أزمة الخليج ومسؤولية العالم الإسلامي
التاريخ: 1990-08-03

أزمة الخليج ومسؤولية العالم الإسلامي

حضرة مرزا طاهر أحمد (رحمه الله)

حضرة مرزا طاهر أحمد (رحمه الله)

الخليفة الرابع للمسيح الموعود (عليه السلام)

 

خطبتا جمعة ألقاهما سيدنا مرزا طاهر أحمد أيده الله، الخليفة الرابع لسيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود ، بتاريخ 3 و17 أغسطس 1990 في المملكة المتحدة. [المحرر]

 خطبة يوم ۳، ۸، ۱۹۹۰ أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ .

وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (الحجرات: 10-11).

منذ السنوات العشر الماضية تتنزل المصائب على العالم الإسلامي، ولا تزال الأمة الإسلامية تعاني باستمرار كثيرًا من المحن؛ ولو كان هذا الشقاء ينزل على المسلمين من خارجهم لكان شيئًا مؤلـمًا، ولكن الأشد ألـمًا، ولا شك، أن عالم الإسلام أنفسهم هم المسئولون عما يصيبهم من بلاء. لقد انقسم العالم الإسلامي إلى قسمين لسنوات طويلة. فريق منهم دأب على خلق الشقاء والمصاعب أمام الفريق الآخر من عالم المسلمين. لقد زودت الثروة البترولية مزايا كثيرة لعدید من بلاد المسلمين، ولكنها في الوقت نفسه أحدثت بعض الضرر كذلك. ومن بين الأضرار، بل وأعظمها أنهم بالتدريج فقدوا روح التقوى، وحول الثراء الدنيوي انهماكهم ناحية الدنيا تمامًا. ويسجل المؤرخون هذه الحقيقة قائلين: إن علامات التقوى كانت موجودة في بلاد الإسلام عندما كانت فقيرة، ولكن يبدو كما لو أن ثروات البترول قد أحرقت تقواهم. وقامت حكومات المسلمين على أساس علماني دنيوي، مع أن مسئوليتهم الأولى أن يسلكوا سبل التقوى، وأن يدعوا مواطنيهم لمراعاة التقوى، وأن يحسموا الخلافات المتبادلة في عالم الإسلام من خلال التقوى، كما عليهم أن يقيموا العلاقات على أساس التقوى، وأن يحلوا المشاكل بروح التقوى. ولكن الحال ليس كذلك.

القرآن الكريم تعاليمه عالمية، وقد لمس كل مشكلة محتملة ووصف لها العلاج المناسب أيضًا. فعلى سبيل المثال، نظر القرآن الكريم بعين الاعتبار إلى إمكان وقوع خلافات بين البلاد الإسلامية، قد تصل إلى حد أن تعتدي بعض البلاد على الأخرى، وأن تتعارك البلاد الإسلامية وتتنازع فيما بينها. وعن هذا الاحتمال قال القرآن الكريم:

وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ،

إذا ما نشب مثل هذا النزاع بين قوتين مسلمتين، كان الواجب على العالم الإسلامي بأجمعه أن يشترك ويسعى لإقرار السلام بينهما.

فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ ..

فإذا أصرت إحدى القوتين على التمرد ولم تتوقف عن أعمال العدوان.. فإن الحل لذلك الموقف هو أن تتحد كل بلاد المسلمين وتكون يدًا واحدة لتخضع الفئة المتمردة وتقهرها. فإذا أبدت هذه الفئة استعدادًا للنزول على أحكام الله تعالى وقبول أوامره.. يجب أن تتوقف أعمال القتال على الفور دونما تجاوزات ضدها، وتبذل الجهود من جديد لإقرار السلام بين الطائفتين المتنازعتين.

ويجب عليكم أثناء ذلك أن تكون جهودُ المصالحة جارية .. وفي حسبان الجميع تقوى الله والقسطاس المستقيم. ويعظ القرآن هنا مرة ثانية باستخدام العدل لأن الله تعالى يحب المقسطين.

ثم يقول القرآن المجيد: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ .. فاذكروا هذه الأخوة بين المؤمنين وإذن فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكمْ .. أي ينبغي أن توطدوا السلام بين إخوتكم.. وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ .

وفي ضوء هذه الآيات.. يتضح ويتأكد أمرٌ واحد.. ذلك أن عالم الإسلام لم يضع هدي هذه الآيات القرآنية في اعتباره، لو أن قوى الإسلام حاولت حل خلافاتها في نور هذا التعليم القرآني الواضح، ولما شبت تلك الحرب الدموية الفظيعة التي طال أمدها بين العرب وبين إيران، ولتوقفت بعد شهور قلائل على الأكثر. المشكلة أن العرب يريدون الأمور بتشكيل تجمعات لمصالح أنانية ولا يحافظون على روح التقوى. فمثلاً انقسمت البلاد العربية على نفسها وتحاربت لإحدى عشرة سنة، وكانت بعض القوى تساعدهم، ولكنهم تجاهلوا المبدأ الإسلامي الذي يقضي بأن يتخذوا قرار موحدًا، وأن يعلنوا الحرب جبهة واحدة ضد الجانب المعتدي. لو أنهم فعلوا ذلك ما كان هناك ما يسمى حرب العرب وإيران. كان على كل البلاد الإسلامية: باكستان وإندونيسيا وماليزيا وغيرها وبلاد شمال أفريقيا أن توحد قوتها وتوقف عدوان الجانب المعتدي.

وثمة موقف مماثل مؤلم أمامنا اليوم بعد أن توقفت الحرب بين إيران والعرب، فها هم العرب قد انقسموا على أنفسهم، وهاجمت دولة عربية مسلمة دولة عربية مسلمة أخرى. وهناك جامعة الدول العربية التي تأسست لتنظر في مثل هذه المسائل.. سمعت تصريح أحد ممثليها في برنامج تلفزيوني، واندهشت من أنه على الرغم من طول التجربة المؤلمة التي عانوها إلا أنهم لم يستعملوا عقلهم بعد، وبدلاً من تطبيق المبدأ القرآني فإنهم يعرضون بعض المقترحات للتوفيق. أما الاعتداء الأعظم فيتمثل في أن بعض البلاد التي لها علاقة بالإسلام.. قد اتحدت وأخذت أهبتها للتدخل في النزاع، وأن بعض البلاد الإسلامية تدعوهم للتدخل.

لقد شاهدت في التلفزيون مقابلة مع خبير غربي أعلن فيها أنه بسبب الحرب الجارية بين العراق والكويت نشأت دائرتان مرکزیتان.. إحداهما صغيرة، وهي دائرة العالم الإسلامي؛ والأخرى كبيرة، وهي دائرة العالم بأجمعه. قال: نحن ننتظر ونأمل أن تتنبه الدائرة الإسلامية إلى مركز النزاع وتنجح في وساطتها، ولكننا لا نرى احتمالاتها، وإنما هناك احتمال بضرورة تدخل الدائرة الكبرى في النزاع.

وفي هذه الخطبة الوجيزة أود أن ألفت انتباه العالم الإسلامي إلى ضرورة العودة إلى تعاليم الإسلام التي يمكن أن تحل لهم مشاكلهم. إنه لمن العار والضرر أن يتدخل العالم كله في شئون بلاد المسلمين، ويلعبوا بهم وكأنهم أحجار الشطرنج، ويستخدموا بعضهم ضد بعض كما كانوا يفعلون في الماضي. الواقع الحاضر هو أن المسلمين يستخدمون ثروتهم ضد إخوانهم. إن البترول الذي منحهم الله كبركة لعالم الإسلام؛ البترول الذي أتى برسالة: التقدم العظيم للأغيار، وبفضله تجرى عجلات صناعاتهم.. كل مصادر الطاقة تتواجد جذورها في بلاد المسلمين وتخلق لهم وسائل الانتقام.. هذا البترول تستخدمه البلاد الإسلامية ليحرق بعضهم بيوت بعض ويحولوها إلى رماد. هذا هو الواقع الذي لا تجد له تفسيرا آخر.

لا يزال هناك بعض الوقت، إذا اتبع عالم الإسلام سبل التقوى، وعزموا على السير بحسب تعاليم القرآن فإن ذلك يسد الطريق أمام أي قوة غير إسلامية، فلن تسعى للتدخل في شئون بلاد الإسلام. إن العمل بحسب الآيتين القرآنيتين، أساسي في حصر النزاع داخل العالم العربي، ذلك النزاع الذي انفجر بطريقة منذرة بالخطر الشديد. وذلك أنه لو خرج العالم الإسلامي من هذه المشكلة، وجعلها العرب محلية لا علاقة لها بالإسلام.. فإن يد المعونة الإلهية سوف ترفع عنهم. ففي تعاليم القرآن ليس هناك ذكرٌ لدولة معينة. الهديُ الذي يسوقه القرآن يذكر المسلمين على أنهم جماعة، وأنهم جميعًا إخوة.. فالمشكلة ليست عربية بأي حال من الأحوال.. إنها مشكلة العالم الإسلامي.. إنها تتعلق بإندونيسيا تمامًا كما تتعلق بباكستان، أو الجزائر، أو ماليزيا أو غيرها من بلاد المسلمين. ينبغي أن يتشكل مجلس من كل هذه البلاد ليضع التدابير الضرورية لإجبار الأطراف المتنازعة على التصالح. وإذا لم يُبدوا الاستعداد للتصالح فينبغي إذن أن تستخدم كل القوى الإسلامية ضد القوة العاصية، وعليهم أن يطالبوا كل القوى غير الإسلامية بأن يرفعوا أيديهم عن المسألة، وألا يتدخلوا في شئونهم. ويقولوا لهم إننا باتباع تعاليم القرآن.. نحن قادرون على حل مشاكلنا وحسم نزاعاتنا.

ولكننا للأسف لا نرى ما يدل على اتباع هذه التعاليم أو العمل بمقتضاها. إن واقعة الحرب بين العراق والكويت.. أو نقول الهجوم العراقي على الكويت.. تحمل في طياتها كثيرًا من المخادعة ونقض العهود. إنها ليست خلافًا بين العرب وحدهم، ولكن دولاً بترولية إسلامية أخرى متورطة في هذا الأمر. فمثلاً: إندونيسيا كانت تشكو بشدة من الإخوة العرب المسلمين الذين يؤلفون منظمة الأوبك.. أنهم أنفسهم ينقضون الاتفاقات في الخفاء، ومن ثم فإن كل نفع يمكن التوصل إليه عن طريق القرارات الجماعية ينقلب إلى خسارة.. وبعد ذلك تلجأ كل دولة إلى وسيلتها الخاصة، وتحاول بيع بترولها سرًا لتجمع أكبر قدر من المال. وهكذا نجد نقصًا في التقوى خلف هذه الأعمال. فهي ليست مسألة حرب بين العراق والكويت، ولكنه ضعف التقوى فيما بينهم من تعاملات.

ومهما كانت، وأي منظمات دولية تقوم لعلاج المصاعب المترتبة على هذه الحرب بين الدولتين، أو هجوم دولة على أخرى، فعليها أن تصل إلى أعماق النزاع، وأن تمحص الأسباب التي تنشأ عنها تلك المواقف الخطيرة من حين لآخر، وأن يضموا إليها إيران على قدم المساواة، ولا تبقي بلدًا مسلمًا خارج هذا الأمر. إذا أمكنهم فعل ذلك.. فكما يقول القرآن الكريم: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ .. فإن محبة الله سوف تظاهرهم، وينالون العون الإلهي ويفلحون في جهودهم، ولا ريب.

وقول الله تعالى:

إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ

يعني ضرورة إقامة أواصر المحبة بين الإخوة.. فهم إخوتكم وإخوة لبعضهم البعض. فاتبعوا سبل التقوى لأن رحمة الله من نصيب أهل التقوى. ومن ثم فكل أمر يتعلق بالإسلام أو القرآن لا حل له بدون التقوى.

لقد أوجز سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود تحليل جميع المصاعب التي تواجه المسلمين في كلمات قلائل، ولكنها تحتوي على تحليل يحيط بكل المواقف.. قال حضرته: «لقد ضلوا عن سبيل التقوى».

فاسم الإسلام باق، ولكن لم تعد هناك تقوى، لقد ضاعت منهم. وإذا ضاع طريق التقوى فلا يبقى شيء سوى التجوال في متاهات الأدغال وكثبان الصحراء.

ولكوني إمام الجماعة الإسلامية الأحمدية.. أقدم نصيحة متواضعة، ولكنها مؤكدة إلى جميع إخوتنا المسلمين، بغض النظر عن أنهم يعتبروننا إخوة لهم أم لا: إن أمة سيدنا محمد تتعرض لأشد الأخطار. كل القوى المناهضة للإسلام تتلمس الذرائع لتتدخل حتى في الأمور البسيطة. ولقد مضى عليكم دهر طويل وهم يتلاعبون بكم بين أيديهم كقطع الشطرنج لا حول لكم ولا قوة، ويضر بعضكم البعض. فعليكم من الآن أن تتمسكوا بالتقوى أشد التمسك.

إن أمة محمد المصطفى يُنظر إليها في العالم اليوم بعين العار، ويتخذون منها أضحوكة.. كل القوى العظمى في عالمنا تتطلع إلى العالم الإسلامي بالازدراء الشديد، ويشعرون أن دول المسلمين في قبضتهم كالفأر في براثن القط، بوسعهم أن يلعبوا بهم كما يشاءون، ووقتما يشاءون يمسكون بهم ويدخلونهم الحجر. هذا هو الحال المخجل الذي يمثل أشد العار، ولطخة فوق لطخة توضع على عالم الإسلام، ويتضرر شرف الإسلام ومكانته. فاتقوا الله تعالى، وارجعوا إلى تعاليم الإسلام، وليس لكم من ملجأ سواه.

وإني لأشعر بأن هذه المرحلة من المحن والانحطاط وما يرافقها من بؤس وشقاء.. ليست سوى ثمرة رفضهم للإمام المهدي والمسيح الموعود عليهم. لا شك في هذا أبدًا. ورسالتي الأخيرة لكم بهذا الصدد أن عليكم الإذعان لإمام الوقت عليكم بقبول كل من يقيمه الله لكم؛ فهو الذي لديه القدرة على قيادتكم، ومن دونه، تكونون كجسد بلا رأس. يبدو في الظاهر حيًّا، والأطراف تضطرب من الألم والوجع، ولكن الرأس هي التي جعلها الله لهداية الجسد وقيادته. فعليكم بالعودة وتوطين علاقتكم بالقيادة الربانية. بعد هجر القيادة التي أقامها الله تعالى لا سبيل لكم إلى السلام والرخاء. لقد طال زمن المحن.. يجب أن تتوبوا إليه وتسعوا إلى غفران الله تعالى. دعوني أؤكد لكم.. أنه مهما كانت الأمور قد أوغلت في السوء.. لو أنكم سلمتم اليوم للقيادة التي أقامها الله تعالى فإنكم ستنهضون قوة عظمى في هذه الدنيا، بل وسوف تنشط تلك الحركة العظمى لسيادة الإسلام بحيث لن تستطيع قوة أخرى أن تحاربها؛ وما يتطلب قرونًا مديدة سوف يصبح مسألة عقود معدودة، ثم سنوات قلائل. وسواء أَلَحقتم بنا أم لا، فإن الجماعة الإسلامية الأحمدية تخاطر بالجسم والروح والمال، كما هو دأبها من تقديم التضحيات في الماضي والحاضر؛ لن تنفك عن تقديم التضحيات في الغد كذلك. ولسوف يُكتب شرف النصر النهائي من قدر الجماعة الإسلامية الأحمدية وحدها. فهلم لتكونوا من أهل هذا الحظ التاريخي الطيب المبارك.

عسى الله تعالى أن يوفقكم إلى فعل ذلك.

وعسى الله تعالى أن يوفقنا من خدمتكم.

لقد وُهبتم أفضل الخُدَّام الذين هم باسم الله تعالى وفي سبيله، وفي حب المصطفى ، مستعدون ومتشوقون في كل وقت عصيب أن يقدموا التضحيات من أجلكم.. ولكنكم لا تنتفعون بهم وتحرمون أنفسكم من خدماتهم. وإن هذا لمن سوء حظ العالم الإسلامي في الزمن الحاضر.

عسى الله تعالى أن يمنحهم الفطنة والفهم!

أما عن الجماعة الإسلامية الأحمدية فإن نصيحتي لكم.. أنه سواء انتفعوا بكم أم لا، وسواء عدوكم إخوة لهم أم لا.. فعليكم من خلال الدعاء أن تدأبوا على مساعدة أمة محمد ، وألا تنسوا أبدًا تعاليم المسيح والإمام المهدي :

يا قلب، تذكر دائمًا أن هؤلاء المعارضين ينتسبون إلى النبي الحبيب ، فمن أجل ذلك الحبيب كن دائمًا بهم رفيقًا.

عسى الله تعالى أن يوفقنا إلى فعل ذلك. آمين.

خطبة يوم 17 أغسطس ۱۹۹۰

الموقف في الشرق الأوسط يزداد سوءً يومًا بعد يوم. ومعظم سكان هذه المنطقة من المسلمين، ولذلك فمسلمو العالم قلقون حتمًا للوضع. كما أن الأراضي المقدسة العزيزة عند المسلمين، مكة والمدينة، حيث كان المصطفي يطأها بقدمه، وتعطرت أجواءها بأنفاسه المباركة، هذه المقدسات معرضة للأخطار والمؤامرات. ولذلك يحس المسلمون جميعًا بالألم العميق، ولكن الجماعة الإسلامية الأحمدية هي أشد الناس ألـمًا، لأنهم المسلمون حقًا، والممثلون المخلصون للإسلام اليوم.

وبقولي هذا قد يظن جاهل أن هذا تباهٍ أجوف، أو ادعاء صرف، أو أنه يؤذي مشاعر المسلمين الآخرين، الذين يحسبون أنفسهم حاملي لواء الإسلام المعتمدين، أو ملاك الترخيص المعتبرين، وكما لو كنا لا نحمل تعاطفًا صادقًا للإسلام، ولكنني عندما أحلل لكم الموقف سيتضح الموقف تمامًا، ويتبين أنه لو كان هناك في الدنيا جماعة تحس بالألم من أجل الإسلام فإنما هي الجماعة الإسلامية الأحمدية.

لقد أصبحت السياسة اليوم عفنةً وخاوية من العدل والتقوى، والدول الإسلامية التي تتعالى باسم الإسلام لا تبني سياستها على القيم الإسلامية، ولا على العدالة الإسلامية السامية، وإنما ترتبط بالمصالح والأنانية. ولهذا نجد تناقضًا بيّنًا بين ممارسات العالم الإسلامي. وكما فعلت الجماعة الإسلامية الأحمدية، أبدت كل الطوائف الإسلامية في العالم موقفًا أو آخر مع هذا الحليف أو غيره، واختاروا هذه أو تلك من الدول يؤيدونها، في حين أن متطلبات التقوى تقتضي أن يكون التأييد للقيم الإسلامية فقط. لو كان هناك حب صادق للإسلام لأخلصوا فقط لمتطلبات الإسلام، التي هي متطلبات القرآن المجيد، والتي هي متطلبات السنة المحمدية الشريفة.

ولو فكرنا في السياسات الحالية على ضوء تلك المتطلبات لوجدنا أنه لا سياسات المسلمين، ولا سياسات غيرهم تقوم على أخلاقيات سيدنا محمد . الدول الأخرى تدعي ادعاءات عريضة باسم العدالة، كما لو كانوا هم وحدهم المعنيون لتوطيد أركان العدل في العالم، ولولاهم وسلطانهم لاختفت العدالة من الدنيا. وتدعي الدول الإسلامية أيضًا ادعاءات ضخمة باسم الإسلام، ولكن بالنظرة الفاحصة ترى أن العدالة التي يقدمها القرآن المجيد معدومة في الفريقين كليهما. وسأتحدث الآن بصفة خاصة عن الموقف الذي نشأ حاليًا.

بناء على بعض الشكايات قامت العراق بالهجوم على دولة صغيرة مجاورة، وقبل أن تدرك الدنيا ما حدث، سيطرت العراق على البلد تمامًا. ونتيجة لذلك حدث هياج عالمي. والذين لم يحسوا من قبل بأي ألم من أحداث مشابهة في العالم، ولم يغضبوا ولم يسارعوا إلى تقديم المساعدات الاستثنائية، فجأة تجلى تعاطفهم مع الكويت متوهجًا بقوة شديدة، وأحدثوا اضطرابًا قويًا لا نكاد نرى مثيلاً له في التاريخ الحديث.

ولا أريد الحديث أكثر من ذلك عما وقع حتى اليوم، فالذين يقرأون الجرائد يعلمون بما جرى وبما يجري. ولكن أود أن أضع أمامكم أمورا قليلة، لأريكم إلى أي حد يحرص هؤلاء على متطلبات العدالة الإسلامية، أو إلى أي مدى تخلو السياسة المعاصرة منها.

عندما اتخذت أمريكا وحليفاتها ما ارتأته من خطوات لعزل حكومة بغداد وإجبارها على الخضوع، بدا أن هذا البلد الإسلامي الكبير سوف يواجه موقفًا بحيث لا يكون في استطاعته القتال. ولذلك ازداد اهتمامي تلقائيًا، ونظرت في الموقف نظرة عميقة، ما يجري من محادثات، وما يقترح من حلول. زار أمريكا مؤخرًا ملك الأردن حسين، وظن أنه يحمل خطابًا معه، ولكن اتضح أنه لم يحمل خطابًا بل رسالة شفوية وبعض المقترحات. وأثناء ذلك كانت لغة الحرب الكلامية في التلفزيون والراديو والجرائد فيما بين الرئيس الأمريكي والرئيس العراقي تبين خطورة الموقف، وكيف أن قادة الدول العظمى في العالم يتخلون عن الكرامة الإنسانية المعتادة، ويستخدمون لغة هابطة. يتعجب المرء كيف أنهم يتبادلون الشتائم، ويستعملون صفات من صنف: كذَّاب وغشاش وغير أمين وما إلى ذلك من سباب. والسبب وراء كل ذلك أن دولة مسلمة كبيرة احتلت دولة مسلمة صغيرة؟

لقد وقعت حوادث مماثلة بشكل أشد خطورة في أماكن أخرى من العالم ولا تزال تقع، بحيث لو أخذت تلك الحوادث بالاعتبار كانت الحادثة الأخيرة أقل أهمية بكثير. ولكن هناك بالتأكيد أسباب كثيرة وراء هذا التصعيد الاستثنائي السريع. على أي حال، ما أن وقع الاحتلال حتى كانت له ذيوله التي تبدت في ردود فعل متطرفة في العالم، ونتيجة لها أرسل الرئيس العراقي رسالة إلى الرئيس الأمريكي: أنك إذا أردت العدالة فينبغي أن تتبع العدالة في كل المنطقة. نحن على استعداد لإعادة الحكومة في القطر العربي الشقيق، ونعيد السلطة إلى الأسرة الحاكمة، ولكن ثمة مواقف مماثلة في المنطقة. هناك احتلال غير شرعي تم بمعرفتكم وتعاونكم وبالتحالف معكم ومشاركتكم، عليكم أن تساعدوا في تحرير المنطقة من الاحتلال. هناك مثلا احتلال الإسرائيليين للضفة الغربية بالأردن، ذلك الاحتلال الذي يزداد رسوخًا كل يوم، ويوطنون المهاجرون الروس. هذا احتلال من أناس يختلفون في كل شيء حتى في الدين، ويحمل لهم العرب عداوة شديدة. والمحتلون يشددون قبضتهم ويوطدون احتلالهم، وقيم العالم الغربي صامتة لا تبدي حراكًا نحو هذا، ولا تظهر العدالة الغربية أي اهتمام مطلقًا. فضعوا هذا أيضًا في الاعتبار. وهناك أيضًا سوريا الدولة الإسلامية التي أرسلت قواتها إلى لبنان واحتلتها، وتبعث جنودها لتفعل ما تشاء. فينبغي أن توقفوهم وترغموهم على الانسحاب. يجب أن تضعوا الأحداث التي تنتمي إلى نفس المنطقة في سلة واحدة.

هذا العرض العراقي له مبررات جيدة، ولو أنك تحدثت على ضوء متطلبات العدل فينبغي فعلاً أن تنظر في الأحداث التي وقعت بالمنطقة ككل.

وهناك نقاط أخرى تتعلق بالموضوع. إذا نظرت بمنظار التقوى والعدالة فليس هناك سبب مشروع لهجوم صدام على الكويت إلا لكي يحتل اليهود الضفة الغربية من الأردن ويضموها إليها بصفة دائمة، كما قيل في هذا الصدد.

وبالإضافة إلى ذلك نسب إلى العراق بعض أعمال العنف والعدوان. فمثلاً أذاعت وسائل الإعلام الغربي أن أحد البريطانيين قتل عند الحدود أثناء محاولته مغادرة البلاد. وهذه، إن صحت، حادثة واحدة، لو قورنت بما يحدث في لبنان أو في المنطقة التي دأب اليهود على ارتكاب اعتداءاتهم عليها، أو لو قورنت بهجوم إسرائيل على العراق وتدمير المفاعل النووي العراقي في وضح النهار بلا حياء، لو قورنت بكل هذه الأحداث ما كانت شيئًا يذكر. ولكن لم يرفع أحدهم عندئذ إصبعًا واحدًا، ولم يحرك الإعلام الغربي ساكنًا! عندما يقتل رجل واحد منهم تزمجر وسائل الإعلام في أنحاء العالم، ولكن هناك آلاف الناس العزل المضطهدين يرقدون عاجزين في المعسكرات، تقطع منهم الرقاب، وتحطم رؤوس أطفالهم بالأحجار، ويذبحون أمام عيون أمهاتهم الناحبات، ثم لا تنجو الأمهات من القتل بعد ذلك. هذه الأحداث الرهيبة وقعت في لبنان، ولم يرفع أحد منهم صوته ضدها هكذا.

السؤال الآن: هل هذه الأمور من العدالة أم هي شيء آخر؟ إذا كانت مبرراتهم قائمة على العدالة، فلا بد من أن تشمل العدالة كل نواحي العالم بنفس النظرة، فمعايير العدالة لا تتغير.

ونشروا إشاعات بأن جنود العراق أساءوا معاملة المضيفات البريطانيات واغتصبوهن، وهاجت أيضًا وسائل الإعلام. ولكن في الأشهر الماضية القليلة تعرضت کشمیر باستمرار لاعتداءات بالغة ضد المسلمين، وروت الصحف أحداثًا تقشعر منها الجلود، ولكنهم يغمضون عيونهم عن كل ذلك. وتلك الحادثة التي قيل إنها وقعت في العراق، واصطنعوا لها الصراخ والضجيج، تبين أنها كذبة مختلقة.

والعراق أيضًا لا يوفون بمتطلبات العدالة الإسلامية. الإسلام لا يسمح، حتى في حالة الحرب، أن يتخذ المواطنون المنتسبون الدولة محاربة رهائن للمقايضة والمساومة، ولا يجيز اضطهادهم بأية صورة تخالف التقوى. فالاضطهاد هو ضد التقوى على أية حال. الإسلام ضد كل تجاوز للحدود، تشهد بذلك كل وقائع النبي الكريم سيدنا محمد . لم يكن هناك حادثة واحدة تعرض فيها أبناء أمة يعيشون في بلاد المسلمين لأي بغي أو تجاوزات، وإن كانت أمتهم في حرب مع المسلمين. كانوا دائمًا أحرارًا، يتحركون كيفما يشاؤون، ولم يرتكب أحد من المسلمين ضدهم أي عمل ظالم، بل بالأحرى يوصي الإسلام بحماية أي إنسان إذا طلب الحماية وإن كان من الأعداء.

ولكن العراق تجاهلوا هذه القيمة الإسلامية الأخلاقية السامية، واعتبروا النزلاء البريطانيين المقيمين في العراق والكويت وكذلك الأمريكيين وغيرهم، ممنوعين من مغادرة البلاد، وحرموهم من الحياة العادية في مساكنهم، وحشروهم في فنادق معينة. ولم يسلم النزلاء من البلاد الإسلامية أيضًا من هذا القيد. ويتضح من تطور الأحداث أن هؤلاء النزلاء سوف يتخذون رهائن في العراق. فما الحديث عن القيم الإسلامية: إذا كانت الأمور ضد القيم المعروفة في العالم فأين القيم الأخلاقية؟

في عالم اليوم، سواء في بلاد الإسلام أو غيرها، لا توجد سياسة تفي بمتطلبات التقوى السامية، أو بمتطلبات الأخلاق الإسلامية العالية. هناك ثغرات واسعة في كل مكان.

وأخيرًا، اعتمادًا على قرارات مجلس الأمن، يحكمون الحصار على العراق من جميع الجهات. منعوا كل شيء يدخل أو يخرج من البلد. وبهذا يرتكبون نوعين من التجاوزات: أولهما أن مجلس الأمن لا يمكن أن يكون قد شمل في قراره المواد الغذائية أو ضرورات الحياة، والثاني أن مجلس الأمن لا يمكن أن يكون قد قرر إجبار كل بلاد العالم على المشاركة في المقاطعة.

