المَجَالِسُ وَسَلَامُ المُجْتَمَعَاتِ
التاريخ: 20170922

المَجَالِسُ وَسَلَامُ المُجْتَمَعَاتِ

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

الخليفة الخامس للمسيح الموعود (عليه السلام)
  • لم يعد في المسلمين شيء من خشية الله تعالى قط.
  • لن تفيد الحكومات والممالك والثروات وتأييد القوى الغربية.
  • لو كانت فيهم ذرة من الإيمان لما كانت حال رجال السياسة المسلمين على هي عليه اليوم.

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْم الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين* إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهمْ وَلا الضَّالِّين . (آمين)

ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (النحل: 126)

لماذا يجتمعون؟!

لمجالس الدنيا أنواع شتَّى، وللمجالس المختلفة أهداف مختلفة، فبعضها للتشاور بغية متاع دنيوي، مِثل مجالس الشورى حول طريقة الحكم، ومجالس رجال السياسة ومجالس رجال الأعمال والتجار ومجالس الألعاب والتسلية ومجالس العلوم المزعومة، وتُشكَّلُ لجان من أجل ذلك، ويجتمع الناس ويفكرون في وضع البرامج والخطط لشتَّى الأمور، حتى النـزهة والتسلية. باختصار، تُعْقَد كل هذه المجالس وتتشكل هذه اللجان طمعا في متاع الحياة الدنيا، لا لنيل رضا الله تعالى وقرْبِه، وحتى إذا كان ثمة مجلس لبحث أمور مصلحة الناس العامة، فهو أيضا لا يخلو من أغراض دنيوية ولا يستهدف رضوان الله تعالى. غير أن بعض المجالس تنعقد خدمة لأغراض دينية ولرفع ذكر الله تعالى وللتخطيط لتقريب الناس إلى الله تعالى أو لالتماس سبُل الرقي الروحاني، والذين يحضرون هذه المجالس لا يبتغون غير رضوان الله تعالى. باختصار، إنما الغاية من هذه المجالس هي أن تكون جميع أعمالنا وخططنا وبرامجنا ابتغاء رضوان الله تعالى، ولا تشوبها شائبة لغو، ومثل هذه المجالس هي التي يحبّها الله تعالى، وتظهر ثمرات هذه المجالس في هذه الدنيا كما يُكرم الله تعالى المشتركين في هذه المجالس بعد وفاتهم أيضا.

فمناجاة المسلمين، فيما بينهم أو مع الآخرين، واتفاقياتهم السرية هي في معصية الله ورسوله وبعيدة عن التقوي، ولم يعد فيهم شيء من خشية الله تعالى قط….. ولن تفيدكم هناك الحكومات والممالك والثروات وتأييد القُوي الغربية، ولن تنجو أيةُ قوةٍ عظيمة من العواقب الوخيمة لمعصية أحكام الله تعالى ورسوله ونزع لباس التقوي.

فمن واجب المؤمن حال حضوره أي مجلس، سواء كان مجلسه في بيته مع زوجته وأولاده أو خارج بيته، أن يلتمس رضوان الله تعالى ويفكر في كيفية صون روحانيته وترقيتها وتحسين حاله وحال المؤمنين. إن مجالس المؤمن، الدنيوية ظاهريا، أيضا لا تخلو من ذكر الله تعالى، فهو يجتنب اللغو عند أدائه الأمور الدنيوية، وإذا كان منشغلا بأمور الدنيا فلا ينسى قلبُه اللهَ تعالى وذِكْرَه أبدا، ولا يتطرَّق إلى تفكيره مسألة خداع الناس أو غصب حقوقهم، فمجالس المؤمن، وإن كانت لمصلحة دنيوية، لا تكون مثل مجالس رجال السياسة وأهل الدنيا في الأيام الراهنة، بل تكون خشية الله وتقواه دوما نصب عينيه كل حين وآن.

