في ذكرى التجلي العظيم للقدرة الثانية..

في ذكرى التجلي العظيم للقدرة الثانية..

التحرير

  • إنباء المسيح الموعود u بالخلافة وتحقق النبأ
  • ما الخلافة؟
  • يوبيل الخلافة المئوي (للجماعة الإسلامية الأحمدية)

__

تشهد مشارق الأرض ومغاربها احتفال المسلمين الأحمديين بمرور قرن من الزمن على قيام الخلافة الإسلامية الراشدة الثانية على منهاج النبوة. وتُرسِّخُ هذه المناسبة المباركة في أذهاننا ونحن في العهد المبارك للخليفة الخامس للإمام المهدي والمسيح الموعود ذلك التجلي العظيم للقدرة الثانية التي بشر بمجيئها سيدنا أحمد عند اقتراب أجله، والذي كان تحققها آية عظيمة على صدقه وصدق دعواه. لقد سمى الخلافة بالقدرة الثانية وأكد بأن الله تعالى يُري  قسمين من قدرته واحدة على يد النبي والأخرى بعد وفاته. وأكد أن الحكمة من وراء ذلك هو محق فرحة أعداء الله ورسله الذين يظنون أن دعوة المبعوث مندثرة بمغادرته الحياة الدنيا لا محالة، فيُظهر الله في ذلك الوقت العصيب قدرته الثانية ليسند جماعة المؤمنين ويثبت أقدامهم ويخزي آمال المنافقين المكذبين.

لقد حقق الله هذا النبأ العظيم بعيْد وفاة سيدنا أحمد ، وكان أول تجل للقدرة الثانية سيدنا الحكيم نور الدين ؛ ذلك الصحابي الجليل الذي صار أول خلفاء الإمام المهدي والمسيح الموعود؛ حيث كان  من أكبر المصدّقين المناصرين لدعواه؛ حتى نال من سيدنا أحمد لقب الصديّق لورعه وتقواه وحبه ونصرته للدين.

أخي القارئ، إن الخلافة إنعام ربّاني عظيم، ووعد يقيني حصري للذين آمنوا وعملوا الصالحات،كما بين سبحانه وتعالى في قوله:

وَعَدَ الله الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (النور:56)

وقد تجلت معالم هذا الإنعام الرباني العظيم في البعثة الأولى للإسلام بعد وفاة المصطفى ؛ حيث اشتدت فيه وطأة المنافقين وتطاولت ألسنة المرتدين، وهاجت الفتن وكثُرت المحن، وأحاطت البلايا والمنايا  بالمسلمين، وابتليت كل نفس مؤمنة بنيران الفتن كالنيران المحرقة، ومُلئت صدورهم خوفا وفزعا، ففي ذلك الأوان أقام الله الصدّيق وجعله أول مظهر لسلسلة هذا الإنعام، في وقتٍ ظن فيه الظانون أن الإسلام قد هُدَّتْ أركانه وسقطت خيامه، وأفلت شمسه وصاح فيه البوم، وإذ بشمس الاستخلاف تُشرق أشعتها مخترقة الغيوم والسحب، فأزالت عن أعين الناس ظلمة الحجب، وأنارت بضيائها القريبَ والبعيدَ واستقام أمر الخلافة ونجّى الله الإسلام والمسلمين من الآفة، ومكّن لهم دينهم وتوالت سلسلة الاستخلاف ما بقي الإيمان والعمل الصالح في الأمة، فتجّرأ المتجرءون بأهوائهم ومكابرتهم للطعن في ورثاء خاتم النبيين والتنقيص من سلطانهم الروحي.  فكانت تلك الحقبة صفحة آثمة من صفحات الغدر والخيانة، وشرارة فتن مهلكة مزقت وحدة المسلمين وكيانهم، من علياء شاهق إلى حضيض ماحق، فافترقت الأمة فرقا وشيعا، كل حزب بما لديهم فرحون، وصار كيان الأمة جسدًا خامدًا لا حول له ولا قوة، فتداعى المتداعون عليه من كل حدب وصوب يصولون عليه ويتطاولون، وتمتد إليه أيديهم الغادرة تارة صَفْعًا وأخرى ألسنتهم لَسْعًا. فشاءت غيرة الله على أمة المصطفى فأرسل المسيح الموعود حَكَمًا عدلا، ليخلص الدين الحنيف من صَوْلَةِ الصَّائلين، ويفْصل في الآراء التي بني عليها التشاجر والخلاف بين فرق المسلمين، وليعيد للجسد عافيته، وليحقق وعد الاستخلاف في زمن الآخَرين كما كان في زمن الأولين.

