حلم السلام.. كيف يتحقق!!
التاريخ: 1990-11-16

حلم السلام.. كيف يتحقق!!

حضرة مرزا طاهر أحمد (رحمه الله)

حضرة مرزا طاهر أحمد (رحمه الله)

الخليفة الرابع للمسيح الموعود (عليه السلام)

منذ انفجار أزمة الخليج وإمام الجماعة الإسلامية الأحمدية يعلق عليها في خطبه يوم الجمعة. ولقد نشرنا ما تم ترجمته منها وسوف نستمر في نشرها حتى يتعرف المسلمون على الحلول التي يقدمها حضرته أيده الله، لمشاكل أهل الإسلام بل لمشاكل العالم كله، على أسس إنسانية وتعاليم إسلامية. وها نقدم إلى حضرات القراء الكرام خطبة من هذه السلسلة، وقد ألقيت يوم 16/11/1990 بمسجد “الفضل”، لندن. (التقوى)

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (آمين)

إن أعظم الأخطار التي يتعرض لها العالم اليوم ناجمة عن التحيزات والأنانية التي تسيطر على عقول الغالبية من السياسيين. ولسوء الحظ اعتاد السياسيون، سواء أكانوا من الشرق أو من الغرب، من البيض أو السود، أن يربطوا حركاتهم الماكرة بالسياسة، بحيث لا يرد موضوع القيم الأخلاقية فيها. والإسلام وحده هو الذي تخلو سياسته من الحركات الخادعة، وهذا ما يسمى السياسة الإسلامية الحقة. ولا حقيقة ولا صدق في القول بأن الإسلام عقيدتنا، ولكن سياستنا منفصلة عن القيم السياسة في الإسلام.

وفي الوقت الحاضر لا نشهد أي نظام للسياسة الإسلامية في مكان ما من العالم أو حتى في الحكومات الإسلامية. وكل السياسيين في أي مكان لهم نفس الأسلوب السياسي الذي تسيطر عليه الأنانية. إن التحيزات، وليست المبادئ، هي التي تحكم السياسة. وهكذا فإن أشد المخاطر التي تواجه العالم هي ثمرة التحيز والأنانية.

عندما بدأت هذه المرحلة الثورية الجديدة للسلام بين الاتحاد السوفييتي وأمريكا.. تطلع ساسة العالم إلى المستقبل بأمل عظيم، وقالوا: ها قد بدأت فترة من السلام العالمي. ولكن هذا الفكر لا يكون إلا في الأحلام.. أحلام الجهل. هناك بعض المزايا لهذه التغيرات الثورية، كما أن لها بعض المضار أيضًا. ومن أشد هذه الأضرار أنه نتيجة للانقسام الأيديولوجي بين الشرق والغرب.. انكشف الآن ما كان مخبوء من تحيزات، وتزداد انكشافًا يومًا بعد يوم. وهي بصدد خلق الكثير من أنواع الخطر في شتى المناطق.

عندما كان العالم منقسمًا إلى كتلتين، والأخطار العظمى تواجههم، كانوا يتجاهلون الأخطار الصغيرة أو يكتبونها تحت ظلال الأخطار الكبرى كما هو الحال بالنسبة للأمراض؛ فعندما يعاني المرء من مرض خطير فإنه لا يشعر بالأمراض البسيطة، بل ويتوجه الانتباه كله في الجسم ناحية المرض الكبير. والأخطار التي شبت اليوم في وجه البشرية تنتشر انتشارًا واسعًا وبشكل مرعب، وستمضي في اتساعها ما دمنا لا نحللها بعمق، ولا نشرع في الجهاد ضدها من اليوم. وإلى أن يتحقق ذلك، ليس من الصواب الظن بأننا ندخل عصر السلام. إن هذا الظن يشبه القفز في النار معصوبي العين. وأود أن أضع بين أيديكم بعض الأمثلة كي تنقلها الجماعة الإسلامية الأحمدية حيثما كانوا إلى أهل الفكر في بلادهم، ويسعوا بقدر المستطاع لإفهامهم ليضعوا ضغوطهم الفكرية، ويرفعوا أصواتهم ضد هذه الأخطار في بلادهم، ويزيدوا الرأي العام بنور المعرفة، ويعرفوهم بأنواع الأخطار التي يتعرض لها العالم اليوم. وإذا لم ينتبهوا اليوم لها فسيكون الوقت قد فات غدًا.

في منازعات العراق.. قد يبدو أن الذي خرج إلى النور ووضح تمامًا هو اتحاد العالم في مواجهة العدوان، وأنه ثمرة السلام أو التقارب بين كتلتي الاتحاد السوفييتي وأمريكا، وأن العالم اليوم يقف متنبهًا إلى الأخطار، وأنه كلما تهدد سلام العالم فلسوف تتحد بلاد العالم لمواجهة الخطر.