وفي هذين المجالين تقوم أمريكا وبريطانيا بخداع مكشوف. فهم من ناحية يدّعون على العراق بارتكاب أفعال غير سليمة، ومن ناحية أخرى هم بأنفسهم يرتكبون أفعالاً غير سليمة، يغلفونها بلغة الدبلوماسية، فيخفون خطورتها، ولكنها في الحقيقة لو قورنت باحتجاز أربعة آلاف بريطاني، أو ألفين من الأمريكان، بل وقتلهم، لا قدر الله، لكانت هذه أخف كثيرًا من تلك.

وبيان ذلك أنه يدخلون الأردن في هذا الظلم. ودولة شرق الأردن كانت دائما مخلصة للعالم الغربي، بل كانت مخلصة لهم لدرجة مخجلة. كانت أشد البلاد الإسلامية في الشرق الأوسط إخلاصًا للغرب. ومع أن المملكة السعودية هي أيضا من المخلصين لهم جدًا، إلا أن ذلك ليس وفاء للغرب، وإنما لأن المصالح السعودية امتزجت بالمصالح الأمريكية حتى صارت اسمين لمسمى واحد. فالمسألة ليست وفاء ولكن شرق الأردن، الدولة الصغيرة، كانت معروفة بولائها للغرب منذ زمن طويل، ولها علاقات صداقة بل أخوة مع البريطانيين والأمريكان. وكانوا يضعون هذا البلد على رأس قائمة أصدقائهم في المنطقة، والمشكلة أن الأردن لو قاطعت العراق لتعرضت للموت، ولن يكون أمامها خيار سوى محاولة البقاء على حياتها. وهذه لا تستطيع صدها، لأنها لا تملك القوة ولو لبضع ساعات ولذلك تكون الأردن تحت هذا القيد.

ولكن الغرب تجاهل ذلك، وقرر جعل الأردن هدفا لتهديدهم إياها بالحصار إذا لم تشترك في مقاطعة العراق ولما كان الغذاء وضرورات الحياة تدخل في مسألة الحصار كان ذلك مؤامرة لقتل الناس جوعا بطريقة مؤلمة للغاية، وليرغموهم على فقدان شرفهم وكرامتهم أو التنازل عن مواقفهم.. بصرف النظر عن كون موقفهم عادلا أو غير عادل!!

ليس هذا فحسب .. بل هناك أهداف شريرة أخرى ترتعد لها الفرائض.. أين هي العدالة؟ إن السياسة الغربية وممارساتها الدبلوماسية تسمى في قاموس الإسلام (دجلاً) وقد مضت بلاد الغرب اليوم إلى أقصى حدود الدجل باسم الدبلوماسية والسياسة يغلفون جرائمهم دائما بتلك الأغلفة: رقة الكلمات، دعايات قوية تقدم كلامهم في صورة منطقية. هكذا الموقف من هذه الناحية.. فالأزمة تزداد عمقا يوما بعد يوم وهناك أخطار شديدة ترفع رؤوسها وتتضح ولكن هناك أخطارا أخرى لم ترفع رؤوسها بعد بحيث يراها الإنسان العادي، وإذا درستها بعمق فسوف تراها إذا نظرت إلى بركة ماء صغيرة فإنك ترى الماء أول الأمر، فإذا اقتربت رأيت السمك عند السطح، وكلما دنوت رأيت السمك عند القاع، ولم تكن تراه باديء النظر. وهكذا الأمور الدنيوية.. بالنظرة السطحية ينظر الأناس العاديون، ثم بعد ذلك يرون من السمك ما يرفع رأسه. أما إذا نظرت بعين المؤمن وبصيرة الذكي.. رأيت الموقف الصحيح إلى أبعد أعماق ومن هذه الزاوية هناك أخطار كثيرة لم تتضح بعد، ولسوف يبديها الزمن، ولكني أدعو الله تعالى أن يبعد تلك الأخطار التي تحوم حول رأس العالم الإسلامي!

وفيما يتعلق بالفرق الإسلامية وردود فعل المسلمين فهي ردود تعسة شديدة الخطورة. في إحدى خطبي الأخيرة أوضحت الأمر أمام العالم الإسلامي، وصرحت للجرائد.. وسواء نشرت تصريحي أم لا.. ولكني طلبت أن يرسل موجز هذه النصيحة أو المقترحات إلى قادة المسلمين. وخلاصة الأمر هو أن يعود الجميع إلى تعاليم القرآن الكريم.. لأنه يقول: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ .. أي أن أسلم طريق لحسم النزاع أن تعرضوا الأمر على الله ورسوله، والوجهة التي يوجهكم إليها القرآن وسنّة رسول الله ينبغي عليكم أن تسيروا فيها وفي هذا وحده السلام، وفي هذا وحده الحياة فبدلا من مسايرة ركب السياسيين العالميين.. سووا خلافاتكم معا، وعودوا إلى تعاليم القرآن المجيد، واستمدوا النور من النهج الذي يرسمه لكم القرآن ويوضحه ويبينه لكم، ليس هذا الأمر لأمة مسلمة واحدة، وإنما في حالة النزاع بين بلدين مسلمين بما يهدد بنشوب حرب بينهما.. يجب على كل البلاد الإسلامية أن تجتمع وتتشاور وتتدارس، وتبذل ضغوطها على البلد الذي يميل إلى الشر، عليهم أن يستمعوا للطرفين المتنازعين رغم كل محاولات الصلح، إلى العدوان والهجوم، فواجب المسلمين جميعا أن يقاتلوا هذا الباغي. ولم يرد في أي توجيه قرآني أن نلتمس المعونة من الآخرين لفض نزاع بين المسلمين.

إذا كانت هذه التعاليم في الحسبان لتغير الموقف وما صار إلى ما هو عليه من سوء وخطورة بالغة، إني أفهم القرآن بعون الله.. وأثق ثقة كاملة بأنهم إذا عملوا على ضوء تعاليمه.. ومهما كانت قوة الدولة المسلمة الباغية.. فإن اتحاد البلاد الإسلامية، مع ما يملكونه من قوة.. سيكون قادرا على إجبارها وكسر عدوانها وبغيها، إن هي استمرت على موقفها الباغي. لو لم يكن ذلك ممكنا ما شرع الله تعالى هذا التعليم، إنه تعليم من الوضوح والدقة واليقين والثقة بأنه مهما كانت الدولة المسلمة الباغية قوية.. وحاول المسلمون الآخرون تسوية الأمر طبقا لتعاليم الإسلام، واتحدوا جميعا، وضموا قواهم، فإنهم سيقدرون على إجبار هذه الدولة على الخضوع لقرارهم. إنها بشارة يحملها لنا القرآن الكريم لمن ينتفع بها ويطبقها.

ولكن الموقف الحالي أصبح خطيرا بعد أن دعت السعودية شركاءها للتدخل الفوري، وإرسال قواتهم.. فها هي قوات أمريكا وبريطانيا بدأت تصل إلى هناك، ويسعون للضغط على الدول الكبرى لتشارك بعض المشاركة ووصلت من الشرق والغرب وحدات بحرية، وقوات جوية وبرية والهدف أن تكون العراق في جانب والعالم في الجانب الآخر، وأن تعزل العراق وحلفاؤها كالأردن مثلا وهم يقولون إنها خطوة دفاعية، وسيحاولون اتخاذ خطوات أخرى للحد من الخطر ثم وقفه.

وهناك الدول الإسلامية التي وقع معظمها تحت ضغط القوى العظمى، وأجبرت أو تطوعت فأرسلت قواتها أيضا.. حتى بلغت الحماقة بدولة باكستان، فانضمت إلى الدول التي أرسلت جيشها إلى السعودية كي يقاتلوا إلى جانب القوات الأمريكية والبريطانية ضد الدولة المسلمة، وأصبح الموقف سريع التقلب.

إن التفكير بأن كل هذا الاستعدادات والخطوات لحماية السعودية فحسب حماقة كبرى. ولا يمكن تبسيط الأمور إلى هذا الحد، ويظن أحد أن العمليات الهائلة التي تجري، والحصار البحري من جميع الجهات، والخطط الحربية الخطيرة التي لم تستخدم في حرب سابقة.. كل هذه الأسلحة الحديثة التي تجمع هي لمجرد حماية المملكة السعودية من العراق.

إن الخطر الذي أخشاه أنهم بحجة الدفاع عن السعودية، سوف يحرمون العراق من السلام والمؤن من جميع الجهات، ثم يسمحون لإسرائيل بمهاجمة العراق. وباستمرار الأردن في الطريق الذي تسير فيه ومساندتها للعراق بسبب ظروفها القهرية.. يكون لهم عذر كبير في معاقبة الأردن كحليفة للعراق ويضم اليهود الضفة الغربية من الأردن، ويحتلون ما تبقى من الأردن وتحتل العراق ما تستطيع من الأردن.. ثم بعد ذلك يعاقبون العراق عقابا شديدا.

ومن هذه الناحية هناك خطر من أن يزداد هذا الضغط، وبتأثير الجوع الشديد تضطر العراق إلى الركوع. فإذا أحسوا في ذلك الوقت أنه من المناسب إعطاء الإشارة إلى إسرائيل والسماح لها بالهجوم.. فعلوا ذلك. ويمكنهم القول بأننا ننضم إلى القوات الإسلامية، ونمكث هنا لحمايتهم، ولا دخل لنا بالحرب بين إسرائيل والعراق، والعالم الإسلامي كله معنا في عملياتنا الحربية الدفاعية، ونحن لم نرتكب أي عدوان. هذه مسألة بين العراق وبين إسرائيل، وعليهما تسويتها ولن نتدخل بينهما.

وما دامت قوات البلاد الإسلامية قد حُبست هناك فلن تستطيع الانفصال ومساعدة العراق ضد إسرائيل.. لو أنها حاولت ذلك!

وإذا لم يحدث هذا، فهناك خطر حقيقي من الانتقام من العراق وتمزيقها إربا ذلك لأن نار الانتقام لم تهدأ، لأن هذا البلد الإسلامي والصاعد ليكون قوة كبرى في المنطقة، فلا بد من القضاء عليها نهائيا. ولقد نشأ هذا الهدف في إسرائيل أولا وما زلت أطلع على تصريحات إسرائيل في الصحف، وعلى الدعاية التي تقوم بها إسرائيل منذ زمن طويل بأنها تتعرض للخطر العراقي وهذه الأشياء متفرعة عن نفس الشيء كيف جهزوا العراق لتحتل الكويت؟ وكيف يعمل هذا المخطط؟ الله تعالى أعلم! ولكن كل هذه الأحداث من قبيل المصادفات.. بل ليست هناك أسباب وراءها. هناك مؤامرات تدبر بالليل وتحاك تحت الأرض. هناك عملاءُ CIA، في بعض المواقع، وهناك الخونة الذين ينفذون المؤامرات السرية بذكاء خارق لتحقيق أهداف القوى العظمى. ويأتي ذكر هذا النوع من النشاط في آخر سور من القرآن الكريم.. فالخنّاس الذي يوسوس في صدور الناس.. هو تلك القوى الخبيثة التي تبذر بذور الشقاق، ثم ترتد مبتعدة، ولا يعرف أحد من أين بدأ هذا الشر أو كيف حدث؟ ولو حدثت خطورة حمقاء.. فمن يكون المسئول عنها؟ ولكن في الحقيقة وراء ذلك دائما بعض الدول الكبرى. ومن هذه الزاوية أيضا اتخذ الموقف شكلا خطيرًا للغاية.

ولو تفحصت عالم الإسلام اليوم من الناحية التاريخية سوف يتبين لك أن قوى الإسلام لم تتضرر أبدا إلا لوجود تحالفات بين البلاد الإسلامية وأعداء الإسلام. وتاريخ الإسلام كله شاهد عدل على هذه الحقيقة فكلما وقفت قوى الغرب عائقا أمام تقدم قوة إسلامية، أو حطمتها من خلال أنشطة حربية معلنة أو مستترة.. ستجد أن ذلك يتم دائما بفضل معونة دولة إسلامية وسأذكر لكم هنا التاريخ بإيجاز.. في نقاط جديرة بالاهتمام.

ذكر المصلح الموعود ، الخليفة الثاني للإمام المهدي والمسيح الموعود ، في التفسير الكبير توضيحا لذلك أول مرة عند شرح القيمة العددية لإحدى المقطعات القرآنية (المر)… عندما تناول الحديث الشريف الذي يدل على أن القيمة العددية لها فيه إشارة إلى تاريخ الإسلام والقيمة العددية للمقطعة (المر) هي 271. وهذا العدد يمثل القرون الثلاثة الأولى.. التي هي خير القرون، القرون الآمنة المحمية وعام 271 ه. هو العام الخطير الذي حفر فيه أساس انحطاط العالم الإسلامي. وكل الذي وقع بعده من انقسامات وعلامات ضعف في أماكن متنوعة بدأ في الواقع في تلك السنة.

وأهم الأحداث التي قدمها المصلح الموعود كعلامات لذلك هي أنه في عام 271 ه عقدت الحكومة المسلمة في اسبانيا معاهدة مع البابا لضرب حكومة بغداد المسلمة وهزيمتها.. ووعد البابا بمساعدة مسلمي أسبانيا. وكان النفوذ البابوي قويًا ومؤثرا في عالم السياسة الغربي وقتئذ، بحيث يمكن اعتبار حكوماتهم حكومة البابا نفسه. وكانت لذلك معاهدة خطيرة، وهي تشبه مؤامرة اليوم التي قررت بها حكومة السعودية العمل مع قوى الغرب على هزيمة حكومة مسلمة.. هي ذاتها حكومة بغداد أيضا.

وفي الجهة الأخرى، وفي عام 372 ه عقدت معاهدة مماثلة بين حكومة بغداد والإمبراطور الروماني، لم تكن الحكومة يومئذ تمثل العراق وحده، وإنما بلادًا أخرى معها، ولذلك من الأنسب أن تسمى الحكومة الإسلامية في بغداد وكان الغرض من المعاهدة تضافر الطرفين للقضاء على حكومة المسلمين في أسبانيا.

فكان عام 271 ه فاتحة الطريق إلى تخريب سلام المسلمين إلى الأبد وكل حدث جلل وقع بعد ذلك على رؤوس المسلمين تورطت فيه حتما دولة مسلمة متآمرة على غيرها من المسلمين.

في عام 1258 م دمرت بغداد على يد هولاكو خان. هكذا كان قدرها. يخبرنا التاريخ أن المستعصم آخر خلفاء العباسيين كان غاية في الضعف. كان وزيره من الشيعة، ويحمل ضغينة للمستعصم لما اتخذ من إجراءات عنيفة ضد الشيعة. والحق أن أعمال المستعصم كانت عدوانية، ولم يكن له الحق فيها فانتقموا منه بهذه الطريقة، كان هولاكو ماضيا في غزوه.. ولكنه تردد في الهجوم على بغداد ظنَّا منه أنه غير مجدٍ أو معقول فأرسلوا إليه رسالة من الوزير الشيعي يشرح له أن رهبة حكومة بغداد لا أساس لها، وأنها دولة فارغة من الداخل. وعمل الوزير على تشتيت الجيش الإسلامي، وزعم للمستعصم أن خزانة الدولة لا تتحمل عبء ذلك الجيش الضخم وأرسل جزء من الجيش إلى حدود لا خطر يتهددها وباختصار، دُعي هولاكو لدخول بغداد فوقع بها الخراب الفظيع، وسقطت الحكومة المسلمة. وليست المناسبة للدخول في تفصيل هذا الحدث المؤلم، ولعل الكثيرين منكم قد قرأوا عنه.. فقد كتبوا روايات محزنة عن بغداد ودمارها.. وهي حادثة مشهورة، وفيها اشترك فريق من المسلمين من داخل بلاد الإسلام، في التآمر مع أمّة من خارجها، وطلبوا منهم الهجوم على بغداد!

وبعد ذلك في عام 1386 م خرجت بغداد مرة ثانية على يد تيمورلنك، وفي هذه المرة أيضا كان نتيجة لنفاق بعض المسلمين وطوائفهم، الذين أعطوا ليتمورلنك الفرصة ليدمر بغداد ويقضي على الإمبراطورية الإسلامية.

والمرة الثالثة كانت على يد الأتراك العثمانيين. قضوا على حكومة بغداد المسلمة بالقوات التركية المسلحة، وبعد ذلك طلبت الحكومة الإنجليزية مساعدة الأسرة الحاكمة السعودية للقضاء على الحكومة التركية. كانت الأسرة هي نفسها التي تحكم السعودية اليوم وتنتمي إلى نفس الطائفة. وكانت الكويت في ذلك الوقت تعين الإنجليز عونا ملحوظا، ولولا عون هذه الأسرة السعودية، وهي أسرة سياسية، استغلت الفكر الوهابي للوصول إلى الحكم، لولاهم ما تمكن الإنجليز من القضاء على الإمبراطورية التركية في العالم الإسلامي.. وهم السعوديون الذين رفعوا شعار (التعريب) وغيره من الأعمال.. إنها قصة طويلة، وهكذا في هذه المرة أيضا استخدمت قوة أجنبية بعض المسلمين للقضاء على إمبراطورية إسلامية عظمى.

الأتراك دمروا حكومة بغداد أولا، ثم بمساعدة المسلمين في الكويت والسعودية قُضي على حكومة الأتراك وكسرت شوكتهم، وهاك موقف مشابه يحدث مرة أخرى فبمساعدة الحكومة السعودية، وبتأييد من الحكومات المحيطة بها.. تتعرض دولة مسلمة كبيرة لخطر شديد وكما قدرت.. فإنهم قرروا هذه المرة أيضا أن تنال العراق عقابا شديدا رهيبا.. حتى تكون عبرة للآخرين لعشرات قادمة من السنين.. فلا تحاول دولة إسلامية أن تنهض وترفع رأسها ضدهم أو أن تتحرر من سلطانهم.

والسبب الأكبر وراء ذلك هو إسرائيل، إنها دأبت على إحداث جلبة شديدة منذ فترة طويلة.. تتظاهر بالخوف من هجوم عراقي كيماوي، يقولون نحن دولة صغيرة، ولو هاجمتنا العراق لمحتنا من على سطح الأرض وسواء أكان الخطر حقيقيا أو وهميا، ومن دون البحث عن المسئول.. فمن المتيقن المؤكد أن إسرائيل ومصالح إسرائيل هي السبب الأكبر خلف الموقف الحالي ويبدو الموقف الآن وكأن عالم الإسلام قد هبَّ للدفاع عن مصالح إسرائيل وحمايتها وفي سبيل ذلك قرروا القضاء على دولة مسلمة، وقعت في أعمال غير إسلامية، وكانت ضد التقوى وضد العدل ولكنها بالرغم من ذلك.. لا تستحق الدمار الشامل والخراب الكامل.

لطالما انتهكت العدالة في كثير من أنحاء العالم، ولم تحرك القوى الكبرى ساكنا، ولم ترفع إصبعا واحدا ضدها، إنه ما تفعله هذه القوى ليس من أجل العدالة.. بل هناك عداوات دفينة.. تحركهم للانتقام وهذا الهجوم الشرس هو في حقيقته موجه ضد الإسلام.. وإن كان ظاهره الهجوم على دولة مسلمة ارتكبت أعمالا غير إسلامية.

هذه العداوات عميقة، ولها جذور تاريخية اتخذوا قراراتهم على مستويات عليا رأوا أن العراق دولة ناهضة قوية، ولو تركوها لتشب وتنهض فسوف تبتلع البلاد المجاورة، وتخلق بذلك قوة اتحاد في عالم الإٍسلام وفي منطقة الشرق الأوسط الذي يحتوي معظم الثروات البترولية في العالم، وسوف تكون لها القدرة على الاكتفاء الذاتي في الميادين الأخرى، وقد تصبح قوة عسكرية كبيرة.

هذه هي مخاوفهم وأيًّا كانت تلك المخاوف، فإن الخطر الأكبر الذي يجب أن يراه العالم الإسلامي اليوم.. أنه بمساعدة وتأييد بلاد إسلامية اتُّخذ قرار لتدمير دولة إسلامية ناهضة والفئة الحاكمة التي تدير دفة الأمور في هذا البلد هي المسئولة وحدها.. فماذا يكون الحل في مثل هذا الموقف؟

أرى أن الوقت لم يفت بعد بحيث لا يمكن السيطرة عليه ولكن ليس أمام المسلمين طريق للخلاص والسلام سوى طريق العودة إلى الله ورسوله، فبالنسبة للعراق.. عليهم أن يكفوا عن تشويه القيم الإسلامية، وأن يتوقفوا عن تعريض الإسلام لمزيد من سخرية العالم، كل الناس من جميع الجنسيات المقيمة تحت يدهم.. ينبغي أن ينالوا حرية غير محدودة للذهاب حيث شاءوا يجب أن يعترف العراق قائلا: لا حق لنا عليكم لو قاتلنا حكوماتكم فسوف نسوي حساباتنا معهم وليس معكم، وأنتم أفراد أبرياء في ذمتنا، إن تعاليم الإسلام تجعل من كل أجنبي مقيم بسبب مشروع في بلد إسلامي أمانة في يد الدولة.. حتى وإن دخلت في نزاع أو قتال مع بلده.. فهو لا يزال أمانة، وخيانة هذه الأمانة له عواقب وخيمة وتبعات رهيبة. إن نار الانتقام المشتعلة اليوم سوف تتأجج وتزداد التهابا.. فتحرق مئات الألوف من المسلمين، إن قادة الدول وأعوانهم نفر قليل العدد، ولكن الضحايا سيكونون من عامة المسلمين الأبرياء، وهم الذين سيكونون وقودًا للحرب، وهدفا للانتقام بعد الحرب.

