كفاكم ظلما أيها المشايخ!

كفاكم ظلما أيها المشايخ!

* هذا المقال ردٌّ على مفتريات بعض المشايخ المغرضين الذين لا ندري

لماذا استشاطوا غضبًا لدى افتتاح “مسجد بيت الفتوح”

الذي بنته الجماعة الإسلامية الأحمدية بلندن،

وقد أُرسل المقال إلى جريدة “الشرق الأوسط” بلندن رجاء نشره فيها (التقوى)

حضرة رئيس تحرير جريدة الشرق الأوسط

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

طالعتنا جريدتكم في عددها الصادر يوم 7 أكتوبر 2003 بتقرير يحمل عنوانًا بارزًا “أكبر مسجد في أوربا ممنوع على المسلمين دخوله”، وذلك لدى افتتاح “مسجد بيت الفتوح” الذي بنته جماعتنا بفضل الله تعالى في لندن.

بادئ ذي بدء أشكركم على نشركم في التقرير موقف الأحمدية ولو باختصار شديد، إلى جانب موقف المشايخ المناوئين لنا. جزاكم الله أحسن الجزاء. وهاأنَذا أبعث الرد على أكاذيبهم ضدنا التي وردت ضمن التقرير، راجيًا نشره أيضًا، تمشّيًا مع مبدأ الصحافة الصادقة النزيهة، من أجل فائدة القراء المنصفين.

علماً أنني أبعث لكم هذا الجواب مطبوعًا، وفي C.D  أيضًا.

وتقبلوا فائق تقديري وشكري. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المخلص

عبد المؤمن طاهر عبد العزيز،

إسلام آباد تلفورد مقاطعة سري المملكة المتحدة

15 رمضان المبارك 1424 الهجري الموافق 10/11/2003

ماذا عسى أن يجيب المرء على مفتريات هؤلاء المشايخ الذين حين يتكلمون تراهم سكارى ** وماهم بسكارى، ولكنهم اتخذوا التكذيب مهنةً يرتزقون بها، وشرّعوا الكذب باسم نصرة الحق وتأييد الإسلام، وكأن الحق غير قادر على أن يعلو بنفسه، وإنما هو بحاجة إلى أكاذيبهم، وكأن هذا الدين لا يمكن أن ينتشر بتأييد الله تعالى، بل بات انتشاره رهنَ أباطيلهم!

لقد سئمنا منهم ومن الرد على أكاذيبهم التي يكررونها في كل مناسبة وأخرى، وها أنا ذا أبعث لكم نسخة من دعوة المباهلة التي كان وجّهها إليهم إمامُنا الراحل سيدنا ميرزا طاهر أحمد -رحمه الله- ردًّا على استمرارهم في الافتراء علينا، لتعرفوا كم هم جريئون على الافتراء وترديد الأكاذيب ضدنا، ولا يخافون لعنة الله تعالى التي تنزل على الكاذبين.

“مسجد ضرار”

قال أحدهم عن مسجدنا أنه “مسجد ضرار”، بينما أطلق عليه الآخر تسمية “بيت للكفر”!!

يبدو أنهم فقدوا تمامًا الحياء والخوف من المثول أمام الله للحساب، وأنهم لم يستمعوا لكلمة إمامنا الحالي سيدنا مرزا مسرور أحمد -نصره الله تعالى- التي ألقاها يوم الافتتاح وبيّن فيها محاسن الإسلام وتعاليم الرسول الكريم عن المساجد أمام حشد كبير من النصارى والهندوس والسيخ، معلنًا أن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدًا، وأنها لا تُعمَّر في الحقيقة ببنائها الظاهري بل بالمصلين الموحدين المتقين المخلصين، وأنها ليست مكان عبادة الله فحسب، بل هي وسيلة لنشر السلام المادي والروحاني.

ثم ما هو الضرر الذي يخرج من مساجدنا التي أُسست على الإسلام والتقوى والسلام حتى ينسبوا إليها الضرر والضرار؟ هل رفع الآذان من على مناراتها في بلاد الكفر يضرهم؟ هل سجودنا وقيامنا فيها أمام الله تعالى يؤذيهم؟ هل تلاوة القرآن الكريم فيها تضايقهم، أم قراءة أحاديث المصطفى فيها تضرهم؟ أم دعوة الناس إلى دين الله ودين المصطفى من على منابرها يؤلمهم؟ أيتضررون من ترددينا فيها كلمة “لا إله إلا الله محمد رسول الله” وصلاتِنا على رسول الله بكل محبةٍ وتفانٍ، أم يتضايقون من انتشار رسالة القرآن في الغرب عبر هذه المساجد؟

إن ما نعرفه ويعرفه الجميع هو أن هذه الأمور إنما تؤذي الكفار المتعصبين فقط، الذين يكنّون الكراهية والعداء الشديدين تجاه الإسلام والقرآن والرسول . فلا ندري كيف تلاعب الشيطان بعقول وقلوب هؤلاء حتى زيّن لهم أخلاقَ الكفار بدل أخلاق المسلمين الصادقين؟

فلا غرو أنهم يتحرقون بنيران الحسد والضغينة، ويكادون يموتون بغيظهم خوفًا على الكراسي والمناصب. ثم ألا يستحي هؤلاء من إطلاق هذه التسمية على مساجدنا وقد عاثوا في أرض الله وفي بيوت الله الفسادَ؟ ففي كل يوم جديد تقع في مساجدهم اشتباكات ومعارك، ثم يرفعون القضايا في المحاكم بعضهم ضد بعض، وهكذا يشوهون سمعة الإسلام وسط الأمم الأخرى في الغرب.

ولا شك أن حضرتكم، يا رئيس التحرير، على علم بما وقع قبل سنوات في المسجد المركزي بلندن وكذلك في مسجد لهم في مدينة مانتشستر، حيث تشاجر هؤلاء المشايخ في المسجدَين من أجل المناصب والأموال، واحتدَّ الشجار بينهم لدرجة أن رجال البوليس دخلوا المسجدَين بأحذيتهم ليفضّوا المعركة الدائرة بينهم، وأمروا بإغلاق المسجدين لأيام.

وها أنذا أبعث لكم تقريرًا نشرته إحدى جرائدهم بهذا الصدد، وهو: “لقد حصلت فُرقة شديدة بين المسلمين ببريطانيا جراء خصوماتهم على إدارة المساجد، مما أدى إلى إغلاق بعض المساجد بقرار المحاكم، وقد وصل عدد حوادث إغلاق المساجد بقرار المحاكم البريطانية 46 حادثًا. وقد وقع الشجار الأخير في مدينة “ليوتن” بين فرقتين من المسلمين مما أسفر عن إصابة سبعة منهم.” (جريدة نوائي وقت ” الصادرة باللغة الأردية عدد 19 سبتمبر 1988) هذه الأرقام هي حتى عام 1988، والوضع لم يتحسن بعده ألبتّةَ بل ازداد سوءًا. فلعل حضرتكم قد قرأتم خبر الحادث الأخير الذي وقع في هذا الشهر الفضيل وتحديدًا في الأسبوع الماضي؛ ولعل الله أراد بهذا التوقيت أن يفضحهم ويعرّيهم أكثر، لأنهم يموتون غيظًا لدى بناء بيت من بيوت الله، فقط لأنه بُنِيَ على يد أبناء جماعتنا! يقول الخبر إن مئات من المصلين تظاهروا أمام “مسجد رضوية” بمدينة “برتن آن ترينت” ببريطانيا، وقاموا بمقاطعة صلاة الجمعة وراء إمامهم. والسبب أن هذا الإمام خدعهم، حيث تظاهر للجنة المشرفة على المسجد التي قدمت الضمان للحكومة من أجل تأشيرته أنه من الفرقة البريلوية، بينما كان في الحقيقة من فرقة أخرى. وقد طالبت لجنةُ المسجد الحكومةَ البريطانية بطرد هذا الإمام المزور من البلاد (أنظُرْ جريدة “جنك” الصادرة باللغة الأردية عدد 10 رمضان المبارك 1424 الموافق 5 نوفمبر 2003)

كما لا أظن أنه خافٍ عليكم وعليهم ما يحدث في باكستان كل يوم تقريبًا منذ العقدين الأخيرين؛ حيث يؤجج أمثال هؤلاء المشايخ بخطبهم النارية حماس الشباب السذج ضد الفرق الأخرى، فيخرج الشباب المتحمسون من مساجدهم على السيارات والدرجات النارية متسلحين بالرشاشات والقنابل اليدوية وغير اليدوية، لينفّذوا مجازر بشعة في مساجد الآخرين بما فيها مساجدنا. وقبل بضعة أسابيع اغتالوا شيخًا كبيرًا اسمه المولوي أعظم طارق، وكان زعيم الجماعة التي أطلق عليها “جندُ الصحابة”. ويرتكبون كل هذه البشائع باسم الإسلام كلَّ يوم تقريبًا وحتى في شهر رمضان، مما اضطرهم الآن لأن يحرسوا مساجدهم بأنفسهم أو عن طريق البوليس حراسة دائمة.

أليس هذا بالضبط ما أنبأ به خاتم النبيين محمد المصطفى قبل أربعة عشر قرنًا حيث قال:

“يوشك أن يأتي على الناس زمان لا يبقى من الإسلام إلا اسمه، ولا يبقى من القرآن إلا رسمه. مساجدهم عامرة وهي خراب من الهدى. علماؤهم شرُّ مَن تحت أَديمِ السماء، من عندهم تخرج الفتنة وفيهم تعود”. (مشكاة المصابيح كتاب العلم، الفصل الثالث، ورواه البيهقي في شعب الإيمان)

فهل يكترث المرء بعد ذلك بقول هؤلاء المفسدين إذا سمَّوا بيتًا من بيوت الله “مسجد ضرار” أو “بيت الكفر”؟

وليعلموا أن لنا في رسول الله أسوةً حسنة، ويكفينا فتواه التي أعلن فيها:

“مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا فَذَلِكَ الْمُسْلِمُ الَّذِي لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ” (البخاري، كتاب الصلاة، أبواب القِبلة، باب فضل استقبال القِبلة)،

ويكفينا إعلانه :

“مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا لِيُذْكَرَ اللَّهُ فِيهِ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ”. (مسند أحمد، مسند العشرة المبشرين بالجنة رقم الحديث 121)

فهل بعد هذا الإعلان النبوي يبالي المسلم بفتاوى هؤلاء المشايخ المغرضين المرتزقين بالكذب والتكذيب والتلبيس؟

تهمة الدعم المالي

ومن افتراءاتهم قولهم: “إن أرض “بيت الفتوح” هدية من الحكومة البريطانية، أما تكاليف البناء وقدرها 11 مليون يورو، فقد تكلفت به التبرعاتُ المالية من شركات بريطانية باعتبار “الأحمدية” جمعيةً خيرية مسجلة في بريطانيا.”

فبماذا نجيب على هؤلاء الذين ينطبق عليهم تمامًا قولُ رسولنا الكريم : “إذا لم تستحِ فاصنَعْ ما شئتَ”. إنهم لم ولن يقدّموا أي برهان على صحّة هرائهم إلى يوم القيامة ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا، لأنه كذب بشع وبهتان مبين. إنهم لا يعرفون -أو ربما يعرفون ولكنهم يُخفون- أن في جماعتنا نظامًا قويًّا للتبرعات إلى جانب أداء الزكاة والحمد لله. فكل فرد منا يدفع بطيب خاطره 6% على الأقل من دخله الشهري الذي يكسبه من الحلال بعرق جبينه، ومنهم من يعطي حتى الثلث من دخله وعقاراته لإعلاء كلمة الإسلام في مختلف ربوع العالم. فأنى لهؤلاء المشايخ -الذين لم يتعودوا على مثل هذه التضحيات، وإنما دأبهم الاستجداء ولو من الكفار أو الارتزاق بالكذب والتكذيب والتكفير- أن يتصوروا أن وراء بناء هذا المسجد تضحيات قام بها مثل هؤلاء المضحِّين المخلصين.

ويبدو أن مشيئة الله تعالى تريد الآن أن تفضحهم أكثر أمام العالم، ولذلك جعلهم يتهموننا بتلقي الهدايا من الحكومة البريطانية من أجل بناء المسجد، مع أنهم هم الذين بنوا مسجدهم المركزي بلندن بهدايا وتبريكات الحكومة البريطانية، ولكنهم أخفوا هذا الحق المر، وها نحن نكشفه للناس ليصعب عليهم “ابتلاعه” بعد ذلك. وفيمايلي موجز ما كتبوه بأيديهم في شبكة الإنترنت بالموقع التابع لمسجدهم المركزي هذا:

أُنشِئ المركز الإسلامي، الذي يضُمّ مسجد لندن المركزي عام 1944. وتم افتتاحه رسميًّا في نوفمبر 1944 من قِبلِ جلالة الملك جورج السادس. ولقد قُدّمت قطعة أرض هذا المسجد التي مساحتها 2,3 من الفدادين في “ريجنت بارك” من قِبل الحكومة البريطانية كَهِبَة غير مشروطة للجاليات الإسلامية ببريطانيا. وقبِلَ المسلمون هذه الهدية من قِبَل الحكومة البريطانية بكل امتنانٍ. واكتمل بناء المسجد عام 1947. علمًا أن تصميم المسجد هو من وضع المهندس المعماري الإنجليزي فردريك جيبرد.

وإليك الآن النص الأصلي المفصل باللغة الإنجليزية:

فهل يحتاج المرء بعد ذلك إلى أي برهان على أنهم يكذبون متعمدين، ويُضِلّون القوم متعمدين خاصة إذا كان الأمر يخصّ المسلمين الأحمديين؟ أليس منكم رجلٌ رشيد؟

افتراء آخر  

ومن افتراءاتهم البغيضة قولهم عن مسجدنا:

“ممنوع على المسلمين دخوله.” فهل نملك أمام بهتانهم هذا إلا أن نقول مرة أخرى لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ . الأمر الواقع أن كثيرًا من المسلمين الآخرين يزورون مسجدنا هذا مثل مساجدنا الأخرى، ويصلّون فيها خاصة صلاة الجمعة. وإنما هؤلاء المفترون هم الذين يمنعون المسلمين الآخرين من أن يدخُلوا مساجد الله ويصلّوا فيها ويذكُروا فيها اسمه، حتى أنهم وضعوا على واجهات مساجدهم بباكستان لافتات مكتوب عليها بخطوط بارزة: “ممنوع دخول المسجد على من ينتمي إلى فرقة كيت أو كيت أو كيت”. كأنهم لا يقرءون في القرآن قول الله تعالى:

وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا .

نعم، إننا نأخذ الحذر من بعض المتعصبين المتطرفين من أتباع هؤلاء المشايخ المفسدين عند دخولهم مساجدنا، لأنهم يأتون ليثيروا فيها الشغب ويسعوا في خرابها، أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين. وقد سبق أن ذكرت بالتفصيل الفساد والخراب الذي يُحدِثونه في مساجد الآخرين في باكستان. ومن ذا الذي لا يأخذ الحذر من المفسدين المخرّبين؟

أما إذا كان مرادهم من قولهم “ممنوع على المسلمين دخوله” أن يمنعوا الآخرين من الصلاة في مسجدنا، فليفعلوا ما يحلو لهم لأن حسابهم على الله .

ختم النبوة

ومن افتراءاتهم قولهم:

“إننا لا يمكننا اعتبار الأحمدية مسلمين، لأنهم لا يؤمنون بخاتم الرسل سيدنا محمد ، لأن خاتم الرسل في نظرهم هو نبيهم المدعو ميرزا غلام.”

أولا وقبل كل شيء، لا بد لنا أن نقول “لعنة الله على الكاذبين” ردًّا على افترائهم البغيض هذا.

الحق أن قضية ختم النبوة كانت سهلةً بسيطة لو كانوا يفقهون ويُنصِفون؟

لقد أعلن مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية سيدنا ميرزا غلام أحمد القادياني أن الله تعالى أخبره أن عيسى قد مات كغيره من الأنبياء وفق سنة الله تعالى مع جميع البشر والرسل، وبحسب نصوص القرآن والحديث وأقوال السلف الصالح، ووفق ما يمليه علينا العقل والمنطق؛ وأنه لن يأتي أحد من السماء كما يظن البعض، بل المراد من نزوله بعثة شخص من أمة المصطفى يشبه عيسى في صفاته وقوته وروحانيته وأعماله وأحواله، وأن مثل هذا النزول ليس بأمر مستغرب، بل هكذا جرت سنة الله في الذين خلوا من قبل. فمن بين الأمور التي حالت دون إيمان علماء اليهود بعيسى ما ورد في سفر ملاخي بأن إيليا النبي (أي إلياس ) سوف ينزل من السماء قبل ظهور المسيح بينهم، والذي كانوا ينتظرون مجيئه بصبر طال مداه. ولما جاء المسيح عيسى بن مريم رفضه علماء اليهود بحجة أنهم لم يشاهدوا إيليا النبي نازلاً من السماء بعد. فشعر حواريو المسيح بالحرج والقلق الشديد، وسألوه عن هذه المشكلة قائلين: “فلماذا يقول الكتبة أن إيليا ينبغي أن يأتي أوّلاً؟ فأجاب يسوع وقال لهم:

“إنَّ إِيلِيَّا يَأْتِي أَوَّلاً وَيَرُدُّ كُلَّ شَيْءٍ. وَلكِنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ إِيلِيَّا قَدْ جَاءَ وَلَمْ يَعْرِفُوهُ، بَلْ عَمِلُوا بِهِ كُلَّ مَا أَرَادُوا. …حِينَئِذٍ فَهِمَ التَّلاَمِيذُ أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ عَنْ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانِ”. (إِنْجِيلُ مَتَّى 17 : 11-13)

ويقول السيد المسيح:

“….. لأَنَّ جَمِيعَ الأَنْبِيَاءِ وَالنَّامُوسَ إِلَى يُوحَنَّا تَنَبَّأُوا. وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَقْبَلُوا، فَهذَا هُوَ إِيلِيَّا الْمُزْمِعُ أَنْ يَأْتِيَ” (إِنْجِيلُ مَتَّى 11 : 13-14).

علمًا أن المراد من يوحنا المعمدان هو سيدنا يحيى .

فهذه قضية فصَلها المسيحُ عيسى ابن مريم نفسُه الذي ينتظرونه من السماء، حيث بيّن بكل جلاء أن المقصود بالمجيء الثاني لنبي من الأنبياء الذين خلوا من قبل، أو بعودته ثانيةً، أو بنزوله من السماء.. هو أن يأتي شخص آخر بروحانيته وقوته.. أي يأتي مثيل له. أم أن هؤلاء المشايخ يرون أن المسيح لم يكن مصيبًا -معاذ الله- في تأويله وحكمه وقضائه هذا الذي لم يرض به اليهود؟

لقد أعلن مؤسس جماعتنا أن الله أخبره بالإلهام أن المسيح الموعود والإمام المهدي منصبان لشخصية واحدة وفقًا لقول الرسول :” ولا المـَهدِيُّ إلا عيسى بْنُ مَريم” (ابن ماجة، كتاب الفتن)، وأنه تعالى قد بعثه هو بصفته المسيحَ الموعود والإمام المهدي الذي بشر المصطفى بأنه يُخرج الأمة من مأزقها بعون الله تعالى. وقد وضح مرارًا وتكرارًا أنه ما دام الله تعالى ورسوله قد أطلقا على هذا الموعود للأمة تسمية “نبي الله” فكيف ينكر ذلك في حقه، ولكنه بيّن أيضًا أن هذه النبوة لا تعني أكثر من كثرة مكالمة الله وإلهاماته سبحانه وتعالى التي هي مبشرات وتفسير للقرآن وشرح للحديث، وهي ليست أبدًا تلك النبوة التي فيها تشريع جديد. كما أعلن أنه قد نال هذه المرتبة بفضل اتباعه الكامل للرسول الكريم ، حيث قال ما نصُّه:

“إنا مسلمون .. نؤمن بكتاب الله الفرقان، ونؤمن بأن سيّدَنا محمدًا نبيُّه ورسولُه، وأنه جاء بخير الأديان، ونؤمن بأنه خاتَمُ الأنبياء لا نبيَّ بعده، إلا الذي رُبِّيَ من فيضه وأظهرَه وَعْدُه. ولله مكالماتٌ ومخاطباتٌ مع أوليائه في هذه الأمَّة، وإنهم يُعطَون صبغةَ الأنبياء وليسوا نبيّين في الحقيقة، فإن القرآن أكمَلَ وَطَرَ الشريعة، ولا يُعطَون إلا فهمَ القرآن، ولا يزيدون عليه ولا ينقصون منه، ومن زاد أو نقَصَ فأولئك من الشياطين الفَجَرة. ونعني بخَتْمِ النبوةِ ختمَ كمالاتها على نبيِّنا الذي هو أفضلُ رسُلِ الله وأنبيائه، ونعتَقد بأنه لا نبيَّ بعدَه إلا الذي هو من أمته ومن أكمَلِ أتباعه، الذي وَجَدَ الفيضَ كلَّه من رُوحانيته وأضاءَ بضيائه. فهناك لا غَيرَ ولا مقامَ الغيرة، وليست بنبوَّة أخرى ولا محلَّ للحيرة….وإنه خاتم النبيين وعَلَمُ المقبولين. ولا يدخلُ الحضرةَ أبدًا إلا الذي معه نقشُ خاتَمه، وآثارُ سُنّته، ولن يُقبلَ عملٌ ولا عبادةٌ إلا بعد الإقرار برسالته، والثباتِ على دينه وملته. وقد هلَك من تركه وما تبِعه في جميع سُنَنه، على قَدْر وُسْعه وطاقته. ولا شريعةَ بعده، ولا ناسخ لكتابه ووصيته، ولا مبدّلَ لكلمته، ولا قطرَ كمُزْنته. ومَن خرَج مثقال ذرة من القرآن فقد خرج من الإيمان. ولن يفلح أحد حتى يتبع كلَّ ما ثبت من نبينا المصطفى، ومن ترَك مقدار ذرة من وصاياه فقد هَوَى.”(مواهب الرحمن، الخزائن الروحانية مجلد 19 ص 285-287)

وقال ما نصه:

 “أيها الفتيان وفقهاءَ الزمان وعلماءَ الدهر وفضلاءَ البلدان.. أَفتُوني في رجل قال إنه من الله… ويقول إن الله سماني نبيًّا بوحيه، وكذلك سُمّيتُ من قبل على لسان رسولنا المصطفى. وليس مُراده من النبوة إلا كثرةُ مكالمة الله وكثرة أنباء من الله وكثرة ما يُوحَى. ويقول: ما نَعني من النبوة ما يُعْنَى في الصحف الأولى، بل هي درجةٌ لا تُعطَى إلا مِن اتّباع نبينا خير الوَرى. وكل مَنْ حصُلت له هذه الدرجة.. يُكلّم اللهُ ذلك الرجلَ بكلام أكثَرَ وأجلى، والشريعةُ تبقى بحالها.. لا يُنقَصُ منها حكم ولا تزيدُ هُدَّى” (الاستفتاء ص 16-18، الخزائن مجلد 22ص636-637)

  • وقال ما نصه:

“النبوّة قد انقطعت بعد نبيّنا ، ولا كتابَ بعد الفرقان الذي هو خير الصحف السابقة، ولا شريعةَ بعد الشريعة المحمّدية، بَيْدَ أني سُمّيت نبيّا على لسان خير البريّة، وذلك أمرٌ ظِلّيٌ من بركات المتابَعة، وما أرى في نفسي خيرًا، ووجدتُ كل ما وجدتُ من هذه النفس المقدّسة. وما عَنَى اللهُ من نبوّتي إلا كثرة المكالمة والمخاطبة، ولعنةُ الله على من أراد فوق ذلك، أو حَسِبَ نفسه شيئًا، أو أخرج عُنُقَه من الربقة النبويّة. وإن رسولنا خاتَمُ النبيين، عليه انقطعت سلسلةُ المرسلين. فليس حقُّ أحدٍ أن يّدعي النبوّة بعد رسولنا المصطفى على الطريقة المستقلّة، وما بقي بعده إلا كثرة المكالمة، وهو بشرط الاتّباع لا بغير متابَعَةِ خير البرية. ووالله ما حصل لي هذا المقام إلا من أنوار اتّباع الأشعّة المصطفوية، وسُمّيتُ نبيَّا من الله على طريق المجاز قدمي هذه تحت الأقدام النبويّة.” ( الاستفتاء ص64و65،الخزائن مجلد 22ص 688و689)

  • ولقد بعث حضرته رسالة إلى محرر جريدة “أخبار عام” الصادرة في لاهور، وكانت آخر رسالة كتبها في حياته المباركة، ونُشرت في هذه الجريدة يوم وفاته ونقتبس منها ما يلي: “لم أزل أُخبر الناس بواسطة كتبي -وها إني أكشف لهم الآن أيضًا- أنني أُتَّهم زورًا بأني قد أدعيت النبوة بحيث لا علاقة لي بالإسلام.. وكأني أعتبر نفسي نبيًّا مستقلا بحيث لا أرى من حاجة لاتّباع القرآن الكريم، وأتخذ لي شهادةً مستقلةً، وقبلةً مستقلّة، وأنسخ شرع الإسلام، وأخرج عن طاعة النبي والاقتداء به! كلا، إنها لتهمة باطلة تمامًا… إنني لست بنبي بحيث أنفصل عن الإسلام أو أنسخ حكمًا من أحكامه. كلا، بل إن رقبتي هي تحت نير القرآن الكريم، وليس لأحد أن ينسخ حتى نقطة أو حركة من القرآن الكريم”.(جريدة “أخبار عام” الصادرة من لاهور عدد يوم 26 مايو 1908)

أما كلمة “خاتم النبيين” أو “آخر الأنبياء”، فقد فسّرها خاتمُ الرسل نفسه حين قال لسيدنا عليُّ : أنا خاتم الأنبياء، وأنت يا عليُّ خاتم الأولياء”؛ وفي رواية: خاتم الأصفياء؟ (تفسير الصافي، تحت قوله تعالى: ولكن رسول الله وخاتم النبيين)؛ وقال : إني آخر الأنبياء، وإن مسجدي آخر المساجد” ( مسلم كتاب الحج، وسنن النسائي كتاب المساجد). فهل يعني ذلك أن أمّة المصطفى خلت بعد سيدنا علي من أولياء الله كليةً، ولم يوجد بعده فيها ولي واحد على الإطلاق؟ وهل يعني ذلك أنه لم يُبْنَ في الإسلام أي مسجد بعد مسجد الرسول . فكِّروا وبيّنوا يا أولي الألباب؟

ثم لنفترض جدلا أن مؤسس جماعتنا ليس بذلك الموعود، بل هو عيسى ابن مريم نفسه الذي كان رسولاً إلى بني إسرائيل، فإن مشكلة هؤلاء المشايخ ستبقى على حالها؟ ذلك لأنه لو نزل غدًا وقال إرضاء للمشايخ: إنني أنا عيسى، ولكني لست بنبيّ ولا رسول، سيقول له المشايخ: كيف تكون أنت عيسى الموعود لنا وقد أكد الله في القرآن على رسالته مرارًا وتكرارًا، كما سمّاه رسولنا الكريم “نبي الله” وذلك أربع مرات وفي حديث واحد؟ وأما إذا قال لهم: إنني نبي فيقولون: كيف تكون نبيَّا ورسولنا خاتم النبيين، ولا نبي بعده؟ ثم كيف يمكن أن تُبعث لنا والقرآن يعلن كونك رَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ ؟

وثمة سؤال آخر يفرض نفسه: ألم يكن نبيا محمد المصطفى يعلم أنه خاتم النبيين، وأن عيسى الذي يبشر بمجيئه بعده أيضًا نبي من أنبياء الله؟ ألم يكن يدرك أن مجيء عيسى سيكسر ختم نبوته ؟ ألم يعلم أن الدين قد اكتمل، وأن نعمة الله قد تمت، وأن القرآن موجود، والسنة موجودة، ولا حاجة بعد ذلك إلى أي شخص يُبعث من عند الله تعالى؟ وإذا كان مجيء عيسى النبيّ الإسرائيلي الذي ينتظرون نزوله لا يكسر ختمَ نبوة المصطفى في رأيهم، فكيف يكسر ختمَ نبوة الرسول مجيء شخص من الأمة لأداء نفس المهمة التي سيؤديها عيسى . ثم هناك سؤال هام آخر: هل سينشر عيسى عند نزوله تعليم القرآن، أم أنهم يظنون أنه سيأتي ليعطيهم دروس الإنجيل الذي أُوحيَ إليه؟ إذًا فكيف يتلقى علوم القرآن وهو لم يوح إليه القرآن؟ طبعا إنه لن يتعلم القرآن على أيدي المشايخ والعلماء الذين سيأتي لإصلاحهم، بل سيتلقى معارف القرآن من عند الله تعالى بالوحي والإلهام، لأنه الطريق الوحيد الذي يعلّم الله به عبادَه ما أراد ان يعلمهم من أمور الدين مباشرةً. إذاً فلِمَ يرفعون عقيرتهم عندما يسمعون من شخص من أمة المصطفى أنه يتلقى من الله تعالى هذا النوع من الوحي أي الذي ليس فيه أي تشريع جديد، بل هو المبشرات وتفسير للقرآن وشرح للحديث فقط؟

والسؤال الآخر هو: لماذا يستعيرون لهذا الغرض نبيًّا إسرائيليًا، ولم لا يقبلون أن يعطيها لعيسى ؟ أم أنهم يرون أن أمة المصطفى لا تستحق هذا التكريم وإنما تستحقه الأمة الإسرائيلية؟ فلم لا يعلنون إذًا صراحة أن أمة المصطفى ليست خيرَ أمة اخرجتْ للناس -والعياذ بالله- بل إن الأمة الإسرائيلية هي خير أمة حيث جاءت حتى لنجدة المسلمين!!

أم أنهم يرون أن عيسى سيُبعث مسلوبَ النبوة؟ وإذا كان هذا ظنهم فليعلموا أن القرآن الكريم والرسول الكريم لم يقل أبدًا أن عيسى ىستسلب منه نبوته في يوم من الأيام. وعلى النقيض قد أطلق المصطفى تسمية” نبيَّ الله” على عيسى الموعود لأمته وذلك أربع مرات في حديث واحد ( انظُرْ مسلم، كتاب الفتن)؛ وقال “كيف تهلك أمةٌ أنا في أولها والمسيح في آخرها”(الدر المنثور، سورة آل عمران)؛ وقال : “ليْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَبِيٌّ” (البخاري كتاب أحاديث الأنبياء، ومسلم كتاب الفضائل). كما أن السلف الصالح من الأمة قد أفتوا أن مَن قال بسلب نبوة عيسى عند نزوله في الزمن الأخير فقد كفَر ( انظُرْ كتاب “نزول عيسى ابن مريم آخر الزمان”، للسيوطي، دار الكتب العلمية، بيروت ص 53).

أم أنهم يرون أنه ليس ثمة حاجة لأي مبعوث من عند الله تعالى ولو كان تابعًا للرسول ؟ فلماذا ينتظرون عيسى إذًا؟

خدعة أخرى

أما الذين ينكرون كليةً جميعَ الأحاديث المتعلقة ببعثة شخص من عند الله تعالى لتدارك وضع الأمة، ويقولون: لن يأتي أحد من عند الله تعالى، لا عيسى ولا غيره؛ فعندنا القرآن والسنة، وعندنا العلماء والمشايخ، فلا خطر على الأمة بعدها؛ فليعلم هؤلاء أنها خدعة سوّلتها لهم أنفسهم. ذلك لأن نبينا الكريم نفسه سبق أن حذر المسلمين أنهم سينحرفون ويفسدون، رغم وجود الكتاب الكامل والسنة الشريفة والمشايخ والعلماء في الظاهر بين ظهرانيهم، حيث ورد: “عن زياد بن لبيد قال ذكر النبي شيئًا، فقال:

“ذَاكَ عِنْدَ أَوَانِ ذَهَابِ الْعِلْمِ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ يَذْهَبُ الْعِلْمُ وَنَحْنُ نَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَنُقْرِئُهُ أَبْنَاءَنَا وَيُقْرِئُهُ أَبْنَاؤُنَا أَبْنَاءَهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ قَالَ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ زِيَادُ إِنْ كُنْتُ لَأَرَاكَ مِنْ أَفْقَهِ رَجُلٍ بِالْمَدِينَةِ أَوَلَيْسَ هَذِهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى يَقْرَءُونَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ لَا يَعْمَلُونَ بِشَيْءٍ مِمَّا فِيهِمَا” ( ابن ماجة، كتاب الفتن ).

وفي رواية عن أبي الدرداء قال: كنا مع رسول الله ، فشخَص ببصره إلى السماء ثم قال:

“هَذَا أَوَانُ يُخْتَلَسُ الْعِلْمُ مِنْ النَّاسِ حَتَّى لَا يَقْدِرُوا مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ فَقَالَ زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ كَيْفَ يُخْتَلَسُ مِنَّا وَقَدْ قَرَأْنَا الْقُرْآنَ فَوَاللَّهِ لَنَقْرَأَنَّهُ وَلَنُقْرِئَنَّهُ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا فَقَالَ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا زِيَادُ إِنْ كُنْتُ لَأَعُدُّكَ مِنْ فُقَهَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ هَذِهِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ عِنْدَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فَمَاذَا تُغْنِي عَنْهُمْ؟” ( الترمذي، كتاب العلم).

وبعد، أفلا يرون أنه قد تحقق ما أخبر الرسول بحق أمته من شرور وويلات ونكسات، فكيف لا يتحقق ما بشّر به المصطفى، وهو الصادق المصدوق، بحقها من خير وبركات ثانيةً؟ أم أنهم يرون أن الله تعالى قد خذل أمة المصطفى وتناساها لتتخبط هكذا خبط عشواء وسط تكالب الأمم عليها إلى يوم القيامة؟ أما زعمهم أن مشايخ وعلماء وقادة الأمة لا يزالون بخير، وسيقومون بهذا العمل، فإن الواقع يكذّب زعمهم؟ والحق أن أعمالهم وتصرفاتهم على مر القرون هي التي قد زادت الطين بلة، وأدت بالأمة من السيء إلى الأسوأ فالأسوأ. فماذا يرجى منهم غدًا؟ لا أظن أن أي مسلم واع بصير لا يرى الفساد الذي عمّ المشايخ والعلماء، إلا من رحم ربي وقليل ما هم. أما إذا أصر البعض على زعمه رغم رؤيته الأمر الواقع فليقرأ هذا الغيض من فيض الأقوال التي يضيق المكان لذكرها، علمًا أن أصحابها كلهم ليسوا من جماعتنا.

يقول العالم الرباني المعروف ولي الله الشاه الدهلوي -رحمه الله- بالفارسية ما تعريبه: “إذا أردت أن ترى نموذج اليهود، فانظر إلى العلماء السوء العاكفين على الدنيا… كأنهم هم”. (الفوز الكبير مع فتح الخبير في أصول التفسير ص 10 الباب الأول المطبعة المحمدية)

وقال الشاعر الشيخ محمد رضا الشبيبي:

.

ألا ليتَ شِعري ما ترى روحُ “أحمدٍ”

إذا طالعتْنا مِن أهل مكةِ

.

وأكبرُ ظني لو أتانا “محمدٌ”

للاقَى الذي لاقاه مِن أهل مكةِ

.

عَدَلْنا عن النور الذي جاءنا به

كما عدَلتْ عنه قريشٌ فضَلَّتِ

.

إذَنْ لقضى: لا منهجُ الناس منهجي

ولا ملّةُ القومِ الأواخرِ ملّتي

.

(ديوان الشبيبي ص 107 الناشر: جمعية الرابطة العلمية الأدبية، القاهرة 1940 مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر)

*أما الشاعر القومي د. إقبال، وهو الذي يسميه بعض الباكستانيين “شاعر الملة”، فيقول في شعره ما معناه: “هناك ضجة بأن المسلمين قد تلاشوا من العالم، ولكني أقول: هل كان المسلمون موجودين أصلاً؟ أنتم النصارى شكلاً، والهندوس مَدَنيّةً. هل مسلمون هؤلاء الذين يخجل منهم اليهود؟! (قصيدة “جواب الشكوى” في ديوانه “بانك درا”، الطبعة الثانية عشرة أغسطس 1948 ص 226)

* وقال في بيت شعر آخر ما تعريبه: إن هذا العصر يبحث عن إبراهيم، لأن العالم كله قد تحول إلى معبد للأصنام.

*وجاء في افتتاحية جريدة “الفتح” المصرية العدد 450 ما يلي: “ماذا أُعدِّد من علَلنا التي أُصبنا بها، لأننا ليس لنا قيادة. وأقسم بالله، لولا أن الله نهانا عن اليأس والقنوط لقلتُ: إن هذه الأمة تعاني اليوم آلامَ النزع، ولن يرجى لها حياة بعد هذا أبدًا.”

* ويقول المولوي ظفرعلي خان محرر جريدة “زميندار”: “أنا أيضًا أُعَدّ من جماعة المشايخ، لذا أعرف حقيقتهم جيدًا. وأطلب من المسلمين بكل قوة ألا يغضّوا الطرف عن المشايخ ولا للحظة، بل يجب أن يُخرجوهم من سياستهم وأمور دينهم دفعة واحدة، لأنهم لا يعرفون السياسة ولا يعرفون حقيقة الدين. إنهم بارعون في الخداع والدجل فقط، ويعبدون أهواءهم الشخصية. إنهم ليسوا هُداةً، بل هم قطاع الطرق”. ( جريدة “زميندار” لاهور عدد 15 أبريل / نيسان 1929م)

* وكتبت جريدة باكستانية أخرى: سأل أحدهم الشيخَ التهانوي، وكان من كبار علماء باكستان المعدودين: لماذا يسرق هؤلاء المشايخ أحذية المصلين في المساجد، ويقومون بالمشاحنات…. ويرتكبون شتى المنكرات؟ فأجاب الشيخ: “يا صاحبي! لا يتحول الشيخُ سارقًا، بل يصبح السارق شيخًا”. (“أهل الحديث” لاهور 5 سبتمبر 1969)

* ويقول الشيخ ثناء الله الأمرتسري: “بدعات الشرك وغيرها التي يقع فيها المسلمون اليوم إنما سببها المشايخ فحسب… شرُّ الشرِّ شرار العلماء”. (مجلة “أهل الحديث” 23 شباط /فبراير1906م)

* ويقول نواب نور الحسن خان ابن نواب صديق حسن خان: “إن الظروف السائدة الآن مواتية لظهور الإمام المهدي وعيسى ابن مريم عليهما السلام، لأن الأرض مُلئت ظلمًا وجورًا، ولم يبق من الإسلام إلا اسمه، بل ولقد عاد الإسلام غريبا وحقيرا، وكثر أعوان الدجال وأنصاره في كل قطر ومصر. العلماء والوعاظ موجودين بالكثرة… ولكن الرسول قد قال عن مثل هؤلاء العلماء: “من عندهم تخرج الفتنة وفيهم تعود”….. اللهم عَجِّلْ لنا مجيء الإمام المهدي، وليت سيدنا المسيح الموعود يظهر الآن.” (اقتراب الساعة ص 142)

* ويقول الشيخ المودودي: “من المؤسف جدًا أن العلماء أنفسهم -إلا ما شذ وندر- كانوا قد تجردوا من روح الإسلام الحقيقية…. وكان داء تقليد الأسلاف الأعمى والجامد قد تمكن منهم، وبالتالي كانوا يبحثون عن كل شيء في كتب لم تكن من الله تعالى ولم تكن مترفعة عن قيود الزمن، وكانوا في كل أمر يرجعون إلى أناس لم يكونوا أنبياء الله حتى تكون بصيرتهم متحررة عن قيود الأوقات والحالات، فكيف كان بإمكانهم أن يقودوا المسلمين قيادة ناجحة في زمن كان قد تغير تمامًا، وحدث فيه انقلاب عظيم في عالم العلم والعمل. ذلك الانقلاب العظيم الذي كانت العين الإلهية فقط لتدركه وما كان لعين إنسان غير النبي أن تصل إليه بخرق حجب القرون”. (التنفيحات لأبي الأعلى المودودي ص 27 تحت عنوان: الأقوام المريضة في العصر الحديث)

* ووصف الشيخ أبو الحسن الندوي حالة المسلمين بالهند: ” كان قد استولى على المسلمين بشكل عام اليأسُ والقنوط والشعور بالهزيمة من الظروف السائدة. كان الناس يائسين من الإصلاح وتغيير الأحوال بأساليب وطرق عادية نظرًا إلى عاقبة النضال الذي جرى عام 1857م، وإلى خيبة أمل الحركات الدينية والعسكرية المختلفة. وكانت الأغلبية الساحقة من الناس تنتظر بعثة رجلٍ من الغيب، مُلهَمٍ ومؤيَّدٍ من الله تعالى.” (قاديانيت ص 16-17 للسيد أبو الحسن علي الندوي، الناشر: مكتبة دينيات لاهور باكستان، طبعة أولى عام 1959م)

*وكتبت مجلة باكستانية: “العالم الإسلامي اليوم بأمس الحاجة إلى مسيح آخر ينفخ فيهم حماسا جديدًا وينشّط فيهم روح العمل.” (مجلة “زندكي” الأسبوعية الصادرة في لاهور عدد 8 سبتمبر1969)

والبديهي أنه لو لم يفسد هؤلاء العلماء والمشايخ، كما حذر المصطفى ، لما كان هناك حاجة لهذا الموعود. إذن فلا غرابة في كونهم في الصفوف المتصدرة من الذين يرفضون هذا الموعود. ومن أجل ذلك قد أخبر السلف الصالح مسبقًا، بناء على فراستهم الثاقبة أو الإلهام والرؤى، عن موقف المشايخ المعادي هذا، فقالوا: “إذا خرج هذا الإمام المهدي فليس له عدو مبين إلا الفقهاء خاصة فإنه لا يبقى لهم رِياسة”. (الفتوحات المكية ج 3 ص 374)

ثم إن تاريخ الأديان كله شاهد على أن الله كلما أراد النهوض بأمة فاسدة من جديد، فلم يتم ذلك بقيادة أرضية من العلماء الفاسدين، وإنما بقيادة سماوية يقيمها الله بنفسه، حيث يختار بنفسه أحدًا من الأمة، فيعلّمه من عنده ثم يُتمّ أمره على يده.

إذن فالأحرى بهم، بدلاً من أن يرموا مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية بأكاذيبهم وافتراءاتهم، أن يقيسوا صدقه أو كذبه بالمعايير التي يُعرف بها صدقُ أي مبعوث من عند الله تعالى، والتي قد ذكرها القرآن الكريم والحديث الشريف صراحة، ولاسيما علامات الزمن الأخير الذي وُعد بعثُ المسيح الموعود فيه.

مكانة القرآن الكريم عند الإمام المهدي [AAS]

ومن افتراءاتهم المنشورة في جريدتكم أن ميرزا غلام ادعى “أنه أُوحي إليه بعشرة آلاف آية إضافة إلى ما هو موجود في القرآن.”

فهل نملك إزاءه إلا القول بأن لعنة الله على الكاذبين. الحق أن قرآننا هو نفس قرآن المسلمين الآخرين، وأكبر دليل على ذلك أنه مطبوع وموجود ومتيسر في جميع أنحاء العالم، فلم لم يُخرجوا منه للناس هذه الآيات الزائدة؟ فليأتوا ببينة إن كانوا صادقين، ليَهلك مَن هلك عن بينة ويحيا مَن حَيَّ عن بينة، كما يعلن القرآن الكريم. وهل يحتاج المسلم التقي بعد ذلك إلى أي دليل آخر ليعلم أن هؤلاء المشايخ المرتزقة بالتكذيب يفترون على جماعتنا، وأن قلوبهم قد خلت من تقوى الله وخشيته تمامًا؟

ولكي ينكشف عليك أيها القارئ مدى افتراء المشايخ اقرأْ أقوال مؤسس الأحمدية التالية عن القرآن الكريم. يقول حضرته ما نصُّه:

 “وأما عقائدنا التي ثبَّتنا اللهُ عليها، فاعلم يا أخي، أنّا آمنَّا بالله ربًّا، وبمحمد نبيًّا، وآمنَّا بأنه خاتَم النبيين، وآمنَّا بالفرقان أنه من الله الرحمن، ولا نقبل كلَّ ما يعارض الفرقانَ ويخالف بيِّناتِه ومحكَماتِه وقصصَه، ولو كان أمرًا عقليًّا أو كان من الآثار التي سمَّاها أهل الحديث حديثًا، أو كان من أقوال الصحابة أو التابعيين؛ لأن الفرقان الكريم كتاب قد ثبت تواتره لفظًا لفظًا، وهو وحيٌ متلُوٌ قطعي يقيني، ومَن شكَّ في قطعيتِه فهو كافر مردود عندنا ومن الفاسقين. والقرآن مخصوص بالقطعية التامة، وله مرتبة فوق مرتبةِ كلِّ كتاب وكل وحيٍ. ما مسَّه أيدي الناس. وأما غيره من الكتب والآثار فلا يبلغ هذا المقامَ. ومن آثَرَ غيرَه عليه فقد آثر الشك على اليقين.” (تحفة بغداد، الخزائن الروحانية مجلد 7 ص 31)

وقال ما نصه:

 “نحن مسلمون، نؤمن بالله الفرد الصمد الأحد، قائلين: لا إله إلا هو، ونؤمن بكتاب الله القرآن، ورسولِه سيدِنا محمدٍ خاتمِ النبيين. ونؤمن بالملائكة ويوم البعث والجنة والنار، ونصلي ونصوم، ونستقبل القبلة، ونحرم ما حرّم الله ورسوله، ونُحِلُ ما أحَلَّ الله ورسوله، ولا نزيد في الشريعة ولا ننقص منها مثقال ذرة، ونقبل كلَّ ما جاء به رسول الله وإنْ فهِمنا أو لم نفهم سِرَّه ولم نُدرك حقيقته” (نور الحق الجزء الأول، الخزائن الروحانية مجلد 8 ص 7) وقال ما نصه: “لا نبيَّ لنا تحت السماء مِن دون نبيِّنا المجتَبى، ولا كتابَ لنا مِن دونِ القرآنِ، وكلُّ من خالفه فقد جرَّ نفسَه إلى اللظَى. ومَن أنكرَ أحاديثَ نبيِّنا التي قد نُقِدَت ولا تُعارِضُ القرآنَ، فهو أخو إبليسَ وإنه ابتاعَ لنفسِه اللعنةَ وأضاعَ الإيمانَ. وإن القرآن مقدَّم على كل شيء.” (مواهب الرحمن، الخزائن الروحانية مجلد 19 ص 287-288) وقال ما تعريبه: “إن رَقبتي هي تحت نِير القرآن الكريم، وليس لأحد أن ينسخ حتى نقطة أو حركة من القرآن الكريم”. (جريدة “أخبار عام” الصادرة من لاهور عدد يوم 26 مايو 1908)

