إملأوا الصلاة بالكيفيّات
التاريخ: 1990-12-07

إملأوا الصلاة بالكيفيّات

حضرة مرزا طاهر أحمد (رحمه الله)

حضرة مرزا طاهر أحمد (رحمه الله)

الخليفة الرابع للمسيح الموعود (عليه السلام)

سلسلة كيف نتمتّع بالصلاة

إملأوا الصلاة بالكيفيّات

خطبة جمعة ألقاها مولانا إمام  الجماعة الإسلامية الأحمدية،

حضرة مرزا طاهر أحمد أيدَّه الله تعالى

يوم 7، 12، 1990، بمسجد ((فضل))، بلندن

 

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهمْ وَلا الضَّالِّينَ * .

هناك كتبٌ لتعليم الرسم للأطفال، فيها خطوطٌ خارجية لبعض الرسومات، ويُطلب من الأطفال تلوينها بحسب ميولهم وقُدراتهم الفطريّة وأذواقهم. ومع كثرة هذه الكتب فتأتي تلوينات الأطفال للشكل الواحد مختلفةً عن بعضها، ومع أنَّ أقلام التلوين في يد الأطفال متشابهة، فإنَّ كل طفل يلون الرسومات بحسب ذوقه وطبيعته ومقدرته، وتخرج ألوان رسوماته مختلفة عن رسومات غيره. هكذا هو الحال أيضاً مع سورة الفاتحة التي كانت موضوع خطبتي في الجمعتين الماضيتين. فمع كل نصٍّ نتلوه في صلاتنا.. ينبغي أن نضع الألوان بأنفسنا عندما نقرأ في صلاتنا. وفيما يتعلق بسورة الفاتحة فإنَّ حالها يتغيّر بحيث كلما تغيّرت زاويتك رأيت لوناً مختلفتاً. ومن كل زاوية تنبثق احتمالات لاحصر لها؛ ويستطيع المرء في ضوئها أن يصل إلى كثير من المعاني بمساعدة من سورة الفاتحة. ثم يمزج هذه المعاني في شعوره يُكوِّن حالَه الباطن أو كيفيَته الباطنة بحسب تعبير سيدنا المهدي والمسيح الموعود. ونتيجةً لذلك لا تبقى سورة الفاتحة شيئاً غريباً أو مخالفاً.. بل تعبيراً صادقاً عن حالته القلبيّة. ولقد بيَّن سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود أنَّ هذا الموضوع مرتبطٌ بالصلاة على هذا النحو: ((إنَّ ما تردّده في صلواتك هو نفس الكلمات التي يردِّدها كل مصلٍّ غيرك، ولكن كيفية الناس (أي حالهم الباطني) مختلفة. ولن تفيدك الصلاة ما لم تملأها بكيفيّتك)).

وليست هناك كلماتٌ أخرى غير التي استعملها سيدنا المهدي والمسيح الموعود لتُعبِّر عن الوضع أو لترسم صورةً أفضل للمشهد. فباستعمال كلمة واحدة كلمة ((الكيفية)) جمع كل المعاني المعبِّرة عن الحال الباطن للإنسان. والكيفية هي الاسم الدال على الإدراك النهائي الذي يتطور من خلال أمور متنوعة. وجوهر كل ذلك هو ((الكيفية)) أو حقيقة الحال الباطني. ولو بحثنا هذا بأسلوب العلم لوجدنا أننا نشهد مشاهد مختلفة، ونشمُّ روائح متنوعة، ونستمتع بملابس متعدّدة، وتنقل إلينا الحواس الخمس كثيراً من الأحاسيس الممتعة.. ولكنها في حقيقتها نبضاتٌ كهربائية تصل إلى المخ عن طريق الأعصاب. فلا الألوان ولا الروائح ولا الملابس تصل إلى هناك، ولا الحلاوة ولا الملوحة ولا أي شيء من ذلك.. فكلها نبضاتٌ كهربائية. واسم هذا الحال هو ((كيفية))؛ ما يشعر به الإنسان.