كلا، هذا غير صحيح. ولسوف أضع أمام أنظاركم أمثلة لبعض أخطار هي أشد فظاعة من الموقف في العراق ولكنهم يغمضون أعينهم عنها، ولقد أغمضوها منذ زمن طويل، ولسوف يستمرون في إغماضها في المستقبل أيضًا.. إلى أن تخبرهم مصالح أنانية لهم كي يوجهوا انتباههم إليها. هناك أخطار من التعصبات القومية والعنصرية والفوارق اللغوية والخلافات الدينية والمنازعات التاريخية. وهناك مساحات هائلة يمكن أن توزع عليها هذه الأخطار. ولو وضعنا هذه الأخطار أمامنا لأصبنا بالدهشة بسبب ضخامة تلك الموارد البركانية المتفجرة وشدة خطورتها وهي مدفونة في أماكن شتى، ويمكن أن تثار في أية لحظة.

تعالوا نُشِر إلى أمثلة قليلة منها. أمامكم المخاطر الدينية والسياسية في الهند. أمَّة السيخ هناك اتخذوا كيانًا منفصلاً، وطالبوا بالانفصال عن الأمم الأخرى. وهذا المطلب قريب الشبه من مطلب إقامة دولة باكستان، لأنه ليس مطلبًا سياسيًا، وإنما هو ديني سياسي في وقت واحد. وفي مواجهة ذلك قامت ضده تحيزات لكبته. وفي هذا النزاع طالب كل طرف بالجلوس سويًا لحسم الخلاف في الرأي طبقًا لقواعد العدل، وليصلوا إلى تسوية للأمور بالكياسة والعدل. إذا كان السيخ يتعرضون لخطر ما فينبغي إزالته؛ ولكن الصوت يرتفع من الجانبين: السيخ يقولون إن حياتنا مع الهند خطر يدمر ديننا وشخصيتنا القومية. والهنود يقولون: لو أننا قبلنا المطلب لتقطعت الهند إربًا إربًا بلا انقطاع. وكلا الصوتين له وزنه. ولكن كما قلت.. السبب النهائي هو الأنانية والتعصب من الجانبين.

وقد لعبت التحيزات دورًا في تعامل الهند مع الأقليات منذ التقسيم. يمثل الهندوس الأغلبية الكبرى في الهند، ومع أن الدولة ليست مؤسسة على أساس من الدين، لكن الهندوس اتخذوا لأنفسهم الطابع القومي. وبسبب كثرتهم العددية لا يشاركهم أحد في سلطتهم؛ وبقيت سلطة القرار في يد الهندوس. ومع أنهم ماضون في دعوى أن حكومة الهند علمانية.. لكن الواقع يبقى واقعًا، وبقيت السلطات في يد الهندوس.. في يد طائفة واحدة من الهندوس، هم البراهمة، أعلى طوائفهم. هذه هي التحيزات التي ولّدت مزيدًا من النزاعات. كانت السياسة هي التي تعمل أساسًا، ولكن التعصبات مدفونة تحت هذا الأساس، ولذلك كان من المحتم أن يكون الهيكل القائم عليه البناء معوجًا. فكثير من الأخطار التي نراها اليوم في الهند سببها التحيز والميل إلى اتخاذ قرارات تتجاهل مبادئ العدالة. وبوسعكم مثلاً رؤية التمييز الذي نشأ بين المسلمين والهندوس وأحدث صدعًا عميقًا. أساسه عند الهندوس هو تحيز المسلمين، وسببه عند المسلمين هو تعصب الهندوس.

وبالمثل تفعل التعصبات فعلها وراء الأخطار الناشئة عن الفوارق اللغوية أيضًا. فهناك شعور متنامٍ بالحرمان لدى أهل جنوب الهند لأن الأجناس التي تقطن الشمال وتتكلم الهندية أو السنسكريتية.. هم الذين يحكمون الهند بأجمعها؛ وهم لا يتعاملون بالعدل مع الأقوام الذين يتكلمون 1500 لغة أخرى مستعملة في الهند.. وهكذا تجدون الأنانية وراء كل أنواع النزاعات في الهند. هناك نزاعات لغوية في ناحية، ونزاعات دينية في نواح أخرى، ونزاعات قومية وخلافات عرقية وطائفية هنا وهناك. ومنذ آلاف السنين ما برحت الطوائف الدنيا من الهندوس هدفًا للاضطهاد من الطائفة العليا، تسحقهم طاحون الاعتداءات، ولم يكن لهم حق الحصول على قسط من الاحترام الآدمي. لقد كانت معاملة ظالمة للغاية. ولست أشير هنا إلى المعاملة المادية، ولكن كان هناك تفرقة نفسية وفكرية، بحيث لم يكن لتلك الطوائف الدنيا أي كرامة إنسانية.

والسبب وراء انهيار حكومة السيد ف. ب. سنغ التي أقيلت مؤخرًا أنه رفع الصوت ضد هذه التحيزات، وأقام مثالاً في صالح العدالة. ومع أنه من طائفة (راجبوت) العليا فقد ابتدأ حركة عظيمة لاستعادة حقوق الأقليات. كما أنه عمل على حماية مقدسات الدين الإسلامي.

