الطريق إلى الله
  • تزكية النفس والأخلاق الحسنة سبيل إلى الله
  • الطريق إلى ملكوت الله
  • الإرشاد الإسلامي في الوصول إلى ملكوت الله
  • الرهبانية ليست دليل على قتل النفس وصفاءها
  • دور الشيطان في الإضلال
  • المجاهدة والرياضة الروحية لتهذيب النفس

__

إن الهدف الذي من أجله خُلق الإنسان هو الوصول إلى الله سبحانه وتعالى والتعرف إليه وحبه وعبادته. ولكي يحقق الإنسان هذا الهدف لا مفر من أن يعرف الطريق الذي من خلاله يصل إلى محبة الله ومعرفته.

وهذا الطريق هو طهارة النفس والقلب. مهما قام الإنسان بعبادات طويلة وكثيرة ولم يُطهر قلبه ونفسه من كل فكرة خبيثة ومن كل عقيدة فاسدة فلن يصل إلى شيء.

إن الأخلاق الحسنة وتزكية النفس وتطهيرها – ولو اقتصر على العبادات المفروضة فقط- يوصلان الإنسان إلى ربه سبحانه وتعالى. أما العبادات فقط مهما كثرت وطالت فليس من الضروري أن تؤدي به إلى النتيجة المرجوة.

كانا صديقان يسيران في طريقٍ فمرا بمسجد بداخله شيخ يعظ الناس ويُلقي عليهم آيات الله سبحانه وتعالى، فقال أحدهما للآخر هلم ندخل إلى المسجد نستمع لكلام الله والوعظ. فأجابه صاحبه بل هيا نذهب إلى المكان الفلاني وهناك نجد فتيات حسناوات فنقضي معهن وقتاً سعيداً.

رفض صاحبه أن يذهب معه إلى المكان المشبوه وأصرّ على أن يدخل إلى المسجد. فدخل هذا إلى المسجد وذهب ذاك إلى المكان المشبوه.فلما وصل إلى المكان المشبوه ورأى ما يحدث فيه من منكرات، قال في نفسه ما هذا الذي فعلت؟ أأترك كلام الله سبحانه وتعالى من أجل لحظات فانية! ما أسعد صديقي الآن وما أعظم درجته عند الله سبحانه وتعالى. وهمّ بالخروج من المكان الفاسد.

وكان صديقه الآخر جالسا بين يدي الشيخ يستمع إلى آيات القرآن الكريم وأحاديث النبي وأقوال الصالحين، وفي نفس الوقت كان ذهنه مستغرقاً في تفكير عميق في الفتيات الحسناوات ويتخيل السعادة التي يشعر بها صديقه الآن ويقول في نفسه لماذا لم أذهب مع صديقي وأقضي وقتا سعيداً، إن كل ما يقوله هذا الشيخ قد سمعته سابقاً فما الداعي للاستماع إليه مرة أخرى؟

الحق أن الذي ذهب إلى المكان المشبوه كان قلبه أطهر من الذي ذهب إلى المسجد، بالرغم من أن الثاني كان موجوداً بجسده في المسجد إلا أن قلبه كان مع المعصية، والذي ذهب إلى المكان المشبوه كان قلبه مع الله.

إن العبادات وحدها لا تجعل الإنسان صالحا، والانعزال عن الحياة بحجة ممارسة العبادة وذكر الله لا تعني أن هذا الإنسان صالحا فعلاً، وإنما طهارة الفكر والقلب مع ممارسة العبادات هي التي تجعل الإنسانَ صالحاً.إن الذي يؤدي الصلوات والصيام ويدفع الزكاة ويذهب للحج والعمرة، ولكن قلبه مكتظ بالطمع والغيرة والكراهية وأفكار الاضطهاد الديني والعنصرية والكبرياء، فإنه ينحط إلى الشيطان بدلاً من أن يرتقي إلى الرحمن. إن الله سبحانه وتعالى لم يطلب جسداً صوّاماً قوّاماً ونفساً خبيثة، بل يطلب ما افترضه علينا وقلباً سليماً.

يستغرق المؤمنون دائما في تفكير عميق عن آخرتهم وما بعد الموت، ويقولون في أنفسهم لو كان بوسعنا أن نعرف هل نحن من أهل الجنة أم من أهل النار. هل من الممكن أن نعرف نتيجة أعمالنا ونحن لا نزال في الدنيا؟ هل من الممكن أن يعرف المرء إذا كان الله سبحانه وتعالى يتقبل أعماله أم لا؟

ومن ناحية أخرى يتخذ غير المؤمنين هذا الأمر وليجة لانتقاد المتدينين، ويقولون لهم أنتم تشترون سمكاً لا يزال في البحر، أو تدفعون ثمن بضاعةٍ لم تحصلوا عليها بعد. فمثلا يقول فراس سواح في كتابه (الأسطورة والمعنى- ص26):

“لنفرض أن سائلا سأل عن الطريق إلى الكنيسة، فقال له أحدهم “استمر في هذا الطريق ثم انعطف في الطريق الثاني إلى اليمين وهناك ستجد الكنيسة”. إن مثل القول يحتوي إرشاداً لأن السالك بعد بضع دقائق سوف يعرف نتيجة عمله بهذا الإرشاد، فإما أن يجد الكنيسة وإما أن لا يجدها. لقد وصل صاحبنا إلى الكنيسة فعلا وهناك سأل الكاهن عن الطريق إلى ملكوت السماوات. فقال له: “تبرع بكذا لصندوق الكنيسة وأشعل شمعة أمام المحراب و….الخ، وحين تموت فإن روحك تذهب إلى ملكوت السماوات”..فدفع الرجل وأشعل شمعة وفعل كل ما هو مطلوب من مسيحي مؤمن.

ولكن هذه النظرية الثانية لا تقدم الإرشاد للممارسة كما فعلت الأولى عندما دلته على الطريق إلى الكنيسة. ذلك أن الموضوع هنا يتعلق أولا بالروح، وهي ليست مما يمكن التأكد منه بأية طريقة عملية، وثانيا لأن ذهاب الروح إلى الملكوت شأن لا يمكن اختباره بالتجربة. من هنا فإن النظرية لا يمكن إثبات زيفها من صحتها. لقد تلقى الرجل في مثالنا هذا تعليماتٍ عليه أن يثق بها دون مساءلة، ولم يتلق إرشاداً، لأن الإرشاد من شأنه أن يكشف لك عن صحة ما قيل أم خطئه. لقد وضعت أمامه تفاصيل الفعل ولكن الهدف الذي يتوجب عليه تحقيقه من وراء هذا الفعل يقع خارج المعرفة العملية، ولا يمكن الجزم بإمكانية تحققه أو عدمها”

ومثل هذه الأفكار لا توجد فقط عند غير المؤمنين بل توجد مع الأسف في أذهان بعض المؤمنين أيضا. والحقيقة أنها فكرة خاطئة تماما. حيث إن الإسلام لا يقدم مجرد تعليمات إذا فعلتها سوف تدخل الجنة في الآخرة من دون أن يُقدم الدليلَ على صحتها في الحياة الدنيا.

يقول الله سبحانه وتعالى:

إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا الله ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (فُصّلت 31).

أي أن المؤمنين الصالحين تتنـزل عليهم الملائكة في الحياة الدنيا وتخبرهم بأنهم من أهل الجنة فيجب ألا يخافوا ولا يحزنوا.

أي أنك لو اعتقدت أنه بقوة إيمانك وقدرتك أنت تفعل الطاعات فإن ذلك يملأ قلبك بالكبر والإعجاب وإهمال الشكر لله سبحانه وتعالى، ولكن عليك أن تعلم أن الله سبحانه وتعالى هو الذي منَّ عليك ويسير لك سبيلاً للقيام بهذه الطاعات.

ولكي يصل الإنسان إلى هذه المنـزلة لا بد من أن يعبد الله بعقيدة وعبادة سليمتين.ولكي يصل إلى العقيدة والعبادة السليمتين لا بد من أن يتحلى بالأخلاق الفاضلة والصفات الحسنة، وأن يُطهر نفسه وقلبه من كل فكرة شريرة. ولذلك يقول المسيح الموعود في كتابه حقيقة الوحي:

“والحق أن صفاء الوحي والإلهام يعتمد على صفاء النفس. والذين كانت في نفوسهم قذارة، وُجدت القذارة نفسها في وحيهم وإلهامهم أيضا.”

فيا كل من تريدون الهداية من المسلمين أو من غير المسلمين، عليكم أن تطهروا نفوسكم وتخرجوا من أذهانكم أفكار الكراهية والبغضاء والشهوات وحب الذات وحب الدنيا، فإن الأخلاق الفاضلة وحب الناس ومساعدتهم ونشر السلام والأمن في المجتمع يصل الإنسان من خلالها إلى النور والهداية.

ومن الممكن أن يعترض معترضٌ ويقول:

إن كان الأمر كذلك فإن الرهبان في الأديرة الذين يقتلون أنفسهم في عبادة الله سبحانه وتعالى هم أحق بالوحي الإلهي والهداية، فلماذا لا يهتدون إلى الإسلام؟

الجواب: إن الإنسان لا تظهر عليه حقيقة أخلاقة إلا عندما يمر باختبار، ولا يمكن أن نسمي الهروب من الحياة الدنيا إلى الصحاري والانعزال في الكهوف قتلاً للشهوات أو أخلاقاً حسنة.لابد للإنسان من أن تكون له زوجة وأولاد وأموال وأقرباء وأصدقاء وعمل يقوم به حتى يمر بهذه الاختبارات وتظهر حقيقة أخلاقه، ماذا يفعل إذا تعرض لفتنة المال أو النساء أو فتنة المرض، أو موت ابن له أو حبيب، ماذا يفعل إذا تعرض لفتنة الخصومة والعداوة.

لذلك لا نجد للرهبانية نموذجاً في سير الأنبياء عليهم السلام، فجميعهم ظهروا في مجتمعات فاسدة ومع ذلك لم يتركوها ولم ينعزلوا عنها في جبال أو كهوف، بل مروا بجميع الابتلاءات والاختبارات ونجحوا فيها ولذلك استحقوا تلك الدرجة الروحانية العظيمة وهى النبوة.

يُروى في التراث الهندي أن رجلا اسمه (نارادا) كان يعيش حياة الزهد وعبادة الله سبحانه وتعالى والانقطاع عن العالم، ويقوم برياضات روحية شاقة. وذات يوم قال في نفسه لا أظن أنه على وجه الأرض من هو أكثر عبادة لله مني ولا أكثر صلاحاً من نفسي. فأوحى الله سبحانه وتعالى إليه وقال: اذهب إلى المكان الفلاني وهناك تجد عبداً من عبادي الصالحين فصاحبه وتعرف إليه.

انطلق (نارادا) إلى حيث أمره الله سبحانه وتعالى، فوجد فلاحاً يعمل في الحقل. فطلب منه أن يستضيفه في بيته. وفعل الفلاح.

وأخذ (نارادا) يراقب الفلاح ليعرف ما الذي جعله مستحقا لأن يكون صالحاً في عين الله سبحانه وتعالى.

فوجده يستيقظ في الصباح ويذكر اسم الله ثم يحمل فأسه ويذهب إلى الحقل ويظل يعمل طيلة النهار، وفي المساء يعود إلى البيت ويتناول طعامه ثم يذكر اسم الله مرة أخرى ثم يخلد إلى النوم.

ظل (نارادا) في بيت الفلاح مدة من الزمن، والفلاح لا يفعل أكثر من ذلك. وفي إحدى الليالي خاطب (نارادا) ربَه قائلا: كيف تعتبر هذا الفلاح صالحاً وهو لا يذكرك إلا مرتين في اليوم فقط؟

فأوحى الله سبحانه وتعالى إليه قائلا: عليك أن تأتي بكأس من الزيت مُلئت إلى آخرها، وتطوف بها حول المدينة، واحذر من أن تسقط منها قطرة واحدة.

فعل (نارادا) ما أمره به الله سبحانه وتعالى وحمل الكأس وخرج يطوف حول المدينة ماشياً بحذر شديد واضعا كل تفكيره وتركيزه في الكأس لكي لا تسقط منها ولا قطرة واحدة.

ولما انتهى سأله الله قائلاً: الآن أخبرني كم مرة فكّرت بي وأنت تطوف بهذه الكأس؟أطرق (نارادا) رأسه وشعر بخجل شديد وقال: الحق أقول ولا مرة فكّرت بك.فقال الله سبحانه وتعالى: هذا الفلاح بالرغم من كل ما يشغله من عمله في الحقل والزوجة والأولاد ومتاعب الحياة، فإنه يذكرني مرتين في اليوم، أما أنت فبمجرد أن شغلتك كأسٌ من الزيت لم تذكرني ولا مرة واحدة.من هنا يتبين لنا أن الإنسان الذي ينعزل بعيداً عن العالم وينكب على عبادة الله سبحانه وتعالى لا تظهر حقيقة أخلاقه وإيمانه، بل هو نفسه لا يعرف حقيقة نفسه.

بل على العكس فإن كثرة العبادة من دون صلاح القلب وطهارة النفس قد تُهلك صاحبها، لذلك يقول ابن عطاء الله السكندري:”لا تُفرحك الطاعة لأنها برزت منك، وافرح بها لأنها برزت من الله إليك.”

أي أنك لو اعتقدت أنه بقوة إيمانك وقدرتك أنت تفعل الطاعات فإن ذلك يملأ قلبك بالكبر والإعجاب وإهمال الشكر لله سبحانه وتعالى، ولكن عليك أن تعلم أن الله سبحانه وتعالى هو الذي منَّ عليك ويسَّر لك سبيلاً للقيام بهذه الطاعات.

أنت والشيطان

اعلم أن الشيطان لا يخلق في الإنسان الرغبة في المعصية، وإنما يستغل ما هو موجود فيه أصلاً من الأخلاق السيئة والعادات الرذيلة. فإذا استطعت بقوة الله سبحانه وتعالى وقدرته أن تتخلص من كل أخلاقك السيئة ورغباتك السيئة فلن يكون للشيطان قدرة عليك ولا سلطان، لأنه لن يجد ما يستغله فيك.

التدريب سبيل التخلص من العادات السيئة

من الخصائص التي يتصف بها الإنسان، خاصية التكيّف. فالإنسان عندما ينتقل للعيش في مكان جديد أو بلدٍ جديد، أو يذهب للعمل في مكان جديد، فبعد مرور فترة من الوقت يعتاد المكان الجديد أو العمل الجديد ويتأقلم معه.

وهكذا إذا لم تجد الله في قلبك فلن تجده في أي مكانٍ آخر.

وبهذه الخاصية يستطيع الإنسان أن يتخلص من عاداته السيئة، فإن كان يقوم بمعصية قلبية أو جسدية، فإنه يستطيع التخلص منها بالتدريب، وهو ما يسميه الصوفية المجاهدة أو الرياضات الروحية.

وهناك بعض الأحاديث النبوية التي تشير إلى هذا المعنى، مثل قوله :

“مَنْ أَخْلَصَ لله أَرْبَعِينَ يَوْمًا ظَهَرَتْ يَنَابِيعُ الْحِكْمَةِ مِنْ قَلْبِهِ عَلَى لِسَانِهِ” ( مسند أحمد – باب الزهد.)

وربط الطاعات بفترة زمنية معينة يُشير إلى التدريب الذي بعده يصبح السلوك الذي كان يفعله أثناء التدريب من عادات الإنسان. فالذي يحافظ على الصلاة مدة أربعين يوما تصبح من عادته الصلاة، ومن يترك الكذب طيلة أربعين يوما يصبح الصدق من عاداته، وهكذا إذا لم تجد الله في قلبك فلن تجده في أي مكانٍ آخر.

Share via
تابعونا على الفايس بوك