كان سيدنا أحمد يؤمن إيمانا يقينيا بحتمية بقاء الخلافة في الأمة كعلامة على حياة الإسلام واستمرار فيوضه، ويحمل بقوة على أولئك الذين قصرت نظرتهم وفهمم على حصر الخلافة في الاستخلاف الأول قائلا: “فإذا تدبّر أحد هذه الآيات وأنعم النظر فيها فكيف لا يُدرك أن الله سبحانه وتعالى يعِد هنا المسلمين بوضوح بالخلافة الدائمة، فإنْ لم تكن الخلافة في هذه الأمّة إلى الأبد فما القصد إذًا من تشبيههم بخلفاء الأمة الموسوية. وإذا كانت الخلافة الراشدة محدودة في ثلاثين سنة بحيث ينتهي دورها إلى الأبد بعد مضيّ هذا الأمد فهذا يستلزم أن الله سبحانه وتعالى لم يُرِدْ أن تظلّ أبواب السعادة مفتوحة لهذه الأمّة إلى الأبد، ذلك لأن موت السلسلة الروحانية يستلزم موت الدين.” وأكد هذا الأمر بقوله أنه ما دام من سنة الله القديمة أنه تعالى يُري قدرتَين، ليحطّم بذلك فرحتَين كاذبتين للأعداء.. فمن المستحيل أن يغيّر الله تعالى الآن سنّتَه الأزلية. فلا تحزنوا لما أخبرتُكم به ولا تكتئبوا، إذ لا بد لكم من أن تروا القدرة الثانية أيضًا، وإن مجيئها خير لكم، لأنها دائمة ولن تنقطع إلى يوم القيامة. وإن تلك القدرة الثانية لا يمكن أن تأتيكم ما لم أغادر أنا، ولكن عندما أرحل سوف يرسل الله لكم القدرةَ الثانية، التي سوف تبقى معكم إلى الأبد بحسب وعد الله…”

أخي القارئ إننا ونحن نحتفل بيوبيل الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة نستذكر ذلك العطاء العظيم لهذه الدوحة المباركة عبر سلسلة من خلفائها الربانيين الأطهار الذين صانوا الإسلام العظيم وحياضه وأشاعوا أنواره وأركانه  في كل ربوع الأرض بهدي كتاب الله وسنة رسوله المطهرة ، وقدموا أروع أمثلة القيادة الرشيدة في السير بجماعة المسلمين نحو علياء الإسلام وبث الحياة الروحية، والواقع أن قلوبنا تمتلئ بمشاعر الشكر والامتنان حين نرى الله تعالى قد وفقنا للإيمان بإمام هذا الزمان في ظروف نُصب فيها العداء لنا وتربص بنا المتربصون الدوائر من كل الملل، وأنعم علينا بوعد الاستخلاف كعلامة فارقة على رضى الله وتأييده جمعا لصف المؤمنين ورباطا لهم في سلك الوحدة الإيمانية، ووحدة في الهدف والمصير والموقف والفكر كالجسد الواحد. فاليوم عندما نشكر  الله على مرور قرن من الزمان على تجلي القدرة الثانية نستلهم كل هذه المعاني والبركات التي تتضمنها الخلافة، ولا ننسى في دعائنا آباءنا وأسلافنا الذين سبقونا بالإيمان وسهلوا لنا الطريق بإيمانهم بإمام الزمان وتضحياتهم في سبيل الإسلام، حتى بلغت إلينا هذه الدعوة وشُرِّفنا بأن نلحق بالأولين، في ظل القيادة المباركة لخليفتنا الراشد الخامس المنصور بالله مسرور أحمد نصره الله وأيدّه. نسأله تعالى أن يوفقنا لاستكمال المسيرة سائرين في دروب الطاعة والفداء والإخلاص لله ولرسوله، متمسكين بحبل الله “الخلافة” التي تربطنا معها أواصر البيعة الشرعية.

جعل الله الخلافة الإسلامية الأحمدية دوما وأبدا حامية لحمى الملة والدين، وجعل لوائها خفاقا في العالمين، وأتم بها السيادة المجيدة للإسلام العظيم، وأعاد بها وحدة صف المسلمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وخلفائه .. آمين ثم آمين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك