ألسنة أحلى من العسل وقلوب أمر من الصبر

ألسنة أحلى من العسل وقلوب أمر من الصبر

  • بلاد المسلمين وشعارات السلام غير المتحققة
  • مظلومون من غيرهم وظالمين لأنفسهم!
  • الأخلاق النظرية لا تقيم دينًا
  • شر العلماء وقولهم ما لا يفعلون
  • الازدواجية في الأحكام من علماء أهل الإسلام
  • تعاليم الإسلام تدعو إلى الحوار الراقي
  • انعدام الحوار عقم إيماني
  • حجب النور عن العوام يسبب التعصب الأعمى

__

لا أظن بأنه يوجد مسلم عاقل ينكر هوان الأمة الإسلامية وتداعي الأمم عليها، بل إن علماءها يرفعون أكفّهم إلى الله بالدعاء لنصرها ورفع البلاء عنها، ويحاولون تبرير هذا الهوان بمبررات شتى، ولكنهم بدلا من أن يضعوا أيديهم على السبب الحقيقي ومن ثم القضاء عليه فإنهم -إلا من رحم الله- يساهمون في إغراقها بالفتن!

فبالنظر إلى حال الدول ذات الأغلبية المسلمة مقارنة بدول الغرب ذات الأقلية المسلمة، فإننا نجد أن حال الأولى فيه من الظلم والتقاتل ما لا يوجد في الثانية، رغم أن الأَولى بالطبع أن يُبسط العدل ويَعم السلام في الدول التي يدين فيها الأغلبية بدين الإسلام، ولكن ها نحن نرى في بلاد المسلمين ما لا نراه في غيرها من شحناء وعنف وكراهية وكذب وهرج.. ولعل القارئ الكريم قد لاحظ بأنني لم أعطف آفة الظلم على هذه الآفات وغيرها مما لم أذكره، وذلك لأن الظلم في الواقع هو هذا الخلق الذميم الذي يخرج من عباءته كل تلك الآفات التي تستجلب غضب الله ونقمته. ففضلا عن أن الظالم يعصي الله بمخالفة أوامره، فإنه يسلب حق المظلوم بسوء خلقه. فحين يتشاحن معه أو يقاتله فإنه يسلبه حقه في الحياة بسلام. وحين يكذب عليه ويخدعه فإنه يسلبه حقه في معرفة الحقيقة. وحين لا يتقن العمل المكلف به له فإنه يسلبه حقه في الحصول على ما ائتمنه عليه ضمنيا. وحين يتجسس عليه ويخترق خصوصياته فهو يسلبه حقه في الاحتفاظ بتلك الخصوصيات وعدم العبث بها. وحين يتعامل معه بقلة ضمير أو لا يحب له ما يحب لنفسه، فهذا يعنى بأنه قد انتزع ثقته ثم خانها. أما حين يضطهده أو يقتله لاختلافه معه في عقيدته أو مذهبه، فهو هنا يحاول سلب حقه في الاحتفاظ بعقله فضلا عن تعديه على حق الله في حساب خلقه على ما يؤمنون.. وهكذا كل خُلق سيئ هو ظلم وتطفيف لابد أن تكون عاقبته ويل وشؤم على الظالمين!

ومن المؤسف حقا أن يرتع الظلم في بلاد المسلمين، ذلك لأنهم- إلا من رحم الله قد أصبحوا كالأعراب الذين قالوا آمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبهم، فألسنتهم تبدو عند الحديث عن مبادئ الإسلام أحلى من العسل، بينما قلوبهم أمرّ من الصبر! ولو دخل حقا نور الإيمان بالإسلام إلى قلوبهم لما وسعتها الظُلوم! فبأي حق سينتصرون وبين أيديهم كتاب الله يخبرهم بأن الظالمين ما لهم من ولى ولا نصير؟!

ويحضرني هنا ما قيل عن حبس هارون الرشيد لأبي العتاهية، لأنه لم يطعه حين طلب منه أن يقول شعرا غزليا، فكان حسبما يوصف في زماننا هذا سجين رأي، فكتب على حائط السجن:

أما والله إنَّ الظُّلم شؤمٌ

وما زال المسيء هو الظَّلومُ

إلى الديان يوم الدين نمضي

وعند الله تجتمع الخصومُ

فما كان من الرشيد إلا أن ندم وبكى حين وصله ما قاله أبو العتاهية، وأمر فورا بإطلاق سراحه! فمن يبكي الآن من حاله إذا ظَلم، مثلما يبكي على حاله إن كان مظلوما؟!

وحقا، إن من أقبح أشكال الظلم في بلاد المسلمين هو اضطهاد الإنسان أو حبسه من أجل رأيه أو معتقده، حيث تسعى الأغلبية في كثير من هذه البلاد إلى فرض سيطرتها العقائدية عن طريق قمع المخالفين وتأليب القوى الأمنية عليهم، وقد يتجاوز الأمر إلى حد إهدار دم كل من يخرج عن منهجهم أو عقيدتهم. ورغم ذلك فإن أغلب المسلمين ينددون بالظلم إذا وقع عليهم من غيرهم بينما لا يشعرون بالمرة بظلمهم للآخرين! بل إن ظلمهم لمن يخالف فهمهم عن الدين من المسلمين لهو أشد بأسا وأشد تنكيلا! ولعل هذه المقارنة بين ما تقوم به الأغلبية المسلمة في باكستان، وبين ما يقوم به البوذيون في ميانمار، تعكس مدى قبح الظلم والكيل بمكيالين، فما يحدث للمسلمين الأحمديين من اضطهاد وتقتيل وتكفير تحت حكم الأغلبية السلفية في باكستان، قد فاق ما يحدث للأقلية المسلمة تحت حكم البوذيين في ميانمار! وإنها لمفارقة جديرة بالتأمل حين نرى ما تقوم به الأغلبية المسلمة في باكستان بين الحين والآخر من هدم مساجد المسلمين الأحمديين على رؤوسهم وهم يصلون، وذلك اعتقادا منهم بأن قتلهم واجب شرعي، وذلك تماما كما يهدم البوذيون مساجد الأقلية المسلمة في ميانمار، اعتقادا منهم بأن أرواحهم لا تستحق الحياة! ورغم هذا التشابه العقائدي المخزي، فإن أغلب المسلمين في العالم يسكتون على ما يحدث للمسلمين الأحمديين في باكستان، بينما يتكلمون بكلام أحلى من العسل عن حقوق المواطنة وحرية الاعتقاد وحقوق الإنسان وذلك عندما ينددون بما يحدث للمسلمين على أيدي البوذيين في ميانمار، مع أنه لا فرق هنا بينهم وبين البوذيين في قمع المخالفين والتنكيل بهم! وهكذا يكون غالبا حديثهم عن المبادئ والأخلاق حديثا نظريا لا مكان له في تطبيقاتهم، كما يكون حديثا لا ينظر إلا بعين واحدة بحيث يكون في اتجاه مصالحهم وانتماءاتهم!

والأكثر أسفا أن نجد كثيرا من علماء الأمة هم أول مَن يقولون ما لا يفعلون، إذ يتكلمون كلاما أحلى من السكر عن الصدق والمحبة والعدل وحقوق الإنسان.. ولكنهم يستبيحون لأنفسهم ما لا يسمحون به لغيرهم، كما يفتون بالكذب والبغض والقتل وكأن قلوبهم قلوب ذئاب!

وحين كثر الهرج في بلاد العرب بعد ما يسمى بثورات الربيع العربي، وضرب المسلمون رقاب بعضهم البعض وحدث في الأمة فزعة، صار الناس إلى علمائهم لعل منهم رجلاً رشيدًا، فخرج عليهم من خلال الفضائيات علماء من هؤلاء الذين يقولون ما لا يفعلون، خرجوا بكل وداعة وكأنهم يلبسون للناس جلود الضأن من اللين، وتحدثوا بكلام حلو، حاول العامة من ذوى العقول والألباب التوفيق بينه وبين أفعال من يتعلمون على أيديهم فلم يفلحوا، ذلك لأن هؤلاء العلماء على ما يبدو يخلطون الدنيا بالدين، وما خفي في قلوبهم فهو أمرّ!

فهؤلاء الذين يتحدثون عن الصدق والأمانة مستدلين بقوله تعالى

يَــا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً ،

هم في الواقع ينحرفون يمينا أو شمالا عن القول السديد بالتورية والمعاريض! وهؤلاء الذين يتحدثون عن أهمية الحوار مع المخالفين مستدلين على ذلك بأن الرسول قد تحاور مع الكفار، هم في الواقع يؤمنون بما يسمى بمقاطعة أهل البدع ويحذرون من الاستماع إلى عقائد الآخرين! والذين يتحدثون عن حرية العقيدة مستدلين بقوله تعالى (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)، هم أنفسهم الذين يؤمنون بحد الردة ولا يرون فيه إكراها في الدين! كما يتحدثون عن العدل مع الخصوم وشهادة الحق في حقهم مستدلين بقوله تعالى:

وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ ،

ولكنهم لا يتورعون عن ظلم المخالفين لفهمهم وشهادة الزور في حقهم، كما فعلوا وظلموا الجماعة الإسلامية الأحمدية وقالوا فيها ما لم يقله مالك في الخمر! وكذلك كان حديثهم رائعا عن حسن الظن بالآخر، والعمل بقاعدة اسمع منـي ولا تسمع عنـي، والتحري عن النبأ لقوله تعالى

إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ،

ولكن ليت ما يتحدثون عنه بألسنتهم قد وقر في قلوبهم، إذ أنهم غالبا ما يسيئون الظن بمن يخالفونهم ويتهمونهم بالتآمر، ويستمعون عنهم من خصومهم ويحرمون الاستماع إليهم، كما فعلوا واستمعوا إلى خصوم الجماعة الإسلامية الأحمدية واستنكفوا أن يتبيّنوا ويسمعوا منها، واعتبروا كلام الخصوم الباطل في حق مؤسسها حضرة ميرزا غلام أحمد قرآنا أخذوا في تلاوته على الناس، فافتروا عليه وأساءوا الظن به، وأصابوا جماعته بجهالة ولم يصبحوا حتى الآن من النادمين!وهكذا تقطر ألسنتهم بكلام أحلى من العسل ولكن ما استقر في قلوبهم أمرّ من الصبر، فكأنهم يخادعون الله ولكن الله خادعهم، فيجازيهم على مرارة قلوبهم وسوادها بفتن كقطع الليل المظلم تدع الحليم منهم حيرانا! فحقا إنهم ومن على دربهم مصداق للنبوءة الواردة في الحديث الشريف:

“يَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ رِجَالٌ يَخْتِلُون الدُّنْيَا بِالدِّينِ، يَلْبَسُونَ لِلنَّاسِ جُلُودَ الضَّأْنِ مِنَ اللِّينِ، أَلْسِنَتُهُمْ أَحْلَى مِنَ السُّكَّرِ، وَقُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الذِّئَابِ، يَقُولُ الله عَزَّ وَجَلَّ أَبِي يَغْتَرُّونَ أَمْ عَلَيَّ يَجْتَرِئُونَ؟ فَبِي حَلَفْتُ لَأَبْعَثَنَّ عَلَى أُولَئِكَ مِنْهُمْ فِتْنَةً تَدَعُ الْحَلِيمَ مِنْهُمْ حَيْرَانًا” (الترمذي)، وفى رواية أخرى: “إِنَّ الله تَعَالَى قَالَ لَقَدْ خَلَقْتُ خَلْقًا أَلْسِنَتُهُمْ أَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ وَقُلُوبُهُمْ أَمَرُّ مِنَ الصَّبْرِ فَبِي حَلَفْتُ لَأُتِيحَنَّهُمْ فِتْنَةً تَدَعُ الْحَلِيمَ مِنْهُمْ حَيْرَانًا فَبِي يَغْتَرُّونَ أَمْ عَلَيَّ يَجْتَرِئُونَ” (كنـز العمال)!

وسأتوقف هنا عند كلام هؤلاء العلماء الحلو عن وجوب الاستماع للآخر، وعن حقوق المواطنة، وحق الأقليات في أخذ حقوقهم كاملة في ظل دولة الإسلام، وأتساءل: هل يُسمح استنادا إلى كلامهم هذا، أن تدعو الأقليات إلى عقائدها في البلاد ذات الأغلبية المسلمة، كما تدعو تلك الأغلبية لعقائدها؟! وهل يقبلون أن يأتي الآخرون من البلاد ذات الأقلية المسلمة إلى بلاد المسلمين للدعوة إلى عقائدهم، كما تسمح هذه البلاد لهم أن يذهبوا إليها للدعوة إلى الإسلام؟! ولنترك الواقع المؤسف في أغلب بلاد المسلمين للإجابة على هذا التساؤل من خلال ما نراه من اضطهاد للأقليات وحظر نشر عقائدهم ومنع تداول الكتب التي تتحدث عن تلك العقائد، ليس فقط مَن يدينون بغير دين الإسلام ولكن أيضا المسلمون الذين يختلفون في فهمهم للإسلام عن فهم الأغلبية! فبأي وجه يقمعون الآخرين ويمنعونهم من الدعوة إلى ما يؤمنون، وهم يذهبون لنشر الإسلام والدعوة إليه في بلاد الآخرين؟!

أغلب المسلمين في العالم يسكتون على ما يحدث للمسلمين الأحمديين في باكستان، بينما يتكلمون بكلام أحلى من العسل عن حقوق المواطنة وحرية الاعتقاد وحقوق الإنسان وذلك عندما ينددون بما يحدث للمسلمين على أيدي البوذيين في ميانمار، مع أنه لا فرق هنا بينهم وبين البوذيين في قمع المخالفين والتنكيل بهم!

الحق أن اضطهاد الآخرين بسبب انتماءاتهم الدينية ومنعهم من الحديث عنها لهو من أكبر البدع في الدين، ففضلا عما فيه من ظلم لا نقبله على أنفسنا فيجب ألا نوقعه على الآخرين، فإن فيه مخالفة لمنهج الإسلام العظيم الذي دعا إلى الاستماع إلى المخالفين بل ودعوتهم للحوار بلطف وأدب. فلقد أمر الحق تبارك وتعالى نبيّه بأن يجذبهم إلى الحوار وذلك بقوله

وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مبِينٍ ،

وبتدبر هذا القول الكريم سنجد فيه درسا بليغا في أدب الحوار والعمل على دعوة الآخر إليه، حيث نلمح فيه تحديا مهذبا يهدف إلى تشجيع المخالفين لقبول الحوار وعرض حجتهم، ولا يأتي ذلك إلا من الحريصين على هداية الآخرين ومن الواثقين بأن حجتهم دامغة، ولأن هذا التحدي مهذب- فإننا لا نلمح فيه شبهة تعصب أو استعلاء على المخالفين، وإنما إقرارا مبدئيا بأن الهدى مع طرف دون الآخر، مما يعني الحرص على إقامة حوار هادئ يتواضع فيه الجميع في سبيل الوصول إلى الحق!

فعلى مَن يخاف علماء الأمة وممّ يخافون، حتى يبتدعوا في الدين فيحرّموا الاستماع إلى غيرهم؟! أيخافون على الإسلام من أي دين يخالفه؟ فأي دين هذا الذي يُخشى منه على الإسلام الحقيقي الأصيل؟! وإذا كانوا يخافون على الناس، فما جدوى إيمانهم إذا كان هشّا يُخشى عليه من الصمود؟! وما جدوى الإيمان إن لم يُفْتَنُ الناس فيه وقد قال الحق عز وجل:

أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُون ؟!

إن اضطهاد المخالفين ومنع الاستماع إليهم، ليس هو السبيل للحفاظ على الإيمان والوقاية من فتن الشبهات، وإنما تقوية الإيمان بالحجة والاستماع إليهم هو السبيل الذي قد يأتي بهم إلى حظيرة الإسلام فضلا عن الوقاية من شبهاتهم!

ولابد من التوقف هنا للإشارة إلى ظلم علماء هذا الزمان للإمام المهدي والمسيح الموعود حضرة ميرزا غلام أحمد، الخادم العاشق لسيد المرسلين ومجدد دعوته، فتكفير جماعته والتحذير من الاستماع إلى دعوته، قد منع عن المسلمين- إلا من رحم الله- التسلح بالحجج الدامغة للزود عن الإسلام الأصيل، وحجب عنهم معرفة حقائق الزمن الأخير ودواء العصمة من الفتن، حتى أنه بسبب المفاهيم الباطلة عن الإسلام قد أصبح منهم مَن يمسى مؤمنا ويصبح كافرا! هذا وقد حجب عنهم معرفة مزكى الزمان والرجل الرشيد الذي تحتاج إليه الأمة التي عاد أفرادها بسبب عدم معرفتهم به كالكفار يضرب بعضهم رقاب بعض!

فلا ينبغي لعلماء الزمان أن ينشغلوا بقمع المخالفين في المعتقد أو التسلح بالسيوف لقتلهم، وإنما عليهم الانفتاح على الآخرين والتسلح بالحجة لإحياء قلوبهم! وتلك الحجة لا توجد إلا في الفكر الأحمدى الذي يُظهر عظمة الإسلام على الدين كله! وبرفع الظلم عن إمام الزمان وجماعته المباركة، ستُصحَّح المفاهيم، وتسمو الأخلاق، ويُبسط العدل ويعم السلام، وينصلح حال الأمة لتصبح بحق خير أمة أخرجت للناس!

ولا يسعني في الختام إلا الدعاء لأمة سيد المرسلين بما دعا به خادمه الأمين:

يا ربِّ أصلح حال أمة سيِّدي،

عندك هَيّن عندنا مُتعسرُ!

Share via
تابعونا على الفايس بوك