مقاومة التنصير.. أم مقاومة التوحيد

مقاومة التنصير.. أم مقاومة التوحيد

طه القزق

قال الله تعالى في كتابه العزيز:

{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (3) وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4) ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} (الجمعة: 3-5)

هؤلاء الآخرين منهم هم أهل الصحوة المكلفون من الله سبحانه وتعالى بإظهار الإسلام على الدين كله. “هؤلاء الآخرين” يتلقون التعليمات من السماء بواسطة الوحي لإظهار الإسلام بواسطة شخص اصطفاه الله سبحانه وتعالى في هذا العصر، وعلّمه أسرار القرآن الكريم التي لا يمكن أن يتصل إليها أي إنسان بذكائه ودهائه وعلمه وفلسفته. لا يمكن ذلك للزعماء السياسيين ولا لملوك البترول بأموالهم والقناطير المقنطرة من الذهب، بل ولا يمكن لهم بجيوشهم وأطنان الأسلحة التي يملكونها. ولا يمكن للجمعيات السرية وغيرها أن تظهر الإسلام. فهناك الكثير من التجارب التي قام بها المدعون لنصر الإسلام حسب زعمهم، ولكنهم مع الأسف وصلوا بالإسلام إلى الحضيض، وأصبح العالم ينظر إليهم وكأنهم معاول لهدم الإسلام من الداخل. ولقد جعلوا من أحقر أعداء الإسلام أن يتجرأ لمهاجمته، وأصبح المسلمون ينظر إليهم اليوم كغثاء السيل. فهناك المسلمون في الفيليبين أصبحوا ۱۲ بالمائة بعد أن كانوا 40 بالمائة. وفي الجزر الإسلامية الواقعة جنوب الفيلبين أصبحوا 35 بالمائة بعد أن كانوا 60 بالمائة تقريباً. (هذا التقدير كتب في جريدة المسلمون نفسها بتاريخ 5 يوليو ۱۹۹۱)، وذلك بقيادة وتعليمات هؤلاء المدّعين.. أهل الصحوة الإسلامية. وهناك في إندونيسيا كل يوم يتنصر مئات المسلمين. وهناك الكثير من البلاد الأفريقية يتنصر فيها المسلمون . وإذا ما تجول مسلم في البلاد الأوربية والأمريكية وغيرها من بلاد العالم يرى الكثيرين من الشبان المسلمين الهاربين من بلادهم. فمنهم الهارب في عقيدته ، لأنه متهم بالردة عن الإسلام، وطالب المشائخ بإهدار دمه. ومنهم الذي قام في بلده بمخالفة للقانون وقام بعملية للإخلال بالأمن في بلده، بحسب تعليمات المشائخ ظناً منه أنه بطاعة هؤلاء سوف ينتصر الإسلام. فأصبح لاجئاً في بلد من البلاد، يعيش متسولاً على فتات الكنائس المسيحية أو بمساعدة الحكومة التي لجأ إليها، بل ويمكن القول أنه أصبح لقمة سائغة لأي جمعية تساعده. إنها حوادث مخزية ووصمة عار. الكل يعرف ما جرى ويجري في بلاد المسلمين من اقتتال.

أهذه صحوتكم، أيها المشائخ؟ أبهذه الطرق يتنصر الإسلام؟ لقد جعلتم من بلاد الإسلام ساحات اقتتال تسيل فيها الدماء أنهاراً بين المسلمين والمسلمين. ومع ذلك تتخذون من الجماعة الإسلامية الأحمدية عدواً لكم، وتتهمونها باتهامات كاذبة ملفقة ! فإلى متى ستبقون سائرين بهذا الطريق المعاكس لمصلحة الإسلام والمسلمين؟

في محاضرة ألقاها الدكتور محمد عبده يماني حول “المسلمون في الاتحاد السوفياتي وتحديات الانفتاح” يقول حضرته: كان التحدي شيوعياً وأصبح صليبياً. هذه المحاضرة أُلقيت في نادی مكة الثقافي ونشرت في جريدة «المسلمون» بتاریخ ۲۲ محرم 1412 هـ الموافق ۲ أغسطس ۱۹۹۱.

يقول حضرته: «إن المسلمين في كل مكان هم العمق الاستراتيجي والبعد الحضاري لنا. ومن هنا يجب أن نهتم بهم حتى لا يأتي يوم لا يهتمون بنا. وذكر حضرته الحديث الذي يقول : «من لا يهتم بأمر المسلمين فليس منهم». وثمة مسلمون في أنحاء العالم يحتاجون إلى اهتمام خاص منا، ومنهم المسلمون في الهند والاتحاد السوفياتي، لأن أعدادهم التي تصل إلى مئات الملايين تجعل منهم شعوباً لا أقليات، فضلاً عن أن هؤلاء تعرضوا ويتعرضون لأشد أنواع المواجهة في العالم غير الإسلامي. ويكفي أن مسلمي الاتحاد السوفياتي قد واجهوا الحكم الشيوعي البغيض لأكثر من سبعين عاماً.. كان يُحرَم عليهم خلالها ممارسة شعائرهم أو التمسك بدينهم» .

ويذكر حضرة الدكتور كثيراً من المظالم التي كانت تمارس ضد المسلمين هناك، ويطالب بإرسال جيش من الدعاة، لأن الفاتكان قد اشتری قمراً صناعياً سوف يخصصه لعمليات التنصير بين المسلمين هناك، ويطالب بسرعة إرسال هذا الجيش من الدعاة ، لأن البهائية والقاديانية قد وصلت قبل الدعاة إلى الاتحاد السوفياتي !

تقول يا حضرة الدكتور : «كان التحدي شيوعياً وأصبح صليبياً»، وتطالب بإرسال جيش من الدعاة، ولكن ما هي الحجج والبراهين التي سيتسلح بها هؤلاء الدعاة لمقاومة التنصر. طبعاً إنهم سيقولون ما يعتقدون به من حجج وبراهين. والحجة الأولى عندهم لمقاومة التنصير هي أن المسيح عليه السلام حي في السماء وسيدنا محمداً مدفون بالمدينة المنورة. والمسيح عليه السلام الحيّ في السماء منذ ألفي سنة، سينزل على جناح ملكين، ويقتل الدجال ، ويكسر الصليب، ويقتل الخنزير، وينتصر الإسلام على يده، لأن الأمة الإسلامية لا يوجد فيها ولا واحد، حتى ولا سیدنا محمد يستطيع أن يُحيي الإسلام، وأن الأمة الإسلامية في حاجة إلى نبي من بني إسرائيل لإحيائها. ألستم تعتقدون بهذه العقيدة، وتُكفرون الأحمديين لأنهم لا يعتقدون بهذه الخرافة؟

والحجة الثانية أن سيدنا عيسى عليه السلام كان يُحيي الأموات، بينما جميع الأنبياء لم يستطيعوا أن يُحييوا بعوضة. ألستم تعتقدون بهذه العقيدة، ولم تقبلوا تفسير الأحمديين لتأويل هذه الآية بأن هذا الإحياء كان روحياً وليس مادياً، وتكفروننا من أجل هذا التأويل؟

والحجة الثالثة أن سيدنا عيسى عليه السلام كان يخلق الطيور، بينما كل الأنبياء بما فيهم سيدنا محمد لم يستطيعوا أن يخلقوا ذبابة. ألستم تعتقدون بهذه “المعجزة”، وتكفرون الأحمديين، لأنهم يؤولون هذا الخلق بخلاف ما تعتقدون به بأن الخلق كان روحانياً والطيور معناها الأناس الروحانيون.

أما الحجة الرابعة لمقاومة التنصير فهي مهمة جداً وقوية بأن كل من خُلق ويخلَق بما فيهم سيد الخلق وخاتم النبيين مسَّهم الشيطان، أمّا الوحيد الذي لم يمسه الشيطان فهو المسيح وأمه عليهما السلام. أليست هذه عقيدتكم، وتكفرون الأحمديين لعدم اعتقادهم بهذه الخرافات التي دسها المستشرقون في بعض الكتب الإسلامية؟

أهذه براهين وأدلة لمقاومة التنصير، یا حضرة الدكتور محمد عبده يماني، ويا حضرات المشائخ الذين تعتقدون بهذه الخرافات وتتمسكون بها؟ الحقيقة أن أدلتكم وبراهينكم هذه هي لمقاومة التوحيد وليست لمقاومة التنصير. أرجو من حضرتكم أن تعيدوا النظر في هذه الخرافات التي ما أنزل الله بها من سلطان.

وطلبت یا حضرة الدكتور بأن يسرع جيش من الدعاة ليسبقوا القاديانيين إلى روسيا. كن مطمئناً لقد سبقوكم كما سبقوكم منذ مائة سنة في كثير من بلاد العالم، وسيبقون هم السابقون، لأنهم أصحاب الصحوة السماوية ، وليسوا تابعين لأي زعيم دنیوي أو لحكومة أرضية أو لملك يخدمونه مقابل أجر من أموال البترول أو غيرها.

ثم ما هي الأدلة والبراهين التي سيتسلح بها هؤلاء الدعاة لمقاومة الجماعة الإسلامية الأحمدية التي تسمونها بالقاديانية ظلماً. الدليل الأول والحجة البالغة ، طبعاً حسب ما تدعون، أن في العالم مذهباً اسمه المذهب القادياني. لقد جاء الروس هنا وسألوا في البلاد شرقاً وغرباً، فلم يجدوا شيئاً اسمه المذهب القادياني. لقد وجدوا جماعة اسمها الجماعة الإسلامية الأحمدية.

والحجة الثانية لمقاومة “المذهب القادياني” أن أتباع هذا المذهب لهم قرآن جديد. فجاء الإخوة الروس وسألوا عن القرآن الجديد. فوجدوه نفس القرآن الذي هو بين أيدي المسلمين الآخرين، لم يتغير منه أي حرف أو أية حركة.. قرآن غير ذي عوج من لدن حكيم عليم. فكانوا من المتعجبين.

أما الحجة الثالثة لمقاومة المذهب القادياني أن هؤلاء القاديانيين يصلون ويتجهون نحو قبلة أخرى غير قبلة المسلمين. فجاء المسلمون الروس، وصلوا معنا، فوجدونا نصلي باتجاه الكعبة المشرفة. فثبت لهم كذب هذه التهمة أيضاً.

والحجة الرابعة هي أن هؤلاء القاديانيين يحجون إلى قادیان وليس إلى مكة المكرمة. فسألوا القوم، فوجدوا الكثير من الأحمديين حجاج لبيت الله الحرام في مكة المكرمة. طبعاً هم من الأحمديين الذين لا تعرفهم السعودية، لأنها لو عرفتهم ستمنعهم من أداء هذه الفريضة.

أما الحجة الخامسة أن هؤلاء القاديانيين لا يعتقدون بأن سیدنا محمداً هو خاتم النبيين. فجاء الإخوة الروس وسألوا عن هذا الادعاء، فوجدوه على غير الحقيقة.

والحجة السادسة أن القاديانيين يعتقدون بنبي جدید ويؤمنون بأنه أفضل من جميع الأنبياء بما فيهم سیدنا محمد ، والعياذ بالله. وعندما سألوا عن هذه المسألة وجدوا أن هذا النبي الجديد ما هو إلا خادم من خدام سيدنا محمد .. جاء مجدداً للإسلام، وحاز على لقب المسيح الموعود والمهدی المنتظر ونبي الله حسب قول القرآن الكريم [وآخرين منهم] ، وحسب قول الرسول : وإمامكم منكم، وليس من بني إسرائيل، وحسب تسمية الرسول له «نبي الله» أربع مرات، وذلك في حديث مسلم، باب ذكر الدجال.

أليست هذه هي الاتهامات التي تتهمون بها الجماعة الإسلامية الأحمدية وهي منها بريئة، أيها المشائخ؟

ثم بعد ذلك ستقولون لهؤلاء المسلمين الروس بأن هؤلاء القاديانيين كفرة مرتدون، من أجل ذلك منعناهم في باكستان أن يقولوا كلمة «السلام عليكم»، والذي يقول هذه الكلمة منهم يوضع بالسجن بضعة أشهر. كذلك منعناهم من قول «لا إله إلا الله محمد رسول الله». ومنعناهم من إقامة الصلاة. ومنعاناهم من رفع الآذان. لقد هدمنا منازلهم ونهبناها، وهدمنا مساجدهم وحرقناها، وقتلنا منهم أعداداً كبيرة باسم الجهاد، لقولهم لا إله إلا الله محمد رسول الله. وكذلك حكومتنا الرشيدة بقيادة «خادم الحرمين» منعتهم من أداء فريضة الحج. أرأيتم أيها المسلمون الروس کم نحن متمسكون بديننا؟

کن مطمئناً یا حضرة الدكتور أنت ومن معك، أن المسلمين الروس قد جاءوا عندنا، ودخلوا في الأحمدية، ووقعوا على ورقة المبايعة التي تكذب شروطها كل مدع ضدنا. لم يجد الروس صدقاً في كل هذه الادعاءات والاتهامات إلا شيئاً واحداً هو إيذاء الأحمديين في باكستان ونهب بيوتهم وحرق مساجدهم، ووقوع الشهداء منهم في سبيل عقيدتهم، من أناس لا يخافون الله وهم بعيدون عن الإسلام بعد الأرض من السماء. هذه الأشياء فقط يصدقون بها لو قالوها للناس.

أما نصيحتي لكم يا حضرة الدكتور أن توجهوا التعليمات للدعاة الذين سوف يذهبون إلى روسيا أن لا يقولوا إلا الحق والصدق. فليقولوا مثلاً: هناك جماعة إسلامية أحمدية حسب ادعائهم، ولكننا نكفرهم لأننا نختلف معهم في القضية الفلانية وتفسير الآية الفلانية والآية الفلانية. بهذا الصدق وبهذا النبل تحل المشاكل بين المسلمين، وليس بالكذب والاتهامات الباطلة ، لأن كل من يأتي لطرفنا ويجد كل ما سمعه من دعايات واتهامات ضدنا على غير الحقيقة، وعندها تقع اللعنة على الكاذبين والمكذبين. ونحن لا نريد أن تقع اللعنة على أي مسلم مهما كان ضدنا على شرط أن يكون صادقاً ويكون عدواً شريفاً. فالاختلاف بين المسلمين رحمة إذا كانت النيات سليمة والغاية الإصلاح وليس الفساد.

والشي المهم جداً بالنسبة لعلماء الدين من الأمة العربية أنكم تأثرتم بالدعاية التي قام بها علماء باكستان والهند ضد هذه الجماعة. فهذه الجماعة مظلومة لكثرة الأكاذيب ضدها. وبما أنكم

أهل اللغة العربية لغة القرآن الكريم فأنتم مسؤولون أمام الله سبحانه وتعالى وأمام التاريخ. فإذا لم تنصفوا هذه الجماعة المظلومة بين ظهرانيكم سوف يحاسبكم الله حساباً عسيراً، ولن يرحمكم التاريخ والأجيال من بعدكم. المطلوب منكم أن تفتحوا بصائركم، وتتزودوا بالتقوى ، فإن خير الزاد التقوى. كما قلت إن هذه الجماعة إذا أحب منها شخص شخصاً آخر وقال له : “السلام عليكم ورحمة الله وبرکاته»، يوضع في السجن عدة أشهر لهذه المخالفة للقانون الباکستاني، بحجة أن هذه التحية للمسلمين وليست للقاديانيين. وإذا قال أحدهم : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، يوضع بالسجن لعدة أشهر بحجة أن هذه الشهادة للمسلمين وليس للقاديانيين. ممنوع للأحمديين أن يسموا مساجدهم مساجد، يجب عليهم أن يسموها بغير هذه الأسماء . ممنوع على الأحمديين أن يرفعوا الأذان. ممنوع على الأحمديين أن يضعوا على مساجدهم كلمة الشهادة: «لا إله إلا الله محمد رسول الله». الكثير من الأحمديين في سجون باکستان ، حسب القانون الباكستاني الظالم. الكثير منهم قتلوا وعذبوا من أجل هذه المخالفات.

یا علماء العرب أيجوز أن تعامل طائفة من الطوائف بهذه المعاملة. إن المسيحيين واليهود يحيوننا بهذه التحية الإسلامية ويقولون لنا: «السلام عليكم»، فهل يجوز لنا أن نقول لهم : لا تحيونا لأنكم غير مسلمين. فكيف يمنع من ذلك من يقول أنا مسلم وهو مقيم للصلاة ومؤد للزكاة وللحج وللصيام ولكل ما فرضه الإسلام. كيف يمكن أن نقول لهذا الشخص أنت غير مسلم، ولا يجوز لك أن تقول السلام عليكم وسوف نضعك بالسجن لو قلتها؟ أهذا عدل الإسلام؟ أبهذه الأخلاق انتصر الإسلام؟ أهذه هي الأخوة الإسلامية؟

إن عليكم مسؤلية كبرى. إنها مسؤلية العصر الحاضر الحساس بالنسبة للأمم الإسلامية.

المفلس

قال رسول الله :

” الْمُفْلِسُ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاة وَصِيَام وَزَكَاة , وَيَأْتِي وَقَدْ شَتَمَ هَذَا وَسَفَكَ دَم هَذَا وَأَكَلَ مَال هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ وَطُرِحَ فِي النَّارِ ”

فلا يظلم أحدُكم أحداً فيكون مفلساً.

Share via
تابعونا على الفايس بوك