وموجز القول: إن الحرب التي بدأت في الهند سوف تتخذ أسماء مختلفة، وستقوم الانقسامات على مسميات لتفرقات شتى، ولكن الواقع هو انعدام العدالة وشدة التعصب، وهي الحقيقة الأساسية التي تبرز وراء كل خطر يتهدد الهند، وهو خطر يتزايد يومًا بعد يوم.

وفي بلد مثل بريطانيا، وتحسب واحدة من بين أكثر البلاد تقدمًا في العالم.. ما برحت التحيزات تعمل فيها حتى اليوم. لم تستطيع سياستها التخلص من التحامل حتى اليوم. هناك تعصب ديني في أيرلندا مختلط بالسياسة مُبديًا لونه فيها. ومع أن البلد قد انتهى من الممارسات الاستعمارية التاريخية العتيقة إلا أنها لا تزال تطبق؛ ومع أن الحكم البريطاني قد انكمش حتى صار محصورًا في أراضيها إلا أن التحكم التجاري البريطاني وسلطانهم السياسي لا يزال منتشرًا في كثير من بقاع العالم. وهذا التحامل متولد عن شعورهم بأن لهم الحق في التحكم في العالم وفي اقتصادهم وجغرافيتهم، والتحكم في علاقاتهم مع سائر بلاد العالم، وأن تكون لهم الكلمة العليا الفاصلة على سياستهم الخارجية، وأن يصوغوا لهم سياستهم مع العالم الخارجي. ومن حيث الظاهر لا تجد صلة بينهم، ولكن البلاد المتقدمة ترغب في وضع البلاد الصغيرة تحت سلطانهم من ناحية تشكيل السياسة الخارجية الأساسية. وتدرك هذه البلاد الصغيرة أن سياستهم غير حرة. والذي يحدث عمليًا هو أن البلاد الكبرى تصوغ السياسة الخارجية للبلاد الصغرى بحيث تحصرهم في دوائر محددة يبقون داخلها. وإذا ما حاولت دولة منها إقامة علاقات خارج هذه الدوائر فهنا الاعتراض، وستجد الدول الكبرى ذريعة للتدخل في سياستهم، ولن يسمحوا لهم بالمضي فيها. وهكذا ترون أن بريطانيا تعاني أيضًا من التحيزات التي أطلقت العنان لشتى أنواع الفظائع في العالم.

وفي طريق التعصبات العرقية، نجد صنوفًا كثيرة من المخاطر في الاتحاد السوفييتي. ومن هذه الوجهة نرى أمة الأتراك تمر اليوم بفترة تاريخية، إذ تنمو فيهم أنواع جديدة من الأفكار والآمال. والواقع أنه خلال السنوات القادمة سوف تخطو هذه الأمة خطوات يمكن أن تؤدي إلى تغيرات عالمية، وقد تؤثر على السلام العالمي. قلت في خطبة قريبة أن أكثر الترك يعيشون خارج تركيا، ونصف هؤلاء يعيشون في الاتحاد السوفييتي. عدد الأتراك في تركيا يبلغ 44 مليونًا، وفي الاتحاد السوفييتي 22 مليونًا، وفي الصين 7 ملايين، فعدد الأتراك الذين يعيشون في تلك البلاد الشيوعية يزيد على نصف الأتراك في تركيا. وهم اليوم لا يعطون الأفضلية للبلاد التي يعيشون فيها، وإنما يميلون إلى تركيا، وتركيا تميل إليهم. وهم بدأوا يشعرون بذلك. وعندما كنت في زيارتي القريبة إلى إسبانيا والبرتغال، رغب سفيرا بلغاريا بالبلدين في مقابلتي. وعلمت خلال حديثي مع كل منهما أنهما يخشون الخطر من جانب تركيا. وعندما تعمقنا أكثر، أدركت أن سبب تخوفهم من تركيا أنهم في بلغاريا قد ارتكبوا بعض التجاوزات ضد الأتراك. والآن بعد أن زال عنهم غطاء الحماية الروسية فإنهم يخشون أنهم تُركوا تحت رحمة الأتراك الذين سوف يأخذون بثأرهم التاريخي منهم. وكنت لا أعرف الكثير عن الموقف وقتئذ، ولما عدت من رحلتي بحثت الموضوع على نطاق أوسع، وفهمت السبب وراء قلق بلغاريا. ففي عام 1989 الماضي، وصلت اعتداءات البلغار على الأتراك حدًا اضطر معه 300 ألف تركي إلى مغادرة بلغاريا واتخذوا من تركيا منفى لهم. فالتعصبات القومية ليست موجودة فحسب، وإنما هي تزداد يومًا بعد يوم بسبب التغيرات الثورية في الاتحاد السوفييتي.

إنه لجاهل أشد الجهل حقًا.. ذلك الذي يقول بأن العالم قد دخل في فترة سلام، وأن مخاطر الحرب قد اختفت؛ فالواقع أن الأخطار المكبوتة ترفع رأسها اليوم. هناك عداوات قديمة بين الأرمن والترك، وبين الأرمن والأذربيجان في الولايات السوفييتية، وبينهم نزاع تاريخي. وهناك أيضًا تمييز بين الأتراك الذين يعيشون داخل روسيا؛ فالترك الأزبك يطالبون بكيان منفصل عن الباقين، ويخشون الانضمام مع بقية الترك حتى لا يفقدوا ذاتيتهم ويسيطروا عليهم. وكان هناك نزاع بين أوزبكستان والولايات التركية المجاورة، ولا تزال مستمرة منذ وقت طويل.