ما ينبغي تجنبه في المجالس

ويعظ الله تعالى المؤمنين في القرآن الكريم بشأن المجالس باجتناب ما قد يتخللها من البغي والعدوان والإثم ومعصية الرسول، والاستمساك بالبر والتقوى، ولكن للأسف! معظم مجالس المسلمين اليوم هي النقيض من ذلك تماما، والمسلمون منهمكون في الكيد لبعضهم البعض، مع أن الله تعالى يقول:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (المجادلة: 10)

ولكن كما قلتُ قد نسي المسلمون تعليمَ الله تعالى هذا، واتسعت الفجوة فيما بينهم وتعمَّقت هوَّة الخلاف، مع أن الله تعالى بيّن علامة المؤمنين أنهم رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ أيْ يحبّ بعضهم بعضا، ولكننا نرى حال المسلمين وقد انطبق عليهم وصف الله تعالى حال الكفار في قوله: قُلُوبُهُمْ شَتَّى (الحشر: 15) فمناجاة المسلمين، فيما بينهم أو مع الآخرين، واتفاقياتهم السرية هي في معصية الله ورسوله وبعيدة عن التقوى، ولم يعد فيهم شيء من خشية الله تعالى قط، يقول الله تعالى:

وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ،

ولن تفيدكم هناك الحكومات والممالك والثروات وتأييد القُوى الغربية، ولن تنجو أيةُ قوةٍ عظيمة من العواقب الوخيمة لمعصية أحكام الله تعالى ورسوله ونزع لباس التقوى. الذين يسمّون أنفسهم مسلمين بينما يلهثون وراء الدنيا جاعلين إياها غايتهم المنشودة، تترجم أعمالهم حقيقة حالتهم الروحانية، ويتضح أنهم فقدوا الإيمان واليقين بالله تعالى، وإلا لو كانت فيهم ذرة من الإيمان واليقين بالله تعالى لما كانت حال رجال السياسة والزعماء المسلمين على ما هي عليه اليوم ولما كانت حالة علمائهم المزعومين كما تتراءى لنا اليوم.

ومن مجالس الدنيا مجلس الأمم المتحدة، وعُقد مؤخرا اجتماعه الذى ألقى فيه الرئيس الأمريكي خطابه، وكتب الكُتاب والمحللون الغربيون أيضا أن هذا الخطاب سيزيد الفتنة والفساد بدلا من نشر السلام، بل كتبوا صراحة أنْ لعل هذا الخطاب يُسعد السعودية وبعض البلاد المسلمة، وإلا فهو باعثٌ اليأس ودافع إلى الفتنة والفساد، فعلى الحكام المسلمين أن ينظروا إلى أحكام الله تعالى ويجتنبوا كل نوع من الفتنة والفساد.

على أيةِ حال، من واجبنا في هذا الزمن أن نطهِّر أنفسنا من كل هذه الأفكار، ونرفع من مستوى تقوانا وخشيتنا لله. وكذلك الواجب على الأحمديين ممن تربطهم علاقات بغير الأحمديين أن يبلغوهم، كل في دائرته، أن حالكم هذه لن تجعلكم في ربقة أسر الآخرين فحسب، بل ستكونون مورد عقاب الله تعالى أيضا. والدنيا التي تسعون وراءها ستنفلت من أيديكم، وأما الدين فقد تخليتم عنه سلفا، فالآن واتتكم الفرصة أن تُنشئوا خشيةَ الله تعالى وتقواه في قلوبكم وإلا ستفقدون كل شيء.
فالذين يجتمعون أحيانا ويتحدثون عن نظام الجماعة على الصعيد المحلي أو على صعيد المدينة أو البلاد فهم في بعض الأحيان، بل على وجه الحقيقة، واقعون في ربقة أسر الشيطان وإغوائه. ولأن الشيطان يهاجم في زيّ المحب المواسي، لذا يحضر مثل هذه المجالس بعض من ليسوا في الحقيقة ضد نظام الجماعة، بل بسبب شعورهم بألم للجماعة يظنون أن الشخص الذي يثير الفتنة، والذي يتكلم ويبدو كالمواسين في الظاهر، لا يسعى للفتنة بل يقول الحق، ويرون ضرورة الإصلاح؛ مع أنه لو كانت ثمة حاجة إلى الإصلاح لبلَّغ ذلك الشخص الأمرَ إلى كبار المسؤولين على مستوى البلاد أو بلّغ الخليفة.
ثم يعقدون المجالـــس هنا وهناك، ويتحدثون فيما بينهم كما لو أنهم يناقشون أمورا سرية هامة جدا، وأنهم يحرصون على نظام الجماعة، لكن ذلك طريق باطل تماما، وهو من علامات الإثم والعدوان ومعصية الرسول والابتعاد عن التقوى. فقد حذر الله المؤمنين من التورط في مثل هذه المجالس. إذا كانت عندكم شكوى ضد أي مسؤول في الجماعة أو الأمير فارفعوها إلى المركز. أي اكتبوا إلى الخليفة وبعد ذلك تنتهي مهمة أفراد الجماعة، وتصبح مهمة الخليفة كيف ينظر إلى قضية ما وكيف يحلها ويسويها. غير أنه من الواجب على كل أحمدي أن يداوم على الدعاء بحرقة أن يطهِّر الله الجماعة من كل أنواع السيئة والخبث، ويهيئ لها على الدوام السالكين على دروب التقوى. لذا يجب على كل امرئ أن يتذكر هذا الأمر الهام.

احذروا إيقاع الشيطان بكم

حيثما سيمكِّن الله الجماعة من الازدهار والرقي، كما نلاحظ الآن، سينشط الشيطان ضدها، إذ كان في أول يوم قد صرح لله وأخذ منه الإذن في إغواء المؤمنين. إن معارضي الأحمدية إذا كانوا من ناحية يحيكون المكايد ضد الجماعة علنا، وسوف يحيكونها في المستقبل أيضا، فمن ناحية أخرى يجعلون من بعض البسطاء وضعاف الإيمان أداة لإثارة الفتن، ويسعون لذلك مدّعين أنهم ناصحون لهم. فيجب على كل أحمدي أن يأخذ حذره من هذا. نسأل الله أن يحمي الجماعة من كل فتنة داخلية وخارجية ويوفِّق الأحمديين لحضور مجالس الصالحين والمتقين دوما ويجعلهم منهم ويباعد بينهم وبين مجالس الإثم والعدوان ومعصية الرسول. هناك أحاديث للنبي عن شتى أنواع المجالس وأوضاعها، كما تكلم عن ذلك خادمُه البار المخلص سيدنا المسيح الموعود أيضا وأقدّمها لكم. لقد قال حضرته موضِّحا كيف ينبغي أن يكون مجلس المؤمن وإذا حضر مجلسًا ولم يجده يليق بشأنه فكيف ينبغي أن يبدي ردة فعله، إن مذهبي ويجب أن يكون دأب المؤمن أيضًا حصرًا، أنه إذا بدأ الحديث فليقل قولا سديدا أو ليصمت، فإذا رأيتم مجلسًا يُستهزأ فيه بالله ورسوله فإما أن تنصرفوا من هناك، لكي لا تُعدّوا منهم، أو تردوا عليهم بالقول السديد. فعلى المرء إما القول السديد أو الانصراف، أما الخيار الثالث بحيث يظل في المجلس ويؤيدهم ويواري عقيدته فهو ضرب من النفاق. فهذه هي ردة فعل المؤمن في مجلس يُستهزأ فيه بالدين أو تحاك فيه المكايد ضد الدين أو تصدر فيه على نطاق واسع أقوالٌ تخلق في القلوب وساوس. فينبغي أن تكون ردة فعل المؤمن أنه إذا سمع أي كلام ضد الله ورسوله أو نظام الجماعة التي أقامها أن يردّه بحزم وليخبر صاحبه أنه إذا كان ما يقوله صحيحا في رأيه فليرفعه إلى خليفة الوقت ونظام الجماعة، أما الحديث ضده هكذا هنا وهناك فلا يجوز. فإذا ظل الإنسان جالسا في مثل هذه المجالس وردّ هذا الكلام بصورة مبهمة ولم يتكلم صراحة فهو يعدّ نفاقا كما قال سيدنا المسيح الموعود ، ويجب أن يحذر المؤمن من ذلك. ويجب أن يبدي الغيرة دوما في أمور الدين ونظام الجماعة. وإبداء الغيرة يكون على نوعين؛ فإما أن يفنِّد الاعتراض بصراحة، أو أن ينصرف من ذلك المجلس.