وبالإضافة إلى ذلك، يجب على قادة العراق أن يسلكوا سبيل التقوى، وعندها يمكن أن ينفتح أمامهم طريق السلام، فعليهم أولا أن يفعلوا ذلك، أي يطلقوا حرية النزلاء الأجانب وثانيا أن يبلغوا العالم الإسلامي باستعدادهم لقبول قراراتهم والخضوع لأحكامهم، ويعرضوا استعدادهم لتقديم كافة الضمانات بالانسحاب من الكويت، وإقامة السلام ليس لهم شرط سوى أن يكون القرار للدول الإسلامية وحدها، ولا يتدخل غيرهم في الأمر.

لو تمت هذه الخطوة، وبالقوة الفعالية كما جرى في معاهدة السلام مع إيران بعد حرب دموية طويلة، ضاعت فيها الملايين بين قتلى وجرحى، وكما عادت كل الأراضي.. وليتهم فعلوا ذلك كله قبل سفك الدماء.. أقول: كذلك ينبغي على العراق أن تقدم على الخطوة التالية، فتنسحب من الكويت، وتؤكد للعالم الإسلامي أنه كما عقدت معاهدة سلام مع إيران للوقوف أمام القوى المضادة للإسلام، كذلك نحن مستعدون لمعاهدة سلام معكم جميعا لحمايتنا من اعتدائهم.. وأن عدوانهم علينا عدوان على كل بلاد الإسلام، أما إذا تجزأوا وتقطعوا أمرهم، وطلبوا المعونة من القوى الأخرى فستهلك كل قوى الإسلام لعشرات السنين. إن هذه السحابات المرعبة تزمجر مرعدة، والبرق المحرق يلمع.. فإذا كانوا لا يرونه فذلك مدهش حقا.. ألا تسمعون أصوات الرعد، ولا ترون الأخطار المحدقة.. وتتصرفون كشأن الجهلة، فتتفرقون إلى حزبين، وتستعدون لمقاتلة بعضكم بعضا!

لابد وأن تبعث العراق بهذه الرسالة، وتذيعها مرات ومرات في أنحاء العالم بكل وسائل الإعلام، يجب أن تخبر عالم الإسلام وتقول: إننا نريد التوبة، ونعترف بخطئنا، ونخضع لمحكمة الإسلام فقط استبعدوا الآخرين من هذا النداء يجعل الرأي العالم الإسلامي يهب مؤيدا العراق بقوة تجعل الحكومات الأخرى.. التي اضطرت لطلب المعونة من غير المسلمين.. لتعدل من موقفها وتتصرف تصرفا سليما إزاء هذا النداء، وإذا لم تعدل هذه الحكومات موقفها.. وكان تصرف الدول الإسلامية إرضاء الله، وعلى ضوء تعاليمه وبالرجوع إلى القرآن الكريم.. فإن الله تعالى سيكون حاميهم، ولسوف يصونهم من كل خطر يحوم حولهم. إن دعوتي هذه دعوة (درويش) إنها نصيحة للإخوان.. ولو وَعاها القلب وانصاع لها.. انتفع بها.. لأنها تعاليم القرآن الكريم أما إذا رفضت نصيحتنا بدافع الكبر والكبرياء.. فإني أحذركم اليوم.. بأن عالم الإسلام سوف يواجه أخطارًا فظيعة لا قبل له بها.. وسيبقى عالم الإسلام بسببها باكيا، ضاربا برأسه في الصخر ولن يكون  لهم مخرج، وليس لهم سبيل لاستعادة قوتهم الضائعة وشرفهم وكرامتهم التي اكتسبها عالم الإسلام.

الواقع أن بلاد الإسلام وصلت إلى مرحلة تمكنها من التقدم بهدوء وحكمة، بعيدا عن العنف، إنهم في العشر أو الخمس عشرة سنة القادمة سيكونون قادرين على أن يكونوا قوة عظمى، لا ينظر إليها الآخرون نظرة خبيثة حتى وإن أرادوا ذلك أما إذا تعثروا وارتكبوا الخطأ.. فستكون مرحلة خطيرة، ويقعون في وهدة الهلاك يتعذر معها النجاة.

وأود في نفس الوقت، أن أذكّر الجماعة الإسلامية الأحمدية بأن يبتهلوا إلى الله تعالى بجد وقلب يتألم ومهما كانت التجاوزات التي ترتكبها الحكومات الإسلامية ضدنا، أو التي ارتكبتها في الماضي، أو سوف ترتكبها في المستقبل.. فهذه فعالهم التي يحاسبهم الله عليها.. ولكننا كما قلت آنفا.. نحن المخلصين للإسلام وقيم الإسلام.. لا نخشى الإشارة إلى خطأ تقع فيه دولة مسلمة.. ونسألهم في تواضع.. أن يصححوا خطأهم ويصلحوا من أنفسهم، ولربما صاروا أعداء لنا بسبب نصحنا لهم، أو ربما فكروا في الانتقام منا في قادم الأيام.. ولكننا لا نعبأ بذلك.. لأن موقفنا خالص لوجه الله تعالى نحن نعرف أن روح الإسلام في القرآن الكريم وسنة النبي الأكرم ، وما دمنا نحب القرآن وسنة المصطفى فلا بد وأن نحافظ على هذه الروح، ونحميها بأرواحنا. والأحمديون في أنحاء العالم مستعدون للتضحية بكل شيء في  سبيل الله ولن يتوقفوا عن قول الحق ولن تستطيع قوة في العالم أن تمنعهم من التعبير عن الحق، ومثل كلماتي هذه الصادقة، ونصيحتي القلبية التي تستهدف صالح الجميع.. إذا لم يرض عنها أحد.. فإن ملاذنا إلى الله تعالى، وثقتنا في ربنا جل جلاله، ولا نخشى ساسة الدنيا.

وفي هذا الصدد أود أن أسوق لكم البشرى بشأن النصيحة التي قدمتها آنفًا .. فقد كان مقدرا لي أن أقدمها اليوم.. قدر الله تعالى ذلك منذ زمن طويل لقد كتب الإمام المهدي والمسيح الموعود في كتابه (حمامة البشرى):

“إن ربي بشرني في العرب، وألهمني أن أُمونهم وأريهم طريقهم، وأُصلح لهم شؤونهم، وستجدونني في هذا الأمر إن شاء الله من الفائزين”.

فالمهمة التي عيّن الله الإمام المهدي والمسيح الموعود لها هي هدايتهم إلى طريق الحق، وتصحيح مواقفهم.. وأنا خادمه الصغير، وخليفته.. أقوم الآن بمهمته وعلى ضوء البشارة في هذا الوحي، أبشر عالم المسلمين أنهم إذا اتبعوا النصيحة المتواضعة من هذا (الدرويش) .. فلا شك أنهم سوف يتباركون ويفلحون ويعلون في هذه الدنيا وفي الآخرة.

أما، لا سمح الله، لو أنهم نبذوها بسبب عبوديتهم لمصالحهم الدنيوية، وألقوا مصالح الإسلام وراء ظهورهم، ولم يبالوا بتعاليم الإسلام.. فلن تكون هناك قوة لإنقاذهم من غضب الدنيا وغضب الله تعالى.

عسى الله تبارك وتعالى أن يبهج أبصارنا بالإسلام، وأن يسعد قلوبنا، ويقر أفئدتنا، ويزيل عنا الهم والحزن، ويفرج عنا الكرب الذي يعاني منه كل مسلم أحمدي. آمين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك