وأما بنعمة ربك فحدث

تقرير خاص حول

افتتاح أكبر مسجد في غرب أوربا

 

لا شك أن صفحة جديدة في تاريخ الإسلام قد سُطرت بافتتاح مسجد “بيت الفتوح” في ضواحي لندن، الذي هو أكبر مسجد في غرب أوروبا. ومن حسن حظ القارئ والمثقف العربي قد وصله هذا النبأ العظيم عبر وسائل الإعلام العديدة. وينبغي ألا يستغرب القارئ العربي لدى سماعه تفاصيل هذا الخبر حيث أن الجماعة الإسلامية الأحمدية كانت السباقة في خدمة الإسلام وفي بناء مساجد الله التي يذكر فيها اسمه في بلاد الغرب، وإنجازاتُها العظيمة خير دليل على ما نقول. وهكذا يُضاف هذا الإنجاز التاريخي العظيم إلى سجل إنجازاتها. وتدرك الجماعة الإسلامية الأحمدية قيادةً وأعضاءَ أنه ما كان لها أن تحرك ساكنًا وتنجز ما أنجزت لولا مؤازرة ربّ العزة جلّ وعلا. فما من خطوة تخطوها الجماعة إلا وتعاين، كما يُعاين كل من له عينان، يدَ القدرة الإلهية تحرك عجلة هذه الجماعة المباركة.

إن المتابع لمراحل بناء هذا المسجد يذكر جيدًا أن نيران الحسد والحقد مازالت تحرق قلوب معارضي هذه الجماعة منذ اليوم الذي وضع فيه حضرة مرزا طاهر أحمد -رحمه الله- الخليفةُ الرابع لسيدنا الإمام المهدي حجرَ أساسه في العاشر من رجب عام 1420 للهجرة النبوية الشريفة الموافق للتاسع عشر من تشرين الأول عام 1999 للميلاد. ولم يقتصر المعاندون على مَن هم مِن الفِرق الإسلامية فحسب بل انضمت إليهم منظمة العنصريين المحليين الإنجليز أيضًا التي نظمت مظاهرات عديدة خلال المراحل المختلفة لبناء المسجد وطالبت بإيقاف المشروع وهددت بإيقاف العمل بشتى الوسائل. ومن جانب آخر لم تُبال الجماعة بالتهديدات ولم تفتَّ تلك الحملة الشرسة من الضغينة والبغضاء التي واجهتها في عضد الجماعة وعزمها ومثابرتها. بل ازداد أبناؤها يقينًا وعقدوا العزم على إتمام المشروع.

ومرَّت السنوات ولم يزدد موقف المعاندين وحقدهم وبغضهم إلا شدة، ولم يزدد موقف الجماعة مقابل ذلك إلا إصرارًا وعزيمة على استكمال هذا المسجد المبارك. وكُلِّلَت بفضل الله ورحمته جهود الجماعة بالنجاح ورأى المسلمون الأحمديون ثمرات تضحياتهم بأم أعينهم. ويا لها من نشوة روحانية فريدة استشعروها عندما رأوا المسجد مكتملاً شامخًا يرفع كلمة الله على سنة المصطفى الذي أسس أول المساجد في دار هجرته. فرأتهم الدنيا فرحين بما أنعم عليهم ربهم، شاكرين لفضله وأنعُمِه الذي أكرمهم بتشييد هذا الصرح الإيماني العظيم. ولقد شُيِّد المسجد بعد سنوات عديدة من الكد والجد من الجماعة الإسلامية الأحمدية التي زخرت بتضحيات أبنائها المخلصين بكل غالٍ ونفيس.

وافتتح المسجدَ “بيت الفتوح” حضرةُ ميرزا مسرور أحمد -أيده الله- الخليفة الخامس لسيدنا الإمام المهدي يوم الجمعة السابع من شعبان عام 1424 للهجرة، الموافق 3 من تشرين الأول/أكتوبر عام 2003 للميلاد، وذلك بأدائه صلاة الجمعة فيه. وحضر هذا الحدث الفريد ما يزيد على عشرة آلاف مصلٍّ تواجدوا في ساحة المسجد والقاعات المجاورة الأخرى. ولم يقتصر الحضور على المسلمين الأحمديين من المملكة المتحدة فحسب بل إن كثيرًا من المصلين قد حضروا من دول عديدة من القارات الخمس كي يشهدوا هذا الحدث التاريخي العظيم، ويلتفّوا حول إمامهم الهمام، ويشكروا الله على هذا الإنجاز التاريخي العظيم الذي سيكون بإذن الله صرحًا شامخًا لإعلاء راية الإسلام وبزوغ شمسه من الغرب.

وإننا لا نبالغ في قولنا بأن كل من زار المسجد قد ذُهل بجماله، وتصميمه الرائع الذي رُوعِي فيه الأصالة المعمارية الإسلامية للمساجد إضافة إلى إضفاء لمسات من الحداثة التي امتازت بالبساطة التي تليق بروح القرن الحادي والعشرين، حيث امتاز بمساحات كبيرة وألوان هادئة تساعد على التركيز والخشوع خلال الصلوات وتبعث الراحة والطمأنينة في نفوس المصلين. وامتازت مرافق المسجد الأخرى بمعدات حديثة، فنذكر منها على سبيل المثال صنابير المياه التي يتدفق منها الماء بمجرد أن يضع المرء يده تحتها. كما أن التهوية والتدفئة والإضاءة قد أُحكم تصميمها كي تتماشى مع الطابع العصري للمباني، وقد احتوت على آخر ما توصلت إليه التقنية الحديثة.

وكما قلنا فإن الحداثة قد امتزجت مع العراقة الإسلامية في هذا الصرح الإسلامي العظيم. فقد نُقشت بعض أسماء الله تعالى الحسنى على مدخل المسجد والتي تُهيّء المصلي نفسيًّا وتشعره أنه على وشك الدخول إلى بيت من بيوت الله، وعند دخوله صحن المسجد تتلألأ أمامه الآية المنقوشة داخل قبته:

أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ،

فيجد نفسه في ظل إضاءة عصرية خفيفة وإشعاع هادئ. وهكذا تمتزج هذه المناظر بجو روحاني يجلب الراحة والطمأنينة للنفوس. وكما ذكرنا آنفًا قد كانت صلاة الجمعة افتتاحًا للمسجد، ونوجز فيما يلي أهم ما ورد في خطبة أمير المؤمنين أيده الله تعالى بنصره العزيز.

أكد حضرته في مستهل الخطبة على أهمية بناء المساجد والالتزام بآدابها في ضوء النصوص القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة. وأضاف أن هذا المسجد ينبغي أن يخلق نموذج سلام وتناسق بين أبناء الجماعة؛ وأنّ مبنى المسجد، وهو في أجمل صورة، ليس بمثابة نهاية هذه المرحلة بل هي بدايتها. ويجب على كل مسلم أحمدي من الآن فصاعدًا أن يناضل لعمارة هذا المسجد بالإيمان بالله واليوم الآخر والجهاد في سبيل الله تعالى والعمل على نشر رسالة الإسلام والتي هي رسالة السلام والأخوّة. ولفت انتباه الحضور إلى أنه ليس من شيمنا أن نُعرف في الأوساط الدينية والدنيوية ببناء المساجد الفخمة الجميلة ولكن نُعرف بإقامة الصلوات الخمس فيها يوميًا والمحافظة عليها، وبهذه الصورة يتم عمارة المساجد. لذلك يجب أن نتحلى بالأخلاق الحميدة كي نكون خير خلف لخير سلف.

ثم استشهد بأحاديث نبوية شريفة تضمنت أهمية المحافظة على نظافة المساجد ورعايتها، ثم حثَّ على بذل الجهد لأداء الصلاة جماعة وذلك للمكانة العالية لصلاة الجماعة في المسجد.

كما ذكر حضرته تفاصيل تبرعات أبناء الجماعة منذ بداية المشروع وتفاصيل النفقات كي تكون حجة على من يتهموننا بأننا نأخذ مساعدات من جهات خارجية.

ونلفت انتباهك عزيزي القارئ إلى قول سيدنا محمد المصطفى الذي جاء فيه أنه إذا أراد الله بامْرِئٍ خيراً كثَّر له الحساد. فانظر إلى أولئك الذين يتشدقون بأنهم خدام الدين الحنيف كيف قامت قيامتهم حسدًا من عند أنفسهم بدل أن يفرحوا ببيت الله تعالى. وأدلى كل واحد بدلوه، فانتشل من بئر الضلالة وأفتى بحرمة دخول المسلمين هذا المسجد. ووقفوا عاجزين مخذولين أمام ما حققته جماعتنا.

وقد علق أحد المنصفين منهم في إحدى مقالاته:

“ليس من المعقول أن أتباع أهل السنة (في المملكة المتحدة) الذي يبلغ عددهم مليونين لم يضبطوا أمورهم بينما الأحمديون الذين يتراوح عددهم عشرة آلاف شخص قاموا بهذا الإنجاز. يجب أن نتذكر أن كل قادياني (يقصد أحمدي) يتبرع بعُشر دخله لجماعته. فبكم نتبرع نحن؟ وهل نقوم بالدعوة إلى الله أو بخدمات أخرى؟ وإنني أتساءل لماذا هذا الاهتمام الإعلامي بهم؟ فلنسأل أنفسنا: ماذا يجب علينا فعله؟

إن لهم محطة فضائية خاصة بهم. فأين محطتنا التي حلمنا بها طويلا بالرغم من ثرائنا وكثرة عددنا. ولا زلنا نواصل القول أنهم يحصلون على مساعدات من الحكومة، ومن منظمات الكفار وما إلى ذلك، ولكننا لسنا متأكدين وليس لدينا أي دليل على أنهم يحصلون على أي مساعدة من هذه المصادر. ربما هم فعلاً يعملون بكل جد من أجل دعوتهم…….. ربما يمتحننا الله عن طريقهم ويجلب علينا العار.” [1]*

نسأل الله لهذا المنصفِ الهُدى ولجميع المعارضين. وهكذا فلتشهد الدنيا أننا نحن المسلمين الأحمديين نقر بأن ما حققته الجماعة الإسلامية الأحمدية وستحققه في المستقبل ما هو إلا فضل الله وعونه، ونتاج بركات خير المرسلين وخاتم النبيين سيدنا محمد المصطفى ، الذي أمَرَهُ الله تعالى: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ . فنحن نحدّث بنعمة الله ونخرّ بين يديه ساجدين حامدين تائبين. والحمد لله رب العالمين.

*  لمطالعة النص الأصلي للتعليق باللغة الإنكليزية الرجاء زيارة الموقع التالي:http://www.mpacuk.org/mpac/data/bf9b0e4f/bf9b0e4f.jspوإذا صادفت أي مشاكل فالرجاء الاتصال بنا على altaqwa@alislam.org

Share via
تابعونا على الفايس بوك