عيادة المريض من الأخلاق الإسلامية السامية

عيادة المريض من الأخلاق الإسلامية السامية

سلطان أحمد البيركوتي

 

الجماعة الإسلامية الأحمدية هي الجماعة التي أسسها حضرة الإمام المهدي والمسيح الموعود بأمرٍ من الله . أُنشأت لتقديم إثباتات على استمرار الفيض الروحانيّ للرسول في الأزمنة الراهنة. ومن أهدافها العالية إظهار عظمة سيدنا محمد المصطفى وإحياء الأخلاق المحمّديّة من جديد. فالمطلوب منا ان نتحلَّى بالأخلاق المحمّدية بل نصبُغَ الآخرين بهذه الصِبغةِ المحمّدية.

ومن الأخلاق المحمّدية الفاضلة التي لا تُراعَى حقَّ قدرِها في أيامنا هذه عيادةُ المريض. فخلال القرن الأول من بعثة حضرة الإمام المهديّ كخادمٍ لشريعة سيدنا محمد المصطفى ظهر هذا الخُلق واضحًا في سلوك صحابته.

بيدَ أنّه أضحى الانتباه إليه ضئيلاً بعدهم، حتّى أصبح عُرضةً للإهمال والغفلة في الأوقات اللاحقة. رغم أنّ عيادة المريض ليست خُلقًا يضيف إلى حسناتنا حسنةً في الآخرة فحسب بل يُعمِّق فينا شعور الأُخوّة، وإلى جانب ذلك يقدِّم لنا فرصًا للتعاون على البِرِّ والتقوى تُسكِّن القلب وتُطمئنه حيث تتقوّى الجماعة وتبتعد عن سيّئاتٍ شتّى. أضف إلى ذلك أنّ المؤمن يحصل على أجرٍ وثواب كبيرين من الله تعالى لدى تطبيق إرشادات نبيّه . لكن هذا الخُلق لا يُراعى هذه الأيام كما يجب.

غريبٌ أمر الناس في هذه الأيام ففي بعض الحالات يمرضُ أحد الجيران ثم ينتقل إلى رحمة الله تعالى ولا يسمع بذلك جيرانه وإن سمِعوا لن يُبالوا. ولكن إذا مرِضت شخصيّةٌ مرموقة ذات أهميّة ورغم كون المرض تافهًا يعودها كلّ من هبَّ ودبّ سعيًا للحصول على رضاها، بالرغم من أنّ الله تعالى أوصى بصلة الأخوّة بين أفراد الأمة المسلمة جميعًا قائلاً: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ .

وقد صرَّح رسول الله أنّ المسلمين كجسدٍ واحد حيث قال:

“مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى”

ففي حالة مرضِ أحد المسلمين عليهم أن يشعروا كأنّ واحدًا منهم أصبح مريضًا حيث يقلق كلّ منهم ويسهر على راحة أخيه. ويجب ألا يُكدِّر صفوَ هذا الخُلق ثراء أحدٍ أو فقره أو مكانته الاجتماعيّة وحَسَبه ونَسَبه بل يتوجّب إظهار الحنان والمحبّة والنصح للجميع على السواء.

إنّ رسول الله لم يلفت أنظارنا إلى عيادة المريض فقط بل أمرنا بالتحلِّي بهذا الخُلق قائلاً:

“أَطْعِمُوا الجَائعَ وَعُودُوا المـَرِيضَ وفُكُّوا العَاني” (أبو داود)

وفي حديثٍ آخر بيّن هذه الخصلة كحقٍّ للمؤمن على أخيه (الصحيحان البخاري ومسلم)

وقد ورد حديث في صحيح النِّسائي:

“لِلْمُؤْمِنِ عَلَى الْمُؤْمِنِ سِتُّ خِصَالٍ: يَعُودُهُ إِذَا مَرِضَ، وَيَشْهَدُهُ إِذَا مَاتَ، وَيُجِيبُهُ إِذَا دَعَاهُ، وَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ إِذَا لَقِيَهُ، وَيُشَمِّتُهُ إِذَا عَطَسَ، وَيَنْصَحُ لَهُ إِذَا غَابَ أَوْ شَهِدَ.”

فهذا الخُلق هامٌّ إلى حدِّ أنّ الله تعالى سوف يسأل عنه عبده يوم القيامة. فقد أخبرنا رسول الله أن الله تعالى يقول لعبده يوم القيامة:

“مَرِضْتُ فَلَمْ يَعُدْنِي ابْنُ آدَمَ، وَظَمِئْتُ فَلَمْ يَسْقِنِي ابْنُ آدَمَ، فَقُلْتُ: أَتَمْرَضُ يَا رَبِّ؟ قَالَ: يَمْرَضُ الْعَبْدُ مِنْ عِبَادِي مِمَّنْ فِي الْأَرْضِ، فَلَا يُعَادُ، فَلَوْ عَادَهُ، كَانَ مَا يَعُودُهُ لِي، وَيَظْمَأُ فِي الْأَرْضِ، فَلَا يُسْقَى، فَلَوْ سُقِيَ كَانَ مَا سَقَاهُ لِي. (مسند أحمد بن حنبل المجلد 4)

إنّ رسول الله قد قدَّم لنا أسوته المباركة حيث عادَ حضرته خدَّامه باستمرار. فلقد روى جابر :

“كَانَ النَّبِيُّ يَعُودُنِي لَيْسَ بِرَاكِبِ بَغْلٍ وَلَا بِرْذَوْنٍ”. (أبو داود)

روت عائشة بنت سعد رضيَ الله عنهما أنّه عندما جُرِحَ أبوها سعدُ بن مُعاذ في غزوة الخندق فكان رسول الله يعوده بل قالت:

“ضربَ رَسُولُ الله خيمَةً في المسْجِدِ لِيَزُورَهُ مِنْ قَرِيب” (أبو داود)

إنّ رسول الله لم تقتصر عيادته على مرضى المسلمين فقط، بل وسَّع إطارها إلى غيرهم أيضًا. فكما ورد في الأحاديث:

مرض غلامٌ من اليهود فأتاه النبي يعودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ، وقَالَ لَهُ: أَسْلِمْ! فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ: أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ! فَأَسْلَمَ، فَقَامَ النَّبِيُّ وَهُوَ يَقُولُ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ بِي مِنَ النَّارِ» (أبو داود)

إنّ الإنسان يصير إبَّان المرض رقيق القلب، ويتوجَّه إلى الله أكثر ويتفكَّر في أمور عاقبته. ففي عيادة غير المسلم فائدةٌ أخرى -كما وضَّح الحديث المذكور- إنّه من الممكن أن يهتدي إن بشَّره أحدٌ في مثل هذه الظروف وينجي نفسه من العقاب الأُخروي، وبالتالي يحصل العائد أو الزائر على أجرين، أجر العيادة وأجر كونه سبب هدايته. وإلى جانب ذلك يحصل الإنسان على رِضا الله من خلال عيادة المريض وينجو من غضبه جلّ شأنه وعلا. يقول النبي الأكرم : “مَنْ كَانَ صَائِمًا وَعَادَ مَرِيضًا وَشَهِدَ جَنَازَةً غُفِرَ لَهُ. ” (مسند أحمد بن حنبل المجلد 3)

يقول مُعاذ إنّ رسول الله قال:

“إنّ الله يَضْمَنُ لَهُ دُخُولَ الجنَّة.”

وقد ورد في ابن ماجة حديث:

“مَنْ عَادَ مَرِيضًا نَادَى مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ، طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ، وَتَبَوَّأْتَ مِنَ الْجَنَّةِ مَنْزِلًا.”

وروى أبو داود:

“مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ وَعَادَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ مُحْتَسِبًا بُوعِدَ مِنْ جَهَنَّمَ مَسِيرَةَ سَبْعِينَ خَرِيفًا.”

وفي حديث آخر:

“إِذَا عَادَ الرَّجُلُ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ مَشَى فِي خِرَافَةِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَجْلِسَ، فَإِذَا جَلَسَ غَمَرَتْهُ الرَّحْمَةُ فَإِنْ كَانَ غُدْوَةً صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُمْسِيَ وَإِنْ كَانَ مَسَاءً صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُصْبِحَ.” (مسند أحمد بن حنبل المجلد الأول)

والمنفعة الأخرى في عيادة المريض -علاوةً على الأجر والثواب- هي أنّه تُتاح الفرصة لزائر المريض لإصلاح عاقبته وللتفكير بمصيره وإعادة النظر في تقصيره ويحاول أن يتجنَّب الذنوب ويستغفر الله ويدعو لنفسه كثيرًا. وقد ورد في الأحاديث:

“عُودُوا الْمَرِيضَ وَامْشُوا مَعَ الْجَنَائِزِ تُذَكِّرْكُمُ الْآخِرَةَ” (مسند أحمد بن حنبل المجلد الأول)

وأمرٌ آخر يجب أن ينتبه إليه العائدون ألا يتحدثوا في أمورٍ تُسيء إلى صحّة المريض النفسيّة لئلّا تضعُف المناعة فيه، ويصبح صيدًا في شباك اليأس والقنوط.

وتؤكِّد أقوال رسول الله على أنّ الإنسان إذا عادَ المريض فعليه أن يستنهض عزيمته وعزائم أقربائه ويدعو له.

تذكر الأحاديث أنّ رسول الله كلّما كان يعود المريض يجلس فيدعو له. يقول سعد بن أبي وقَّاص رضيَ الله تعالى عنه ما معناه، مرضتُ فجاء رسول الله يعودُني ودعا هذا الدعاء ثلاثًا:

“اللهُّم اشْفِ سَعْدًا” (مسلم)

وحين جُرح سعد بن مُعاذ إبَّان غزوة الخندق فكان رسول الله يعوده وكان يدعو له أثناء العيادة بمايلي:

“اللهُّم اشْفِ سَعْدًا وأتمِمْ له هجرَتَه” (أبو داود)

أرشدَ حضرته أمّته إلى أنّه أثناء عيادة المريض يجب أن تدعو له بدلاً من أن تنشغلوا في أحاديث أخرى. فروى ابن عمر رضيَ الله عنهما أنّ رسول الله قال:

“إِذَا جَاءَ الرَّجُلُ يَعُودُ مَرِيضًا فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ اشْفِ عَبْدَكَ” (أبو داود)

جاء في الصحيحين أنّه اثناء زيارة بعض أهل بيته كان حضرته يضع معصمه الأيسر على جسد المريض ويدعو:

“اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ أَذْهِبِ البَاسَ، واشْفِ، أَنْتَ الشَّافِي، لاَ شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لاَ يُغَادِرُ سَقَمًا”.

فزبدة الكلام إنّ زيارة المريض خلق سامٍ ومحبّب، أمر به الإسلام، بل حرَّض عليه وأوضح أهميته وبيّن منافعه وصرَّح عن آدابه. وإلى جانب ذلك له فوائد أخرى للمجتمع. فعلى كلّ مسلم ان يتخلّق بهذا الخلق، وينتبه إليه ولا يغفل عنه ولا سيّما المسلم الأحمديّ يجب أن لا يتكاسل لأنّه مُكلَّفٌ بإحياء الأخلاق المحمّديّة.

وفّقنا الله لأنّ نتخلّق بالأخلاق المحمّدية ونلفت أنظار الآخرين إليها كي نكون حائزين على الأجر الموعود لهذا الخلق.

(آمين يا ربّ العالمين)

(عن جريدة الفضل اليومية الناطقة بالأردية والصادرة في ربوة “باكستان” 20 حزيران يونيو 1975)

Share via
تابعونا على الفايس بوك