إذا كانت عندكم شكوي ضد أى مسؤول في الجماعة أو الأمير فارفعوها إلى المركز. أى اكتبوا إلى الخليفة وبعد ذلك تنتهي مهمة أفراد الجماعة، ويصبح من مهمة الخليفة كيف ينظر إلى قضية ما وكيف يحلها ويسويها. غير أنه من الواجب على كل أحمدي أن يداوم على الدعاء بحرقة أن يطهِّر الله الجماعة من كل أنواع السيئة والخبث.

هذا هو الطريق الذي بيَّنه الله ووضَّحه النبي حيث ورد في رواية قال فيها أحد الصحابة:

”أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْصِنِي قَالَ اتَّقِ اللهَ وَإِذَا كُنْتَ فِي مَجْلِسِ قَوْمٍ فَسَمِعْتَهُمْ يَقُولُونَ مَا يُعْجِبُكَ (أي يتكلمون عن البر والصلاح ولا يتكلمون عن المنكرات والفتنة والفساد) فَأْتِهِ وَإِذَا سَمِعْتَهُمْ يَقُولُونَ مَا تَكْرَهُ فَاتْرُكْهُ.“

ولقد وضَّح حضرته أيضا أيُّ مجلس ينبغي أن لا يعجب المؤمن، أي ينبغي أن لا تكون هذه المنكرات مما لا يعجبه شخصيا بل كان يكرهها لكونها ضد نظام الجماعة، فليتركه. وكيف ينبغي أن يكون عدم الإعجاب؟! فقد ورد عن ذلك في رواية عن عبد الله بن عباس أن رجلا سأل النبي في أي المجالس نجلس؟ فقال له النبي أنْ احضر مجالس من يذكِّرونك بالله ومن يزيدك كلامُهم علما دينيا ومن يذكرك عملُهم بالآخرة.
فهذا هو المبدأ الهادي الذي يجب أن يضعه المؤمن في الحسبان عند اختيار مجلسه، بحيث يجب أن يحب المجلس الذي يُذكر الله فيه ويدور الكلام فيه في دائرة تعظيم دين الله، ويزداد فيه علم الدين. وازدياد كل أحمدي في علوم الدين ضروري في هذا العصر. فهذه الأمور هامة جدا للتبليغ ونشر الدعوة وأمور التربية، وهي التي تذكِّر بالآخرة أيضا، وتلفت انتباهه إلى أن يفهم أن بريق الدنيا ليس كل شيء، وأن ثرواتها ومرافقها ليست كل شيء، بل يجب أن تكون الغاية المنشودة للمؤمن الفوز بقرب الله . فقد اتضح هنا من الحديث الأول أن المجالس إذا كانت لأناس ماديين فقط فيجب أن يكرهها المؤمن ولينصرف منها فورا. إذا انتبهْنا إلى هذا الأمر فسوف يجتنب كبارنا وصغارنا السيئات والفتن الكثيرة. لمجالس الشباب هناك نوع آخر أيضا ويشترك فيها الشباب خاصة، وهي تقام بغرض الترفيه واللهو، وتنشأ الرغبة في حضور مثل هذه المجالس في قلوب الشباب الأحمديين أيضا تأثُّرا بالمجتمع الغربي. لكن الشاب المؤمن يجب أن يتذكر دوما أن عليه أن يحمي حياته من هذا النوع من المجالس، ويبقى ضمن الحدود. في الجماعة أيضا تحدث بعض الأمور، حيث يقوم بعض الشباب الأحمديين عند بلوغهم سنّ المراهقة متأثرين بمجالس السوء والفساد، بتصرفات تضرّ الآخرين. فقد يؤذون أحد الجيران أو المارة في الطريق أو يسببون خسارة للناس بدافع الفضول. وإذا عُرف أنهم من أفراد الجماعة فيتسببون في تشويه سمعة الجماعة أيضا.
فعلى الآباء أن يراقبوا صحبة أولادهم ومجالسهم التي يجلسون فيها، حتى يكون الشباب والمراهقون في الجماعة محفوظين من صحبة طالحة ومجالس سيئة، وعليهم أن يعقدوا في بيوتهم دائما مجالس طيبة وحسنة تفيد من الناحية التربوية.
وقال النبي بمناسبة أخرى:

“وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ.” (صحيح مسلم، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر)

ليست اجتماعاتنا كاجتماعاتهم

إنه لمن فضل الله تعالى أن مناسبات كهذا تتيسر لأفراد الجماعة، إذ تعقد الجماعة جلساتها واجتماعاتها وبرامج تربوية أخرى في شتى بلدان العالم فتزيد هذه البرامج والاجتماعات أفرادَ الجماعة علما ومعرفة. إذًا، تُعقد هذه البرامج لتربية الجماعة ولذكر الله تعالى. فمثلا يبدأ اليوم اجتماع لجنة إماء الله في بريطانيا. فيجب أن تتذكر عضوات لجنة إماء الله أنه يجب أن تحتل المجالس الدينية والعلمية الحيّز الأكبر من برامج اجتماعهن. ويجب أن تتذكر السيدات اللواتي يحضرن الاجتماع أنهن لم يحضرن مهرجانا دنيويا، بل عليهن أن يحققن الغرض من حضورهن اجتماعا دينيا، وأن يعقدن مجالس دينية وعلمية. وعندما لا يكون هناك برنامج رسمي جاريا فعليهن ألا يخُضن في لغو الحديث، بل يجب أن يكون محور أحاديثهن إيجابيا دائما، وألا يضيّعن أوقاتهن في أحاديث لاغية. لقد قال النبي بمناسبة أخرى ما مفاده: الذين يجلسون في مجلس لا يذكرون الله فيه كان مجلسهم حسرة عليهم يوم القيامة.
فعلى القادمات للاجتماع أن يحققن الغرض من مجيئهن ويقضين أوقاتهن في ذكر الله والقول السديد بدلا من لخوض في اللهو واللعب ولغو الحديث حتى لا تكون مجالسنا حسرة يوم القيامة. ماذا نصحنا رسول الله عن صحبة الصالحين والمتقين؟ فقد جاء في رواية ما مفاده: لا تجالسوا إلا المؤمنين ولا يأكل طعامكم إلا المتقون.(١)

فلينظر أحدكم من يخالل

من المعلوم أن الإنسان يتعامل مع أناسٍ من فئات مختلفة بمن فيهم المسلمون وغيرهم ويجالسهم، ولا يمكنه أن يتحاشى مجالسة غير المؤمنين دائما. إذًا، ما أشار رسول الله إليه هو أن تعقدوا صداقة حميمة مع الأقوياء إيمانا وتُكثروا من مجالسة المتقين حتى تتقدموا أنتم أيضا في البرّ والتقوى. يقول المسيح الموعود :
«السبيل الذي بيّنه الله تعالى لإصلاح النفس هو:

كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ،

أي كونوا مع القائمين على الصدق قولا وفعلا وعملا وحالا. ثم قال:

يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ،

والمراد من ذلك أن يؤمن المرء أولا ثم ليهجر مكان السيئة اتَّباعا للسنَّة وليمكُث في صحبة الصادقين. تترك الصحبة تأثيرها في المرء في غفلة منه، فمثلا، إذا كان امرؤ يلتقي بالمومسات كل يوم ثم يقول: أنا لا أزني، فيجب أن يقال له أنك سوف تفعل وستتورط فيه يوما ما لأن الصحبة السيئة تترك تأثيرا سيئا حتما، كذلك الذي يرتاد الملاهي ويقول أنه لا يشرب الخمر، فلَسوف يأتي عليه يوم يتجرَّعها مهما كان تقيا وورعا».
إذًا، هناك حاجة ماسة إلى اجتناب الصحبة السيئة. ففي الأمور الدنيوية العادية يضطر المرء إلى التعامل مع الآخرين كما قلت من قبل. ولكن يجب أن يراعي المرء الحدود في تلك العلاقات وألا يشرع في حضور مجالس اللغو لئلا يقع في السيئات نتيجة لذلك. يشهد بعض الأناس المحليين بل وتذكر بعض السيدات البريطانيات أيضا أن أزواجهن كانوا طيبين وصالحين، ولكن تحولت حالتهم وتطرقت السيئات إلى أعمالهم نتيجة حضور مجالس اللغو. فإذا كان غير المسلمين قد بدأوا يدركون خطورة الأمر، فحريٌّ بنا أن نتنبه إلى هذا الأمر أكثر منهم بكثير. لقد قال النبي لوضع حدٍّ لهذه الظاهرة ما مفاده: إن كثرة مجالستكم الملحدين والأكل والشرب معهم ستُبعدكم عن الدين والتقوى. غير أنه لا بد من إنشاء العلاقة معهم من أجل تبليغهم الدعوة لأن تبليغ الدعوة إليهم مستحيل بغير ذلك. ولكن يجب دعوتُهم إلى مجالسنا وبرامجنا لهذا الغرض لأن المجالس المبنية على البرّ والتقوى تترك تأثيرها على أية حال. فهناك كثير من الذين يشتركون في فعالياتنا ويقولون إن حالهم قد تغيّرت تماما نتيجة حضورهم مجالسنا. يقول المسيح الموعود في بيان تأثير الصحبة:
«حين يجالس الإنسانُ صالحا وصادقا، يؤثر فيه الصدق، أما الذي يختار مجلس الأشرار والسيئين تاركا صحبة الصالحين فإن السيئة تؤثر فيه، ولذلك تؤكد الأحاديث والقرآن الكريم أيضا على الامتناع والتحذير من الجلوس في مجالس السوء. وقد ورد أن المجلس الذي يساء فيه إلى الله والرسول اخرُجوا منه فورا، أما الذي لا يخرج حتى بعد الاستماع إلى الإساءة فسيُعدّ منهم.
والذي يصاحب الصادقين والأبرار يعد منهم. إذًا، كم يحتاج المرء إلى أن يعمل بأمر الله تعالى:

كُوْنُوا مَعَ الصَّادِقِينَ .

«تترك الصحبة تأثيرها في المرء في غفلة منه، فمثلا، إذا كان امرؤ يلتقي بالمومسات كل يوم ثم يقول: أنا لا أزني، فيجب أن يقال له أنك سوف تفعل وستتورط فيه يوما ما لأن الصحبة السيئة تترك تأثيرا سيئا حتمًا، كذلك الذى يرتاد الملاهي ويقول أنه لا يشرب الخمر، فلَسوف يأتي عليه يوم يتجرَّعها مهما كان تقيا وورعا». (المسيح الموعود)

قد ورد في الحديث الشريف أن الله يبعث الملائكة إلى الدنيا فيحضرون مجلس الطيبين وعندما يعودون يسألهم الله ماذا رأيتم هنالك؟ يقولون قد رأينا أناسا في مجلس يذكرونك ولم يكن فلان منهم إلا أنه كان جالسا معهم، فيقول الله كلا، بل هو أيضا منهم لأنهم قوم لا يشقى جليسهم. يتبين من هنا جليا كم من فوائد تكمن في صحبة الصادقين! فالذي يبتعد عن صحبتهم لشقي جدا».
فالذين يجلسون في صحبة المؤمنين ومجالسهم يحظون بأفضال الله تعالى، لأن هذه المجالس تكون مليئة بذكر الله تعالى. يقول المسيح الموعود : «هناك الكثيرون الذين يقرّون بوجود الله بلسانهم ولكن لو فحصتموهم لوُجد فيهم إلحاد لأنهم عندما ينهمكون في أمور الدنيا ينسون غضب الله وعظمته كليا. لذا من الضروري جدا أن تسألوا الله المعرفة لأن اليقين لا يتأتّى بغيرها مطلقا. بل يُنال حين يعرف المرء أن في قطع العلاقة مع الله موتا. يجب ألا تتركوا الأسباب أيضا من اليد حين تدعون لاجتناب الذنوب، وابتعِدوا من كافة المجالس والمحافل التي من شأن الاشتراك فيها أن تجركم إلى الذنوب. وإلى جانب ذلك التزموا بالدعاء أيضا. واعلموا جيدا أن الآفات التي تصيب المرء نتيجة القضاء والقدر لا تزول قط ما لم ترافقها نصرة من الله».
وقال حضرته: «وفي الصلاة التي تؤدَّى خمسَ مرّات أيضًا إشارة إلى أن الإنسان إذا لم يَحْمِ صَلاتَه من النـزعات والأفكار النفسانية فلن تُعَدَّ صلاةً حقيقية أبدًا. إن الصلاة لا تعني أبدًا بِضْعَ نقراتٍ وأداءَها مجردَ طقس من الطقوس. كلا، بل الصلاة عملٌ ينبغي أن يشعر به القلب أيضا حتى تذوب الروح وتخرّ على عتبة الله من شدة الخشية.

