شبهة الحج إلى قاديان

شبهة الحج إلى قاديان

هاني طاهر

  • تشويه وتمويه من قبل أعداء الجماعة على أن الأحمديين والعياذ بالله يحجون إلى قاديان.
  • أهمية زيارة قاديان لتعلَم الدين وتقوية العلاقه بالمركز  تعود لصالح الأحمدي
  • تشديد حضرة المسيح الموعود عليه السلام لحضور جلسة قاديان وبأنها بمثابة ” الحج الظلي ” وشرح ما يقصده ” بالحج الظلي”

__

ينسب محترفو الكذب إلى جماعتنا إلغاءها ركن الحجّ إلى البيت الحرام في مكة المكرمة وقولها بوجوب الحج في قاديان. ولما سُقط في أيديهم وثبت للناس كذبهم غيَّروا في هذه التهمة، فنسبوا لنا أننا نرى أن الحج في البيت الحرام لا يكتمل من دون زيارة قاديان.. أي أننا أضفنا ركنا جديدا للحج. وقال آخرون: إن الجلسة السنوية هي بديل عن الحج.. إلى غير ذلك من أكاذيب يتنافسون في اختراعها.

لو كنا نعتبر الحج إلى قاديان كما يزعم المفترون، لما ذهب الخليفة الثاني للمسيح الموعود للحج في عام 1912، ولما ذهب ظفر الله خان -وهو الابن البار البطل للجماعة الإسلامية الأحمدية- للعمرة ضيفًا على الملك فيصل (الأمير فيصل عندها) في الستينيات. ولو كان افتراؤهم صحيحا ما ذهب العديد من الأحمديين للحج رغم منع الحكومات والسلطات من ذلك، حيث يُلقى القبض على بعض الأحمديين وهم في الحج؛ فأحدهم شودري محمد شريف من ربوة، باكستان، الذي ذهب مع زوجته للحج في أوائل السبعينيات فأُلقيَ القبض عليهما، وسُجنا شهورًا منفصليْن، وقد هُدّدا بالقتل وهما من كبار السن، فقال لهم هذا السجين المظلوم: افعلوا ما شئتم. وكان قد وشى بهما أحد كبار معارضينا في باكستان، وهو الشيخ منظور الشنيوتي. وقد اعتاد المشايخ البحث عن الأحمديين في الحج، ليخبروا السلطات هناك باعتقالهم، فلو كان المسلمون الأحمديون ينكرون هذه الفريضة فهل يخاطرون بحياتهم وحريتهم؟

«فيا جميع أولئك الذين تحسبون أنفسكم جماعتي لن تُعدّوا من جماعتي في السماء إِلاّ حين تسلكون سبل التقوى بالحق، لذلك فأقيموا صلواتكم الخمس بالخشوع وحضور القلب كأنكم ترون الله، وأتمّوا صيامكم لله بالصدق، وكل من وجبت عليه الزكاة فلْيؤدّها، ومن فُرض عليه الحج ولا مانع له فليحجّ».

ثم كيف يبتدع المسيح الموعود حجًّا وهو الذي أكد مرارا على أن الشريعة الإسلامية كاملة ولا نسخ فيها إلى الأبد؟ كيف له أن ينسخ الجهاد أو يغيّر الحج أو أي حكم آخر وهو الذي نادى بكمال الإسلام وكمال الرسول وكمال القرآن الكريم وتنـزيهه عن النسخ كله؟

يقول حضرته:

“ونعتقد بأن الصلاة والصوم والزكاة والحج من فرائض الله الجليل، فمن ترَكها متعمدا غيرَ معتذر عند الله فقد ضل سواء السبيل.” (مواهب الرحمن ص56)

ويقول حضرته :

“وهنالك نوع آخر من العبادة وهو الحج. ولكن يجب ألا يكون الحج حجًّا ظاهريا فقط؛ بأن يأخذ الإنسان ما جمَع مِن حلال وحرام من المال، ويتجه إلى بيت الله الحرام بالباخرة أو غيرها، ويردد بلسانه فقط ما يردد الناس هنالك، ثم يرجع ويفتخر بأنه الحاج. كلا، فليس الغرض الذي من أجله وضع الله الحج يتحقق هكذا، والحق أنه من آخر مراحل العبادة والسلوك أن ينقطع الإنسان عن نفسه، ويعشق ربه، ويغرق في بحر حبه. فالمحب الصادق يضحى بقلبه ومهجته. والطواف ببيت الله الحرام رمز لهذه التضحية وهذا الفداء. وكما أن هناك بيتا لله تعالى على الأرض فكذلك هنالك بيت لله في السماء، وما لم يطُفْ به الإنسان لا يصحّ طوافه”. (خطبات الاجتماع السنوي سنة 1906)

ويقول :

“فيا جميع أولئك الذين تحسبون أنفسكم جماعتي لن تُعدّوا من جماعتي في السماء إِلاّ حين تسلكون سبل التقوى بالحق، لذلك فأقيموا صلواتكم الخمس بالخشوع وحضور القلب كأنكم ترون الله، وأتمّوا صيامكم لله بالصدق، وكل من وجبت عليه الزكاة فلْيؤدّها، ومن فُرض عليه الحج ولا مانع له فليحجّ”. (سفينة نوح، الخزائن الروحانية مجلد 19 ص 15)

ثم كيف يمكن تصديق ما يُنسب للخليفة الثاني من إلغاء الحج وهو الذي كتب في التفسير الكبير صفحات كثيرة عن الحجّ والحكمة من كل مناسكه بتفصيل ممتع مفيد، كما بين تجاربه الروحية خلال حجه لبيت الله الحرام في مكة المكرمة؟ وكيف يخطر بباله أن يخالف ما قاله القرآن الكريم والرسول والمسيح الموعود ؟

وفيما يلي نتطرق إلى بعض عبارات الخليفة الثاني التي يقدّمها الخصوم مبتورة لنقرأها في سياقها:

يتحدث حضرته في بداية خلافته عن أهمية زيارة قاديان، فيقول: “هذا الحماس الذي تولّدَ فيكم بالإيمان بالمسيح الموعود يجب أن تستغلّوه استغلالا صحيحا، وإلا فالحماس الخاطئ يدمِّر؛ استغلّوه لتعلُّم الدين……. وأوّلُ طريقة لتعلُّم الدين أن يكون لكم علاقة بالمركز الذي قد جعله الله تعالى في هذا العصر أُمًّا لكل الدنيا. وسواء صدق أحد أم لم يصدق، واعترف أم لم يعترف، إلا أن الصحيح أن المولود لا يمكن أن يتربى تربية صحيحة إلا بلبن أمه. يمكن أن يتربى بلبن الماعز والبقر والجاموس، لكن لا يمكن أن ينال به القوة الكاملة، إنما ينالها بلبن أمه. لقد جعل الله تعالى قاديان أُمًّا لقرى العالم كله في هذا العصر، لذلك لن تحيا أي قرية حياةً روحانية كاملة إلا التي تتغذى من ثدي هذه الأم. فالطريق الحق والكامل لتعلم الدين إنما هو أن تأتوا هنا وتتعلموه من هنا.

فعبارة: ألم يجفّ الحليب في ثدي مكة والمدينة؟ تعني: أنه لم يعُدْ في مكة والمدينة علماء ربانيون يعلِّمون الناس دينهم الحقّ.

ولو قال أحد أن الحليب يمكن أن يُبعث إلى أماكن بعيدة في العُلَب، فلماذا لا نستفيد من هذا الطريق؟ فأقول: شتّان بين الحليب الطازج وغير الطازج. لا شك أن هذا الحليب أيضًا يُبعث إلى الخارج في العلب -أعني الجرائد- ولكن الفرق بينهما فرق الطازج وغير الطازج. فإذا كنتم تريدون أن تنتفعوا حقيقة فعليكم أن تأتوا هنا وتنتفعوا هنا من هذا الحليب، وإلا سوف نبعث لكم هذا الحليب في العلب على كل حال.

لعل بعضكم يقول أن حضورنا إلى قاديان في الجلسة السنوية يكفينا. ولكن هذا ليس صحيحا، لأننا في هذه المناسبة نبين الأمور إجمالاً ونحثّ على العمل، ولا يكون عندنا فرصة للتعليم والتربية، وإنما تتيسر الفرصة لذلك في أيام غير الجلسة، لذلك يجب أن تحضروا هنا في وقت آخر أيضًا. إن الإخوة الذين يأتون هنا في أوقات أخرى قد رأوا الفرق بين الحليب الطازج والمعلب، ولذلك لا يضيّعون أيّ إجازة ولا فرصة للمجيء هنا. إنهم يشقّون على أنفسهم ويتركون راحتهم ويفارقون أهلهم، ويحضرون هنا حتما، وينتفعون كثيرا بالفعل. إن حضورهم هنا مرة بعد أخرى نفسه دليل على أنهم يجدون فائدة في المجيء هنا، وإلا لماذا يأتون؟ فالحق أن الحضور هنا ضروري هنا. لقد حث المسيح الموعود على ذلك كثيرا، وقال إن الذين لا يحضرون هنا مرة تلو مرة أخاف على إيمانهم، والذي لا يبقى على صلة مع قاديان سوف يُقطع. فاحذروا من أن يُقطع أحدكم.

وثانيا: إلامَ يبقى هذا الحليب طازجا؟ ألا ترون أن حليب الأمهات أيضا يجفّ! ألم يجفّ الحليب في ثدي مكة والمدينة؟ كذلك سيأتي وقت يرمي الله تعالى فيه بهذا الحليب بعيدا عن أولادنا وعن أولادهم أيضا ويجفّ هذا الحليب. هذا الوقت سيأتي حتما، لذلك فمن واجبكم أن تشربوا هذا الحليب وتنتفعوا منه. إن مجيئكم إلى هنا مرة واحدة في السنة لن ينفعكم كثيرا، ولكن الأسف أن معظم الناس لا يهتمون بهذا الأمر. (أنوار العلوم، المجلد الرابع، ص135-136، اطلبوا العلم، خطاب الجلسة السنوية 27-12-1917)

فعبارة: ألم يجفّ الحليب في ثدي مكة والمدينة؟ تعني: أنه لم يعُدْ في مكة والمدينة علماء ربانيون يعلِّمون الناس دينهم الحقّ.

نوع من الحجّ الظلّيّ

وقد اتهم الخارجون على الخليفة (وهم الذين اشتهروا فيما بعد بغير المبايعين أو اللاهوريين) حضرتَه بأنه اعتبر حضور الجلسة السنوية في قاديان حجًّا، فردَّ عليهم حضرته في خطابه في الجلسة السنوية عام 1933، وقال بعد أن بيّن ما في برامج الجلسة من تغييرات وتوسيعات وما شابه ذلك: “على الإخوة أن يسعوا جاهدين للحضور إلى الجلسة السنوية كل سنة بأعداد أكثر من ذي قبل، فحضور هذه الجلسة ليس أمرا عاديا، بل فيه بركات كثيرة. هناك بيت شعر شهير للمسيح الموعود يردده الصغار أيضا، وهو أن أرض قاديان قد صارت محترمة الآن وصارت أرضًا حَرَمًا من كثرة الخلائق.

لقد سبق أن قلت في خطبة قبل هذه الجلسة وأنا أحثّ الإخوة على حضورها إن حضورها نوع من الحجّ الظلّيّ، وعندما نشرتْ جريدة “الفضل” هذه الخطبة فقد كتبتْ في العنوان الرئيس: “نوع من الحجّ الظلّيّ”، ولكن خلال متن الخطبة نسوا أن يذكروا كلمة “نوع من” التي قلتُها. وحتى لو لم تكن هذه الكلمات فهناك كلمات “الحجّ الظليّ”، مما يعني أن الحج الحقيقي قائم بذاته، فإننا عندما نقول أن المسيح الموعود نبيٌّ  ظليّ، فهل يعني هذا أن رسالة النبي الكريم قد انتهت -والعياذ بالله-… إلى أن قال حضرته: “فالحق أن اعتراض غير المبايعين فارغ، فنظرًا للبركات التي قد جعلها الله تعالى في قاديان ولا سيما البركات التي في الجلسة السنوية هنا، فإن اعتبار حضور هذه الجلسة نوعًا من الحج الظلي صحيح تماما. (جريدة الفضل، قاديان دار الأمان، 5-1-1933، عدد 80 المجلد 20)

إذن، الاعتراض كان من غير المبايعين الذين انشقوا عن الجماعة الإسلامية الأحمدية التابعة للخلافة، وهذا لحسدهم لحضرة الخليفة الثاني . ثم هو يدلّ على أنّ المسيح الموعود لم يقل بأن الجلسة بديل عن الحج قط، وإلا ما اعترضوا على الخليفة الثاني وحاولوا تشويه عبارته.

والمشكلة أن المفترين يستدلّون أيضا بما جاء في جريدة لهؤلاء الخارجين على خلافة حضرة الخليفة الثاني ، وهي: “بيغام صلح”، 19-4-1933، وصاحب المقال يريد أن يتهمنا بأننا نعتبر زيارة قاديان بديلاً للحج، وينسب هذا القول إلى أحد الأحمديين.. ولكنه لم يكن صادقا للأسف، بل شوّه العبارات البريئة كما شوّهوا عبارة حضرة الخليفة الثاني .

