نقاش المشايخ و مناظرة دلهي

نقاش المشايخ و مناظرة دلهي

هاني طاهر

  • نقض المسيح الموعود جميع إستدلالات الشيخ البهوبالي

__

القراءة في “مناظرة دلهي” بين المسيح الموعود وبين الشيخ محمد بشير البهوبالي ممتعة رغم الملل الذي ينتاب من يقرأ إسهابات الشيخ.

القضية هي وفاة المسيح ، والشيخ لم يجد سوى آية واحدة يستدل بها على ذلك، وهي قوله تعالى

وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا (النساء 160)..

انظروا الآن: هل تقول الآية: إن عيسى حي في السماء؟! هل فيها كلمة “السماء”، أو كلمة “حيّ”، أو فيها شيء عن “عودة المسيح”؟ كلا، ليس فيها شيء من ذلك. ولكن تفسيرها القاطع عند الشيخ أنّ جميع أهل الكتاب في المستقبل سيؤمنون بالمسيح قبل أن يموت المسيح. وهذا يتضمن أن المسيح حيّ، وأنه لن يموت إلا بعد أن يؤمن به أهل الكتاب الذين سيولدون مستقبلا.

كَتَبَ الله لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي . «هذه الآية أيضا تبين سنة الله المستمرة والجارية في كل زمان، وليس المراد أنه سيكون هناك أنبياء في المستقبل وسيجعلهم الله تعالى غالبين في المستقبل، بل معناه أن سنة الله المستمرة هي أن الرسل سيكونون هم الغالبين دائما سواء كان الزمن زمن الحال والمستقبل أو الماضي».

نقض هذا الاستدلال

رائعة هذه المناظرات التي عقدها المسيح الموعود مع الخصوم، فقد أتاحت لنا فرصا عديدة لنطلع على جواهر حضرته أفكارا وأسلوبا، وقد نقض حضرته استدلال الشيخ من جوانب عديدة، منها:

1: إقرار القرآن الكريم ببقاء اليهود حتى يوم القيامة، وعدم انقراضهم، كقوله تعالى عن اليهود وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ (المائدة 65)، وهذا ينقض تفسير الشيخ لآية (ليؤمنن) الذي يرى أن اليهود جميعا سيؤمنون بالمسيح.

2: قوله تعالى وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ (آل عمران 56).. أي أن الله سيجعل أتباع المسيح فوق أعدائه حتى يوم القيامة. وهذا يتضمن أن أعداءه سيظلون أحياء حتى يوم القيامة. وهذا ينقض قول الشيخ بإيمانهم جميعا بالمسيح عند نزوله قبل القيامة.

3: اتَّكأ الشيخ على قاعدة نحوية لتأييد ما ذهب إليه، وهي أن الفعل المضارع المتصل بنون التوكيد الثقيلة يفيد الاستقبال ولا يفيد الحال.. أي أن قوله تعالى (لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ) لا يتعلق بالسابقين ولا بالمعاصرين، بل بأناس سيأتون مستقبلا. وقد نقضَ المسيح الموعود هذا بأكثر من مدخل:

أولـها:

أن هذه القاعدة ليست صحيحة، واستشهد بآيات قرآنية عديدة لنقضها، منها قوله تعالى:

فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ .

وقال حضرته تعليقا: واضح أن المراد هنا هو الحال (أي الزمن الذي نزلت فيه الآية وليس الزمن القادم) لأنه بمجرد نزول الآية أُمر المسلمون باستقبال الكعبة دون تأخير أو تراخٍ لدرجةِ أنّ الوجوه وُلِّيَتِ إلى الكعبة أثناء الصلاة”. ومنها قوله تعالى:

وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ .

ومنها قوله تعالى :

وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ..

“أي نريهم سبلنا الآن، وسنريهم في المستقبل أيضا”. ومنها قوله تعالى:

كَتَبَ الله لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي .

“هذه الآية أيضا تبين سنة الله المستمرة والجارية في كل زمان، وليس المراد أنه سيكون هناك أنبياء في المستقبل وسيجعلهم الله تعالى غالبين في المستقبل، بل معناه أن سنة الله المستمرة هي أن الرسل يكونون هم الغالبين دائما سواء كان الزمن زمن الحال أو المستقبل أو الماضي”. وغيرها من آيات. وقد ناقش المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام قول الشيخ بأن هذه قاعدة نحوية مجمع عليها، وفنّد ذلك، وقال لا قيمة للقواعد أمام الأمثلة القرآنية.

ثانيـها:

أنه على فرض أن القاعدة النحوية صحيحة، وأن الآية تتحدث عن المستقبل أن أهل الكتاب سيؤمنون، فإن الآية لا تقول سيؤمنون بعيسى ، بل إن الضمائر فيها يُحتمل أن تعود إلى سيدنا محمد ، فيكون معنى الآية: وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِسيدنا محمد قَبْلَ أن يموت هذا الكتابي..

“فكيف صارت قطعية الدلالة؟ هل المراد من قطعية الدلالة أن يُرجِع أحد الضمير فيها إلى الله، ويعيده آخر إلى سيدنا ومولانا النبي العربي خاتم الأنبياء ، ويصرفه ثالث إلى عيسى ؟ ثم أن يعيد أحدٌ الضمير في «قبل موته» إلى عيسى ويعيده الثاني إلى الكتابيّ؟”

وهذا المعنى لا يقول به المسيح الموعود ، لكن على فرض أن هذا الفعل يتعلق بالمستقبل فقط، وعلى فرض أنّ أهل الكتاب سيؤمنون جميعا، وعلى فرض أنه ليس في القرآن الكريم آيات تتحدث عن بقائهم إلى يوم القيامة، فإن هذه الآية يُحتمل أنها تتحدث عن إيمان أهل الكتاب بالرسول ، وهي بالتالي لا علاقة لها بحياة المسيح قط.

فبعد أن أورد المسيح الموعود تفاسير عديدة للآية قال: فكيف صارت قطعية الدلالة؟ هل المراد من قطعية الدلالة أن يُرجِع أحدٌ الضمير فيها إلى الله، ويعيده آخر إلى سيدنا ومولانا النبي العربي خاتم الأنبياء ، ويصرفه ثالث إلى عيسى ؟ ثم أن يعيد أحدٌ الضمير في “قبل موته” إلى عيسى ويعيده الثاني إلى الكتابيّ؟ (مناظرة دلهي)

ثالثـها:

القول بصحة هذه القاعدة النحوية يتضمن تجهيل ابن عباس وغيره من الصحابة والتابعين الذين فسروا الآية باعتبارها متعلقة بالماضي والحال والمستقبل. وهذا الظنّ لا يليق بهم. فقد قال ابن عباس في تفسيرها: لا يموت يهودي حتى يؤمن بعيسى (ابن جرير الطبري). وهذا يعني أن هذا الصحابي وغيره لم يعرفوا هذه القاعدة النحوية!!

رابعها:

أن هذه القاعدة تتضمن بطلان قراءة أُبَي بن كعب “قبل موتهم”، أي (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِم)، وبالتالي فهذه القراءة تتضمن أن كل كتابي يؤمن بالمسيح عند موته.. وهذا حاصل في الماضي والحال والمستقبل.. فلو كانت الآية متعلقة بالمستقبل فقط فهذه القراءة باطـلة.

خامسها:

“أن كلمة “أهل الكتاب” كثيرا ما أُطلقت في القرآن الكريم على أهل الكتاب الذين كانوا موجودين في زمن النبي …. فأيّة حجة شرعية يقينية وقطعية الدلالة عند الشيخ على أن المراد من أهل الكتاب هم أهل الكتاب في زمن مجهول يؤمنون فيه كلهم بعيسى “؟ (مناظرة دلهي)

لذا فالآية لا تتحدث عن حياة المسيح في السماء، وليس فيها كلمة حيّ ولا سماء ولا عودة.

“ أيْ أننا بيّنّا من قبل أنه لا أحد من أهل الكتاب يؤمن من أعماقه بأن المسيح قد مات على الصليب في الحقيقة، بل إن اعتقاد اليهود والنصارى كلهم بموته على الصليب مبني على الظن والشك فقط….. فها نحن نخبرهم بذلك” بأنه قد مات، وأن روحه قد رفعناها إلينا بإكرام.

وليس مطلوبا منّا أن نفسرها أو أن نقنع الآخرين بتفسيرنا لها، بل المهم هو نقض قولهم أنها دليل على حياة المسيح في السماء، ومع هذا فلا بأس أن ننقل قول المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام في تفسيرها، حيث يقول حضرته: “يبيّن الله تعالى بأن الذين يشكّون في أن المسيح قد صُلب فعلا، لا يوقنون بموته على الصليب، بل اليقين هو أنه مات ميتة طبيعية، ثم رفعه الله تعالى إليه كما يرفع عباده الصالحين. إن الله عزيز ويرزق العزة للذين يصبحون له، وهو حكيم فيفيد بحِكَمه أولئك الذين يتوكّلون عليه. ثم قال تعالى: ما من أهل الكتاب إلا وسيؤمن ببياننا المذكور آنفا – أي عن أفكار أهل الكتاب أنفسهم – قبل أن يؤمن بحقيقة أن المسيح قد مات موتا طبيعيا.. أيْ أننا بيّنّا من قبل أنه لا أحد من أهل الكتاب يؤمن من أعماقه بأن المسيح قد مات على الصليب في الحقيقة، بل إن اعتقاد اليهود والنصارى كلهم بموته على الصليب مبني على الظن والشك فقط، وإن بياننا هذا صحيح تماما ولا يسع أحدا إنكاره. غير أنهم لا يعرفون عن موعد موته، فها نحن نخبرهم بذلك بأنه قد مات، وأن روحه قد رفعناها إلينا بإكرام”. (إزالة الأوهام)

وللآية تفاسـير أخرى ذكرها المسيح الموعـود عليه الصـلاة والسلام، ولكـن المقـال لا يتسع لنقلهـا.

Share via
تابعونا على الفايس بوك