«وفي الصلاة التي تؤدَّي خمسَ مرّات أيضًا إشارة إلى أن الإنسان إذا لم يَحْمِ صَلاتَه من النـزغات والأفكار النفسانية فلن تُعَدَّ صلاةً حقيقية أبدًا. إن الصلاة لا تعني أبدًا بِضْعَ نقراتٍ وأداءَها مجردَ طقس من الطقوس. كلا، بل الصلاة عملٌ ينبغي أن يشعر به القلب أيضا حتى تذوب الروح وتخرّ على عتبة الله من شدة الخشية.» (المسيح الموعود )

على المرء أن يسعى بكل ما أوتي من قوة حتى تتولد في قلبه الرِّقَّة، ويدعو بمنتهى الضراعة ليزول ما في نفسه من تجاسر وذنوب. وإن صلاة كهذه هي الصلاة المباركة، وإذا داومَ عليها الإنسان لوجد أن نورًا قد نزل على قلبه ليلاً أو نهارا، وأن نزعة النفس الأمّارة قد خفَّتْ وتراجعتْ. وكما أن في الأفعى سُمًّا قاتلاً، كذلك يوجد في النفس الأمّارة سُمّ قاتل، ولا علاجَ له إلا بيدِ مَن خلَقه.»
أي إن الله يملك علاجًا لمحو السيئة لذلك ينبغي أن تخضعوا أمامه واستعينوا به لينقذكم دومًا من أضرار الدنيا ومجالس السوء.
لقد ورد في رواية أن النبي كان إذا قام من مجلسه قال: «سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.»
كما قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرةً: «كلماتٌ لا يَتَكلَّمُ بِهنَّ أحدٌ في مجلسهِ، عند قيامِه ثلاثَ مرَّاتٍ إلا كُفرَ بِهِنَّ عنه، ولا يقُولهُنَّ في مجلسِ خيرٍ، ومجلسِ ذِكْرٍ إلا خُتِمَ له بهنَّ عليه، كما يُخْتَمُ بالخاتم على الصحيفة: سبحانك اللَّهمَّ وبِحَمدِكَ، لا إلهَ إلا أنت، أستغفِرُكَ وأتوبُ إليك.» أي جنّبني مما يصدر مني من المنكرات واحفظني من أضرارها. وهذا الدعاء يُعِيذُه من أضرار المنكرات ويُعِينُه على الاستفادة من مجالس الخير، كما قال المسيح الموعود أن الإنسان لا يتخلص من هذه السيئات ما لم ترافقه نصرة من الله تعالى، لذلك ينبغي أن تداوموا على الاستعانة بالله تعالى. وفقنا الله تعالى لتجنب مجالس السوء، وحفظنا من أضرارها إن اشتركنا فيها غير متعمدين. ينبغي أن تتحروا دومًا مجالس الخير، واجلسوا فيها واستفيضوا من هذه المجالس الطيبة بفضل من الله تعالى.
حفظنا الله تعالى دومًا من هجمات الشيطان وأنعم علينا برحمته ومغفرته، ووفقنا للارتباط بنظام الجماعة والخلافة وعصمنا من فتنة كل فتان. آمين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك