العدل لا استثناء فيه

العدل لا استثناء فيه

هاني طاهر

  • العدل في كل أمور الحياة الصغيرة والكبيرة مع المسلمين وغير المسلمين
  • يريد الله منا أن نعامل جميع البشر بالعدل والمواساة كالأم الحنون لا تطلب مقابل

__

العدل لا استثناء فيه

ما هو العدل؟ و ما أدلة وجوبه؟ و ماذا يبنى عليه؟ و لماذا يرفضه مشايخ السوء؟

العدل هو أن تعامل الناس كما تحب أن يعاملوك؛ هو أن يكون لك كَيْل واحد تزن به الأمور كلها حيثما كنت.

وقد أكّد عليه القرآن الكريم مرارا، حيث نقرأ الآيات الكريمة التالية:

إِنَّ الله يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (النحل 91) إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ الله نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ الله كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (النساء 59) فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ الله مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ (الشورى 16) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لله شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى (المائدة 9)

ماذا يُـبنى علـيه؟

أن تعامل جارَك كما تحب أن يعاملك جارُك، وأن تتصرف في أوروبا كما تحب أن يتصرف الأوربيون في بلدك، وأن لا تسخر من أحد لأنك لا تحب أن يسخر منك أحد، وأن تسمح له ببناء كنيسة حيثما كان هنالك مبرر لها كما تحب أن يسمح لك ببناء مسجد حيثما كان هناك مبرر له، وأن لا تعاقب من يرتدّ عن الإسلام كما ترغب أن لا يُعاقَب من يترك دينه ويعتنق الإسلام، وأن لا تقاتل الناس لمجرد اختلافهم الديني معك، كما تريد أن لا يقاتلوك لمجرد إسلامك، وأن لا تنتخب المشايخ المتعصبين كما تود أن لا ينتخب الأوروبيون المتعصبين منهم، وأن لا تُخرج غير المسلمين من جزيرة العرب كما تريد أن لا يُخرجك أحد من بيتك، وأن لا تضيق في الطريق على أحد كما تريد أن لا يضيّق عليك فيها أحد.

أن تعامل جارَك كما تحب أن يعاملك جارُك، وأن تتصرف في أوروبا كما تحب أن يتصرف الأوربيون في بلدك… وأن تسمح له ببناء كنيسة حيثما كان هنالك مبرر لها كما تحب أن يسمح لك ببناء مسجد حيثما كان هناك مبرر له، وأن لا تعاقب من يرتدّ عن الإسلام كما ترغب أن لا يُعاقَب من يترك دينه ويعتنق الإسلام…..

إن هذا المبدأ العظيم يقصم ظهر البدع التالية: قتل المرتد لمجرد ردته، والجهاد العدواني، وهو قتال الناس كافة، ومنع بناء الكنائس الضرورية لأهلها، والتضييق في الطريق على غير المسلمين، وعدم قتل المسلم بالكافر، والتفريق في الدية بين المسلم وغير المسلم، وعدم ردّ السلام على غير المسلمين، وعلى أي تفريق بين المواطنين على أساس ديني أو عرقي.

لكن مشايـخ السـوء لهـم رأي مخـتلف كليا بما سـبق

حيث يستدلون على بطلان مبدأ “لهم ما لنا وعليهم ما علينا” بما يلي من أدلة:

أولها: قوله تعالى أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْـرِمِينَ * مَـا لَكُمْ كَيْـفَ تَحْكُمُونَ (القلم 36-37)

وثانيها: جواز الزواج من كتابية وتحريم الزواج من كتابي.

وثالثها: إجبار الذمي على دفع الجزية.

ورابعها: الحديث: “لا يُقتل مسلم بكافر”.

وخامسها: الحديث: “لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام…”.

مناقشـة أدلتـهم

أما الآية أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ فلا تنقض هذا المبدأ، بل تعني أن الله تعالى لا يساوي بين المسلم والكافر، بل إنه سبحانه ينصر الأول ويهزم الثاني، ويرضى عن الأول ويسخط على الثاني، ويُدخل الأولَ الجنةَ والثاني النارَ. والمساواة هنا ليست هي العدل، فلا يجوز أن نساوي بين المجرم والضحية مثلا، أو بين النشيط والكسول، بل يُعطى كلٌّ حقَّه بالعدل، وذلك حسب القاعدة السابقة، فتعطي الكسول ما ترضى أن تُعطى لو كنتَ كسولا مثله، وتعاقِب المجرم بما ترضى أن تُعاقَب به لو كنت مجرما مثله.

أما دليلهم الثاني وهو الزواج من كتابية فهو صحيح إن كان هذا الزواج يتمّ بالإكراه، فهو ظلم في هذه الحالة بلا شك، لكن ما دامت الكتابية تقبل بمحض إرادتها بهذا الزواج فلا ظلم، فهي حرة ونحن أحرار، وليس هناك إجبار. فهذا الزواج يفتح بابا للمرأة الكتابية حتى تجد زوجا، فهو في مصلحتها، وليس في ذلك ظلم لأحد.. أي أن المسألة تدخل في باب الإحسان إلى نساء أهل الكتاب بإعطائهن فرصة للزواج من مسلمين رغم أنهن كافرات بسيد البشر ، فأين الظلم في هذا؟

وأما الجزية فليست للتفريق بين المسلم والكافر، وليست علتها كفر الكافر، فهي لا تؤخذ من المواطن غير المسلم لمجرد عدم إسلامه، بل هي خاصة بالمعتدين الذين هُزموا.. أي هي جزاء على عدوانهم. أما المواطن؛ المسلم والمسيحي فلا فرق بينهما في الحقوق والواجبات. المسلم يُخرج زكاة ماله، والمسيحي يمكنه أن يتصدق، ولا شك أن دينه يدعوه إلى الإحسان، ولا إكراه في الدين على كل حال.

وأما حديث  “لا يُقتل مسلم بكافر”، فالمقصود به الكافر المحارب. أما إذا قتل مسلم مسيحيا فإنه يُقتل إنْ لم يعفُ أهل القتيل أو لم يقبلوا بالدية.

وأما الحديـث “لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام” فهو خاص باليهود الذين كانوا قد نقضوا العهد.

فهذه ليست أدلة، بل هي أمثلة استنتجوا منها أن العدل ليس مبدأ، أو استنتجوا منها بطلان تعريف العدل من غير أن يأتوا بتعريف له. فإذا جهل هؤلاء بأول المبادئ وأهمها فما هي علومهم غير التُّخمة وكثرة الكلام مع قلة المنفعة؟ فشرُّ الكلام ما كَثُرَ وأضلّ.

فإذا جهل هؤلاء بأول المبادئ وأهمها فما هي علومهم غير التُّخمة وكثرة الكلام مع قلة المنفعة؟ فشرُّ الكلام ما كَثُرَ وأضلّ.

مهما يكن فإن الله تعالى يأمر بما هو أعلى من العدل رغم أهميته، فهو سبحانه (يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى).. وفي تفسير ذلك يقول المسيح الموعود عليه السلام: “ماذا يريد الله منك؟ ليس إلاّ أن تعامل جميع البشر بالعدل، وفوق ذلك أن تشمل بمعروفك من لم يسبق إليك بمعروف، أضف إلى ذلك كله أنْ تعامِل خلق الله بمؤاساة كأنما أنت لهم من ذوي الرحـم، وكما تعامل الأمّهات أولادَهُنَّ. وذلك لأنّ الإحسان يشوبه شيء من الزهو، ولأن المحسن قد يمنّ بإحسانه، ولكن الذي يفعل الخير بدافع طبيعي كما تفعل الأم فلا يمكن أن يزدهي أبدًا. لذلك فإن منتهى درجات الخير هو دافع طبيعي على غرار ما يصدر من الأم، والآية المذكورة لا تخص المخلوق فقط وإنما تشمل ذات الله أيضًا. فالعدل مع الله أن تذكر نعمه فتطيعه، أما الإحسان إليه فهو أن توقن به كأنّك تراه، وأما إِيتاء ذي القربى في حق الله فهو أن تعبده لا طمعًا في الجنة ولا خوفًا من الجحيم، ورغم ذلك يجب أن لا ينقص الحب والطاعة ولو افترضنا جدلاً أنه ليس هناك جنة ولا نار”. (سفينة نوح، الخزائن الروحانية مجلد 19 ص 30-31)

ويأمرنا الله تعالى بالعفو أيضا، فيقول عز وجل:

وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ (الشورى 41).

ويحثنا على الصبر والتسـامح، فيقـول:

وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (الشورى 44).

ويحثنا على أن نواجه السيئة بالحسنة، حتى يصبح الخصم وليا حميما:

ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (فصلت 35).

فإذا جهل هؤلاء المشايخ العدلَ، فمتى يتفطّنون إلى الإحسان والعفو وإيتاء ذي القربى؟

Share via
تابعونا على الفايس بوك