهو كالبدر، وذلك مقام الشكر والفخر للمسلمين.

وإني نظرت مرارا فوجدتُ القرآن بحرا زخّارًا، وقد عظّمه الله أنواعا وأطوارًا، فما للمخالفين لا يرجون له وقارًا، وأنكروا عظمته إنكارا؟ ويتكئون على أحاديث ما طهِّر وجهها حق التطهير، ويتركون الحق الخالص للدقارير، ولا يخافون ربّ العالمين. وإذا قيل لهم تعالوا إلى كتاب سواء بيننا وبينكم لتخلصوا من الظلام وتُفتَح أعينكم، قالوا كفى لنا ما سمعنا من آبائنا الأوّلين. أوَلو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا من حقائق الدين؟

وإني فكرتُ حق الفكر، فوجدتُ فيه كل أنواع الذكر، وما من رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين. ومن أنبائه أنه أخبر عن نشر الصحف في آخر الزمان، وكذلك ظهر الأمر في هذا الأوان، وقد بدت في هذا الزمن كتب مفقودة بل موؤودة حتى إن كثرتها تعجب الناظرين. وظهرت كل وسائل الإشاعة والكتابة، ولا بد من أن نقبل هذا الأمر من غير الاسترابة، وإن كنتَ في شك من هذا فأْت نظيره من زمن الأولين.

ومن أنباء العليم القهار أنه أخبر من تعطيل العِشار وتفجير البحار وتزويج الديار، فظهر كما أخبر، فتبارك عالم غيوب السماوات والأرضين. وأخبر عن قوم ذوي خصب ينسِلون مِن كل حدَبٍ ويعلُون علوًّا كبيرًا، ويُفسدون في الأرض فسادًا مبيرًا، فرأينا تلك القوم بأعيننا ورأينا غلوَّهم وغلبتهم بلغت مشارق الأرض ومغاربها. تكاد السماوات يتفطرن من مفاسدهم، يلبِسون الحق بالباطل وكانوا قومًا دجّالين. اتخذوا الحلم والإطماع والتحريف المنّاع شبكةَ الإضلال، وأهلكوا خلقا كثيرا من هذا التثليث كالمغتال، وكل من يقصد منهم طُرق الغول الخبيث فلا بدّ له من هذا التثليث. فيُهلكون بعض الناس بالحلم المبني على الاختداع بأنواع الأطماع، وبعضًا آخر بظلام التحريف الذي هو عدو الشعاع، وكذلك يُضلّون الخلق متعمدين. وما نفَعهم حديثُ الأب والابن وروح القدس، وإن هو إلا الحديث، ولكن نفعهم هذا التثليث ففازوا بمطالب الخبث والرجس، فعجبتُ لهم كيف أُيِّدوا من روح القدس، ونسلوا من كل حدب فرحين. ولكل أمر أجل، فإذا جاء الأجل فلا ينفع الكائدين كيدهم ولا يطيقون قِبَل الصادقين. منه

* الدخان:5

Share via
تابعونا على الفايس بوك