أنا لُغتي..! (1)
  • الانسان هو كائن لغوي
  • اللغة هي أداة الفكر
  • العربية هي لغة دين وثقافة وتراث وحضارة وتاريح

__

وجـودُنـا لُغـويّ..!

“أنا لغتي..!” هو اسم الزّاوية الّتي اختـرنا أن نتفاعـل بها معكم – أيّها الأحبّة! – من جديـد، في ميدان الكلمة، لغـةً وأدبًا؛ درسًا وإبـداعًا؛ تـراثًا ومـيراثًا؛ ثقـافيًّا، وحـضاريًّا، ودينيًّا وقـوميًّا، وإنسـانيًّا قَبْلاً وبَعْـدًا.

وقد كان لمتنبيّ العصر، وشاعر العرب الأوّل في الزّمن الحديث، محمود سليم حسين درويش، أن يصوغ بوعيه الحادّ، وبعُمق بصيرة الشّاعر، وإحساسه العالي باللّغة، في قصيدته الرّائعة “قافية من أجل المعلّقات” من ديوانه الأروع “لماذا تركت الحصان وحيدًا”، تعبيرًا أوفى عن حقيقة أنّ الإنسان، عمومًا، هو كائن لغويّ، وعن أنّ العربيّ أو العربيّ الفِلَسطينيّ أو الفِلَسطينيّ العربيّ، خصوصًا، هو لغتُه، فقال:

“… مـن أنـا؟

هذا سـؤالُ الآخرين ولا جوابَ لـه.

أنا لغـتي أنـا،

وأنا مـعلّقةٌ… مـعلّقتانِ… عَشْرٌ، هذه لـغتي

أنا لغـتي. أنا ما قالتِ الكلمـاتُ:

كُـنْ

جَسَـدي، فكنـتُ لنَبْرِها جَسَـدًا…”

وكأنّ محمود درويش بهذا الصّوت يُنطقنا، يُنطق وعينا واعتقادنا الرّاسخيْن لهذه الحقيقة، وتفاعلنا بها وفيها ومعها ولها، مُذ تمثّل الواحد منّا بشرًا سَوِيًّا.

واللّغة ليست مجرّدَ حاضنةٍ للفكر أو مستودعِه ووعائه، بل هي أداة الفكر، أصلاً؛ فنحن نفكّر بلغة، ونحلم بلغة، ونتواصل بحواسّنا الخمس بلغة، تُرجمانها العقل والمنطق والذّوق، فهي، إذًا، “تُكيّف العقل وتشكّله وفق نمطها الخاصّ، ومن ثمّ تنسج الذّهن والوِجْدان على مِنوال الثّقافة الّتي تنتمي إليها اللّغة (أو الّتي تنتمي إلى اللّغة)، فاللّغة العربيّة تصنع عقليّة عربيّة، وتصوغها فكرًا وروحًا وانتماء، وتطبعها (بطابَعها وطابِعها)، (واللّغة) الإنكليزيّة تصنع عقليّة إنكليزيّة، وتصوغها فكرًا وروحًا وانتماء، وتطبعها (بطابَعها وطابِعها)، وإن كان مكتوبًا في هُويّة صاحبها: عربيّ، أو هنديّ، أو صينيّ. تلك هي اللّغة، وكذلك (فعلُها) فينا. فالإنسان هو لغتُه”.

إلى ما سبق، علّه سبق بيت من التّراث لصفيّ الدّين الحِلّيّ، نوظّفُ عجُزَه المختلَفَ حول صدره، ليخدم ما ذهبنا إليه في هذا السّياق: “… فكلّ لسانٍ في الحقيقةِ إنسان”. وإنّه لمنطق مترتّب، ونتيجة حتميّة، وواقع وحقيقة، أنّ رقيّ الإنسان وسموّه مرهونان برقيّه وسموّه اللّغويّيْن، ونمثّل لذلك، تمثيلاً لا توظيفًا، بقول شاعر النّيل، محمّد حافظ إبراهيم: “… وكم عزّ أقوام بعزّ لغاتِ”.

والعربيّة لغة دين وثقافة وتراث، لغة دولة وحضارة وتاريخ، وإن كانت اللّغة بطبيعتها مهارة ذهنيّة وعقليّة ومنطقيّة، تدغدغ المشاعر والأحاسيس، وتنمّي الشّعور والإحساس، وتبعث ما تبعثه في النّاس، فكلّنا نَبْرٌ واحد مع الفاروق عمر بن الخطّاب – رضي الله عنه وأرضاه – في دعوته: “تعلّموا العربيّة فإنّها تثبّتُ العقل وتزيدُ في المروءة”!

وما دام وجودُنا لُغويًّا، إذًا، فأحرى بنا، أوّلاً وآخِرًا، أن نحميَ هذا الوجود، ونهيّئ له أسباب ديمومته ورقيّه وازدهاره، حتّى يقضيَ الله أمرًا كان مفعولاً. أمّا عن أدوات تحقيق ذلك، ولوازمه ومُوجِباتِه، فهيّئ لنا اللّهمّ حديثًا.

لَشَدّما يبعث فيّ السّرور ويُضيء فيّ الأمل، تلقّي تعليقاتكم على، وتساؤلاتكم عمّا تطرحه هذه الزّاوية، عبر عُنوان البريد المُسجّل أدناه. وإلى لقاء آخر، إن شاء الله!

Share via
تابعونا على الفايس بوك