وقال ما تعريبه:

 “اعلَمْ أنه لا خوف على أية نقطة أو حركة من القرآن الكريم ولو اجتمع الأولون والآخرون بفلسفاتهم للهجوم عليه، لأنه صخرة تسحَق كلَّ من تسقط عليه، ويترضض كلُّ من يسقط عليها”. (آئينه “أي مرآةُ” كمالات الإسلام، الخزائن الروحانية مجلد 5 ص 257)

وقال ما نصه:

 “واللهِ إنه دُرّةً يتيمةٌ. ظاهِرُه نورٌ، وباطنُه نورٌ، وفوقَه نورٌ، وتحتَه نورٌ، وفي كلِّ لفظِه وكلمتِه نورٌ. جَنّةٌ روحانيةٌ، ذُلَّلتْ قُطوفُها تذليلاً، وتَجرِي من تحته الأنهارُ. كلُّ ثمرة السعادةِ توجَد فيه، وكلُّ قَبَسٍ يُقتبَسُ منه، ومِن دونه خَرْطُ القَتادِ. مَوارِدُ فيضه سايِغةٌ، فطُوبى للشاربين. وقد قُذِفَ في قلبي أنوارٌ منه ما كان لي أن أَستحصلها بطريقٍ آخَرَ. وواللهِ لولا القرآنُ ما كان لي لُطْفُ حياتي. رأَيتُ حُسنَه أَزيَدَ مِن مائةِ ألفِ يوسفَ، فمِلْتُ إليه أَشَدَّ مَيلي، وأُشرِبَ هو في قلبي. هو ربّاني كما يُرَبَّى الجنينُ. وله في قلبي أثرٌ عجيبٌ، وحُسْنُه يُراوِدني عن نفسي. وإني أَدركتُ بالكشف أن حظيرةَ القُدْسِ تُسقَى بماءِ القرآنِ.” (مرآة كمالات الإسلام، الخزائن الروحانية مجلد 5 ص 545)

افتراءان آخران

ومن أكاذيبهم قولهم: “أن ميرزا غلام ادعى أن المسيح تجسد فيه”، وأنهم “يعتبرون أن قاديان الموجودة في الهند هي أُمُّ القرى التي جاء ذكرها في القرآن الكريم، أي أنها مكة التي يُحَجّ إليها”.

ومرة أخرى، إن ردنا الأول هو أن لعنة الله على الكاذبين. إن كل ما في الأمر أن سيدنا المسيح الموعود قال إنه رأى هذه المناظر في الرؤيا. والظاهر أن الرؤى تؤوَّل، ولا تؤخذ على ظاهرها. وفعلاً قد بيّن بنفسه تأويلها. ولكن ماذا يفعل المرء إزاء هؤلاء الذين قد قطَعوا آذان اليهود في فن التزوير والتلبيس، وحرّفوا الكلم عن مواضعه، حيث يُبدون بعض الحق، ويُخفون كثيرًا.

ثم إذا كان المسلمون الأحمديون يعتبرون قاديان أمَّ القرى بدل مكة المكرمة، فلماذا يذهبون لحج بيت الله الحرام في أم القرى بمكة المكرمة، وذلك بالرغم أن بعضهم يُلقَى القبض عليه ويُسجَن ويُغرَم من قبل الحكومة السعودية نتيجة مكائد المشايخ الباكستانيين الذين يأتون إلى مكة ليبحثوا عن الأحمديين القادمين للحج، وليثيروا السعوديين ضدهم؟

مناقشة قرار البرلمان الباكستاني

وقالوا: “البرلمان الباكستاني قد صوّت على نص دستوري عام 1974 يعتبر طائفة الأحمدية من غير المسلمين”.

لا بد لنا من الإسهاب في مناقشة هذا القرار البرلماني اللاإنساني واللاديني، الذي اتُّخذ ضدنا في عهد رئيس الوزراء ذو الفقار علي بوتو، والذي يتشدقون به بكل تباه وغرور في كل مناسبة وأخرى.

تعريف المسلم

وبادئ ذي بدء لابد من الرد على الأسئلة التالية.

1-هل ثمة تعريف للمسلم ثبت من كتاب الله أو من رسول الله ؟ فإن كان هناك تعريف مثل هذا فما هو ذا؟

2-هل يجوز أخذ تعريف شائع في عصر من العصور وتركُ تعريف القرآن الكريم وتعريف الرسول .

3- هل حدث في العصر النبوي أو عصر الخلافة الراشدة أن اعتُبر أحد غيرَ مسلم على الرغم من قوله: لا إله إلا الله محمد رسول الله، وإيمانه وأدائه الصلاة والزكاة والصوم والحج؟

4-هل أحسّ الرسول بضرورة تعديل التعريف المعروف للمسلم خوفًا من المتنبئين؟

5- هل أحسّ سيدنا أبو بكر الصديق   أو أحد من الصحابة في عصره بضرورة تعديل التعريف المعروف للمسلم عند اندلاع فتنة الردة.

أما موقف الأحمدية تجاه الأسئلة المذكورة أعلاه فهو كما يلي:

أولاً: لا يجوز قبول أي تعريف للمسلم ولا العمل به إلا الذي هو ثابت من القرآن الكريم، أو مِن رسول الله بشكل قطعي، وثبت العمل به في العصر النبوي وعصر الخلفاء الراشدين. ولو انحرفنا عن هذا الأصل فلن يسلم أي تعريف آخر من القبح والسقم. أما العصور التي كانت بعد عصر النبي والخلفاء الراشدين، حيث حدث التمزق والانقسام إلى فرق، فإن التعاريف المعروفة فيها جديرة بالرفض، لأنها اتُّخذت من أجل الأهداف السياسية والأغراض المادية، ولأنها تخالف التعريف النبوي للمسلم، كما أنها متعارضة ولا يمكن الأخذ بها بجميعها في وقت واحد.

كما يستحيل أخذ واحد منها أيضا لأن صاحبه سيُعَدُّ غيرَ مسلم بحسب التعاريف الأخرى؛ فلن يكون إذن مخرج من هذا المأزق.

والتعريف الدستوري والقانوني والإسلامي الذي نطق به خاتم الأنبياء محمد ، والذي يعتبر وثيقة رائعة للحكومة الإسلامية قد ورد في الأحاديث التالية:

1- وهذا الحديث مروي عن عبد الله بن عمر، يقول:

“حَدَّثَنِي أَبِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ وَقَالَ يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنْ الْإِسْلَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ الْإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنْ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا قَالَ صَدَقْتَ قَالَ فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ قَالَ فَأَخْبِرْنِي عَنْ الْإِيمَانِ قَالَ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ قَالَ صَدَقْتَ… ثُمَّ قَالَ لِي يَا عُمَرُ أَتَدْرِي مَنْ السَّائِلُ قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ”. (مسلم، كتاب الإيمان)

2- حدثنا إسماعيل قال حدثني مالك بن أنس عن عمه أبي سهيل بن مالك عن أبيه أنه سمع طلحة بن عبيد الله يقول:

“جاء رجلٌ إلى رسول الله {أَهْلِ نَجْدٍ ثَائِرَ الرَّأْسِ يُسْمَعُ دَوِيُّ صَوْتِهِ وَلَا يُفْقَهُ مَا يَقُولُ حَتَّى دَنَا فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنْ الْإِسْلَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ فَقَالَ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا قَالَ لَا إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ وَصِيَامُ رَمَضَانَ قَالَ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ قَالَ لَا إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ قَالَ وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ الزَّكَاةَ قَالَ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا قَالَ لَا إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ قَالَ فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ وَاللَّهِ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلَا أَنْقُصُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ أَفْلَحَ إِنْ صَدَق.” (صحيح البخاري، كتاب الإيمان)

3- عن أنس ابن مالك قال رسول الله :

“مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا فَذَلِكَ الْمُسْلِمُ الَّذِي لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ فَلَا تُخْفِرُوا اللَّهَ فِي ذِمَّتِهِ.” (البخاري، كتاب الصلاة، باب فضل استقبال القبلة)

ولو أن هؤلاء المشائخ قالوا: لم يكن بالإمكان في عهد النبي ذكرُ تكذيب متنبئ كذاب في تعريف المسلم لأنه لم يوجد ثمة متنبئ كذاب في العهد النبوي، لكان ذلك منهم كذبًا ما بعده كذب؛ ذلك لأن أول من ادعى النبوة الكاذبة ضد النبي كان موجودًا في زمنه وهو مسيلمة الكذاب. فقد ورد أنه حين جاء وطالبَ النبيَّ أن يُشركه في الأمر ويوصي به في حقه بعد وفاته كانت في يده المباركة قطعةُ جريد، فقال   للمسيلمة: “لو سألتَني هذه القطعةَ ما أعطيتُكها” (البخاري، كتاب المناقب). فرغم وجود هذا المتنبئ في حياته فإنه لم يغير تعريف المسلم، ولا خلفاؤه من بعده ولا التابعيون، ولا أحد من الأجيال التالية.

إنه لإحسان عظيم من سيدنا محمد إلى أمته أنه وضع بهذا التعريف الجامع والمانع حجرَ أساس لاتحاد المسلمين على المستوى العالمي، وإن لم تعمل به الأمة فلن تزال تتعرض للتشتت والفرقة والتشرذم، ولن يُغلَق باب الاضطرابات والفتن أبدًا.

حقيقة فتاوى التكفير

ثم يبرز السؤال: ماهي مكانة فتاوى التكفير هذه؟ وهل يجوز لعالم من علماء الدين، بشكل فردي أو نيابة عن فرقته، أن يرمي فردًا أو فرقةً ما بالكفر؟ وماذا سيكون تأثير هذه الفتاوى في الكيان الاجتماعي للأمة.

الحق أنه لا يمكن أن يُعهَد إلى أحد أمرُ إخراج شخص أو فرقة من الدائرة الواسعة للأمة المسلمة، إذ الأمر بين الله وعبده، فهو العليم بما في الصدور، وسيفصل فيه يوم القيامة فحسب. وإصدار مثل هذه الفتاوى يشكل خطرًا فادحًا على وحدة الأمة المسلمة.

ثم إن التكفير ليس بدعًا من علماء الظاهر والمشايخ الفاسدين المفسدين، بل هي ظاهرة تكررت في كل العصور، وإن تاريخ الأنبياء كلهم أكبر شاهد على ذلك؛ فالمسيح اضطُهد من قبل كبار أحبار اليهود المتمسكين بحرفية النصوص، فلما رأوا في المسيح خطورة على مكانتهم الاجتماعية، اتهموه بتغيير دينهم؛ فعملوا ما بوسعهم لإقناع الحاكم الروماني بصلب المسيح . ولما بُعث نبينا محمد حاربه الكفار أيّما حرب بحجة أنه يريد أن يغير دين الآباء.

والحال ليس مختلفًا مع كل غيور أراد أن يعيد الإسلام إلى نقائه ونبعه الصافي ومعينه العذب. ولا نكاد نجد عالما ربانيَّا كبيرًا إلا واضطُهد في بداية دعوته التجديدية، واتُّهم أشد التّهم.

فالخوارج أفتوا بتكفير الخليفتين الراشدين عليٍّ وعثمان رضي الله عنهما!

والإمام مالك بن أنس والإمام الشافعي والإمام أبو حنيفة رُموا بالكفر والردة. لقد حبسوا الإمام أبا حنيفة وعذبوه، ثم دسّوا السم في طعامه، فمات في سجوده في السجن. وبعد دفنه نبشوا قبره وأخرجوا جثته، وأحرقوها، ودفنوا كلبًا في قبره، ثم حوّلوه مرحاضًا عامًّا في بغداد.

واضطُهد الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، وعُذَّب عذابًا شديدًا حتى مات بسبب الجروح، وجريمته أنه لم يقل بأن القرآن مخلوق!

وطُرد الإمام البخاري رحمه الله من بلده إلى خارتانج.

وسُجن الإمام ابن تيمية وعذَّب طويلا حتى مات في السجن في مصر.

واتُّهم الإمام ابن قيِّم بالهرطقة، فسُجن وعذب.

أما علماء التصوف وأولياء الله المعروفون فلم يشذّ أحدٌ منهم عن قاعدة التكفير والتعذيب والقهر، بل كان الحبس أو القتلُ نصيبَ عدد منهم، كأمثال الشيخ أبو الحسن الشاذلي، وذو النون المصري، وسهيل التستري، ومنصور الحلاج رحمهم الله جميعًا.

ووقع الصوفي الأرمني الشهير سرمد في المتاعب مع مشايخ الهند الذين حكموا بضرب عنقه، فأُعدم.

واتهم المشايخ وليَّ الله الشهير عبد القادر الجيلاني -رحمه الله- بالخروج والارتداد.

والصوفي العظيم محيي الدين ابن عربي -رحمه الله- اتُّهم من قبلهم بكونه المرتد الأعظم.

وخنقوا الصوفي الشهير شهاب الدين السهروردي بعد اتهامه بالكفر والردة. وقذفوا الصوفي الكبير با يزيد البسطامي بالخروج والفسق حين ذهب ليدعوا أهل بيشاور.

أما كبار العلماء الربانيين فقد طاردهم الحسّاد من علماء السلاطين وأحرقوا كتبهم، فقليلٌ من يجهل حرق كتب حجة الإسلام أبي حامد الغزالي بحجة أنه يروج الإلحاد، وأمروا بقطع أعناق مريديه إن ظهر له مريدون.

وتمَّ نفيُ ابن حزم الأندلسيّ من بلده بعد حرق كتبه.

وتآمروا على قتل الشاه ولي الله الدهلوي -رحمه الله- ولكن الله نجاه بمعجزة، وجريمته أنه قام بأول ترجمة لمعاني القرآن الكريم إلى اللغة الفارسية.

فهل يبقى بعد ذلك لفتاوى تكفير هؤلاء المشايخ أية قيمة عند مسلم صادق يخاف الله حقًّا؟

إجماع الفرق كلها

وأما القول بأنه لو اتفق سائر الفرق على كفر فرقة واحدة لجاز اعتبارها خارجة عن دائرة الإسلام، فهو موقف خاطئ وضد موقف النبي . كما أنه غير معقول، وذلك لأن كل فرقة من فرق المسلمين تعتقد بمعتقدات لو اعتنقها أحد لخرج عن دائرة الإسلام باتفاق معظم الفرق الأخرى. فمن الضروري أخذ جميع الأمور بعين الاعتبار التي أدت ببعض العلماء إلى تكفير الفِرق الأخرى أو اعتبارها مرتدة وخارجة عن الإسلام.

القرار البرلماني ليس وثيقة شرعية

هناك سؤال منطقي وأساسي: هل يسوغ لبرلمان من برلمانات العالم (أوّلاً): أن يحرم إنسانًا من حقه الأساسي في الانتماء إلى أي دين شاء.؟ (وثانيًا): هل يحق له أن يتدخل في الأمور الدينية، فيقرر ما شاء عن معتقد طائفة أو فرقة.

فكما قلنا سابقًا إنه من الحقوق الأساسية لكل إنسان أن ينتمي إلى أي دين شاء، بغضِّ النظر عن لونه وعرقه وبلده أو قبيلته، ولا يجوز لأحدٍ شيخٍ أو عالم أو جمعية أو رابطة أو حكومة أو برلمان أن يحرمه من حقه هذا.

إن حقوق الإنسان والدساتير العالمية ودستور الأمم المتحدة وحتى الدستور الباكستاني أيضا تحت مادة رقم 20 تضمن هذه الحقوق الإنسانية الأساسية لكل إنسان.

كما أن الفطرة الإنسانية والعقل السليم أيضًا لا يجيزان لأي مجلس أو برلمان أن يحرم شخصًا أو جماعة من أن تتدين بأي دين ترضى به. وذلك لأنه إذا أُعطي هذا الحق لمجلس واحد فسيعم جميع مجالس وبرلمانات العالم، الأمر الذي سيكون مجلبة للفوضى. * فسيحق لكل فرقة من فرق الأديان المختلفة أن تطالب برلمان بلدها أن يُعرَض أمر فرقة أخرى للمناقشة ومن ثم اعتبارها غير مسيحية أو غير هندوسية أو حتى غير مسلمة.

* وسيحق لبرلمانات العالم أجمع أن تُخرج بعض الفرق المسلمة عن حظيرة الإسلام واعتبارها غير مسلمة نظرًا إلى معتقداتها. فمثلا سيحق للبرلمان الهندي أن يعتبر بعض الفرق الإسلامية غير مسلمة بناء على الفتاوى الصادرة ضدها.

* ثم لو سلمنا بهذا فلا بد لنا من قبول قرارات الأغلبيات ضد الأنبياء عليهم السلام وجماعاتهم في الماضي، لأن أعداء الحق كانوا دائماً يشكّلون الأغلبية إزاء جماعات الأنبياء في أول الأمر، وتباهَوا بذلك بكل زهو وغطرسة قائلين: إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ * وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (الشعراء: 55-56)

* وأخيرًا، بل أولاً وقبل كل شيء، إن الله تعالى قد نهى صراحة عن أن يُكرَه أحد على تغيير دينه، فقال: لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ (البقرة: 257)، وقال تعالى وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا (النساء: 95)

ثم هناك تحذير شديد من قِبل الرسول للذين يريدون أن يعتبروا الناطق بالشهادة كافرًا ولو أثناء الحرب. فقد ورد في الحديث الشريف: عن أسامة بن زيد، وهذا حديث ابن أبي شيبة، قال: بعثَنا رسولُ الله في سرية، فصبَّحْنا الحُرقاتِ مِن جهينةَ. فأدركتُ رجلاً، فقال: “لا إله إلا الله”، فطعنتُه. فوقع في نفسي من ذلك، فذكرتُه للنبي ، فقال رسول الله : أقال: لا إله إلا الله وقتلتَه؟ قال قلتُ: يا رسول الله، إنما قالها خوفًا من السلاح. قال:

“أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا أَمْ لَا فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي أَسْلَمْتُ يَوْمَئِذٍ”. (مسلم، كتاب الإيمان، باب تحريم قتل الكافر بعد أن قال: “لا إله إلا الله”)

وفي رواية: إن رسول الله بعث بعثًا من المسلمين إلى قوم من المشركين وإنهم التقوا، فكان رجل من المشركين إذا شاء أن يقصد إلى رجل من المسلمين قصد له فقتلَه. وإن رجلاً من المسلمين قصَد غَفْلتَه، قال: وكنا نحدّث أنه أسامة بن زيد. فلما رفع عليه السيف قال: لا إله إلا الله، فقتلَه. فجاء البشير إلى النبي ، فسأله، فأخبره حتى أخبره خبر الرجل كيف صنع. فدعاه فسأله فقال: لِمَ قتلتَه؟ قال:

يا رسول الله، أَوْجَعَ فِي الْمُسْلِمِينَ وَقَتَلَ فُلَانًا وَفُلَانًا وَسَمَّى لَهُ نَفَرًا وَإِنِّي حَمَلْتُ عَلَيْهِ فَلَمَّا رَأَى السَّيْفَ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ أَقَتَلْتَهُ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَكَيْفَ تَصْنَعُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ” (مسلم، كتاب الإيمان)

فهل بعد قرار الله ورسوله أية قيمة لقرار مشايخهم أو قرار برلماناتهم؟ وهل بعد الحق إلا الضلال المبين؟

فمتى شقَّ هؤلاء قلوبنا حتى يعلموا ما إذا كنا ننطق بالشهادة بصدق القلب أم بأفواهنا فقط؟ أم أنهم يعلمون الغيب الذي لم يعلمه الرسول ؟

أليست تصرفاتهم هذه برهانًا ساطعًا على أنهم قد اتخذوا القرآن والسنة مهجورَين؟ أليس هذا دليلاً على أنهم لا يخافون المثول أمام الله تعالى؟ بل لقد نسوا يوم الحساب.

لعبة سياسية

الحق أن الجميع يعرف أن قرار البرلمان الباكستاني لم يكن إلا لعبة سياسية جعل فيها الرئيس بوتو جماعتَنا كبش الفداء إرضاءً للمشايخ من أجل الاحتفاظ بكرسيه.

والجميع يعرف سلوك وتصرفات الأكثرية من أعضاء هذا البرلمان الذي يعتز الجهلة اليوم بقراره وكأنه وثيقة شرعية. فقد قالت حكومة الجنرال ضياء الحق في قرطاس حكومي إنهم واقعون في كل أنواع الكبائر من زنى ورشوة وتعاطٍ للخمر وما إلى ذلك من الموبقات.

وحتى لو كان بعض أعضاء البرلمان لم يبلغوا هذه الدرجة من الانحراف والفساد، وكانوا أتقياء صالحين، فأيضًا لما كان لقرارهم أهمية شرعية إطلاقًا، لأنه سبق أن أثبتنا أنه ليس بسلطة شيخ أو مجلس أو برلمان أو محكمة أو جماعة أو رابطة أو حكومة أن تحدد للناس دينهم، بل الله الذي يعلم ما في الصدور هو الوحيد الذي يملك هذه السلطة.

وثانيًا: كيف يُعتبر هؤلاء المشايخ صالحين وقد كانوا ولا يزالون يرشقون بعضهم بعضًا بفتاوى التكفير على أدنى اختلاف في الرأي، حتى لا يصلي بعضهم وراء بعض.

وثالثًا: كيف يُعتبر هؤلاء أتقياء وقد ارتكبوا باتخاذ هذا القرار البرلماني مخالفة صريحة لله ورسوله .

هذا، وقد طالبت جماعتنا الحكومةَ الباكستانية مرارًا وتكرارًا بنشر ما جرى في البرلمان من نقاشات ومناظرات ليعرف الجميع الحقيقة، ولكن للأسف أن حكومة “بوتو” وكل الحكومات التالية لا تزال تكتم عن الناس كل تلك الإجراءات والمناقشات حتى اليوم. تُرى لماذا؟

علمًا أنه قد دار النقاش في البرلمان لمدة 11 يومًا بين المشايخ والنائب العام وبين إمام جماعتنا سيدنا الحافظ مرزا ناصر أحمد رحمه الله، الذي رد على جميع اعتراضاتهم ردًّا مفحمًا مقنعًا شافيًا بعون الله تعالى، وقد تم تسجيل كل ذلك من قبل الحكومة.

إعدام “بوتو”.. آية إلهية

ثم إذا كانت هذه خدمة إسلامية عظيمة مِن قِبل “بوتو” الذي اتُّخذ هذا القرار البرلماني في عهده، ومِن قِبل ضياء الحق الذي سن قانونًا عسكريّا لتطبيق هذا القرار بالفعل، فلماذا لقيا مصيرًا تعيسًا وصارا عبرة لمن يعتبر؟ فقد قُتل بوتو شر قتلة، وأما ضياء الحق فأيضًا أهلكه الله تعالى بطريق عجيب بعد أن ظل كابوسًا ثقيلاً على البلد لسنوات شداد عجافٍ: إحدى عشرة سنة. وإليكم بيان ذلك.

لم تكتفِ حكومة “بوتو” باعتبار الأحمدية فرقة غير مسلمة بناء على قرار البرلمان، بل حرّضت أتباع المشايخ المتطرفين على قتل أبناء الأحمدية ونهب أموالهم وهدم بيوتهم وحرق مساجدهم، فحصلت مجازر رهيبة للأحمديين العزل المسالمين سنة 1974. وعندها أعلن إمامهم سيدنا ميرزا ناصر أحمد -رحمه الله- بأن الله تعالى سيبطش ببوتو عاجلاً إن لم يرتدع عن ظلمه وعدوانه. ولكن “بوتو” استمر في ضحكه وعدوانه على الأحمديين، بل قال بكل زهو وتباهٍ: سوف أضع قصعة الشحّاذين في أيدي الأحمديين.

ونسي “بوتو” أن للمظلومين ربَّا يأتي بغتة لنصرتهم من حيث لا يُحتسب. وفعلاً جاءت النصرة الربانية بعد ثلاث سنوات شداد، حين أُطيحَ بعرش “بوتو” بيد الجنرال ضياء. فبعد استيلاء الجنرال على كرسي الحكم عام 1977 ألقى “بوتو” في السجن وبدأ محاكمته في قضية قتل أحد السياسيين الذي لم يكن لـ “بوتو” ضلع في قتله كما يعرف الجميع.

واستمرت المحاكمة لسنتين لم ينفك الأحمديون يعلنون خلالهما من أقصى البلاد إلى أقصاها، في جرائدهم وأحاديثهم للناس، أن عقاب “بوتو” لن ينتهي بالسجن، بل إن عقابه الحقيقي ينتظره وهو الإعدام، وسوف يُعدَم حين يدخل في الـ 52 سنة من عمره، وذلك لأننا على يقين أن “بوتو” هو العدو المشار إليه في إلهام سجلّه سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود في أحد كتبه، وتعريبه كالآتي: “منذ أيام أخبرني الله تعالى عن موت شخص، وكان هذا الإخبار على شكل القيمة العددية لبعض حروف الهجاء كما أشار إليه وحي الله تعالى الذي يقول: “كلبٌ يموت على كلب”.. أي أن ذلك الشخص كلب، وسيموت على عدد لفظ “كلب” الذي يدل على السن الـ52 .. أي أنه لن يعمَّر أكثر من 52 عامًا، بل عندما يدخل في السنة الـ 52 من عمره يرتحل في السنة نفسها إلى الآخرة.” (إزالة أوهام، الخزائن الروحانية مجلد 3 ص 190)

علماً أن القيمة العددية لكلمة “كلب” هي 52 كالآتي: ك = 20 + ل = 30 + ب = 2 والمجموع = 52.

ولما سمع المشايخ ذلك أسرعوا إلى الجنرال ضياء يتوسلون إليه أنه إذا كان عازمًا على قتل “بوتو” في كل حال فليُعْدِمْه إما قبل دخوله السن 52 أو ينتظر بعدها سنة أخرى. وكانت توسلاتهم إلى الجنرال مباشرةً وأيضًا عن طريق السياسيين والحكومات الخارجية بما فيها السعودية والأمريكية. ولكنهم ما استطاعوا أن يردّوا قدر الله الذي قد أتى، فتعجَّل الجنرال إتمام الإجراءات القضائية لإعدام “بوتو” خوفًا من أن يثير أصحابُ الأخير الشعبَ ضده، وبالفعل أعدمه عام 1979 تمامًا بعد أن دخل العام الـ 52 من عمره.

ولم ينته العقاب السماوي لبوتو لهذا الحد، بل امتد إلى عائلته، فكان له ابنان فقُتلا، وحصل شجار حاد بين زوجته وابنته بينظير بوتو التي تعيش حاليًا في المنفى بعيدًا عن زوجها آصف زرداري الذي هو الآخر ملقى في غياهب السجن بباكستان جراء أكل الأموال القومية.

هلاك “ضياء الحق” آية أخرى

وبعد “بوتو” حكمَ البلادَ الجنرالُ ضياء حكمًاً عسكريًا دكتاتوريًا لم تَعهده البلادُ من قبل. فأصدر بدوره مرسومًا رئاسيًا عسكريًا يحظر على المسلمين الأحمديين ممارسةَ شعائرهم الدينية كما ذُكر آنفًا. ولما طفح الكيل بالاضطهادات التي صُبّت على الأحمديين المسالمين العزّل المستضعفين من قبل حكومة الجنرال العسكرية، وجّه إليه وإلى المشايخ المرتزقة عنده إمامُ جماعتنا آنذاك حضرة ميرزا طاهر أحمد -رحمه الله- دعوةَ المباهلة بأن يدعو الفريقان ربهما أن يعاقب الكاذبَ والظالم منهما عقابًا شديدًا يكون عبرة لمن يعتبر؛ وذلك في خطبته للجمعة يوم 10/6/1988.

ثم بعد ثلاثة أسابيع قال حضرته في خطبته للجمعة يوم 1/7/1988: “إننا ما زلنا في انتظار ما سيُظهره الله تعالى من قضائه في صدد الرئيس الباكستاني. ولكن كونوا على يقين أن الله سوف يبطش به حتمًا، سواء قبلَ الآن دعوتي للمباهلة أم لم يقبلها، لأنه رأس المكفرين لنا، والمسؤول الأول عن كل ما يُصَبّ على الأحمديين الأبرياء من ظلم واضطهاد.”

ثم في خطبة الجمعة يوم 12/8/1988 أعلن حضرتُه وقال: “إن الله تعالى قد كشف لي البارحةَ في الرؤيا أن رحى القدر قد أخذت تدور، وأنه تعالى سوف يمزق هذا الطاغية إربًا، ويجعله هباء منثورًا. فكونوا على يقين أن عقابه قريب، ولن تستطيع قوة في الدنيا إنقاذَه منه أبدًا.”

وبعد خمسة أيام فقط من هذا الإنذار الإلهي الذي تم على لسان إمام جماعتنا نزلت صاعقة قدر الله على هذا الدكتاتور يوم 17/8/1988، حين انفجرت طائرته في جو السماء، فاحترق هو ومن معه من أسياده الأمريكان المسافرين معه، وأصبح رمادًا تذروه الرياح، ولم يُعثَر على شيء من جثته سوى سنّه الذهبي، الذي دفنوه في قبره كما يعرف الجميع.

وبالرغم من أنه قد مضى على هلاكه أكثر من 15 عامًا، إلا أنه لا يزال أكثرَ الشخصيات الحاكمة كراهةً وبغضًا عند الشعب الباكستاني، لأنه هو الذي روج في باكستان لما يسمى “موضة كلاشنكوف”، وأجّج التطرف الديني والعداء الطائفي، مما أدى إلى حدوث اغتيال لشخصيات بارزة لمختلف الطوائف، وتنفيذ المجازر في المساجد كل يوم في باكستان.

أقول: هل هكذا يعامل الله خدام دينه الحنيف؟ هل هكذا يهين ويُهلك عبادَه الذين يحسنون إلى أمة رسوله الكريم ؟ هل هكذا يترك لهم ذكرًا سيئًا وسمعة سيئة بعدهم؟ أم أنه عقاب إلهي ينزل بالذين يثيرون غضبه بارتكاب أبشع المعاصي والموبقات، وأنه آية وعبرة للذين يخافون يوم الدين؟

أيهما تختار: قرار الرسول أم قرار “علمائهم”؟

لا شك أن هؤلاء المتشدقين اليوم بأنه قرار الأكثرية لا يتدبرون القرآن، أم على قلوب أقفالها، فلا يدرون ماذا يعلنه القرآن عن الأكثرية؟ أفلا يقرأون في القرآن أن أعداء الحق هم الذين تفاخروا دائمًا بأكثريتهم العددية، وقالوا عن أهل الحق عند الله: إن هؤلاء لَشِرذِمةٌ قليلون، وإنهم لنا لغائظون، وإنا نخاف أن يبدّلوا دينكم أو أن يظهروا في الأرض الفساد.

وإذا كانت الأكثرية دليلاً يؤخذ به بغض النظر عن كونه على الحق أم على الباطل، فلم لا يدخل هؤلاء المتشدقون في النصرانية لأن النصارى يشكلون الأكثرية العددية في العالم؟!

على أية حال، تعالوا معي الآن لنرى ما قاله النبي عن الأكثرية في زمن يفشو فيه الكذب: “عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله :

“لَيَأْتِيَنَّ عَلَى أُمَّتِي مَا أَتَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ حَتَّى إِنْ كَانَ مِنْهُمْ مَنْ أَتَى أُمَّهُ عَلَانِيَةً لَكَانَ فِي أُمَّتِي مَنْ يَصْنَعُ ذَلِكَ وَإِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ تَفَرَّقَتْ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلَّا مِلَّةً وَاحِدَةً قَالُوا وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي.” (الترمذي، أبواب الإيمان، باب افتراق هذه الأمة)

إن هذا الحديث على جانب كبير من الأهمية ولا سيما أن مؤسس الطائفة الوهابية الإمام محمد بن عبد الوهاب -الذي تعتبره الأغلبية الساحقة من مسلمي السعودية، بما فيهم منظمة الرابطة الإسلامية، مجددًا للقرن الثاني عشر- يقول: “وقوله : “ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة.” فهذه المسألة أجلُّ المسائل؛ فمَن فقهَها فهو الفقيه، ومن عمل بها فهو المسلم.” (مختصر سيرة الرسول للإمام محمد بن عبد الوهاب ص 14 مطبعة السنة المحمدية بالقاهرة عام 1956 م)

ويقول شرح المشكاة العلامة الجليل الشهير بين الأحناف، الإمام ملا علي القاري، في شرح الحديث المذكور: “فتلك اثنان وسبعون فرقة كلهم في النار، والفرقةُ الناجية هم أهل السنة البيضاء المحمدية والطريقة النقية الأحمدية.” (مرقاة المفاتيح، شرح مشكاة المصابيح للإمام ملا علي القاري ج 1 ص 204)

وتقول مجلة “ترجمان القرآن” الناطقة باسم جماعة المودودي: “إن اتفاق الأكثرية على أمر لا يُعتبر في الإسلام دليلا على كونهم على الحق، كما أن الأكثرية ليست هي السواد الأعظم، كما لا يُطلَق على كل حشد حكمُ الجماعة. وليس اتفاق طائفة من المشايخ في منطقة معينة على أمر معين إجماعًا… عَنْ عبد الله بن عَمْرو قال قال رسول الله إنّ بني إسرائيل تفرَّقتْ على ثلاث وسبعين ملَّةً، كلُّهم في النار إلا ملة واحدة. قالوا ومَن هي يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي.”

وتضيف المجلة: “وهذه الفرقة لن تكون في الأكثرية، ولن تعتبر كثرتها دليلا على كونها على الحق، بل تكون واحدة من ثلاث وسبعين فرقة من فرق الأمة. وتكون حالتها كالغرباء والأجانب في هذه الدنيا العامرة، كما قال رسول الله : “بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء”. فالجماعة التي تعتبر نفسها -بناء على كثرتها- تلك الجماعة التي عليها يد الله، ليس لها أية بارقة أمل في هذا الحديث، لأن الحديث يبين بوضوح علامتين لهذه الجماعة. الأولى: أنها ستكون على طريق النبي وأصحابه، والثانية: أنها تكون قليلة العدد.” (مجلة “ترجمان القرآن” مجلد 27 عدد 3، 4 سبتمبر وأكتوبر 1945 صفحة 175 و176)

ألا فانظروا كيف يعلن النبي أنه عند افتراق الأمة لا بد أن تكون الفِرق الاثنتان والسبعون مخطئةً، والفرقة الواحدة تكون على الحق دون غيرها. ولكن معارضي الأحمدية لم يعبأوا لسوء حظهم بتكذيب النبي بغيةَ تكذيب الأحمدية وتكفيرها، وأجمعوا على هذا القرار، متناسين كل الخلافات الشديدة وفتاوى الكفر التي يتبادلونها فيما بينهم، معلنين بقرارهم الوقح أن قول الرسول باطل -والعياذ بالله. وقد فعلوا ذلك بالرغم من أن إمام جماعتنا آنذاك كان حذَّرهم مرارًا وتكرارًا بقوله: يمكنكم أن تعارضونا كما يحلو لكم، ولكن بالله عليكم لا ترفعوا راية التمرد ضد سيدنا محمد المصطفى في بلد مسلم، باكستان. إنكم ما زلتم تعترفون إلى الأمس القريب بأنه لو حدث الخلاف، واجتمعت الاثنتان والسبعون فرقة ضد فرقة واحدة، لكانت الأغلبية المتمثلة في الاثنتين والسبعين كاذبة، ولكانت الفرقة الواحدة صادقةً حسب نبأ أصدق الصادقين . ولكن اليوم بدأتم تقولون بغيةَ تكذيب الأحمدية بأن الفِرق الاثنتين والسبعين صائبة والواحدة مخطئة. فيا أيها المشايخ، بالله! ثم تالله لا قيمةَ لفتواكم إطلاقا، وإنما فتوى النبي هي التي تحمل أهمية شرعية وقانونية، وليس هناك أحد، كائنا من كان، يقدر على أن يرد فتوى النبي أو يلغيها أو يُقلِّل من أهميتها.

فاعلموا أن يوم 7 سبتمبر عام 1974 قد طلع عليكم بنحس مستمر، بينما أشرق علينا بنصر عظيم وفتح مبين، إذ قد تحققت بقراركم البرلماني هذا نبوءةٌ عظيمة لنبينا في حقنا، وبكل وضوح وجلاء، ورغم أنفكم.

لقد وقعتم في الشراك الذي نصبتموه بأيديكم ضدنا. لقد نسجتم هذه المكيدة لفصلنا عن سيدنا محمد ، ولكن ذلك اليوم المبارك قد أوثق علاقتنا به أكثر. فلا نبالي بأكثريتكم مطلقًا، لأن سيدنا ومولانا محمدًا المصطفى لا يبالي بها ولا يقيم لها وزنًا على الإطلاق، بل يرفضها رفضاً باتًّا. إننا نفضّل أن تبقى  تلك الفرقة التي صارت وحيدة كالغرباء، والتي معها النبي ولو كانت مخطئة في زعم الدنيا كلها، ولن نقبل بشكل من الأشكال أن نندرج في قائمة الفرق الاثنتين والسبعين التي لا يرضى بها النبي ، كذّبتمونا أو صدّقتمونا، والحق أننا صادقون بفضل الله تعالى. ونحن راضون تمامًا بقدر الله وقضاء رسوله. اللهم صل عل محمد وعلى آل محمد وبارك وسلم إنك حميد مجيد.

لا تكتموا شهادة الله

لا شك أن لكل فريق الحق أن يدعي أنه على الحق، وأنه “الفرقة الناجية”، ولكن الرسول لم يترك الأمر غمة، بل أوضحه وجلاه. فحين سئل : وَمَنْ هي يا رسول الله؟ بيّن علامتهم قائلاً: “ما أنا عليه وأصْحَابي.”

فبالله أخبروا، ولا تكتموا الشهادة، ومَن يكتمها فإنه آثم قلبه: أيُّ الفريقين هو على ما كان عليه النبي وأصحابه: هل هؤلاء الذين يمنعون المسلمين الأحمديين بقانونهم العسكري من النطق بشهادة أن “لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله”، ويمحون هذه الشهادة الحبيبة إلى كل مسلم صادق من على واجهات المساجد الأحمدية بالطلاء الأسود، ويمنعون الأحمديين من رفع الآذان ولو عذّبوا، وسُجنوا، وقدّموا ثمن أرواحهم كما فعل مؤذّن الرسول وأصحابه الموحدين العظام مثل مؤذّن الرسول سيدنا بلال وآل ياسر وغيرهم y ورضوا عنه؟

بالله أخبروا أي الفريقين هو على ما كان عليه النبي وأصحابه: هل هؤلاء الذين يمنعون المسلمين الأحمديين بقانونهم العسكري من أن يسمّوا أنفسهم مسلمين كما منع الكفار رسولَ الله من أن يسمي نفسه مسلمًا، فقالوا له : إنما أنت صابىء لأنك قد خرجت من دين إبراهيم ومن دين آبائنا؛ أم نحن المسلمين الأحمديين الذين نتمسك بالإسلام وبالمصطفى وندعو الآخرين إلى ذلك، رغم أنف هؤلاء الظالمين، ببذل كل غال ورخيص كما فعل المصطفى وأصحابه الكرام y ورضوا عنه؟

بالله أخبروا أي الفريقين هو على ما كان عليه النبي وأصحابه: هل هؤلاء الذين يمنعون المسلمين الأحمديين بقانونهم العسكري من أداء صلاة الإسلام كما آذى الكفار رسولنا الكريم حتى في الحرم لكي يمنعوه من الصلاة، حتى سجل الله هذا الحادث في كتابه الكريم فقال

أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْدًا إِذَا صَلَّى ؛

أم نحن المسلمين الأحمديين الذين لا نمتنع عن الصلاة رغم أنف هؤلاء الحاقدين الحانقين كما فعل الرسول وأصحابه العظام y ورضوا عنه؟

بالله أخبروا أي الفريقين هو على ما كان عليه النبي وأصحابه: هل هؤلاء الذين يهدمون ويحرقون ويُغلقون مساجد الأحمديين كما هدم الكفار مسجد سيدنا أبي بكر الصديق الذي اتخذه في فناء بيته؛ أم نحن المسلمين الأحمديين الذين نبني مساجد الله بمالنا الحلال وبعرق جبيننا ثم نعمرها بالمصلين المؤمنين الموحدين المتقين كما فعل الرسول وأصحابه العظام y ورضوا عنه؟

بالله أخبروا أي الفريقين هو على ما كان عليه النبي وأصحابه: هل هؤلاء الذين يمنعون المسلمين الأحمديين من قراءة القرآن (وحتى من كتابة آية من آياته في كتاب أو مقال أو بطاقة)، كما فعل الكفار وقالوا

لَا تَسْمَعُوا لِهَٰذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ،

ومنعوا أبا بكر الصديق من قراءة القرآن في فناء بيته بحجة أن قراءته للقرآن تجرح مشاعرهم، وتُغوي أحداثهم وتُضلّل أحداثهم؛ أم نحن المسلمين الأحمديين الذين نقرأ القرآن ونعمل به ونعمل على نشره ومعارفه في كل أنحاء العالم تأسياً بالرسول وأصحابه العظام y  ورضوا عنه؟

بالله أخبروا أي الفريقين هو على ما كان عليه النبي وأصحابه: هل هؤلاء الذين يصدّون المسلمين الأحمديين عن المسجد الحرام في مكة مثلما صدّ الكفار رسول الله عن المسجد الحرام عند الحديبية، ويتناسون كيف ندد الله بالكفار بسبب فعلتهم هذه وقال

وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ ۚ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ

أم نحن المسلمين الأحمديين الذين نحاول -رغم أنف هؤلاء الذين يضعون العراقيل في طريقنا- أن نحج البيت ما استطعنا إليه سبيلاً كما فعل الرسول وأصحابه الكرام y ورضوا عنه؟

وبالمناسبة، هل صارت هذه العائلة السعودية الحاكمة على أرض الحرمين كافرة حين مُنعت من الحج من قبل الحاكمين المسلمين السابقين؟

ثم ماذا عن الملك فيصل الذي دعا بطل الأحمدية محمد ظفر الله خان أول وزير خارجية باكستان ليؤدي فريضة الحج كضيف ملَكي، وذلك اعترافًا منه للمواقف الشجاعة المعروفة التي اتخذها محمد ظفرالله خان في الأمم المتحدة دفاعًا عن القضايا العربية وخاصة القضية الفلسطينية. وبالفعل قَبِلَ الأخير هذه الدعوة وقام بحج البيت الحرام في أم القرى؟

ثم بالله أخبروا أي الفريقين هو على ما كان عليه النبي وأصحابه: هل هؤلاء الذين اجتمع كبراؤهم ليتخذوا هذا القرار البرلماني الغاشم ضد المسلمين الأحمديين قائلين: إنا نحاف أن يبدّلوا دينكم أو أن يُظهروا في الأرض الفساد، ثم طبعوا هذا القرار ونشروه في العالم أجمع بكل تباه وغطرسة على أنه قرار الأغلبية، لذا يجب مقاطعة الأحمديين من قبل جميع الفرق والجهات والحكومات؛ أم نحن المسلمين الأحمديين الذين فُعل بهم ما فُعل بالرسول وأصحابه الكرام حيث اجتمع صناديد الكفار في دار الندوة التي كانت بمثابة برلمان لهم، واتخذوا ضده وأصحابه قرارهم الغاشم بحجة أنه قد ترك دين أبيهم إبراهيم، وأنه يريد أن يحدث الفرقة بينهم ويشتّت شملهم، فيجب مقاطعته؛ ثم كتبوا هذا القرار وعلّقوه في الكعبة ليعرفه كل قاص ودان ويعمل به؛ وبالفعل قاطعوه وأصحابه وتركوهم يعانون أشد أنواع التعذيب في شعب أبي طالب لثلاث سنوات شداد عجاف، y ورضوا عنه؟

وبالله أخبروا؛ هل اجتمعت هذه الأمور كلها معًا في أية فرقة إسلامية في أي عصر من العصور الإسلامية بعد عصر النبي ، اللهم إلا في جماعتنا الإسلامية الأحمدية؟

وأخيرًا، بالله أخبروا أي الفريقين أحق بالأمن، هل هؤلاء الذين يرفضون قرار الرسول ، فيعلنون أن كل هذه الفرق المختلفة التي صارت في جانب هي على الحق، أم نحن المسلمين الأحمديين الذين نتمسك بقرار الرسول بأن الفرقة الوحيدة هي على الحق” “فاتّقوا الله يا أخوان، وعند ذكر رسول الله تأدّبوا. واخفضوا جَنَاحكم في حضرته ولا تَشمَّخوا. وادخلوا في السّلم ولا تفرّقوا. وأطيعوا ولا تَمزّقوا. وتُواخوا ولا تُعادوا. وصِلوا ولا تقطعوا. وابتَغوا سبل رضاء الله ولا تيأسوا. وكُفُّوا ألسنتكم، عباد الله، ولا تعتدوا. أتُخرجون أهل قبلتكم من دينكم ولا تخافون؟ وتَدُعُّون إخوانَكم ولا تَدْعُون؟ وتُكفِّرون المسلمين المصلين الصائمين الموحّدين القائمين على حدود الله، ولا تُبالون؟ أشُركاؤكم في كلمتكم كفّارٌ، ما لكم كيف تحكمون؟ أرفقاؤكم في قبلتكم أغيار، انظروا ما تقولون؟ أنحن نَفِرُّ من رسول الله ؟ اتَّقُوا الله أيها المعتدون. أَكَفرنا بالله ورسوله؟ اتَّقوا الله أيها المفترون. أَإِكفارُ المؤمنين حسنةٌ، والقول بوفاة المسيح معصية؟ ما لكم أين تقواكم، وأي شيء أَغشاكم؟”

(** علمًا أن أحد هؤلاء المشايخ اسمه سكراني)

Share via
تابعونا على الفايس بوك