أنا لُغتي..! (2)
  • وجودنا لُغوي فنحب هذا الوجود ونهتم به.
  • خطورة تعليم اللغات الأجنبية في مراحل عمرية مبكرة.
  • تحسين المهارات اللغوية من الإستماع والقراءة والتحدث والكتابة.

__

العرب هم العربية

كنّا في حلْقتنا الأولى من هذه الزّاوية – أيّها الأعزّة! – قد دعونا ليُهيّئ لنا اللّهمّ حديثًا – في حلْقة هذا العدد – عن أدوات حمايتِنا وجودَنا اللّغويّ، الّذي اعتبرناه وجودنا كلّه، وتهيئتِنا، نحن، أسبابَ ديمومته ورقيّه وازدهاره. فرجاؤنا أن نكون قد وُفّقنا إلى ذلك بما سيلي.

أراه يكون لنا ذلك، أوّلاً، إذا ما أيقنّا، فعلاً، بأنّ وجودنا لُغويّ؛ أي أنّنا لغتنا، فنحبّ هذا الوجود، ونهتمّ – بالتّالي – بتوفير أسباب عيشه/عيشنا، وحمايته/حمايتنا، إلى أن يأتيَ علينا الفَناء، ولا يأتي عليه؛ فمصير الأفراد منّا الفَناء، ومصير الشّعوب البقاء؛ ببقاء لغاتها، تُرْجُمان إنسانيّتها، وثقافاتها وحضاراتها.

ويكون لنا ذلك، ثانيًا، بتطبيق مبدأ “العلم في الصّغر كالنّقش في الحجر”، فنحبّبها – لغتنا – إلى النّشء الجديد، منذ نعومة أظفاره، سمْعًا وبصَرًا ولمْسًا، تعليمًا وتعلّمًا. ونلفتُ – هنا – إلى خطورة تعليم اللّغات الأجنبيّة في مراحل عمريّة مبكّرة، إذ إننّا بذلك نغرّب العقل والرّوح والفكر؛ كون اللّغة – كما أسلفنا في حلْقتنا الأولى – تصوغ العقل والرّوح والفكر، فنكون قوم تُبَّع. علمًا أنّه لا بُدّ من التّفريق – في هذا المقام – بين تعليم اللّغات الأخرى في مراحل عمريّة مبكّرة، ومبدأ تعليمها، أصلاً، وهو أمر جوهريّ ومركَزيّ وأساسيّ، مرغوب ومطلوب ومندوب، إذ إنّه “من لم يعرف لغة غيره لم يعرف لغته، ومن لم يعرف دين غيره لم يعرف دينه، ومن لم يعرف وطن غيره لم يعرف وطنه”، وإنّه “من عرَف لغة قوم أمِن مكرهم”؛ وإنّما يُعنى بذلك “نقلُ المعرفة وتعريبها وتوطينها، لا جعلها جسرًا للانسلاخ والتّبعيّة والاغتراب”، لذا فإنّنا – في الوقت نفسه وبالقوّة نفسها – نقول: “ويلٌ لأمّة تلبَس ممّا لا تنسج، وتأكل ممّا لا تزرع، وتشرب ممّا لا تعصِر”.

فلْندرك، إذًا، أنّ العرب هم العربيّة، وأنّ شأن اللّغة أبعد وأبعد لدى من ينظر إلى أبعد من قوت يومه؛ فإنّه “ليس بالخبز وحدَه يحيا الإنسان” (المسيح عيسى ابن مريم ).

ويكون لنا ذلك، ثالثًا، بأن نُحسِن تعليم أنفسنا وأجيالنا المهارات اللّغويّة الأربع: الاستماع والقراءة والتّحدّث والكتابة، الّتي نراها تتجلّى في قول الحقّ – سبحانه -:

فَبَشِّر عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ القَولَ فَيَتَّبِعُونَ أحْسَنَه (الزمر: 18-19)، ألقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيد (ق: 38)، اقْرَأ بِاسمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَق، خَلَق الإنسانَ مِن عَلَق، اقْرَأ وَرَبُّكَ الأكْرَم، الَّذِي عَلَّمَ بِالقَلَم، عَلَّمَ الإنسانَ ما لم يَعلَم (العلق: 2-6).

وكلّها مهارات ترفد الواحدة منها الأخرى، ولكأنّه لا وجود لواحدة منها من دون الأخرى، ولكأنّها مهارة واحدة؛ هي مهارة أن تكون إنسانًا، يا أيّها الإنسان!

موعدنا في الحلْقة القادمة – إن شاء الله – مع حديث عن الازدواج اللُّغويّ، بين الفصحى والعامّيّة المَحْكِيّة، أو بينها/بينهما والأجـنبيّة.

لَشَدّما يبعث فيّ السّرور ويُضيء فيّ الأمل، تلقّي تعليقاتكم على، وتساؤلاتكم عمّا تطرحه هذه الزّاوية، عبر عُنوان البريد المُسجّل أدناه. وإلى لقاء آخر، إن شاء الله!

الكاتـب دارس عاشـق للّغـة العـربيّة،

مترجم ومحرّر لغويّ / asarabic@gmail.com

Share via
تابعونا على الفايس بوك