كيف نتمتع بالصلاة
التاريخ: 1990-11-30

 كيف نتمتع بالصلاة

حضرة مرزا طاهر أحمد (رحمه الله)

حضرة مرزا طاهر أحمد (رحمه الله)

الخليفة الرابع للمسيح الموعود (عليه السلام)

لقد ألقى إمام الجماعة الإسلامية الأحمدية حضرة مرزا طاهر أحمد أيده الله، سلسلة من خطب الجمعة بيَّن فيها أساليب التمتع بالصلاة ويَسرنا أن نبدأ بنشرها بتقديم أُولى هذه الخطب التي قد أُلقيت يوم 30 ،11، 1990 في مسجد “الفضل” بلندن. (التقوى)

طالما سألني الكثير من الأحباب من مختلف البلاد: كيف نجد المتعة في العبادة؟ يرسل إليَّ بعضهم دونما انقطاع، يريدون إرواء ظمأهم. ولكن يبدو من رسائل البعض الآخر أنهم تحت ضغط نفسي.. فهم يحاولون بأقصى جهدهم، ويكافحون كثيرا، ولكنهم لا يجدون المتعة في عبادتهم. ووصل بعضهم قريبا من باب الخروج، وقرروا التخلي عن عبادتهم، وأبلغوني ذلك كإنذار نهائي: إذا لم تجعلنا نفهم الموضوع وتنقذنا.. فلن نكون مسئولين إذا ما انحرفنا بعيدا عن العبادة. وأجبت الأصدقاء إجابات موجزة، ولكن الموضوع شديد الأهمية، ومع أني ألقيت الضوء عليه من قبل.. إلا أني أشعر بأنه يتطلب مزيدا من البيان للجماعة من وجوه وزوايا متنوعة.

بإذن الله تعالى، وفي خطبة اليوم، سوف ألقي الضوء على الموضوع من زاوية سورة الفاتحة.. التي تقدم لنا في الواقع الجواب لكل التساؤلات، وبفضلها لا تستعصي مسألة على الحل. ولهذا السبب سُمِّيتْ “الفاتحة”.. أي المفتاح الذي يفتح كل شيء. إذا تفكرتم وتدبرتم في هذه السورة فلن تكون هناك مشكلة في الدنيا لا تجدون لها مفتاحا في هذه السورة. وكتقديم موجز.. إنها سميت بـ”أم الكتاب” وبأسماء كثيرة أخرى. إنها سبع آيات، وتناولت سبع موضوعات مختلفة، ويقرأها المصلي مرة في كل ركعة من صلواته اليومية.

هذه السورة التي تحتوي على جواب وحل كل مسألة.. تثار بشأنها تساؤلات. يقال: إذا كنا نقرأها بصورة مستمرة، أفلا يحدث هذا التكرار مللاً في القارئ؟ يقرأ المسيحيون أو يسمعون كلمات متشابهة مرة واحدة.. يوم الأحد من كل أسبوع، ولكن المسلمون يقرأون الفاتحة مع كل ركعة، ويرددونها باستمرار. والمرء إذا تناول نفس الوجبة كل يوم لا شك يصيبه الضجر. ألا ترى أن اليهود تعثروا كثيرا لأنهم تمردوا علانية على نعمة الله وقالوا:

يَا مُوسَىٰ لَنْ نَصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا

إذا أُكره المرء على تناول وجبة لا تتغير يوميا فمن الأفضل أن يدع هذا الدين.

وعندما بدأتِ الدعوة إلى “التحريك الجديد”[1]، ودُعي الناس إلى الاكتفاء بلون واحد لطعامهم.. واجه الأحمديون ابتلاء مماثلا. كان الفقراء على أي حال يكتفون بذلك، ولكنه كان قيدا على الأغنياء. بيد أن هناك فرقا بين هذا الابتلاء وبين ابتلاء اليهود المذكور في الآية: فاليهود كانوا مقيدين بطعام واحد لا يتغير.. يتناولونه كل يوم، أما في “التحريك الجديد” فالطعام يتغير كل وجبة.. وإن كان يقتصر على صنف واحد في كل مرة. فابتلاء اليهود كان أشد، وفشل كثير منهم في احتماله. وهذا الموضوع ليس ببعيد الصلة من موضوع سورة الفاتحة.. أعني أنهم أعطوا طعاما واحدا من الطعام الروحاني أيضا، وفرض عليهم طعام روحاني يكررونه باستمرار ويواظبون عليه.

ولقد سمى القرآن الفاتحة “أم الكتاب”، و”القرآن العظيم”.. لأنها تُقرأ بصفة دائمة، ولفرض قراءتها في كل ركعات الصلوات. والآن سوف أخبركم عن هذه السورة التي تُقرأ دائما، والتي تتضمن الجواب على كل تساؤل يثار حولها. وتفسير الفاتحة بالمعنى الذي أشرت إليه يتطلب وقتا أطول ولذلك سوف أعطيكم إن شاء الله مقدمة موجزة للموضوع حتى تستطيعوا التفكر فيه والانتفاع به في المستقبل.

والموضوعات السبعة التي ذكرت في هذه السورة هي الصفات الإلهية الأربع، وعهد العبادة، وعهد الاستعانة، وأخيرا طلب الهداية. هذه الأمور السبعة واردة بالفاتحة. وكلمة “الحمد” هنا ترتبط بالموضوع كله، ولها صلة أزلية دائمة لا تتزعزع بكل الموضوعات المذكورة. فالحمد هو لون الفاتحة كلها، ولذلك فهي تسمى أيضا “سورة الحمد”. ولما كان الحمد عند كل مرحلة هو شكر وعرفان الجميل.. لذلك كلما كان علينا أن نقدم الشكر لله تعالى نستخدم “الحمد” على سبيل الشكر أيضا. أعني كلما أردنا أن نقول: يا ربنا، نحن مدينون من أعماقنا لك، فقد أسديت لنا أفضالا لا حد لها، فشكرا لك.. عندئذ نقول تلقائيا: “الحمد لله”. وهكذا يكون “الحمد: وعرفان الجميل بمعنى واحد. وأضفى الاستعمال المتكرر هذا المعنى على كلمة “الحمد”.

وأول ما تخبرنا به سورة الفاتحة هو “الحمد” الذي يتصل بكل موضوع السورة. فإذا قيلت كلمة “الحمد” بدون فهم.. بقي الموضوع كله فارغا لأن باب الحمد هو الباب الذي يمر منه المرء كي يفهم سائر موضوعات السورة ويملأها بعصير المعاني. ولذلك فإن أول نصحي لكم أن تتريثوا على الأقل عند كلمة “الحمد”، وتتمعنوا فيما تقولون. الحمد كله.. كل صنوف المحامد.. الحمد الكامل لله وحده.

إن الإنسان الذي لا يستمتع بصلاته.. قبلته مختلفة، مسارات سعادته مختلفة، في ذهنه إنسان شيء آخر يهواه، أو رغبة يريدها. فألصَقَ بها “حمده”. فالمرء يحس بالسعادة عندما تكون له قبلة للسعادة، فإذا كانت القبلة في جانب وأنت تتجه وجهة أخرى.. فسوف تشعر بالملل، ولن تحصل على المتعة. ولن تجد السعادة. فلا بد إذن من التأمل في كلمة “الحمد”. ومن الوسائل السهلة لذلك أن تقوم بتحليل نفسك بميزان العدل والتقوى، لتعرف أولا ما هي الأشياء التي تحبها. وإذا ربطت بينها وبين الصلاة فلسوف تحب الصلاة أيضا. وللتأمل في هذا الموضوع.. على الإنسان أن يقوم في الحقيقة باختبار حياته كلها بنظرة واسعة.. شاملة وعميقة. فإذا ما عين المرء مواضعَ “حمده” وعرف أن هذا الشيء أو ذاك الأمر محمود، فسيظهر له معنى جديد لِـ”الحمد لله”. وإذا تفكر سيدرك أن تقدير الله تعالى هو الذي جعل أي شيء يحبه محبوبا له، ولو شاء تعالى أبقاه كذلك، وإن شاء لم يبقه. فجاذبية الشيء ليست من فعل الشيء نفسه، وليست دائمة فيه؛ فأحيانا يبدو الشيء حسنا في حالة معينة، ثم يتبدل حاله فلا يكون حسنا. إذا كان هناك بيت جديد فإنه يبدو جميلا، ويكون “الحمد” متعلقا به، ولكن بعد 50 أو 60 عاما.. عندما يحتاج البيت إلى ترميمات وإصلاحات، عندما يهرم ويفقد رونقه ونظافته، وتتساقط أجزاؤه.. يحس المرء بالفزع منه، وبالتدريج يتخلى “الحمد” عن هذا البيت. إذا أحب الإنسان شيئا جميلا.. فما دام جماله سليما انجذاب إليه بسليقته، ولكن وإذا ما اختفى جماله فإنه إما أن ينفر منه، أو إذا كان مخلصا لصفة أخرى فيه تعينه على الولاء له.. فإنها تدفعه على استمرار الصلة معه. ولكن الحب الطبيعي الفطري المتصل بالجمال وحده لا يبقى كما كان. وهذا هو الفرق بين الوفاء والجفاء. إذا كان الجمال هناك فلا حاجة إلى وفاء، ولا مناسبة للجفاء. وعندما يزول الجمال، أن تشرع فتنته في الأفول.. يظهر المعنيان، فإما وفاء وتستمر صلة المخلص مع الشيء الذي فقد رونقه، وإما جفاء يتجه غير المخلص وجهة أخرى.