وبذلك يكون سيدنا المهدي والمسيح الموعود عليه السلام قد علَّمنا هذه الصيغة لتوليد المتعة والمنفعة. فالصلوات التي تحوي بعض هذه الكيفيّات الباطنة هي الصلوات النافعة. والصلوات المحرومة من هذه الكيفية لا جدوى منها، وما هي إلا أوعية فارغة. وها أناذا أحاول توضيح بعض هذه الأمور لكم، وأدلّكم على ما يُعينكم على توليد هذه الكيفيّات في صلاتكم. هذه الكيفية لا تتولّد من تلقاء نفسها.. بل لابدّ من معونةٍ نتلقَّاها من الحواس الخمس. والرسائل التي تبعث بها الحواس الخمس تؤثر في مناطق متعدّدة من المخ، وتولّد ((كيفيّة)) أو حالاً باطناً. فزيادة المرء لمعارفه، ودراسته الكونَ بنظرةٍ عميقةٍ متأملة، واكتسابه المعرفةَ لله تعالى، والوصول إلى حمد الله من خلال الحواس الخمس التي وهبها الله للإنسان.. هو الموضوع الذي يتصل بكل لحظة من الحياة، وهو الموضوع الذي لا ينفكُّ يتشكل في المحيط حولنا.. ذلك أننا لو تأملنا وتفكّرنا بعمقٍ وذكاء كيف نعيش، وينبغي أن نتعلَّم ربط تأثيرات محيطنا مع حمد الله تعالى. ثم بعدها.. لو تدخل هذه التأثيرات في الصلاة.. فإنَّها ستكون مُفعمة بهذه ((الكيفيّات)). وإذا لم يكن لديك شيءٌ منها وأنت خارج الصلاة.. فلن يتولّد شيءٌ منها داخل الصلاة كذلك. فهؤلاء الذين يتعجبون من أنَّهم يدخلون الصلاة ليستمتعوا بالعبادة ثم لا يجدون المتعة؛ وعندما يعودون إلى العالَم الدنيوي يستغرقون في ملذات الدنيا مرةً أخرى.. هم على حقٍّ تماماً، لأنَّ مُتعهم الخارجية ليست موصولةً بالله، وباطن صلاتهم فارغٌ خاوٍ ولحزنهم على تلك الخرائب الفارغة اندفعوا إلى المتع التي لا ترتبط بالوجود الإلهي.. مع أنّها منه. لديهم القدرة على الاستمتاع بالعالم المادي، وليست لديهم القدرة على الاستمتاع بالعالَم الروحاني.

لا بدَّ إذن من استثارة فكرك؛ لأنه بدون التفكير لا تتولّد المشاعر في القلب. بعض الناس يظنون أنَّ المشاعر القلبية شيءٌ والعقل شيءٌ آخر؛ وهو ظنٌّ مُضِلٌّ. فالواقع أنهما ليسا كيانين منفصلين. لقد ذكر القرآن الكريم (الفؤاد) على أنّه المركز الأساسي لفكر الإنسان؛ ووصف القلوب بالعَمى أو الإبصار.. مما يُبيّن أنَّ الحقيقة الأساسية هي أنَّ العقل له تأثيرٌ على القلب. ولما كانا في هيئتهما النهائية يصيران إلى الحالات الباطنة، ومركز هذه الحالات هو القلب.. لذلك بدلاً من الحديث عن العقل تحدَّث القرآن الكريم عن القلب.

فإذا أيقظتم قُدراتِكم التأمُّليّة.. جرت في قلوبكم موجات المعرفة العميقة بالله؛ وهذه بدورها تخلق فيكم ((الكيفيّات)) التي تولّد فيكم متعة الصلاة، وتستمرُّ المحبة والمودّة مع الله في ازدياد.

ذكرتُ هنا الحواس الخمس، وأشرتُ من قبل إلى فيلم أو اثنين للعالم البيولوجي ((دافيد أتنبورو –David Attenborough) وقد أخبرني أحد الإخوة أنَّ أفلام هذا الرجل قد صدرت أيضاً في كتب. وعلى أي حال، ليس من المتيسِّر لكل إنسان أن يحصل على هذه الأفلام أو الكتب، ولكن لا بدَّ له من الصلاة. قد يستطيع البعض الحصول عليها، وبفضل الله تعالى تزداد معرفتهم؛ وإذا كانوا من أهل الذكاء فإنَّ ذكرهم وحمدهم لله أيضاً يكون في تقدُّم وازدياد. أما إن عُدموا القدرة على الملاحظة بقيت معارفهم في واد ومفهوم الألوهية في وادٍ آخر منفصل عنها لا يربطون بينها.

فالعالم كله لا يستطيع التوصُّل إلى هذه المعارف. ودافيد أيتنبوره لم يكون موجوداً في زمن الأنبياء العِظام الذين كانوا أشدَّ ذكراً لله ولا في الزمن الذي جاء فيه محمد المصطفى الذي لم يولد ولن يولد مثله في ذكر الله، ولم تكن المعارف العلمية التي أخرجت أمثال دافيد موجودة في ذلك الوقت، ولم تكن هناك تلك المخترعات التي أخذت بأيدينا إلى صنع الله تعالى والتي نرى فيها التجلّيات الرائعة المدهشة للخلق. ولكن الصلاة لكل الأوقات. وذكر الله تعالى لا يتوقف على المعارف المادية، ولكنه بالقطع يتوقف على التركيز الباطني، وعن طريقه يجد المرء ربه في كل موجود، وتكتسب نظرته عمقاً بحيث أنّه أينما ينظر فثمَّ تجلّيات الله تعالى. وكلما ازدادت نظرة المرء جِدّةً، وكلما ازدادت محبةً.. زادت تجليات الله فتنةً وسحراً. كل إنسان بالنظر في حياته اليومية المعتادة، وبحسب مقدرته، يستطيع أن يضيف الألوان إلى صلاته، وإلى سورة الفاتحة على وجه الخصوص.

لقد ذكرت الحواس الخمس، وهي أيضاً بحاجة إلى تدبُّر. في سورة الفاتحة، بعد صفة [ربّ العالمين] جاءت صفة [الرحمن]. وإذا تفكّرنا في صفة ((الرحمانية)) نجد بين معانٍ ومدلولاتٍ كثيرة، أنَّ الله تعالى أعطى كل شيء ما هو أكثر بكثير من احتياجاته. فمثلاً من حاجات الإنسان إشباع جوعه إلى الطعام، ولا بد أن يكون غذاؤه كاملاً.. بمعنى أن يفي بكل العناصر والمكونات الغذائية اللازمة لحفظ الحياة والنمو وأن تكون متوازنة متناسبة. هذه حاجة أساسية لحياة الإنسان. وفي بعض الحالات، كما يحدث في المستشفيات، يمكن الوفاء بها في “قطرات” من المحاليل الغذائية، ويمكن تزويد الإنسان بها على شكل أقراص لا طعم لها ولا مذاق.. وإن كانت تؤدي المطلوب وتفي الحاجة. ولو كان الله تبارك وتعالى قد خلق الكون ليفي ببعض حاجاته.. لخَلَقَه بطريقةٍ تكفل الوفاء بكل حاجة على قدرها، ويكون بذلك قد ((قام بمسئولية)) نحو الخلق؛ ولكن تجد تجلّيات ((الرحمانية)) في كل مكان. بوسعك التفكُّر في حواسك الخمس. إذا كان للمرء أربع حواس لاستطاع أيضاً أن يتوصل إلى المعرفة بالله تعالى؛ حتى وإن كانت ثلاث حواس فقط فبإمكانه الوصول إلى الله. ولن تجد شكلاً من أشكال الحياة أبداً محروماً من الحواس، سواء أكانت خمساً أو أربعاً أو حتى واحدة، لأن الحرمان منها كليّةً يعني الموت لا غير. ليس الإنسان وحده، وإنّما كل أشكال الحياة الدنيا تصل إلى الله تعالى من خلال الحواس. وفيما يتصل بالإنسان، لقد زوَّده الله تعالى، ليس بالحاجات الأساسية وحدها، وإنّما زوَّده بأكثر منها بكثير. فمثلاً الأنف، أداة الشم واختبار الروائح الطيبة والرديئة، جعلها الله تعالى ليحمي بها الإنسان نفسه من المواد السامة والمتعفِّنة. لماذا جعل الله متعة في بعض هذه الروائح؟ هذا هو السؤال. كان يمكن الوفاء بحاجة الشم دون ضرورة للمتعة. بعض الحيوانات قادرة عن طريق الشمّ على التعرُّف على حاجاتها وتجنُّب ما يضرّها، وهذا ما أُسمِّيه ((الحاجة الأساسية))؛ ولكن الله جعل متعة الشمّ في كل حيوان، التي ترتقي حتى تصل إلى كمالها في الإنسان.

والحاجة الأساسية في البصر أن يكون المرء قادراً على رؤية طريقه، ورؤية الأشياء وتقدير بعدها وأبعادها بقدر الإمكان، والتعرُّف على ما هو نافع له، وما هو ضارٌّ له، ومعرفة ما هناك من عقبات ومتى يخلو الطريق منها. وموجز القول إنَّ هناك مواقف تمرُّ بالإنسان في كل يوم من حياته يحدِّدها النظر، ولكن الله تعالى وضع المسرَّة أيضاً في النظر, ووهب الإنسان المقدرة على الاستمتاع بحيث يقضي حياته كلها باحثاً عن مظاهر الجمال. يتحدَّث الشعراء عن ملذّات النظر في أشعارهم، ويقضون أيامهم في وصفها والتغزُّل فيها.

وكل إنسان يعرف لذّة الأكل، ويسأم من تناول الطعام الذي يفي بحاجاته الأساسية إذا لم يُرضِ ذوقه. وتنشب المشاجرات داخل البيوت، وقد تصل إلى حدِّ الطلاق، لأنَّ الزوجات لا يُحسنَّ طهو الطعام. ويتسبّب التعنيف اليومي في خلق مشاعر الكراهية، ولا ينفكُّ الأزواج عن لومِ الزوجات بتهمة فساد الذوق وسوء النظام.. مع أنَّ الحاجة الأساسية متوفرة في الطعام على أي حال!

بهذه الطريقة لو أنّك فكّرت في حواسك، لأدركت أنَّ الحاجات الأساسية محدودة جداً، ولكنك أُعطيتَ منها كثيراً. واسم هذا العطاء الزائد في حاجتك الأساسية هو (رحمانية) الله تعالى. فعندما تقول الْحَمْد ُلِلَّه ِرَبِّ الْعَالَمِينَ ، ثم تستعرض مشاهد ربوبيته في ذِهنك، في هيئة ما يُحيط بك، في شخصك، في أطفالك، في والديك، في أصدقائك، في معلميك.. فلسوف ترى مشاهد التدبير الإلهي والربوبية في كل اتجاه.

وفي صلاة ذلك اليوم، بوسعك أن تتفكَّر وتتفكَّر بعقلك.. كيف أنَّ الأشياء التي أثّرت على قلبك بدرجةٍ ملحوظة هي من تدبير الله تعالى. ومع تغيًّر التجربة بين يومٍ وآخر، يمكن أن تنشأ في ذهنك صورٌ متنوعة للتدبير الإلهي. وعندما تدخل إلى صفة ((الرحمانية)) فإنَّ كل ما نقلته إليك حواسُّك الخمس من سعادةٍ ومتعة سوف يتحوَّل إلى((حمد الله)). وعندئذٍ يمكنك، حين تُصلّي التفكُّر في

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ*الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ* :

حقاً ما أعظم وما أروع خالقي الذي يحكم الكون بأكمله، ويحفظ الدنيا بصفة الربوبية، ولا يتجاهل حاجات أحد، وإنّما يوفي بحاجات الجميع، ولا يكتفي بالحاجات الأساسية فقط، وإنّما يُضفي عليها المسرَّة والمتعة أيضاً. ومع أنَّ موضوع ((الرحمانيّة)) لا ينتهي هنا، وليس من الصواب القول بأنّها البداية.. لأنَّ وصف الرحمانيّة هكذا موضوعٌ عادي جداً، ومع ذلك فهو وسيلة للتفكُّر. وأودُّ أن أُبيّن لكم ضرورة الشروع في التفكُّر بهذه الطريقة في سورة الفاتحة.

بعد ذلك التفكُّر في [الرحمان].. ينبغي أن نأتي إلى صفة [الرحيم]، لنجد من بين أمور كثيرة، أنَّ صفة الرحيمية لها مدلول العطاء مراراً وتكراراً. ومعنى ذلك أنَّ جهد المرء لا يضيع، وإنّما يعود إليه مضاعفاً أضعافاً كثيرة. وبوسعك إذن أن ترى صفة [الرحيم] تنتشر في أرجاء الكون. وإنّك عندما تنظر إلى صفةٍ من صفات الله تبارك وتعالى.. يبدو لك كما لو أنَّ الصفات الأخرى قد توارت، وأنَّ هذه الصفة الوحيدة له سبحانه. ولكنك عندما تنتقل من صفة [الربّ] إلى صفة [الرحمن]، ثم تشهد (الربّ الرحمان)، ثم تنتقل إلى (الربّ الرحيم)، فتندهش عندما ترى أنّه ما من شيء إلا وتعمل فيه صفة الرحيمية. ففي كل خلية من جسم الإنسان يستطيع أن يقرأ دروس الرحيمية الإلهية ومنح الرحمة. انظُرْ حولك تَرَ الفلاح مثلاً لا يحتاج إلى تعليم ليُدرك أنّه ينتفع من تعاقب الفصول المستمر، وأنّه لو فاته فصل فستكون له نفس الفرصة في فصلٍ قادم. وإذا أفلتت منه هذا العامَ فإنّه في العام القادم يستطيع أن يُعوِّض ما فاته. لم يكن هناك نقص أبداً في تعاقب الفصول. ولكن النقص يكون في الانتفاع الكامل بها وانتهاز وقتها. بتعامل بعض الناس مع صفة (الرحيم) كالتلميذ الذي يقول وقت الامتحان: ما فات قد فات، ولسوف أعدُّ نفسي للامتحان القادم حتى لا يفوتني شيء. وعندما يقترب موعد الامتحان التالي يبقى متقاعساً عن الاستعداد له. فالانتفاع برحمة الله تعالى من واجبنا. ولكن صفة الرحيمية تأني دائماً بكل مظاهرها مرةً بعد أخرى بلا انقطاع.

وموضوع صفة [الرحيم] من الاتساع بحيث لا تكفي للوفاء به خطبةٌ واحدة ولا عشرات الخطب. ولكني وضعتُ أمامكم هذا المثال كي تتفكَّروا فيه، وتتقدَّم معارفكم. لستم بحاجة إلى معارف من خارجكم، فإنَّ حواسكم الخمسة قادرة على الأخذ بيدكم إلى الله تعالى.. بشرطٍ واحد: أن تُولِّدوا فيكم الرغبة فستعرفون بأنّكم لم تصلوا إليه.. وإنّما هو جلَّ جلاله، الذي أتى إليكم. وبوسعكم من خلال حواسكم الخمس الوصول إلى كل شيء، ولكن بدون معونة الله لن تجدوا شيئاً. وهذا معناه أنَّ الحواس الخمس بنفسها لا تملك القدرة على الأخذ بيدكم إلى الله تعالى، وإنّما تُهيئ لكم الفرص لذلك. وهناك فرقٌ كبير بين الأمرين، فقد ذكرتُ لكم من قبل أنَّ علماء مرموقين في العالَم، خبراء في العلم، تصل نظرتهم إلى أدقِّ دقائق خلق الله، وحينما وصلت حواسهم تلقُّوا رسالة أنهم أُوتوا قليلاً من العلم، ولا يزال أمامهم الكثير ليتعلَّموا. فهم ليسوا أهل نظر وحسب بل هم ذوو نظرٍ عميق.. ومع ذلك فشِلوا في الوصول إلى الله. القرآن المجيد يقول:

لَّاتُدْرِكُه ُالْأَبْصَارُ وَهُوَيُدْرِكُ الْأَبْصَارَ .

فالذكاء وحده لا يُوصل إلى الله، ولكنه، جلَّ وعلا، هو الذي يصل إلى الذكاء. ألا ما أعظم الحكمة في هذه الآية!

إنها حقيقةٌ بلا مِراء.. أنَّ عظمة الله وروعته وسمُّوه تهزم حواس الإنسان الخمس، فإنّك لا تستطيع الوصول إلى أعماق هذه المعاني اعتماداً على الحواس وحدها. تتوقف الحواس عند السطح.. ثم يأتي وقت [إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ]، تُخبرنا [إِيَّاكَ نَعْبُدُ] أنَّ ما تراه في الظاهر جذاباً جميلاً وراءه وجودٌ آخر؛ هذا الوجود الخفي هو المستحقُّ للعبادة، وهو الذي ينبغي أن نعبده، وينبغي أن نربط حمدنا به.. وعندئذٍ يتجلّى لنا.

الحقيقة أنَّ المرء لا يكتسب القدرة على حمد الله تعالى إلا بمعونته. فبقول [إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ] يكتمل هذا الموضوع. وإذن بحواسك الخمس عليك أن تحاول مع المواظبة على الدعاء.. أن يا ربنا، تنزَّلْ على حواسنا وتَجلَّ لها. إنّك إن لم تتجلَّ صفاتك لنا فسنبقى محرومين من النظر إليها بالرغم من أبصارنا، وسنبقى محرومين من سماعها بالرغم من أسماعنا، وسنبقى محرومين من تذوّقها بالرغم من ذوقنا، وسنبقى محرومين من الوصول إليك بالرغم من كل حواسنا. إذا قام المؤمن على هذا الحال من التواضع.. تولدت قوة في دعائه [إِيَّاكَ نَعْبُدُ]. هناك قوة في التواضع، وهناك ضعف في الكِبر. كلما أراد الإنسان أن يُقيم علاقة مع الله تعالى.. وجب عليه أن يتذكَّر بأنَّ القوة في التواضع.. أي إدراكه لضعفه. وتفكير المرء في عظمته هو المرض الذي يقطع صلته بالله.

ولستَ بحاجة إلى القيام برحلاتٍ بعيدة لكي ترى عجز الحواس الخمس، مع ما لها من قوة. انظر إلى الأُمم العُظمى التي ساعدها تفكُّرها في الكون وانتفاعها من ذلك إلى التوصُّل إلى المخترعات الهائلة التي سيطرت بها على العالم، فالأكثرية العظمى منها تجهل تماماً مفهوم الألوهية، وليست لها صلة بالله تعالى، وليس لديهم سوى ظل باهت لمفهوم الإله يلمسُ أذهانهم، لا يكفي لإقامة علاقةٍ لهم مع الله. والغالبية منهم يتجرّأون على القول بألا إله هناك. وثمّة علماء كبار قاموا بأبحاث عظيمة، ووجدوا أسراراً دقيقة من أسرار الطبيعة.. ولكنهم فقدوا كل شيء عندما أعلنوا أنهم نظروا في كل اتجاه فلم يعثروا على الله في أي مكان!

عندما أتحدَّث عن الحواس الخمس أراها كالنوافذ والأبواب التي يمكن أن يصل إليها الضوء. وآية اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ تعني فيما تعني أنه يجب ان تفتح عينيك وسيدخل النور بنفسه. إذا بحثتَ عن النور ورغبت فيه وتوجَّهت إليه، وفتحت عينك عندئذٍ تصل تجلّيات الله إليك. وإذا أغلقت عينك مع وجودها فلن يصل النور إلى داخلك رغم قدرتك على الإبصار. الحواس الخمس موهوبةٌ لكل إنسان، ولو تدبَّر في الموضوع لرأى ألواناً جديدة في سورة الفاتحة. وبعد التدبُّر والتفكُّر يولِّد حمد الله في الإنسان حالاتٍ باطنة (أو كيفيّات)؛ وهي التي تُسمَّى صلاة، وهي وحدها تُسمَّى عبادة. وبعد هذه العبادة تقول [إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ].. وعندئذٍ بلا تردُّد وبكل تأكيد.. بوسعك الجزم بأنَّ العون الإلهي آتٍ لا محالة. لا بدَّ أن تُغلق كل الأبواب الأخرى، بمعنى أنَّ العقيدة النهائية مجرّدة عن كل شرك، وأنَّ هناك موجوداً واحداً ليس معه أحد.

وبالتفكُّر في الموضوع.. إذا رجعتَ إلى الصفات الإلهية الأربع المذكورة في سورة الفاتحة، تساءلت عن ما إذا كانت هذه الصفات الأساسية الأربع كافية لتقديم الوجود الإلهي إلينا، مع وجود صفات إلهية أخرى كثيرة غير متضمِّنة فيها. نقول[إِيَّاكَ نَعْبُدُ] أي نعبدك وحدك، [وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ]أي نخصُّك وحدك بالسؤال.. فإذا كانت للمرء حاجاتٌ أخرى لكان هذا العهد رسالة موتٍ له. إذا أقمت علاقة مع صاحب قدراتٍ محدودة، وقوىً محدودة، والسُبل إليه محدودة، ليس يُحي أبداً.. ثم عاهدته بألا تسأل غيره، وكانت حاجتك خارج نطاق قدرته.. فإنَّك عندئذٍ سوف تُعاني من الحاجة والعون! يُحكى أنَّ وزيراً أسدى إلى رجل معروفاً، فشكره وكتب له عهداً جاء فيه: ((إنّي يا سيدي الوزير، أُشهد الله أنّي لن أطرق باباً سوى بابك، ولن أسأل أحداً غيرك)). ولكن بعد فترة ذهب الوزير ولم يبقَ الحال على ما كان عليه.. وبذلك باتت الاتفاقية باطلة تلقائياً! لذلك عندما نقول [إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ] فجديرٌ بنا التفكُّر فيما إذا كان قولنا هذا حكيماً أم لا.. حتى لا نرتبط بعهدٍ يترتب عليه عدم الوفاء ببعض حاجاتنا، لكونها بعيدة عن متناول الوجود الإلهي (والعياذُ بالله)، وعلى الخصوص لأننا لا نجد في الفاتحة سوى صفاتٍ أربع: هي ربٌّ، ورحمان، ورحيم، ومالك؛ فهل هذه كافية لحاجات الإنسان؟

لم تَرِدْ هنا مثلاً صفة العلم، ولم يذكر أنّه عالمُ الغيب. وإذا تفكَّر المرء في هذه النقطة برز في الذهن الموضوع الذي أشرتُ إليه آنفاً؛ أعني أنَّ هذه الصفات الأربع هي في الحقيقة أمُّ الصفات جميعاً، وما من صفةٍ تخرج عن نطاقها. أحياناً تتولَّد عدّة صفات عن صفة واحدة. وأحياناً تتألف بعض الصفات ليتولّد منها صفة أو صفاتٍ أخرى. وبتغيُّر الصلات فيما بينها تنشأ معانٍ جديدة. وقد تنقصنا البصيرة التي ندرك بها وجودَ صفاتٍ أخرى في صفةٍ معينة، ولكنها هناك. وتوجّهنا دراسة القرآن الكريم إلى تلك الصفات، وتخبرنا أنْ انظروا.. لابدَّ وأنّكم رأيتم هذا النور من خلال هذه النافذة. والقرآن يساعدنا، وبعد دراسته تصبح هذه الحقيقة ثابتة في القلب إلى الأبد كحقيقةٍ أكيدة، بأنَّ تسمية سورة الفاتحة ((أمّ الكتاب)) ليست نتيجة ارتباطٍ عاطفي، ولكنها ثمرةُ علمٍ صلبٍ عميق.. وهذا هو الواقع.

خذِ العلم على سبيل المثال، نعلم أنَّ الله تعالى عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ، أي عالم الخفيّ والظاهر، عالم الماضي والحاضر والمستقبل.. ولكن سورة الفاتحة لا تذكر ذلك. ثم يندهش المرء عندما يقرأ في القرآن:

الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ* .

فلا بد من أنَّ هناك علاقةً بين صفة الرحمان وبين العلم.. وإلا لماذا ذكر أنَّ الرحمان هو الذي علَّم القرآن؟ لماذا لم يقل (عَلَّام الغُيوب) أو (العليم) هو الذي علَّم القرآن؟.. فمن يعلم المعارف يُقال له العالِم أو العليم أو العلَّام، ولا يُسمَّى الرحمان! أو ما هو التشابه بين هاتين الصفتين بحيث أنَّ القرآن الذي يُحيط بكل المعارف، ويعلو أسمى المراتب، ويتضمن أعمق المعاني.. استعمل صفة الرحمان بدلاً من صفة العليم؟

إذا تفكَّرت في الموضوع، وبدأت رحلتك في صفة الرحمان.. لأدهشكَ أنَّه مع كون العناية الربّانية حقاً سائدة على نحوٍ واسع، ويُرى فعلها في قانون الطبيعة والخلق، ولكن إذا كان هناك عدم فلا يمكن أن يبدأ شيء بدون صفة الرحمان؛ لأنَّ معنى الرحمان: الذي يُعطي بلا سؤال؛ أي أنه قبل خلق السائل، حينما لم يكن هناك من يسأل.. كان الإعداد قد تم للعطاء والمنح. والحق إذن أنَّ الخلق يتصل بالرحمان. فالرحمان الذي خلق الإنسان هو الرحمان نفسه الذي أوحى القرآن. ولكي نفهم الصلة بين صفة الخلق وصفة الرحمان.. ساق الله تعالى لنا مثالاً رائعاً في الإنسان. لما كان الإنسان هو المرحلة النهائية في الخلق، الذي تتجلّى فيه صفة الرحمانية الإلهية بأعظم تجلِّياتها، ولما كان الإنسان قد وُهِبَ تلك الأشياء التي حصل على معظمها من غير مسألة، التي بلغت دور كمالها ولا يُنافسه في ذلك أي مخلوق آخر، بل الأحرى القول بأنَّ الإنسان هو جوهر الكون كله.. فإعلان أنَّ خلق الإنسان بيد الرحمان لا يعني فقط أنَّ بدء خلق الإنسان كان نتيجةً لصفة الرحمان، بل ليُدرك الإنسان بعد التفكُّر في الخلق أنَّ الرحمان هو الخالق.. لأنه سيواجه مرةً ثانية تلك المسألة التي ذكرتها آنفاً من أنَّ الله تعالى منح الإنسان أكثر من حاجاته الأساسية، وأعني بها الحد الأدنى الكافي لاستمرار الوجود وإرواء الغلّة. بعد الوفاء بحاجاته الأساسية يكون كل شيء فوق ذلك من صفة الرحمان، لأنَّ صفة الرحمانية تعطي شيئاً أكثر بعد الوفاء بالمطالب الأساسية، وإلا فلن تكون رحماناً في حياتك اليومية. إذا أدَّى لك عاملٌ عملا فإنّك عادة ترغب في التخلُّص منه بإعطائه الحدّ الأدنى من الأجر. ولطالما رأينا معظم الناس يستخدمون غيرهم ويدفعون لهم قائلين: إنَّ ما أخذتم فيه الكفاية للعيش.. من الطعام والملبس، مع أنّهم لا يُوفون لهم حاجاتهم الأساسية كاملة، بل يُوفون ببعضها ويحسبون أنّهم قد قاموا بالتزاماتهم. لا يمكن أن يُسمَّى مثل هذا رحماناً. ولن تجد ذرّةً في الكون، مهما كان نوع الحياة التي تنتمي إليها، خاليةً من مظاهر رحمانية الله.

يقول سيدنا المهدي والمسيح الموعود عليه السلام ما معناه: إنَّ الإنسان عاجزٌ عن صنع قدم حشرةٍ ضئيلة، فكيف يتأتّى له أن يصنع القرآن الذي هو نور من الله تعالى؟ وعجز الإنسان عن صنع قدم حشرة يبدو عجيباً في عصرنا الحاضر.. الذي اخترع فيه الإنسان الطائرات الضخمة والتلفزيون وما إلى ذلك من أدقِّ الأشياء.. فهل أصبح قول المهدي والمسيح باطلاً؟ كلا، إذا نظر الإنسان بتأمُّلٍ عميق لأصابته الدهشة حقاً، لأنَّ الإنسان الذي يدَّعي اليوم بصنع أضخم وأعقد الأشياء لا يستطيع حتى اليوم أن يصنع قدم حشرة.. لأنَّ في قدم الحشرة أكثر مظاهر الخلق روعةً. فنظام انتقال الطاقة إليه، وقدرته على حمل أثقال تفوق وزنه عشرات المرات، وما زُوِّدَ به من أعصاب غايةً في الدقّة، وقدرتها على السير فوق الأسطح الرأسية والسطوح الأفقية، وبعضها قادرة على الجري فوق سطح الماء.. لو تأملت كل ذلك لاندهشتَ من عجائب قدم الحشرة. ولا شكَّ أنَّ هذا العلم والذكاء سوف نُعلنها مرةً بعد مرة، بل ألف مرة: الإنسان عاجز عن أن يخلق قدم حشرةٍ ضئيلة.

فبوسعك أن ترى في صنع الله تعالى صفة الرحمان تتجلَّى في كل مكان. والمعرفة أساسية لصياغة صفة الرحمن في الخلق، لأنَّ في الخلق علماً وتكنولوجيا، والاثنان معاً يُشكِّلان الخلق، وبدون معرفة وعلم لا يكون خلق. وعندما تصل المعرفة إلى حدِّ الكمال يكون الخلق جميلاً. ولا يمكن للخلق أن يأخذ صورته العمليّة بدون تكنولوجيا. وبدون علم لا يكون الرحمان قادراً على إسباغ رحمانيّته على خلقه. والأعظم علماً هو من خلق الشيء بيده.. قد يفهمه الآخرون أو يحاولون فهمه، ويتفكّرون في المثال الذي صنعه غيرهم، ويحاولون الوصول إلى أسراره، ولكن الذي صنعه بيده هو الأكثر علماً به. ولذا فالعلم جزءٌ من الرحمانيّة، والخلق جزءٌ آخر.

فعندما نقول: [إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ]، لا شكَّ أننا بذلك لا نعقد صفقة خوف أو خسران، بل بوسعنا القول بكل ثقةٍ ويقين أنَّ الذي أعطيناه عهدنا بالعبادة له وحده.. هو المستحق الأوحد بالعبادة، ونعزم على ذلك بإيمانٍ تام وعلمٍ عميق. يأتي بعد ذلك.. وبطريقةٍ طبيعية تلقائية: إننا نطلب منك الوفاء بكل احتياجاتنا، لأنّك القادر على الوفاء بها جميعاً.

وبالإضافة إلى ذلك.. هناك الكثير والكثير من المعاني، ولكن تأخر الوقت بنا. فإذا أتاح الله تعالى فرصةً أخرى نتناول الموضوع نفسه في الخطبة القادمة، إن شاء الله تعالى. أما إذا طرأ موضوعٌ عاجل فسوف أعود بعده إلى موضوعنا هذا بإذن الله تعالى، حتى أوضِّح لأولئك الذين يسألونني دائماً ويقولون: لقد قلت أشياء، ولكننا لا نزال عطاشى، فحدِّثنا بالمزيد.. كيف نُعيد الحياة إلى صلاتنا؟ ولو شاء الله تعالى ذلك.. فإنّي أودُّ الوفاء بمسئوليتي هذه. لقد تمكّنت من كشف بعض الأسرار عن إحياء الصلاة. وإذا عادت الحياة إلى صلاتنا فلسوف نحيا، ولسوف يحيا العالَم أجمع.. لأنّه بدون العبادة الحيّة لا يمكن للإنسان أن يبقى حيّاً. وبالرغم من بصره سيبقى أعمى، وبالرغم من سمعه سيبقى أصم، وبالرغم من نطقه سيبقى محروماً من التعبير الصادق.. لأنَّ كلامه لا يرتبط بصفة الرحمان. هذا هو أشدُّ الأمور أهميةً من بين كل متطلبات الحياة.. العبادة هي الأهم. العبادة بفهمٍ كامل.. العبادة التي تتشكّل إلى ((كيفيّة)) وتمتلئ بأحوال باطنة. هذا هو ما يولِّد الحياة، وهذه هي الحياة القادرة على إحياء العالَم كله.

اللهم أَعِنّا على تحقيق ذلك! اللهم آمين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك