حاربوا الرذيلة بسلاح الفضيلة

حاربوا الرذيلة بسلاح الفضيلة

التحرير

  • قدرة الإنسان على التصبغ بصبغة الله عز و جل
  • الأخلاق السامية تؤدي إلى العيش في أمن و سلام
  • انتشار ثقافات التحرر الفكري لها آثارها السلبية على الأجيال القادمة

__

لا شك أن المبادئ الأخلاقية السامية تُنظّم العلاقات الاجتـماعية والديـنية بين الأفراد والشعوب. فقد زخرت بها الثقافات والمعتقدات على مر العصور باختلاف ألوان الشعوب وتعدد ألسنتها. ولقد جعل هذا القاسم المشترك من الأخلاق السامية لغة مشتركة بين بني الإنسان تتفهمها العقول وتستوعبها الأفئدة دونما حاجة لترجمان يكشف كنهها.

فنرى أن الذي يرفق بالضعفاء تطلق عليه صفة الرحيم، ومن ينصف المظلوم تطلق عليه صفة العادل وهلم جرا على من تنطبق عليه خصائص ومزايا السلوك الأخلاقي السامي.

وقد يستغرب المرء كيف أمكن للبشر الإجماع على أن الأخلاق السامية مستحسنة ومستحبة وأن الرذائل مذمومة!!

ولا شك أن مردّ ذلك هو لله الذي خلق الإنسان على صورته أي أودعه فطريًا موهبةً وقدرةً للاتصاف  بصفات الخير والفضيلة والميل إليها، كما ذكر سيدنا محمد المصطفى “خلق الله آدم على صورته”(1). وبالتالي يرجع توافق البشر في استحسان الفضيلة وذم الرذيلة بالإجماع الفكري إلى النظام الداخلي في النفس البشرية التي أوجد الله تعالى فيها القدرة على الانصباغ بصبغته تعالى والاتصاف بصفاته التشبيهية. فكما أن الله شكور وستار.. كذلك بمقدور الإنسان في إطاره المحدد أن يكون شكورا وستارا. وهذا ما يؤكده الإسلام دين الفطرة..

  صِبْغَةَ الله وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ (2)

وتطلعنا الدراسات المستفيضة لتاريخ الإنسانية أنه كلما عُكست صفات الله على أرض الواقع بلغت أخلاق العامة ذروتها، وعاشت لإنسانية في أمن وسلام. ولكن ولسوء الحال نرى أن العالَم اليوم يعج بتيارات وقوى هدامة ما انفكت تحارب الفضيلة بأدوات مختلفة ساعية إلى تحقيق نظرياتها الداعية إلى التحرر الفكري والجنسي في إطار منظومة إشباع الحاجة. فكلنا يعرف كيف راجت هذه الأفكار وتعالت صيحاتها مبشرة الإنسان بفجر عصر جديد تنمحي فيه القيم والأخلاق التي رسختها تعاليم السماء لتحل محلها قيم جديدة تسود العالم تحت نظام عالمي جديد تتربع على عرشه الرذيلة.

فالسبيل الأوحد لدفع الشر هو محاربة الرذيلة بسلاح الفضيلة، فهي السلاح الوحيد الذي إن استخدمته الإنسانية بحد وإخلاص أمكنها تغيير العالم

ونرى انعكاسات هذه الثقافة وآثارها السلبية قد غزت الأجيالا الصاعدة حيث مسخت هويتها الثقافية والروحية. وللأسف الشديد فَقَدت كثير من المجتمعات العربية الإسلامية خصائصها الذاتية وخسرت جيلا كاملا فشلت أن تمنحه سبل الوقاية والمناعة التي تخول له مواكبة الثورة المعلوماتية والثقافية وهو متمسك بالقيم الأخلاقية والالتزامات الدينية التي لا غنى عنها ولا بديل.

إننا نأسى لهذا الحال المزري الذي أصاب أخلاق الأمة وخصوصا ناشئتها، حيث نرى انسلاخا تاما عن أدبيات الأخلاق المحمدية الغراء في حين لا يلامس وعظ وإرشاد المؤسسة الدينية عقول الناشئة لأسباب لا حاجة الخوض فيها.

إنها دعوة صادقة نرفعها من على منبر “التقوى” ندعو فيها الأمة أن تعرض أخلاقها وتصرفاتها على كتاب الله وسنة رسوله الكريم لترى بنفسها ما هي عليه من سوء منقلب. وكونوا على يقين أن صلاح المسلمين فيه صلاح العالم وفسادهم فساده. فهلا درستم نهج دين المصطفى وعاينتم كيف أحدث صلاحه ثورة في القلوب جعلت الأموات أحياء والعمي يبصرون، فاقتبسوا من ضياء المصطفى وأفيضوه.

إن كرامة الإنسان في خطر ما دامت العلاقة على مستوى الأفراد والدول يشوبها الظلم وانتهاك الحرمات والقهر والعدوان. فالسبيل الأوحد لدفع الشر هو محاربة الرذيلة بسلاح الفضيلة، فهي السلاح الوحيد الذي إن استخدمته الإنسانية بجد وإخلاص أمكنها تغيير العالم وهزم كل الشرور المنبعثة من الرذائل المستحكمة.

فلما تتسلح الشعوب بهذا السلاح الأخلاقي الذي أوجد الله له قابلية في نفس كل إنسان شريطة تزكية القلوب، وتنضم إلى معسكر مبعوث السماء الخادم الصادق للمصطفى أمكنها آنذاك الدخول في زمرة الناجين.

ويحضرني ونحن في هذا المقام مقطع من قصيدة لسيدنا أحمد عليه السلام:

وأُعطيتُ من حِبِّي قميصَ خلافةٍ

قميصَ رسول الله أبيضَ أَمْهَقِ

>

وأُعطيت عَلَمَ الفتح عَلَمَ محمد ( )

وأُعطيتُ سيفا جذَّ أصلَ التخَلُّقِ (3)

هدانا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه، وجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وصلى الله على سيدنا محمد المصطفى وعلى آله وصحبه أجمعين، آمين.

—-

(1) صحيح البخاري، كتاب الاستئذان.   (2) البقرة: 139(3) كتاب حجة الله
Share via
تابعونا على الفايس بوك