الواقع أن تفسير “الحمد” سوف يتضح أمامك عندما تتفكر في هذه الأشياء. فالذي تحبه منها لا يدوم جماله ومتعته. وإن كان به متعة فلسوف تفقد أهميتها في نظرك بعد أن تشبع منها. إنك تأكل الطعام الشهي.. ولديك الكثير منه الذي أعد لك بالطريقة التي تحبها، ولكنك بعد أن تأخذ كفايتك منه ينتهي حمده. وإذا عرض عليك أحد أن تأخذ منه المزيد فإنك تبتسم وتقول: كلا، شكرا لك. فإذا ما حاول أن يعطيك رغما عنك فإنك ترميها في وجهه.. لأنه يفرض عليك أمرا صعبا. والأطفال لا يعرفون المجاملات، ولذلك يقذفون بالأشياء التي شبعوا منها ويرفضون أكلها. فالشيء، حتى وإن كان جميلا، قد يزول حمده. ولكن الموجود، تبارك وتعالى، الذي خلق هذا “الحمد” في كل شيء، وإذا شاء استرد منها الحمد. إذا تفكرتم في هذه الأشياء.. فسوف تتجه قبلة كل منكم نحو الله تعالى. والقِبلة في حد ذاتها لا حقيقة لها. عبر الشاعر الأوردي غالب عن هذا المعنى، ليس عن طريق ربطه بسورة الفاتحة، ولكن بحسه الصوفي وحكمته العميقة، فقال ما ترجمته:

“نحن نتجه إلى القِبلة في الظاهر.. ولكن الذي نعبده وراءها”.

فالقبلة في حد ذاتها ليست هدف سجودنا. والذين لهم نظرة فاحصة يسمون القبلة “البوصلة المشيرة إلى الحبوب”. وبمثل هذه البصيرة، إذا نظرتم إلى أي شيء في العالم فإن مفهوم “الحمد لله” سوف يكون متصلا بكل شيء، ويصير كل شيء بوصلة تشير إلى المحبوب. تستطيع أن تلقي ببصرك، ليس على الأشياء المحببة إليك فقط، بل على أي شيء؛ فما من شيء واحد يكون فارغا من “الحمد” وعلى الفور تقول العين: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فهو الخالق والكافل لكل العوالم.

وصفة “الرب” تتصل اتصالا عميقا بالحمد. وليس بوسعي هنا أن أربط موضوع الحمد بالموضوعات السبعة وأناقشها بالتفصيل، ولكن سوف أقدم لكم مثالا لتتدبروا في هذه الأمور، ولكي تملأوا هذه الأوعية السبعة من صلاتكم بمثل هذا العصير، بحيث يمتلئ كل إناء بالشراب الهنيء الذي تجدون فيه المتعة والسعادة.

وصِلة “الحمد” بصفة “الرب” عميقة وواسعة. وضربت لكم مثال وجبة الطعام، ويمكن أن يقول أحد بأن الطعام يتحول إلى مادة قذرة منفرة يخرجها الجسم.. فكيفك يكون فيها حمد بعد ذلك، وكيف نربط بين هذا الموضوع وبين “الحمد”؟! والجواب على ذلك أنك لم تنظر إلى الأمر بنظرة عميقة، فصفة الرب تتصل بهذا أيضا. هذا القذر الذي تأنف الاقتراب منه.. هو سماد مبارك للنبات، ينبت به الزهور الجميلة العطرة، والتي هي “حمد” بالنسبة لك أيضا، وهكذا ترون اتساع موضوع الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . فليس هناك جانب واحد من هذا العالم، ولو بعد استهلاكه، يصير خاليا من “الحمد” إذا فرغ الحمد من جهة امتلأ من الجهة الأخرى. إذا اكتفت منه حياة وأخذت حاجتها أصبح مستعدا لكفالة حياة أخرى. فإذا ألقيت نظرك على الكون من هذه الزاوية فلن تجد ذرة واحدة تخلو من الحمد بصورة أو بأخرى. وكلمة “العالمين” قد وضحت الموضوع؛ فلا يصح أن تحتسب الله تبارك وتعالى كائنا محدودا مثلك. إذا حمدتَ الله، وبحثت عن الحمد في ذاته.. تذكر أنه الحمد لمن هو رب العالمين، الخالق الكامل لكل العوالم. وإذا تأملت في نظام الكفالة الذي أجراه الله في كل العوالم سوف تنبهر عيناك. ولو تأملت في كل لحظة من حياتك فلن ينتهي الموضوع. إن انتهاءه مستحيل، وليس قولي هذا مبالغة.. فكل ما في الأرض وما عليها وما فوقها دائم التحول من صورة إلى أخرى. إذا استُهلِكَ من وجه صار جاهزا لاستخدام آخر، وليس هناك تبديد أو ضياع. لا يمكن تبديد ذرة واحدة من الأرض.. لأنها ترجع في دورة ثانية. وهذا التوازن رائع بحيث لا يضيع أي جزء من الأرض مع عظم جرمها واحتوائها على كم هائل من الأجزاء. فمهما كان طريقة استخدامه واستهلاك كل ما فيه من خير، فالصورة التي يتحول إليها سوف ينعكس منها تجليات أخرى، ولسوف تكون خيرا لشيء ثان. إنها تكون سمًّا لأحد، ولكنها ترياق لأحد آخر. وإذا كانت ترياقا لأحد فسوف تتحول بعد وقت إلى سم له وإلى ترياق لغيره. فعندما تقول: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ عليك أن تتريث وتتفكر في عظمة وسعة الوجود الإلهي، وحيثما وجهت نظرك ألفيت موضوع “الحمد” أمامك.

وإذن.. هل يمكن لإنسان يقرأ سورة الفاتحة طوال حياته أن يوفي بواجبه بمجرد تلاوة الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ؟ إن ذلك محال تماما. من يستطيع القول بأن هذه السورة التي تتلى بصورة دائمة، والتي هي أم القرآن.. يمكن أن تسبب ضجرا لأحد، أو تحدث سأما له؟ أبدًا بالمرة. إن السأم ينشأ داخل المرء إذا كانت تنقصه خبرة الحب، فيسأم من أي شيء، ولن يجد متعة في أفضل الأشياء. فإذا أردتم الوقاية من السأم.. عليكم توليد خبرة الحب في أنفسكم. ترون بعض الناس لا يرضيهم شيء، عابسين دائما، ومهما أعطيتهم قالوا: هذا لا طائل منه، وهذا سخيف.. ينتقدون كل شيء ويحسبونه سيئا. إنهم كاليأس، حيثما حلوا خلقوا المشكلات للناس. إن دنيا الله ليست خالية من الحمد، وليس هناك قلّة في الناس الطيبين، ولم يفرغ العالم من الصفات الطيبة.. ولكن السبب أن بهم جفافا ويحرمهم من الحب. فإذا ولدت في نفسك نظرة المحبة، أي نظرة ترى بها الجمال وتنتفع به، عندئذ سوف تجد حمد الله واسعا، مجيدا، بحيث لو أنك دخلت قلب كل ذرة ألفيت دنيا جديدة من الحمد.

ثم الله رحمن رحيم مالك يوم الدين. وإذا وصلت “الحمد” بهذه الصفات الإلهية رأيت كم ستبدو صورة الكون أمامك جميلة وعظيمة ورائعة؛ وكل صورة تتصل بالوجود الإلهي.. فالله هو الذي يعطي الجمال لكل ما هو جميل.. فكيف تكون تلك الصلاة، التي يُقرأ فيها بسورة الفاتحة.. فارغة من المتعة؟! إنها لا تنفك تفتح أمام عيوننا عوالم لا تنتهي من الجمال؛ اللهم إلا إذا لم يعد لديك وقت للتمييز، أو فقدت قوة التركيز بحيث تمر بها وتفوتك. وهذا خيارك؛ وإلا فإنك إن تتوقف عند كل كلمة من سورة الفاتحة.. تقضي حياتك كلها في تدبر كلمة واحدة منها دون أن يلحقك سأم. هناك معنى عجيب مدهش في كل كلمة منها لا ينفك ينفتح إلى عالم تام جديد أمامك.

ثم هناك موضوع إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ، وهو عهد تخصيص العبادة والاستعانة بالله وحده. والعبادة لها صلة عميقة بـ”الحمد”، وإذا لم يكن هناك “حمد” فليس ثمة عبادة. والعبادة لها صلة عميقة بــ (الحمد) وإذا لم يكن هناك (حمد) فليس ثمة عبادة. ودعوى إِيَّاكَ نَعْبُدُ دعوى عظيمة، وإذا لم تكن من خلال الحمد كانت باطلة تماما. وما دام المرء لا يتعهد بذلك، وما دام لا يقر في قلبه، بعد فهم تام، بأن الحمد كله لله.. لا يمكن للعبادات كلها أن تكون خالصة لله وحده. هذه حقيقة حسابية لا يمكن تغييرها؛ وهي معادلة أكيدة لا يمكن لقوة أن تبدلها. إن المقام الأسمى أُسبغَ على سيدنا محمد المصطفى .. والذي تقدم به على كل النبيين، ناهيك من كل شيء آخر في هذا العالم.. كان لأنه فهِمَ هذا الموضوع أعظم فهم، وكان حمده كله خالصا كاملا لله وحده. كان هو الإنسان الوحيد الذي أعلن إِيَّاكَ نَعْبُدُ ، فكان صادقا في إعلانه كل الصدق، وكان حمده كله لله.

وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ متصلة اتصالاً عميقًا بـ إِيَّاكَ نَعْبُدُ . وعندما نلتمس المعونة من الله تعالى.. نتعهد أولا بأننا يا رب: نعبدك، ونعبدك وحدك. هذا هو قصد كل إنسان، ولا نكران لذلك.. أعني أنه لا حق لأي إنسان في إنكار ذلك؛ ولكن بوسعنا القول، بكل تأكيد، أن سيدنا محمدا المصطفى قام بالواجب في هذا الصدد حق القيام وأكمله؛ ولا يستطيع الوفاء بهذا الحق إلا من كان عبدا كاملا لله جل وعلا. فإذا ترسخت هذه الحقيقة فلا يعبد إلا الله.. كانت النتيجة الأكيدة الحتمية أن يلتمس المعونة من الله وحده، ولن يبقى مع الله أحد ليستعان به، وعندما تزول كل الآلهة .. وتكون العبادة لله وحده، حيث يسلم الإنسان كل حياته بين يديه جل جلاله، وليس وراءه أحد.. فأي باب بعده يبقى مفتوحا لتطرقه طلبا لحاجتك؟! وإذن تنشأ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ تلقائيا من إِيَّاكَ نَعْبُدُ ؛ وهي تزداد نموا بقدر الصدق في إِيَّاكَ نَعْبُدُ لا أكثر. فإذا كانت عبادة أحد فارغة من “الحمد”، وكان حمده لشخص أو لشيء آخر.. فسواء عبده في الظاهر أم لم يعبده فإن حمده ينكمش ويتضاءل كثيرا.

المؤمن بوحدانية الله تعالى يقول إِيَّاكَ نَعْبُدُ .. يا رب، إن مقصدي ونيتي فعلاً ألا أعبد أحد غيرك. وناقص الإيمان بوحدانية الله .. يوزع حمده على أشياء عديدة وبنشره في كل مكان، وتكون الناس قبلته بدلا من أن يكونوا بوصلة تشير نحو الله تعالى. وفي هذا الصدد، كلما نقص الحمد في عبادته كلما انكمشت وصارت كجسد مشلول، تخشبت يده وتجمدت بجانبه بلا حراك.. وإن كان الشكل والمظهر لذراع. وهكذا تكون العبادة الظاهرية.. لكونها فارغة من الحمد، تبقى فارغة من الروح، خالية من الأثر، خالية من القوة؛ وبنفس القدر تبقى إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ضعيفة كليلة.

إن الله ليس بأعمى. قدر الله ذو بصر حاد، يرى أدق الأشياء التي لا يرها الإنسان. قدر الله يأتي استجابة تلقائية لـ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ، ولكن يكون ذلك بعد اختبار قوتها واتساعها. المعطي يريد أن يعرف مقدرة سائله ليعطيه بما يناسب حالته؛ فمن كانت عبادته ضئيلة تلقى إجابة صغيرة المعونة بقدر عبادته. وليس في هذا أي ظلم أو جور، بل إنه نتيجة منطقية لموقفه. عندما تبتهل إلى الله ملتمسا معونته.. يكون الجواب: أنت تطرق هذا الباب وذاك الباب، وفي تقديرك أن فلانا كبير وفلانا عظيم.. وعندما تكون هناك مسألة قول حق أو افتراء باطل فإنك تنحني أمام كبر هذا وعظمة ذاك مضحيا بالحق، في رأيك أن أحدًا يملك القدرة على إعانتك.. بما يجعلك مستعدا لارتكاب ما حرمه الله!

والموضوع طويل، وباختصار نقول إننا عندما نتعامل في حياتنا اليومية مع أنفسنا أو مع المحيطين بنا نفعل ما يصدم المتأمل الذكي. إذا بحث الإنسان في جوهر عبادته طول حياته لوجدها ضئيلة القدر كما لو كان يبحث عن إبرة في كومة من القش. وماذا تنتظر من العبادة الفارغة؟ يجيب القدر الإلهي على كل سائل: “لا تتحدث بهذا الشيء هكذا.. كأنه أمر شكلي. أنت كنت تعبد الآخرين وإن لم يكن ذلك بشكل ظاهري؛ ولكن عندما كانت الظروف تلجئك حقا لطلب المعونة.. كنت تطرق أبوابهم. اعترفْ بالحقيقة دونما شكليات. فالواقع أنك لا تستحق القيام بهذه الشكليات وتدق بابي. أي حمد ذاك الذي في قلبك؟ من ذا الذي تعبده حقا؟ عليك أن تتوسل إليه إذا كان يستطيع لك العطاء.

