إنهم يتهمون الله بعدم المروءة

إنهم يتهمون الله بعدم المروءة

هاني الزهيري

  • الله ومختاريه
  • محمد رشيد رضا ووفاة المسيح الناصري
  • ينبوع المسيح الموعود هو القرآن
  • ذكر لبعض إنجازات المسيح الموعود

__

تصوّر أنّ مرشحًا للرئاسة لم يجد إلا أحد المعروفين بالفساد والرشوة قد انبرى يشرح للناس عن برنامجه الانتخابي ومحاسنه، فماذا ستكون ردّة فعل هذا المرشَّح؟ إذا كان انتهازيا وعديم المروءة فقد يفرح لذلك، ويقول: لا بأس بذلك ما دام هذا الشرّير يتقن هذه الدعاية مجانا، إن كان لديه ذرة من الحياء فإنه يسارع في منع هذا الشرّير من أن ينظِّر لبرنامجه حتى لو تطوّعًا، وإذا رفض فسيسخط عليه ولا بد أن يعاقبه إن كان لديه قدرة على ذلك، ولا بدّ أن يختار الأخيار من الناس لهذا الغرض. هذا كله على فرض أنّه يمكن أن يوجد فاسد يجد في نفسه حماسةً بالغة لنشر الخير، وهذا افتراض جدلي بحت، وإلا فالفاسد يسعى لنشر الفساد، وأما نشر الصلاح فلا يتحمس له سوى الصالحين. سألني البارحة شيخ باكستاني متعصب بعد ندوة عُقدت في تورنتو كندا: كيف صرتَ أحمديًّا؟ فقلتُ له: القصة طويلة، ولا وقت لسردها، لكني سأذكر لك اللحظة الأخيرة منها، فقد كنتُ أقرأ في تفسير المنار لرشيد رضا عن تفسير آيات وفاة المسيح ، حيث يقول رشيد رضا بوفاته، ولكن السؤال الذي طرحه على نفسه: “إذا كان المسيح قد نجا من أعدائه بعناية إلهية خاصة، فأين ذهب؟ ولماذا لم يقْفُ له أحدٌ على عين أو أثر؟” ثم “أين ذهب بعد ذلك؟” وقد حاول رشيد رضا الإجابة فلم يستطع إلا بأن أفرد عنوانا خاصا بالمسألة، وهو: “القول بهجرة المسيح إلى الهند، وموته في بلدة سَري نَكر في كشمير”.. وتحت هذا العنوان ذكر قول ميرزا غلام أحمد في تحديد قبر عيسى ، وفي هجرته لتبليغ القبائل الإسرائيلية في الشرق، وكان واضحا أن رشيد رضا يؤمن بما ينقل؛ ليس لدقته وإسهابه في نقْل ذلك فحسب، بل لنقْله الأدلة القرآنية على هذا التفسير، ولعدم نقْله رأيا آخر. ثم تعليقه الشهير “ففراره إلى الهند وموته في ذلك البلد ليس ببعيد عقلا ولا نقلا”. وكان واضحا أن رشيد رضا يتبنى قول ميرزا غلام أحمد في مسألة من أخطر المسائل.. وكان واضحا أنه لم يستطع الردّ على شبهة النصارى إلا باللجوء إليه.فقلتُ للشيخ الباكستاني: قلتُ حينها في نفسي: هل يقبل الله تعالى أن يكون على يد رجل متقوِّل قولُ الحقّ المتكامل في هذه القصة الأساسية والتي عليها تختلف أهمّ الأديان؟ وحيث إنّ المتقوّل هو شرّ الناس، فهل يقبل الله تعالى أن يكون هذا الكشف على يد شرّ الناس؟ إنّ من يقول بذلك فإنه يتّهم الله بعدم المروءة، إذ يقبل أن ينتشر الخير بهذا الطريق. ثم تابعتُ أقول: حين آمنتُ بالمسيح الموعود لم أكن أعرف الكثير، ولكن بعد ذلك بدأت تتبيّن الحقائق، وبدأ يتّضح أن عويصات المشكلات كان حلّها على يد المسيح الموعود ، والقول بأنه متقوّل إساءة بالغة لله واستخفاف به ويؤدي إلى أن يسْوَدَّ القلب. وفي كل مرة كان إيماني يزداد. في كل ندوة من ندواتنا العديدة في كندا يُبهت العرب من أقوال جماعتنا في حلّ مشكلات العالم العربي الحالية، حيث الاقتتال في كل مكان. وخصوصا حين نقرأ لهم عبارات المسيح الموعود التي يخاطب فيها الشعوب: “واعلموا أنكم إن كنتم صالحين لأصلحَ الملوك لكم، وكذلك جرت سُنّة الله لقوم يتّقون. وانتهوا من إطراء ملوك الإسلام واستغِفروا لهم إن كنتم تنصحون…. وإنهم ملكوا رقابكم وأعراضكم وأموالكم، فانصحوا للذين يملكون. وقد جعلهم الله لكم كمُعِدّات، وجعلكم لهم كآلات، فتعاونوا على البر والتقوى إن كنتم تخلصون. ونَبِّهوهم على سيئاتهم، وأَعثِروهم على هفواتهم، إن كنتم لا تنافقون”. (الهدى والتبصرة لمن يرى)هل كان لمتقوِّل أن يأتي بمثل هذه النصائح التي هي من صُلب القرآن الكريم؟ هل كان له أن يكتشف هذه اللآلئ الغائبة؟ هل يقبل الله تعالى أن يكون نشرُ هذه القيم الإسلامية العظيمة على يد متقوِّل وجماعته؟ لماذا يتهمون الله تعالى ولا يقدرونه حقّ قدره؟ عمّ أتحدث؟ فعظائم الأمور التي حلّها المسيح الموعود والإمام المهدي عديدة، ويكفي أن نذكر منها:

1: بيّن حضرته فلسفة الجهاد في الإسلام في وقت كان المشايخ متفقين فيه على أن الجهاد عدوانيّ. وقد كان توضيح حضرته ضروريا جدا في عصرٍ باتت فيه الحرية الدينية من المسلَّمات، فلو ظلّ الفكر الإسلامي على ما كان عليه لشكّل ضربة قاصمة للدين كله ولَزَعْزَعَهُ من جذوره، ولاستغلّه العالم للاتحاد ضد المسلمين والسخرية من دينهم. وقد بيّن حضرته ذلك في وقت لم يكن يخطر ببال عالم أن يقول بمثل ذلك، بل كان قد استقرّ في أذهانهم أن الجهاد فُرض لقتال الناس وإخضاعهم للإسلام بغض النظر أسالَمونا أم حارَبونا. وفي هذا السياق بيّن أن مهمة المهدي المسيح مهمة فكرية لا دموية، وبيّن أن الدجال يواجَه بالحجج لا بالقتال. وبيّن أن القرآن لا نسخ فيه، وأن الجهاد لم يمرّ في مراحل نَسَخت الأخيرةُ منها ما سبقها. فهل ينبوعُ المعرفة هذا مصدرُه متقوِّل؟

2: التفسير المتكامل لعلامات الساعة، وخصوصا الدجال ويأجوج ومأجوج ودابة الأرض، وقد كان تفسيرا منسجما مع النصوص كلها ومع العقل والمنطق.

3: التفسير المتكامل لمعجزات الأنبياء، فقال: “إن صفات كل نبيّ ومعجزاته تنعكس في أفراد من أمته من الذين يصطبغون بصبغته ويفنَوْن فيه …. لا يوجد أي معجزة أو أمر خارق للعادة لنبي من الأنبياء إلا ويشاركه فيه ألوف من الناس”. وبهذا قضى على فكرة تفوُّق أي نبي على نبينا محمد في أي مجال، وجعل ذلك دعامة من دعائم تفسير “خاتم النبيين”.

4: التفسير المتكامل لقصص الأنبياء في القرآن، حيث قال: إنه ما من قصة في القرآن عن نبي إلا جاءت تصحِّح ما أشيع عنه في الكتب السابقة. وبهذه القاعدة قضى على كثير من الأخطاء التي شاعت في التفاسير، والتي زادت سوءا عما تقوله التوراة في بعض القضايا.

5: فلسفة تعاليم الإسلام، حيث بيّن في كتاب بهذا العنوان الحكمةَ من وراء التعاليم الإسلامية، وبيَّن تفوق الإسلام على كل الأديان.

6: بيّن حضرته مكانة الحديث في الإسلام، وبيّن أن القرآن هو الحَكَم عليه وليس العكس كما كان معروفا، وفرَّق بين السنة والحديث. وبهذا قطع الطريق على المشككين في السنة بسبب ردة فعلهم على المتطرفين في اعتبارها مثل القرآن. وأعاد للمبادئ الإسلامية القرآنية اعتبارها بعد أن أوشكت أن يُقضى عليها بسبب تقديم المروِيّات الضعيفة عليها. 7: بيّن حضرته تفوّق الإسلام على الأديان كلها من خلال مقارنات واسعة في كثير من المجالات. ولا شك أن هذا ضروري في عصر السفر والتقاء الحضارات وتعرف الكل على الكل. وفي هذه النقطة يطول الحديث. لنتخيل الآن أن الله تعالى لم يبعث المسيح الموعود والإمام المهدي ، ولنتخيل أن المسلمين لا يزالون يقولون بالجهاد الهجومي وبقتل المخالفين لهم، وبالتمييز على أساس ديني، وأنهم لا يزالون ينتظرون مهديا دمويا ودجالا ضخما، وأنهم لا يزالون يؤمنون بالأحاديث التي تعارض القرآن، ولا يزالون يُضحكون الناس عليهم بإيمانهم برضاع الكبير وبسحر الرسول وبتلبس الجن وبتفسيرات قصص النبيين بطريقة خرافية، وأنهم لا يزالون يقولون بالناسخ والمنسوخ.. فكيف سيواجهون الدجال؟ هل كانوا سيقفون أمام قنوات الدجال ببضاعتهم الخَرِبة؟وها هي التصحيحات التي دعا لها المسيح الموعود قد استقرَّت ورسخت وتجذَّرت في قلوب الملايين من الأحمديين، وفي قلوب الملايين من غيرهم أيضا الذين تأثروا بهم. وها هي قنواتُ الأحمدية ومواقعهم صارت قبلةً لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ . لم يستطع الشيخ أن ينبس ببنت شفة حول ما قلناه، ولم يكن يعرف سوى أنّ أبا بكر الصديق قد حارب المرتدين لمجرد ردتهم، أو ادعائهم النبوة، وأن على الدولة الإسلامية أن تحارب أي جماعة تتبع مدعي النبوة! حاولنا بكل الأدلة أن نبين له حقيقة ما قام به أبو بكر رضي الله عنه، وأنّ الذين حاربهم معتدون أو متمردون، وليسوا مجرد أناس يتبعون فكرا مخالفا، وأتيناه بآيات قرآنية وحديثية لا يسهل حصرها، لكن لم نستفِد من ذلك سوى أنه تبيّن لنا عمليا معنى قوله تعالى صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (البقرة 171).

Share via
تابعونا على الفايس بوك