إتمام الحجة على مكذبي الأنبياء و عذاب السماء
  • نظرة على قوم ثمود وزوالها.
  • العبرة والعظة لنا من الأمم السابقة.
  • فعالية وجدوى النظام الإسلامي.

__

وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آَمِنِينَ (83)

شرح الكلمات:

يَنحِتون: نَحَتَ الحجرَ سوّاه وأصلَحَه، وفي القرآن وتنحِتون من الجبال بيوتًا .. أي تتخذون. ونحَت الجبلَ: حفَره (الأقرب).

بيوتًا: البيوت مفرد البيت وهو المسكنُ، سواء كان من شَعْرٍ أو مَدَرٍ؛ الشرفُ؛ الشريفُ (الأقرب).

وقد سُمّي الشريف بيتًا لأن قومه يعيشون تحت ظله. وقد طالعت في أحد كتب التاريخ أبياتًا رائعة جميلة بهذا المعنى. فحينما توفي حضرة جُنيد البغدادي رحمه الله قال أحد الصوفية المجذوبين من بغداد في رثائه حين نظر إلى جثمانه الطاهر:

واأَسَـفى من فـراق قـومٍ

هُـمُ المصابيحُ والحـصونُوالمُـدنُ

والمُزن والـرواسي

والخير والأمـن والسـكونُ

لم تتغــيرْ لنـا الليــالي

حتى توفّـتهـمُ المُنــونُ

فكلُّ جَـمْـرٍ لنا قلـوبٌ وكلُّ مـاء لنا الـعـيونُ

(تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ج 7 ص 249)

لقد بيّن الشاعر هنا بغاية الروعة والجمال أن الأسياد في الروحانية هم بمنـزلة الحصون والمدن والسحب والجبال للدنيا، وكأن أهلها يعيشون بسببهم هم.

التفسـير:

تبيّن هذه الآية أن هؤلاء القوم كانوا يحفرون الجبال ويتخذون فيها بيوتًا لهم، وأنهم كانوا من القوة والمنعة بحيث لم يكن أحد يجترئ على محاربتهم.

يبدو من ذلك أن القوم كانوا ذوي حضارة عالية وثروات طائلة. كانت بلادهم تشتمل على السهول والجبال، وكانوا يتمتعون بالقوة والمنعة بحيث لم يكن يجرؤ أحد على شن الغارة على أرضهم حين كانوا يذهبون في موسم الحر إلى مصايفهم بالجبال للراحة والاستجمام؛ وهذا هو معنى قوله تعالى: آمنين ؛ أو معناه أنهم كانوا يذهبون إلى المناطق الجبلية آمنين لا خوفًا ولا تهربًا من عدو.

علمًا أن نحتهم البيوت في الجبال لا يعني أنه لم يكن لهم بيوت غيرها، وإنما فيه إشارة إلى المباني الخاصة الدالة على حضارتهم الراقية؛ إذ يبدو أن القوم اكتسبوا مهارة عالية في فن البناء والعمارة، وشيّدوا بعض المباني القومية بالحفر في الجبال، على طراز المبنى الشهير باسم “أليفنتا كيوز” في بومباي، فهو قطعة رائعة من فن الحفر الهندوسي، ويزوره السُّيّاح الأجانب بأعداد كبيرة.

فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ (84)

شرح الكلمات:

مصبِحين: أصبحَ الرجلُ: دخَل في الصباح. فأخَذَتْهمُ الصَّيحةُ مُصبِحين أي وهم داخلون في الصباح (الأقرب).

التفسـير:

يقول الله تعالى إن العذاب فاجأهم في الصباح الباكر. ويتضح من آيات أخرى أنهم أُهلكوا بزلزال حيث قال الله تعالى فأَخَذَتْهمُ الرَّجْفةُ فأصبحوا في دارِهم جاثِمين (الأعراف:79)..

أي أنهم دُفنوا تحت أنقاض بيوتهم التي دمرها زلزال عنيف، إذ لم يكن هناك من يخرج جثثهم من تحتها.

فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (85)

شرح الكلمات:

أغنى عنهم: أغنى عنه: أجزَأَه: ما يُغني عنك هذا أي ما يجدي عنك (الأقرب).

يكسِبون: كسَب الشيءَ: جمَعه. وكسَب مالاً وعلمًا: طلَبه وربِحه: كسَب الإثمَ: تحمَّله. كسَب لأهله: طلَب المعيشة (الأقرب).

التفسـير:

أي أنهم كانوا يبنون لحمايتهم مباني ضخمة شاهقة، ولكنها نفسها ضاعفت في عذابهم، لأن المبنى الضخم يكون أكثر عرضة للدمار أثناء الزلزال، إذ لا أمل في نجاة من يُدفَن تحته.

لقد حذّر الله هنا مشركي مكة بأنهم يتباهون بكثرة العدة والعتاد، ولكن عليهم أن يتذكّروا أن العذاب حين يحل بقوم فلا تنفعهم أموالهم ولا عتادهم شيئًا، وإنما تصبح عليهم وبالاً، وتزيدهم دمارًا.

وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (86)

شرح الكلمات:

فَاصْفَحْ: صفَح عنه صَفْحًا: أعرضَ عنه وترَكه، وحقيقتُه: ولاّه صفحةَ وجهِه؛ صدَّ عنه؛ أعرضَ عن ذنبه. وصفَح الناسَ: نظَر في أحوالهم. وصفَح في الأمر: نظَر فيه. والصَّفْح: الجانب. والصفح من الإنسان: جَنْبُه (الأقرب).

فالمراد من قوله تعالى فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الجميلَ : 1- أَعرِضْ عن المنكرين فلا حاجة للنقاش والجدال معهم، لأن الحجة قد قامت عليهم؛ 2- لا حاجة للاتصال بهم؛ 3- انظُرْ في أحوالهم جيدًا وادْرُسْها بدقة.

التفسـير:

يقول الله تعالى: تدبروا في نظام الكون لتعرفوا أخُلِق لغاية أم لا؟ فإن كل ذي عقل سليم لو أمعن النظر في هذه الصنعة الكونية لأدرك الغرض من خلق هذا النظام الهائل، وتوصَّل إلى أن الساعة آتية لا ريب فيها.

واعلم أن الساعة قد وردت في القرآن الكريم بمعنى القيامة وأيضًا بمعنى الموعد المضروب لهلاك معارضي الرسل وغلبة المؤمنين؛ وإن نظام السماوات والأرض يشكل برهانًا على وجود الساعة بالمعنيين. إنه دليل على القيامة، لأننا لو ظننا أن حياة الإنسان ستنتهي في هذه الدنيا ولا حياة له بعد الممات فهذا يعني أن الله تعالى خلق هذا الكون الهائل فقط ليخلق فيه هذا الكائن ليأكل ويشرب بعض الوقت ثم يفنى. وهذا الظن مخالف للعقل السليم بتاتًا، إذ إن خلق هذا النظام الهائل يحتّم أن يكون وراءه غاية كبرى. وهذه الغاية لا تتحقق – فيما يبدو – في حياة الإنسان القصيرة، مما يستلزم ألا تنحصر حياته في الفترة الدنيوية، بل تمتد إلى زمن أطول يحقق فيه غاية عظيمة تليق بهذا النظام الكوني العظيم.

الحق أننا لو تدبرنا في الكون لوجدنا أن أحقر شيء فيه أيضًا – بَلْهَ نظامَ الكون كله- عظيمٌ لدرجة تفوق تصوراتنا، فقد أودع اللهُ هذا الشيءَ الحقير أيضًا من الأسرار ما لا نهاية لـه. خذوا البدن الإنساني مثلاً، فإن نظامه معقد لدرجة أن مئات الآلاف من الأطباء وعلماء الأبدان كانوا ولا يزالون عاكفين على معرفة كُنه البدن الإنساني وحقيقته، ولكنهم اعترفوا بفشلهم إذ لا يجدون لأسراره نهاية. لقد حقق أهل أوروبا تقدمًا علميًّا عظيمًا بعد نزول القرآن الكريم، ومع ذلك ما استطاعوا أن يحيطوا بأسرار الجسم الإنساني كلها. أفليس من الغباء – والحال هذه – أن يقال عن هذا الكائن الإنساني، الذي تأسس خلقُه على خلقِ هذا الكون الشاسع والمعقَّدِ النُظمِ والقوانينِ بهذا الشكل المحير، أنه أتى الدنيا ليأكل ويشرب لبعض الوقت ثم يفنى للأبد.

أي أنهم كانوا يبنون لحمايتهم مباني ضخمة شاهقة، ولكنها نفسها ضاعفت في عذابهم، لأن المبنى الضخم يكون أكثر عرضة للدمار أثناء الزلزال، إذ لا أمل في نجاة من يُدفَن تحته.

كما أن نظام الكون يمثّل دليلاً على غلبة الأنبياء وهلاك أعدائهم في آخر المطاف. ذلك أن الأرض لو فُصِلتْ عن السماء لشملها الدمارُ ولم تبق لها من باقية. فكأنه تعالى يقول: ما أشدَّ هؤلاء عمايةً وغباءً إذ يظنون أنهم يستطيعون النجاة رغم قطعهم صلتهم عن السماء الروحانية! الحق أن لا سبيل لنجاة الإنسان إلا إذا صار جزءًا من نظام السماء الروحانية.. شأنَ الأرض التي لا مناص لها من الدمار ما لم تكن مرتبطة بنظام السماء المادية. فالذي يحاول محاربة النظام السماوي الروحاني لن ينجو من الهلاك أبدًا.

فكأن الله تعالى يحذّر معارضي النبي هنا أنهم قد قطعوا صلتهم عن السماء الروحانية، فلن تجديهم الآن أسبابُهم الأرضية المادية شيئًا، بل قد حانت الآن ساعة هلاكِهم وغلبةِ المسلمين.

كم هي صريحة وقويةٌ هذه الآية في تحذيرها لأهل مكة أن هلاكهم أمر محتوم وأنه قد اقترب جدًّا. وقد تحقق هذا النبأ بسرعة غريبة حيث حصلت بعد ذلك تقلبات سريعة أدت إلى هلاك الكفار المكيين؛ وكانت معجزةً عظيمةً لم يوجد لها نظير في تاريخ الديانات كلها، لأن هذا الدمار قد حل بهؤلاء جراءَ عدائهم لأكبر نجم بل لأكبر شمس في السماء الروحانية بأسرها .

يتضح من هذه الآية أيضًا أن الذين قالوا إن سورة الحجر نـزلت في أواخر الفترة المكية كانوا أقرب إلى الصواب، لأن الله تعالى قد ركّز فيها خاصةً على قرب هلاك المكيين، كما أكد ذلك أيضًا في مستهل السورة التالية سورةِ النحل.

وأما قولـه تعالى: فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الجميلَ فأخبر فيه ألا حاجة للنقاش معهم الآن، لأن زمن الحوار قـد ولّى ومضى، وأن السماء قد قضت بعقابهم، فلن يؤمنوا الآن حتى يروا العذاب الأليم.

كما أشار الله تعالى بكلمة الجميل أننا لا نعني بذلك أن تُعرض حتى عمن يأتيك راغبًا في الحوار باحثًا عن الحقيقة. فإذا مال البعض إلى حديثك فلا بأس في مداولة الرأي معهم، إلا أنه لا داعي الآن للنقاش العام، لأنه قد أُقيمت الحجة عليهم وتم البلاغ المبين، ولكنهم ما انتفعوا من آيات السماء؛ فانتظرِ الآن مصيرهم.

وهذا الأمر يحدث مع كل نبي، حيث لا ينفك في التبليغ مجادلاً أهل الباطل، ولكن بعد فترة معينة ينهاه الله تعالى عن المزيد من الحوار مع أئمة الكفر، وكأنما يقول لـه: الآن قد تمت الحجة على المنكرين، فدَعْهم وشأنهم.

إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (87)

شرح الكلمات:

الخلاّق: الخالقُ وهو مِن صِيَغِ المبالغة (الأقرب).

التفسـير:

لقد أشار الله بإيراد صفته الخلاّق هنا إلى أنه لا يبالي بدمار أمة قضى بهلاكها، لأن هذا لا يغيّر في ملكوته وجبروته شيئًا، فهو قادرٌ تمامًا على أن يخلق أمة أخرى مكان الأمة الفاسدة الهالكة. وقد أكد الله هذا المعنى نفسه في سياق الحديث عن نجاة موسى وقومه وهلاك فرعون وجنوده حيث قال كذلك وأَورَثْناها قومًا آخَرين * فما بَكَتْ عليهمُ السماءُ والأرضُ وما كانوا مُنظَرين (الدخان: 29 و30).. أي أن هلاكهم لم ينقص من ملكوت الله شيئًا حتى يبكي على موتهم أهلُ السماء، كما لم يضر موتهم أهلَ الأرض حتى يتأسفوا عليهم. ذلك أن مناهضي الأنبياء يكونون دائمًا ظالمين، فلا تندب الدنيا على هلاكهم بل تتنفس بموتهم الصعداءَ وتنعم بالراحة.

وقد ختم الله هذه الآية بذكر صفته العليم ، ليُخبر أنه على علم بنوعية النظام الجديد الذي سيأتي به بعد إهلاك هؤلاء الظالمين. إنه نظام رائع وجميل لدرجة أن العالم سوف يفرح بموت هؤلاء بدلاً من أن يبكي عليهم.

ما أدلَّ هذه الآيةَ على بلاغة القرآن الكريم حيث بيّن كل هذه المفاهيم الواسعة في كلمة وجيزة، وأشار بمنتهى الروعة إلى سمو نظام حكومة المسلمين. كما بين هذه المعارف بترتيب رائع، حيث أعلن في مستهل هذه السورة ذَرْهم يأكُلوا ويتمتَّعوا ويُلْهِهِمُ الأمَلُ فسوف يعلَمون (الآية:4)، بينما أعلن في هذه الآية التي نحن في صدد تفسيرها: ها قد جاءت الآن ساعة هلاكهم، وانتهى زمن انغماسهم في الملذات وطول الآمال. وقد بيّن هذا المعنى بقوة تماثل قوة الماء المقترب من الشلال.

كما أن هذه الآية ردٌّ على الذين استبعدوا انتصار النبي لافتقاره إلى الأسباب اللازمة قائلين: بماذا سيحقّق محمد الغلبةَ؟ فنبّهتهم أن الله خلاّق، وسيخلق أسباب غلبة المسلمين حين يقضي بهلاك الكفار.وتحقيقًا لهذا النبأ رغّب الله بعضَ الحجاج من أهل المدينة في لقاء النبي وسماع دعوته، فلما رجعوا إلى قومهم حكوا لهم ما رأوا، فأرسلوا إليه وفدًا يلتمسون منه أن يهاجر من مكة إلى بلدهم، فقَبِلَ دعوتهم بإذن من الله وهاجَرَ (السيرة النبوية لابن هشام: أمرُ العقبة الثانية). وما هي إلا أيام قلائل حتى أصبح هذا الذي كان لا يجد ملاذًا في مكة مؤسسَ دولة قوية، وتيسرت لـه الأسباب المادية أيضًا التي بسبب افتقاره إليها كان أهل مكة متأكدين من انتصارهم عليه. ولما وقع هذا التغير العظيم وقف أهلُ مكة حيارى منبهرين.

ما أشدَّ هؤلاء عمايةً وغباءً إذ يظنون أنهم يستطيعون النجاة رغم قطعهم صلتهم عن السماء الروحانية!

وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآَنَ الْعَظِيمَ (88)

شرح الكلمات:

المَثاني: هي: آياتُ القرآن؛ والمثاني من الوادي: مَعاطِفُه. مَثْنَى الأيادي: إعادةُ المعروف مرتين فأكثر. ومثاني الشيءِ: قُواه وطاقاته (الأقرب).

وقال عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس أيضًا والحسن وأبو العالية وابن مليكة وعبيد بن عمير وجماعةٌ إن سبعًا من المثاني هنا هي آيات الحمد أي سورة الفاتحة. وعن أبي هريرة عن النبي أنها (أي الفاتحة) السبعُ المثاني وأُمُّ القرآن وفاتحة الكتاب. وسُميت بذلك لأنها تُثنَّى في كل ركعة. وقيل: لأنها يُثْنَى بها على الله تعالى. وقد جوّز الزجّاج هذا المعنى، ولكن قال ابن عطية: في هذا القول من جهة التصريف نظرٌ. وقد علّق العلامة أبو حيان على ذلك بقوله: لا نظر في ذلك، لأنها جمعُ مُثْنَى وهو مُفْعَل مِن أَثْنَى، والمُثْنَى هو مَقَرُّ الثناء على الله تعالى.. أي فيها (أي الفاتحة) ثناء على الله . (تفسير البحر المحيط).

فالمراد من السبْع الْمَثاني هو الآيات السبع التي تتكرر مرة بعد أخرى، أو التي يُثنىَ بها على الله تعالى ثناءً كاملاً.

التفسـير:

يقول الله تعالى لرسوله: إن هؤلاء القوم سيهلكون قريبًا ليأخذ مكانهم المؤمنون، فبدلاً من تبديد جهودك في الجدال مع هؤلاء المتعنتين.. عليك أن تركّز معظم جهودك على المؤمنين لتعليمهم القرآن الكريم حتى يتعلموا المعارف القرآنية جيدًا، فيكونوا أهلاً لتحمل المسئولية التي ستُلقى على عواتقهم في زمن غلبتهم الموشكة، ويكونوا جاهزين لإدارة النظام الجديد. فقد آتيناك نعمة عظيمة كالقرآن العظيم إلى جانب الفاتحة التي هي سبع آيات ومثاني أيضًا، فعليك بتربيتهم بحيث ينتفعون بهذه النعمة العظيمة كما ينبغي.

لقد بينتُ في شرح الكلمات أن من معاني المثاني قُوى الشيء وطاقاته، وعليه فقد أشار الله بتسمية الفاتحة بالسبع المثاني إلى أنها قوام طاقات القرآن وخلاصته أي أن الفاتحة، رغم إيجازها الشديد، تحوي خلاصة المعارف القرآنية.

وأما قولـه تعالى والقرآن العظيم فقد يعني باقي القرآن الكريم، والمراد أننا آتيناك القرآن المختصر وكذلك القرآن المفصل.وقد يراد بالقرآن العظيم هنا جزءًا منه، وذلك وفق عادة العرب في إطلاق الكل على البعض، حيث يقولون: أَسْمِعْني القرآن، ولا يقصدون به كل القرآن طبعًا، بل شيئًا منه. وعليه فقد يكون المراد من القرآن العظيم هنا سورة الفاتحة نفسها إشارةً إلى كونها جزءًا هامًّا من القرآن الكريم.

وقد تحقق هذا النبأ بسرعة غريبة حيث حصلت بعد ذلك تقلبات سريعة أدت إلى هلاك الكفار المكيين؛ وكانت معجزةً عظيمةً لم يوجد لها نظير في تاريخ الديانات كلها، لأن هذا الدمار قد حل بهؤلاء جراءَ عدائهم لأكبر نجم بل لأكبر شمس في السماء الروحانية بأسرها .

وهذا المعنى يمثّل دحضًا لزعم البعض أن الفاتحة ليست جزءًا من القرآن الكريم. لقد صرّح الحديث الشريف أيضًا أن الفاتحة هي القرآن العظيم حيث ورد: “عن أبي هريرة عن النبي أنه قال في أم القرآن: هي أم القرآن وهي السبع المثاني وهي القرآن العظيم.” (مسند أحمد مسند أبي هريرة )

ولكن هذا لا يعني أن “القرآن العظيم” ليس اسمًا لباقي القرآن، بل يمكن إطلاق هذه التسمية على الفاتحة وباقي القرآن في وقت واحد، إذ لا منافاةَ ولا تعارُضَ بينهما، والمعنى أننا آتيناك قرآنًا مختصرًا إلى جانب قرآن مفصل.

Share via
تابعونا على الفايس بوك