وفيما يتعلق بالتمييز العرقي فتعالوا نتطلع إلى أفريقيا. والواقع أن كل المنازعات والأخطار الموجودة فيها، كما قلت في خطبة سابقة، تعود إلى الحكم الغربي السابق في أفريقيا، حيث ميزوا بين الألوان، وفرقوا الأمم. جزأوا حتى الأمم التي تتحدث لغة واحدة. قسموا القبائل كي يزيدوا الفرقة بدلاً من إخمادها. وفي الوضع الحالي هناك مخاطر بين شعوب كانت في حماية السوفييت والأمريكان، وكانت بينهم نزاعات. والآن لن تستمر الحماية، ولسوف تطفو النزاعات إلى السطح. ومثالاً لذلك ما حدث في ليبيريا. كانوا يسيطرون على التفرقة القومية فيها إلى حد ما، ولكن عندما توقف التوتر بين البلدين الكبيرين بدأت هذه المخاطر تبرز فجأة وتعود مرة أخرى.

والآن ترتفع أصوات في أفريقيا باسم الديمقراطية وتحاول إدخال نظام الأحزاب المتعددة. ومن وجهة النظر السياسية تواجه أفريقيا مخاطر كثيرة. وبوجهة النظر السياسية أعني أي نوع من النظام السياسي ينبغي أن يقوم هناك. ومن وجهة النظر القومية أيضًا، وبالنسبة للخلافات على الحدود، ومن الناحية الدينية أيضًا.. هم يواجهون أخطاراً كثيرة. والمشكلة أنه حتى الآن لم تبذل مساع لإزالة هذه الأخطار.

من كل هذا يمكنكم أن تقدروا أنهم عندما يقولون بأنهم قد وحدوا العالم كله، وأطلعوهم على خطر العراق، وأن ما فعلوه إنجاز رائع لحماية السلام العالمي.. فكل ذلك قول غير حقيقي ودعاوي باطلة لا صدق فيها. وكل هذه الأخطار التي ذكرتها لكم ليست سوى أمثلة معدودة، وإلا فالأخطار تفوق الحصر، وهي كالأنعام المدفونة تحت الأرض في أماكن شتى؛ بعضها يصدر فحيحًا ويوشك على الانفجار، وبعضها سوف ينفجر بعد وقت ما. أما الانقسامات القائمة على الفوارق الدينية واللغوية والقومية، فهي مستعدة للعمل جهارًا نهارًا. وسأروي لكم أمثلة قليلة أخرى.

العداوات القديمة بين الشعبين التركي واليوناني كُبِتتْ لاشتراك البلدين في منظمة حلف الشمال الأطلنطي؛ فاليونان دولة أوروبية، وتعتبر تركيا أيضًا بلدًا أوروبيًا. ولأنهما عضوان في المنظمة فمن صالحهما في ظل التهديد الروسي ألا يسمحا بنشوب حرب بينهما. ولم ينته هذا الخطر بعد، بل لايزال موجودًا ولكنهم تجاهلوه بسبب المصالح المباشرة.

وقد سبق أن ذكرت المعارك في الهند حول اللغة، وهناك في سريلانكا حروب خطيرة بسبب الفوارق اللغوية والقومية.

وبالنسبة لموضوع التمييز العنصري فالعالم كله يخشى خطر اليهود كما كان يخشاه منذ آلاف السنين. والأمة اليهودية فيما يبدو تتصدر الصفوف الأمامية للقضاء على التفوق العنصري، ويقومون بدعاية كبرى في العالم للقضاء على التفرقة العنصرية وإزالة التعصب العرقي. وهم إنما يفعلون ذلك مخافة أن تقوم أمة بتسليط نقمتها على اليهود. ولكن الحقيقة بالنسبة لتفوق الأمة اليهودية على سائر أمم العالم أن مفهوم اليهود عن ذلك لا يقل أبدًا عن المفهوم النازي. لقد درست، ليس آدابهم المعاصرة، بل وتراثهم التاريخي من عهد سيدنا داود ، ووجدت في مادتهم الأدبية كما لو أن أمة اليهود خلقت للسيادة على العالم واستعباد الخلق! وما لم يدخل العالم كله تحت الحكم اليهودي فلا يمكن استقرار السلام. وهم أيضًا يتحدثون عن السلام، ولكن يبدو أن السلام في عيونهم هو ما يراه العالم طغيانًا واستبدادًا.

وفيما يختص بحماية القانون يحصل الزنوج الأمريكيون على المساواة مع البيض؛ ولكن هذا القانون لم يقض على التفرقة العنصرية. فالتمييز العنصري له قوانينه الفعالة والمسيطرة على سائر القانون. واعتبار السود في أمريكا اليوم متساوين مع البيض لهو الجنون بعينه. فليس لهم مساواة من أي وجه، ودفعوا بكل سبيل إلى الوراء، وكتبوا حتى ترسخت فيهم مشاعر الكراهية. عندما زرت أمريكا قال لي بعض الناس: إن جماعتك تنتشر ببطء في حين أن جماعات أخرى تكسب انتشارًا أوسع.. فلماذا لا تتبع وسائل مشابهة لهم؟ فقلت لهم: إني جئت إلى هنا لأجاهد هذه الوسائل.. وسائل استثارة المشاعر المكبوتة باسم الدين، وتحويل الشرر إلى شعلات. هذا يلائم مزاجهم. ولو أن الجماعة الإسلامية الأحمدية شرعت تعلمهم البغضاء، وتلعب على وتر مركبات النقص فيهم، وسعت لتحويل الجمر إلى لهيب متأجج.. لتفوقت على جميع الفرق بسبب حسن تنظيمها، ولفازت بسود أمريكا جميعًا. ولكننا لا نريد نصرًا عدديًا، ولا يهمنا فوز كمي.. يترتب عليه أن تكره أمةٌ أمةً أخرى، ويتحول السلام إلى نار الحرب. إن مفاهيم الإسلامية الأحمدية مختلفة تمامًا عن هذا. إننا إذا لم نفز اليوم فسوف نفوز بعد قرنين أو أربعة قرون أو بعد ألف سنة.. ولكننا سنحصل على ذلك النصر الذي هو نصر محمد رسول الله ، نصر أخلاقياته، نصر تعاليمه، نصر القرآن المجيد. هذا هو النصر الذي له قيمة واحترام في قلوبنا. وكل نصر آخر فهو نصر الظلم والقسوة، وهو نصر القوي الشيطانية.. ولا رغبة لنا فيه؛ بل الأحرى أننا خُلقنا للقضاء عليه، وبُعثنا لمعارضته ومحاربته.

فالتعصب الجنسي موجود في أمريكا، شمالها وجنوبها. أما عن الهنود الحمر فقد أُبيدوا عمليًّا من فوق الأرض، ولكنهم لا يزالون موجودين بأعداد كبيرة في أمريكا الجنوبية، ويمثلون في بلاد كثيرة أغلبية عددية مقارنة باللاتين، مع أنهم اضطهدوا واعتدي على حقوقهم حتى صاروا يزدادون ميلاً إلى العنف كل يوم. وتتصاعد هذه الحركات فيما بينهم وترمي إلى الانتقام، ولسوف تقع انفجارات غدًا إن لم تقع اليوم. ونتيجة لهذه الميول المتفجرة.. تتفجر القنابل في أماكن شتى، وتقضي على أرواح المواطنين البريئة، ويعكرون صفو الأمن بين الجماهير. وما دمت تقف بالخارج مع المتفرجين، ولم تلتفت إلى الأسباب التي تنمي تلك الميول.. فمهما تدين الأفعال وتشجبها بالكلام، فلن يكون بوسعك حل هذه المشاكل، وبمجرد الإدانة على نطاق واسع والانتقاد الشديد لن تحقق شيئًا.

مخاطر التمييز العنصري منتشرة في العالم طولاً وعرضًا. ومثالاً لذلك خذ دولة يوغوسلافيا التي تتكون من ست جمهوريات فدرالية، تستشعر كل واحدة منها بالقلق من الأخريات، وتسعى لتنأى بنفسها عن بعضها البعض. اثنتان منها مستقلتان، واثنتان أخريان تتبعان العقيدة الكاثوليكية. وعلى الرغم من العقيدة الكاثوليكية، وعلى الرغم من الحكم الشيوعي لمدة طويلة إلا أن الكاثوليكية لا تزال تتمتع بقوة كبيرة حتى اليوم.. أعني أنها متواجدة كقوة سياسية، ولا ندري إلى أي مدى هي موجودة كدين. وجمهوريتا سلوفينيا وكرواتيا هما الأغنى والأكبر بين الجمهوريات، وأصبح من الجلي تمامًا الأغنى والأكبر بين الجمهوريات، وأصبح من الجلي تمامًا تميزهما كحكومتين مستقلتين. ويوجد في الجنوب مقاطعة مسلمة في صربيا، ومقاطعة أخرى هي كوسوفا متوهيجا. وفي كل منطقة تتحدث الألبانية تجد الغالبية مسلمين. في هذه المناطق اجتمع الدين والقومية مع الاضطهاد القديم الذي قاسوا منه، ويثيرهم لطلب الاستقلال. وهناك حركات بدأت، وتتخوف الحكومة المركزية اليوغوسلافية من الخطر من جانب المناطق الإسلامية، ويضعون عليها يومًا بعد يوم مزيدًا من القيود حتى أصبحت زيارة هذه الأماكن أشد صعوبة. وهناك حرية نسبية في بعض الأماكن الأخرى. ولقد أرسلنا مؤخرًا إلى هناك وفدًا ليشارك في معرض للكتب، وأخبرنا الوفد أنهم لم يتمكنوا من الذهاب إلى المناطق المسلمة، وتمكنوا فقط من الاتصال ببعض المسلمين الذين يعيشون في مناطق أخرى. والسبب وراء ذلك أنهم يضعون قيودًا شديدة على المناطق المسلمة.

ثم هناك النزاعات على الحدود بين الدول. ونزاعات ترتبت على احتلال أمم لأمم أخرى وابتلاعها لها نهائيًا. وإلى المدى التي تصل إليها الأمور التاريخية، وحتى لو لم نلمسها واكتفينا بالأحداث قريبة العهد.. نجد أن سلام العالم مهدد بمخاطر شديدة من جراء هذه المنازعات. فمثلاً هناك احتلال الصين للتبت. لقد احتلت الصين بلاد التبت عن طريق القوة. ولطالما صاحت الهند وسعت لطرد الصين من هناك، ولكن حكومة الصين لم تدع أي محاولة تنجح بهذا الصدد. وما يذاع من الصور في التلفزيون هنا، لو كانت صحيحة وليست من قبيل الدعاية فحسب.. يكشف عن أن الصين ترتكب كثيرًا من الفظائع ضد أمَّة التبت.

والآن لو فكرتم في احتلال العراق للكويت.. لماذا لم يقارنوا بينه وبين احتلال الصين للتبت؟ والواقع أن هناك فروقًا قومية وعنصرية ودينية وفروقًا أخرى كثيرة تجاهلوها وسحقوا الأمة هناك؛ أما في حالة العراق والكويت فأمة مسلمة احتلت دولة مجاورة على أساس أنه لا فرق بينهما من الناحية العملية.. فكلاهما عرب، وكلاهما مسلم، وفي التاريخ القريب كانت الكويت جزء من العراق اقتطعته حكومة الاحتلال البريطانية وفصلتهما عن بعض؟ نحن لا ننصح أبدًا بنبش القبور القديمة، ولكني أرمي إلى بيان أن هذا الاتحاد العالمي بين القوى لمعارضة احتلال الكويت ليس مبنيًا على البر والتقوى ومبادئ العدل.

وعندما احتلت إسرائيل الضفة الغربية لنهر الأردن.. لم يعر أحد منهم أي انتباه لذلك، ولم يفكر أحد في أن ذلك يعرض سلام العالم لأشد المخاطر. إنها الأنانية التي تحكم عالم اليوم، وهي التي تخلق الأخطار. تميل الأمم الكبرى إلى كبت هذه المخاطر دون علاج، تستخدمها في سبيل مصالحها السياسية، وتستمتع بفكرة أنه لو أساء الزعيم الفلاني تصرفه، أو لو غيرت الأمة الفلانية لونها معنا، فإننا في هذه الحال نثير الأخطار المكتومة، نوقظ البراكين المدفونة لتتفجر وتلقنهم درسًا يعلمهم عواقب الاختلاف معنا. وتلاحظون الآن ما حدث عندما تعاملت العراق مع أمريكا بشيء من الخشونة!

والجماعة الإسلامية الأحمدية، المؤسسة على العدل، لم تساند إيران ولا مرة واحدة عندما احتلوا السفارة الأمريكية بلا مبرر. إن الحرمة التي أقامها مولانا محمد المصطفى للسفراء، والتعاليم الرائعة التي قررها بالنسبة لهم.. لا يجوز لأي حكومة تجاهلها، لذلك لم نؤيدهم أبدًا. وأيضًا من الخطأ الظن بأنه كان عدوانًا من جانب واحد. فعن طريق شاه إيران ما برحت أمريكا تطلق العنان للفظائع ضد شعب إيران، وجعلت منهم هدفًا للقسوة والظلم حتى أثمرت هذه المعاملة نوعًا من الاضطراب في توازنهم الفكري. وعندما يستثار حماس الانتقام.. لا يمكن لأحد أن يوجهه إلى الطريق الصحيح! الانتقام عندئذ لا يرى ما هو الإجراء المتزن، بل يثور كالطوفان؛ ولا يمكن للطوفان أن يبقى محصورًا بين ضفتي النهر. إن الطوفان يعني فيضان الماء فوق الضفاف. وهكذا تفيض عاطفة الانتقام فوق الحدود. ونتيجة لها تقع التجاوزات التي شهدتموها.

ثم جاء انتقامهم من إيران مستخدمين العراق وسيلتهم لذلك. استخدموها بناء على وجود نزاع تاريخي على الحدود بين البلدين، إذ لم يتفقا على أين تنتهي حدود إيران وأين تبدأ حدود العراق. كانت هذه الخلافات محفوظة في ذهن هذه البلاد الذكية المتقدمة، فاستغلوها في هذه المناسبة، وشجعوا العراق ووعدوه بالمساعدة.

وعندما قلت في كتابي (القتل باسم الدين) إن الحكومة السعودية ساعدتهم في ذلك، وأنها التي حرضتهم.. تساءل بعض الناس: ما دليلك على هذا؟! لعلها تخمينات من عندك. الآن أصبح الدليل واضحًا كالشمس. الآن تعلن السعودية على دقات الطبول أن العراق بلد ظالم. لقد أعطيناهم القوة ليحقوا، ونحن الذين ساندناهم ضد إيران.. والآن ينظرون إلينا نظرة العداء. لقد انكشفت الحقيقة أمام العالم.

أقول إن الأخطار كبتت في أماكن شتى. وهناك المخاطر على مختلف أنواعها، والنزاع في كشمير واحد منها، وهناك نزاعات كثيرة أخرى. هذه الأمم الكبرى تعرف وترى هذه الأخطار المكبوتة، وكما يرسمون الخرائط التي تبين مواضع المعادن في باطن الأرض كذلك يرسمون الخرائط السياسية. هذه الأمم المتقدمة الذكية.. لديهم خرائط رسمية، ويعرفون متى يثيرون الأخطار، وأي القنابل يفجرون. وتبقى هذه الأهداف في أذهانهم محفوظة لمؤامرات الانتقام في المستقبل، وتظهر على السطح عندما تدفعهم بعض مصالحهم الأنانية لاستغلالها، ومن دون ذلك تبقى في أذهانهم كجزء من الدبلوماسية الغربية.

والجانب المحزن أن البلاد الإسلامية قد تورطت في هذه السياسة نفسها. ولسوء الحظ أن البلاد الهندية أيضًا وقعت في نفس الفخ، والبلاد البوذية كذلك انغمست في السياسة عينها. وهكذا سيطرت السياسة الظالمة على العالم بأجمعه اليوم، وتبني عليها قواعد الأنانية والمظالم.

وما دامت تلك النزعات لم يُقض عليها بعد.. لا يمكن للعالم أن يدخل في عصر السلام، ولن تبرح ظلال الحرب جاثمة على العالم، أو بالأحرى، بعد أن وصل الاتحاد السوفييتي إلى اتفاق مع الولايات المتحدة، فإن الأخطار الصغرى سوف تشب بقوة أعظم، وستكون كالبراكين التي لا يستطيع العالم أن يمنعها من قذف الحمم.. لأن مصالح بعض القوى ترغب في استمرار حدوث شيء من الاستفزاز في مكان أو آخر. وكما يقول غالب، شاعر الأردو:

إن استثارة الجميلات سوف تدوم.. ولم يكن هناك لقاء.

فيا غالب.. دع هناك، على الأقل، شوقًا بلا إشباع..

فتلك الأمم الكبرى، التي لم تكن بينها محبة، لم تتوقف قط عن استفزازاتها. والآن، بعد أن دخلوا في السلام فيما بينهم، أصبحت الأمم الصغرى جميلات بالنسبة لهم، لا يستطيعون لقاءهن، وإنما يبقى شوقهم للتطفل عليهم والتدخل في شئونهن. وموضوع هذا البيت من الشعر لا ينطبق على الموقف 100 بالمائة.. لذلك لا بد من تعديله قليلاً كي يتفق والحال. فعندما تثار مشاعر الشوق بين المحب والمحبوب، تكون المعاناة دائمًا من نصيب المحب.. لأن المحبوب هو الأقوى والمحب تنقصه القوة. المحبوب يملك دائمًا سلطانًا على المحب. والفرق في كلمات الشعر يخبرنا أن المحبوب ينبغي أن يسيطر على المحب المشبوب بالعاطفة. والموضوع هنا ليس من أثر المحبة الشديدة والمحب المشبوب، ولكنه موضوع السلطان والخضوع، وموضوع القوة والضعف. فإذا كان هنا استثارة من الجميلات.. فلسوف يكون الندم من نصيب الضعفاء. لن يكون الندم أبدًا حظ المحبوب، ولكنه دائمًا حظ المحبين. وسوف يكون هناك ندم كثير من نصيب الأمم الصغيرة الفقيرة. وهؤلاء الناس لن يوقفوا استفزازهم.

وواجب الجماعة الإسلامية الأحمدية إذن.. أن تجعل ساسة العالم تدرك تعاليم سيدنا محمد المصطفى . وعلى الأحمديين أن يبدأوا الجهاد في كل بلد يعيشون فيه، ويخبروا الجميع بأن تحليلاتنا النهائية تنبئ أن الأنانية والظلم هي أساس مخاوفكم. أُدخلوا في أي اتفاقيات شئتم، وارسموا من الخرائط كيفما يحلو لكم.. ولكن ما دمتم لا تلتفتون إلى العدالة الإسلامية، وما بقيتم لا تعوذون بأخلاقيات المصطفى .. الذي بعث رحمة للعالمين، وتعاليمه وحدها هي القادرة على منح السلام لبني البشر.. فكل ما عدا ذلك أوهام وأباطيل، وشرور سياسات، ومكائد دبلوماسية، وعارية عن الحقيقة.

ولإرساء دعائم السلام العالمي.. على الجماعة الإسلامية الأحمدية وحدها أن تضع أساس الجهاد العالمي في مساراته الصحيحة. ولذلك أود أن أذكركم جميعًا بالشروع في الجهاد ضد التعصب في أنحاء العالم، ولتبدأوا الجهاد حتى يزول الطغيان والظلم من الدنيا. يجب أن تشرعوا في الجهاد لدفع السياسة نحو العدالة. ولو تم ذلك فسوف يحدث تغير ثوري في تفكير الأمم المتحدة، ويؤلفون لجانًا كثيرة للتفكر في صنوف المخاطر التي ذكرتها لكم، يبدأون في العمل على إزالتها جميعًا. وسيجدون في أنحاء العالم قضاة شرفاء محايدين ممن تقاعدوا، ولا يرتاب في حيادهم ونزاهتهم أحد.

هناك على سبيل المثال القاضي دوشين (Doshane)، الكندي المعروف بعدالته. وهناك في باكستان القاضي الزرادشتي دراب بتيل.. الذي استقال من منصبه لأنه وجد تصرفات منافية للعدالة بعد الانقلاب العسكري، وهو من وجهة نظر العدالة في مقام التقوى. وكلمة التقوى لها معنى واسع، وتنطبق بالفعل على القيم غير الدينية أيضًا؛ ذلك لأن القيم الأخلاقية الطيبة تنتمي في صورتها النهائية إلى الله تعالى وحده. فالقاضي الذي يسمو على سائر المصالح والتأثيرات.. نستطيع أن نصفه بالتقوى من جهة عدالته. وإذن سوف يجدون قضاة أهل تقوى في باكستان والهند وإسبانيا وغيرها. عندما كنت في زيارتي لإسبانيا والبرتغال قابلت قاضيًا متقاعدًا، لم ينل نظرة التقدير والاحترام اللائقة به من الحكومة البرتغالية لأن الأمم المتحدة عينت الرجل مسؤولاً للنظر في الأمور الدولية والفصل في المظالم. وكانت بعض أحكامه ضد البرتغال. عندما قابلته قال ضاحكًا: “أنت تروي لي الفظائع التي ترتكب ضدكم؟ حسنًا، سوف أرفع صوتي ضدها، ولكن أي الآذان تسمع؟! إن البلد الذي أعيش فيه، وكنت قاضيًا به طول حياتي.. لا يعاملني الآن بإنصاف، وكل أمم العالم قائمة على الظلم”. وتحدثت معه طويلاً في جو ودّي. وهو رجل متقدم في السن، والناس يحترمونه لقيمه الإنسانية، وإن كان مستبعدًا من لعبة السياسة.

نعم، يمكنكم أن تجدوا أمثال هؤلاء القضاة المتقاعدين العادلين الشرفاء، ذوي السمعة العالمية الطبية؛ أو بعض السياسيين الذين ولدوا بسمعة العدل، والذين ينبغي انتقاؤهم على هذا الأساس، وليس على أساس حزبي. لو يصطفى أناس من هؤلاء بناء على وجهة نظر العدالة، وتعرض عليهم الأخطار التي يتعرض لها العالم في لجان متنوعة، ومن شتى الفئات، تعزم على التفكر في الأسباب الأساسية لهذه النزاعات العالمية، وتبذل أقصى الجهد لتفهم جوهر النزاعات والوصول إلى أعماقها، يتوضح الأمر للأمم المتناحرة وللدنيا بأجمعها وللرأي العام العالمي.. أن هذه هي المنازعات وأسبابها، وهذا ما فعلته اللجنة بهذا الصدد، وهذه هي الصورة الحقيقية التي تبدو أمامنا. ليس بوسعكم التفكير في الحلول فجأة في هذه المرحلة، لأن بعض صنوف المنازعات متشابكة عند الأعماق؛ ولكن لا بد من إيجاد حل لها.

إن بوسعي أن أرى الأمم التي ترى الخطر من العراق اليوم ألف خطر ينتشر في جوانب الدنيا، إذا كانوا حقًا راغبين في سلام العالم، فكما سبق أن نصحت لهم، عليهم أن يستقروا على العدالة.. عدالة الإسلام التي لا تميز بين شرق وغرب، ولا تفرق بين شمال وجنوب، وإنما تضع مفهوم العدالة ورب العدالة Y نصب عينها. وبانتهاج هذه العدالة.. لو أنهم حاولوا حل المنازعات العالمية.. فإني أؤكد لكم أن الدنيا عندئذ تفوز بالسلام. ولكن لا يمكن التوصل إلى هذا السلام إلا عن طريق اليد الودودة الحانية.. يد سيدنا محمد المصطفى رسول الله تعالى، لأنه النبي الوحيد الذي أعلن الله تعالى أنه المبعوث “رحمة للعالمين”. فالذي بعثه الله رحمة للعالمين.. لكل أمم الأرض.. ولكل العوالم.. إذا لم تسألوه، وإذا لم تنتفعوا منه.. فكيف يتأتى لكم أن تنالوا السلام العالمي؟! يجب على الجماعة الإسلامية الأحمدية أن تشرع في الجهاد العالمي عسى الله تعالى أن يكون معنا! آمين!

Share via
تابعونا على الفايس بوك