هذا هو الفارق عندما تستجاب دعوات وترد دعوات، وليس السبب هو الدموع. يكتب لي بعض الناس: كيف نستمتع بعبادتنا؟ إن دموعنا تبلل مواقع سجودنا، ولكننا لا نحصل على ما نريد. إنهم فشلوا في إدراك أنهم يطلبون الشيء الذي جعلوه إلـههم. إن محبوبهم الذي يطلبون جعلوه قبلتهم. حمدهم ليس منتميا إلى الله إلا في الكلمات فحسب؛ والواقع أن شخصا أو شيئا من أمور الدنيا صار المحبوب في نظرهم، وهو عندما يبكي أمام الله لا يبكي بسبب “الحمد” وإنما يبكي بسبب رغبته التي لم تتحقق له. عندما يصرخ إنسان متألم فهو يصرخ بسبب أوجاعه، وليس من اللازم أن تشفيه صرخاته؛ ولكن الشفاء يكون بمعرفة العلاج الطبي. كذلك في العبادة هناك علم.. علم الدعاء، الدعاء الذي يستحق القبول هو الذي يتقبل. قد يكون الدعاء أحيانا بلا دموع؛ وقد لا تكون الكلمات قد أعربت عنه بعد.. ومع ذلك يلقى القبول. السر في ذلك أن تفهم موضوع الفاتحة، وأن تستمر في حمد الله، وتستخدم الحمد في صفات الله الأربع، ثم تقول: إِيَّاكَ نَعْبُدُ . تفحص نفسك وتفكر: أين المواضع التي تمتلئ فيها عبادتك بالحمد حقا؟ وأين تخلو منه؟ انظرْ إلى حَال حياتك اليومية، وعلى ضوء إِيَّاكَ نَعْبُدُ افحص خطواتك. لن يكون بوسعك الانتقال دون اكتساب نقاط جديدة من الحكمة من هذا الموضوع. ليس هناك موضوع واحد من سورة الفاتحة يستطيع المرء بلوغ نهايته.. ولو أمضى حياته كلها في تدبره. ثم أخبروني: أين موضع السأم؟ كيف يمكن أن يتولد الملل؟ إنما يكون الملل عندما يواجه المرء نفس الشيء مرار وتكرارا على صورة واحدة؛ والقرآن المجيد يقول عن ذلك الله :

كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ$  فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ

إن الله تبارك وتعالى يتجلى في أحوال مختلفة.. فبأي نعمة الله تجحدون؟ إن الوجود الإلهي يتجلى في صورة متغيرة كل لحظة.. فكيف يمكن أن يمل الإنسان من ذلك؟ إذا اكتسب المرء المقدرة على رؤية تجليات الله المتغيرة، وأوتي البصيرة التي يرى بها هذه التجليات المتجددة، فلن يكون الله غير مألوف لديه أبدًا، فمن مرايا سورة الفاتحة سوف يرى تجلياته المتجددة. وتكون سورة الفاتحة أداة تشبه التلسكوب أو الميكروسكوب، أو أي جهاز آخر مثل الكاميرا التي تصور لك الأشياء من عدة زوايا ومسافات. ويستطيع الإنسان الذكي استخدام سورة الفاتحة لمشاهدة صفات الله تعالى وتجلياته المتجددة دائما.

ومع أن سورة الفاتحة لا تذكر سوى أربع من صفات الله تعالى.. فالواقع أن كل صفات الله تعالى متضمنة في هذه الأربع. وكما ترى.. سميت هذه السورة الصغيرة “أم الكتاب”.. أم القرآن؛ والقرآن المجيد مبحث لكل صفات الله.. فكيف تكون أُمًّا للقرآن إذا كانت تذكر صفات أربعا فقط.. اللهم إلا إذا كانت هذه الصفات أم الصفات جميعا؟! وهذه حقيقة، فبالتفاعل بين هذه الصفات الأربع وتجلياتها يمكنك شهود جميع الصفات الإلهية. فمعنى أم القرآن لا يقتصر على الموضوعات القرآنية وحدها.. وإنما كل كلمة من سورة الفاتحة لها مقام الأم. والصفات الأربع هن أم الصفات.

وموضوع العبادة بالنظر إلى الصلة بالله تعالى هو “الأم” لكل موضوع. إنه السبيل الذي يقيم الإنسان من خلاله صلة بالله، وبدونه لا يبقى شيء. إذا كانت لك صلة بالله في أي مجال من الحياة.. فهل لك أن تجهر بدعائك أم لا.. فإن الصلة بالله لا تقوم إلا بالعبادة، ولقد وضّح سيدنا رسول الله هذا الموضوع بجلاء تام عندما قال: إن من أعمال العبادة أن تضع اللقمة في فم زوجتك.. تبتغي بذلك وجه الله ومرضاته، وقياما بحق الزوجة ومودتها كما أوصى الله تعالى. ترى بهذا المثل البسيط الصيغة تحول كل عمل في حياتنا إلى عبادة. فالصلة بالله لا تنبني على الصلاة وحدها، وإنما كل ما يجري حول الإنسان وتجاربُه لها صلة بعبادة الله تعالى. فالأحداث الدائرة حول الإنسان والتي تؤثر في حياته، ثم كيفية استجابته وردود فعله إزاءها.. يمكن أن يكون عملا تعبديا، أو تصرفا يبعده عن العبادة. فبقول إِيَّاكَ نَعْبُدُ ذكرتَ أُمَّ العلاقة مع الله تبارك وتعالى.. أي أنه في هذه العبادة الواحدة، في هذا العهد المنفرد.. الذي تتعهد فيه بألا تعبد إلا الله وحده، ولا تعبد سواه أبدا.. في هذا العهد روح كل علاقة مع الله. وكلما بسطت هذا العهد كلما انتفعت من معناه.

وفي إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ استعانة بالله وحده. وفي الظاهر يسأل المرء الآخرين. فالطفل يسأل أمه وأباه، والصديق يسأل شيئا من صديقه؛ فما الفرق بين هذه المسألة وطلب المعونة من الله وحده في قول إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ؟ لو تأملت حول هذا الفرق سوف تفهم أن حال الصديق والأم والأب.. ما داموا جميعا يوضعون في مقامهم الحقيقي، بحيث لا يقارنوا بالله تعالى، ولو فُقدوا جميعا فالله باق في النظر، وعظمتهم وصفاتهم تبدو انعكاسا لعظمة الله وصفاته.. فسؤالهم كسؤال الله تعالى، ولن يكون أبدا سؤالا لغير الله . أما إذا وضعت منزلتهم موضعا خاطئا وعزلتهم عن الله تعالى.. فإنهم يصيرون وسائل للشرك بالله.

ووصف القِبلة بأنها بوصلة يوضح لك هذا الموضوع. فعندما يتوجه العابد نحو القبلة لا يكون وثنيا، لأن مبنى القبلة لا يخطر وجوده في باله أبدا. المرء يتجه حقا نحوها، ولكن عتبة الله تبارك وتعالى هي الهدف النهائي الذي ينحني له في العبادة.

فمن هذه الناحية عندما ينظر المرء في موضوع “الحمد”، ويشرع في اعتبار أن ما حوله من أشياء محببة إلهية.. لا حقيقة لها في ذاتها؛ وإنما هي من عظمة الله تعالى.. فإنه عندما يبتغيها بعد ذلك فليس لطلبه لها مغزى خاص، فلا فرق لديه إذا حصل أو لم يحصل على شيء منها. وفي طلبه لها نوع من التعالي والتعاظم؛ ولم لم يعطه من سأله، وشاء الله أن يعطيه.. فهناك ألف طريقة ليحصل عليها. هناك سبل لا حصر لها كي يتفضل الله بها عليه. فكلما زادت معرفة المرء بالله عمقا كلما ازداد استمتاعه بالصلاة. ولكي تزداد المعرفة بالله تعالى عمقا.. لا يحتاج المرء إلى دراسة أكاديمية في الجامعات والكليات؛ فملكة المعرفة في كل إنسان قادرة على التعرف بالله جل جلاله. وعند التأمل في الكون تكون معرفة العالم أوسع وبلا شك، ولكن إذا لم يمنحه الله البصيرة لمعرفة الله فلن يفهم موضوع “الحمد”.. على الرغم مما لديه من معلومات. ولكن الإنسان العادي، فلاحا كان أو راعيا أو عاملا بسيطا.. وكانت له عين ذكية، استطاع أن يرى “حمد” الله.. في نشاطاته اليومية؛ واستطاع أن يتغنى بحمد الله. نعم، يزداد الحمد بازدياد العلم ولا شك، ولكن بوسع الإنسان أن يكتسب المعرفة بالله من دون التعلم الأكاديمي الرسمي.. ذلك إذا أراد المرء أن يبحث عن الله وعن عظمته.  ليس هناك حالة واحدة لا يستطيع الباحث أن يرى عندها عظمة الله تعالى.. وهي ذات العظمة التي تستحيل إلى “حمد” وعندئذ يقول المرء تلقائيا الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . هناك الخبرات اليومية للمرء.. مسراته، أحزانه، مخاوفه.. التي يمكن على أثرها أن تمتلئ الكلمات السبع التي شرحتها بمعان متجددة دائما. قد يموت للمرء طفل، أو يصاب بخسارة ما.. فكيف يقوم المرء في هذه الحالة بـ”الحمد” وتكون مشاعره صادقة؟ يتساءل هؤلاء الناس فقط لأنهم يحسبون أن الحمد والشكر مترادفان. في أذهان كثير من الناس أن الحمد بمعنى الشكر وعرفان الجميل، بل ومنهم من لا يدرك معنى الحمد. يقولون: أصابتنا الخسارة، وضربنا الحزن، وتعرضنا للمخاوف.. فكيف نقوم بالحمد؟ ولكن هذا هو وقت الحمد؛ لأنك عندما تفقد شيئا حبيبا إلى نفسك، ويفلت من يدك وقد كنت تنسب إليه نصيبًا من الحمد. فهذا هو الوقت الذي تتذكر فيه قول الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . فالحمد بمعناه الحقيقي ينتمي إلى الله، وقد أعطاك الله شيئا من هذا الحمد بصفة مؤقتة، فيحمد على ذلك.. فالله معطي الحمد، ولذلك يبقى معه دائما ولا يغادره أبدا.. ومع الخسارة يقاسي المرء بعض الحزن، ولكن ينبغي عليه أن يعتبر الخسارة أمرا مؤقتا. أعني على ضوء المعرفة بالله تعالى فإن الخسارة تكون مؤقتة.