إن حضورها نوع من الحجّ الظلّيّ، وعندما نشرتْ جريدة «الفضل» هذه الخطبة فقد كتبتْ في العنوان الرئيس: «نوع من الحجّ الظلّيّ»، ولكن خلال متن الخطبة نسوا أن يذكروا كلمة «نوع من» …

اللافت في هذه النصوص كلها التي يلوون أعناقها أنها تكون في سياقات مختلفة، مثل الحضّ على حضور الجلسة، ولكن هؤلاء ينـزعون كلمة من سياقها، كما هو واضح من هذه الأمثلة. ونقدم فيما يلي مثالا آخر، حيث يقول الخليفة الثاني وهو يحثّ الأحمديين على حضور الجلسة السنوية والاستفادة روحانيا من بركاتها: “قد صار الحج في هذه الأيام صعبًا لكثير من الناس، لأنه لم يبقَ في تلك المنطقة الأمن والأمان الذي هو ضروري للحج أولاً، وثانيًا: ليس هنالك نظام لتحقيق الفوائد والمنافع التي هي المقصود الحقيقي للحج، وثالثًا: لأن الله تعالى قد أراد في الزمن الراهن أن يستعمل أهل الهند أكثر من غيرهم في سبيل خدمة دينه، وحيث إنه لا يمكن أن يذهب للحج إلا أصحاب المقدرة والثروة من جهة، ومن جهة أخرى فإن الفقراء الذين يتسببون في ازدهار الجماعات الربانية معذورون شرعًا من الحج بسبب فقرهم، ولذلك قد جعل الله تعالى حجًّا ظليًّا لكي يشترك فيه مسلمو الهند الفقراء الذين يريد الله تعالى أن يستخدمهم لرقي الإسلام في هذا العصر. في العصر الأول للإسلام كانت مسؤولية نشر الإسلام ملقاة على العرب أكثر من غيرهم، وكانوا يستطيعون أن يصلوا مكة بسهولة، ولذلك كانت عندهم فرص كثيرة في الحج لإنجاح هذه الخطة الربانية (نشر الإسلام)، ولكن لا يوجد في بلاد العرب في هذا العصر نظام لإنجاح هذه الخطة الإلهية، كما لا يمكن أن يصل الناس جميعا من كل العالم هنالك، ولذلك فمع أن عبادة الحج باقية وستبقى إلى يوم القيامة، مثل فريضة الصلاة الباقية إلى يوم القيامة، وإن أداء فريضة عبادة الحج هنالك في الأيام المحددة واجب على كل من استطاع إليه سبيلا، ولكن ليس في مكة جماعة في هذا العصر تُعتبر مسؤولة عن نشر الإسلام، كما ليست حالة العرب ولا نظامهم قادر على تبليغ الإسلام، وإنما هذا النظام موجود الآن في الهند، والقوم الذين يقومون بهذه المهمة أيضا موجودون هنا، لذلك قد جعل الله تعالى الآن حجًّا ظليًّا أيضًا، وجعل مركزه قاديان. وما دام نظام التبليغ هذا يظل في الهند، وتظل قاديان مركزا له، وما دام أهل الهند يدركون أن الله تعالى قد ألقى عليهم مسؤولية نشر الهدى والرشد في العالم، فكل من يأتي إلى هذه الجلسة سوف ينال ثوابا، إضافةً إلى المنافع العلمية التي يكسبها بسماع الخطب في الجلسة، ولكن لو أن مسلمي الهند نسوا هذه النعمة الإلهية -لا قدّر الله- ولم يقدروها حق قدرها، واتخذ الله مكانا آخر مركزا لإنجاز هذه المهمة، فحيث إنه ليس في هذه الجلسة أي شعائر تعبدية، إذ إن هذا العنصر مخصوص بمكة المكرمة فقط، لذا سوف يصبح هذا الاجتماع (في قاديان) مجرد تقليد، ولن يبقى فيه ثواب. فمن واجب كل أحمدي أن يقدر هذه النعمة الإلهية حقّ قدرها وعظمة ثوابها ويسعى جاهدا لإنجاح هذه الجلسة السنوية؛ سواء بالمال أو بالجهد أو بتقديم بيته للضيوف أو بأي خدمة أخرى. (خطبات محمود، مجلد 13 ، خطبات الجمعة، ص628، سنة 1931- 1932، رقم الخطبة 73، يوم 25-11-1932)

واضح أن حضرته يحث على حضور هذه الجلسة السنوية، وخلال النصّ يبين أنه ليس هنالك شعائر تعبدية في الجلسة، وأنها إذا فقدت الروحانية منها فليس في حضورها ثواب.

لقد تحدث المسيح الموعود كثيرا عن الحج، وتمنى مرارا أن يزور مكة والمدينة، ويجعل “كحل عينيه تلك الثرى”. ثم إن الخليفة الأول والثاني قد حجّا بيت الله الحرام، ولا زال الأحمديون يحجون رغم المضايقات الكبيرة التي يواجهونها. وهذه الفقرة الأخيرة كافية لنقض أكاذيب الخصوم وتوشيهاتهم المختلفة.

(كُتب المقال بتاريخ 31-12-2010)

Share via
تابعونا على الفايس بوك