ولكن إذا كان الحمد في الذهن مرتبطا بالشيء ارتباطا دائما، ويحب الإنسان الشيء شراكة مع الله كأنه وثن باطل.. عندئذ يدوم الألم. وهذا يبين أنه قد نسب حمدا دائما لشخص أو شيء مع الله سبحانه. وهكذا ترون بعد تعرضه للخسارة فإن ركعته الأولى عند أول صلاة له توجه انتباهه تلقائيا إلى أن الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ التي علمتموها وتتلقونها يوميا بتدبر وفهم كامل.. وتعلمون تماما أنه ليس هناك حمد إلا الله تعالى، فإذا ضاع هذا الشيء فالله هو الذي أعطاك ذلك الحمد.. إن استرد المعطي شيئا أعطاه وجب أن يقدم له الشكر عند إعادته، ولا يكون ذلك وقتا للشكوى. إنك إذا أقرضت شيئا لشخص ثم استرددته منه، فهل يأخذ المدين في إساءة القول لك لأنك تسترد حاجتك؟ إنه إذا كان ذا روح نبيلة قدم لك الشكر وهو يعيده إليك. ولا يقدم مثل هذا الشكر إلا من ألقى نظره على مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ . فمن هو السيد المالك النهائي المطلق.. هو الذي يستحق الشكر وحده، وعند استرداد وديعته لا يكون هناك استياء وعندما أعطى فرصة كان ذلك بركة وفضلا منه. وهكذا وضحت مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ صلة الحمد بهذه الصفة الإلهية، وأخبرتنا أنكم إذا كنتم تؤمنون بالله مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ .. فكل حمد يتعلق به يكون حمدا دائما أبدا. وإذا لم تكونوا مؤمنين بأنه مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ فمعنى ذلك أنه أحيانا لا يكون مستحقا للحمد (وحاشا لله). إذا أحسست بالمصيبة عندما يؤخذ منك شيء.. فذلك لأنك اعتبرت نفسك مالكا، وتحسب الشيء ملكا لك في يدك إلى الأبد؛ وكيف إذن يكون الله تعالى مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ .. وقد استُبعد عن تملك الشيء؟ وهكذا ترون أن سورة الفاتحة قد ذكرت كل جوانب ذلك التفكير عند الإنسان. وليس من المستطاع أن يمر الإنسان بسورة الفاتحة متدبرا ثم يكون به عطش لم يرتو، أو أن يحس بشيء من السأم.

قال سيدنا المهدي والمسيح الموعود أنك عندما تقرأ إِيَّاكَ نَعْبُدُ فافهم وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ بمعنى أن يا رب إننا نريد أن نعبدك، ولكننا لا نستطيع؛ فنسألك العون على ذلك، عندئذ سوف يعينك الله، وبالتدريج تقف في الموقف الصحيح وتترسخ فيك. وكما قلت.. الموضوع واسع جدا، وليس من العدل شرحه كاملا في خطبة واحدة، ولكني حاولت أن أبين لكم بإيجاز أن معرفة الله هي التي تولد المتعة في الصلاة. ولهذا الهدف عليكم أن تجاهدوا بقوة. ومع فهم هذه النقطة لن يكون قبول صلاتكم فجائيا.. فالبذور الجافة التي تخلو من السائل تأخذ وقتا طويلا وتتطلب جهدا كي تنمو. وفي القرآن الكريم نقرأ قول الله تعالى مخاطبا الإنسان الذي يجاهد ليجد ربه:

يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ

فلا بد لكم من الجهاد الشديد والعمل بقوة.. ونؤكد لكم بأن جهادكم لن يضيع، بل إنك (ملاقيه).. ولسوف تجده بكل تأكيد.

فبدلا من التوجه إلى باب الخروج، يجب أن تتجهوا نحو المركز.. مركز العبادة، والاستمرار في الكدح والكفاح، والابتهال إلى الله تعالى كي يمكنكم من الجهاد الكبير، وأن يجعل لجهادكم أثمارا.. بحيث تجدون الصلاة أداة متعة وسعادة لكم، ولا يكون فيها أي أثر للملل والضجر. اللهم آمين.

[1] هو مشروع لنشر شبكة من مراكز الدعوة في كل أنحاء العالم، بدأه سنة 1934 سيدنا المصلح الموعود حضرة مرزا محمود أحمد ، الخليفة الثاني لسيدنا المهدي . وقد تتطلب المشروع تضحيات جساماً من وقت ومال وأولاد حتى أمر حضرته أفراد الجماعة بالاكتفاء بحياة بسيطة جداً لتوفير المال لإعلاء كلمة الإسلام في كل أرجاء العالم. (المترجم)

Share via
تابعونا على الفايس بوك