المسيح الموعود ينال الفتح بالدعاء... لا بالملاحم وسفك الدماء
  • الدعاء حربة أعطيت من الله سبحانه وتعالى لإمام الزمان.
  • ينال الفتح بالدعاء فقط وليس بالملاحم وسفك الدماء.
  • أعظم الكرامات هي إستجابة الدعاء.

__

فاعلموا أن الدعاء حربة أُعطيت من السماء لفتح هذا الزمان، ولن تَغلبوا إلا بهذه الحربة يا معشر الخلاّن، وقد أخبر النبيّون من أوّلهم إلى آخرهم بهذه الحربة، وقالوا إن المسيح الموعود ينال الفتح بالدعاء والتضرع في الحضرة، لا بالملاحم وسفك دماء الأمّة. وإنّ حقيقة الدعاء الإقبالُ على الله بجميع الهمّة، والصدق والصبر لدفع الضرّاء، وإن أولياء الله إذا توجّهوا إلى ربهم لدفعِ مؤذٍ بالتضرّع والابتهال، جرت عادة الله أنه يسمع دعاءهم ولو بعد حين أو في الحال، وتوجّهت العناية الصمَدية ليدفع ما نزل بهم من البلاء والوبال، بعد ما أقبلوا على الله كل الإقبال. وإن أعظم الكرامات استجابة الدعوات، عند حلول الآفات. فكذلك قُدِّرَ لآخر الزمان، أعني زمن المسيح الموعود المرسل من الرحمان، أن صَفَّ المَصافِّ يُطوى، وتُفتح القلوب بالكَلِمِ وتُشرَح الصدور بالهدى، أو يُنقَل الناس إلى المقابر من الطاعون أو قارعة أخرى، وكذلك الله قضى، ليجعل الهزيمة على الكفر ويُعلي في الأرض دينًا هو في السماء علا. وإن قدمي هذه على مصارع المنكرين، وسأُنصَر مِن ربي ويُقضى الأمر ويتمّ قول رب العالمين.

وهذه هي حقيقة نزولي من السماء، فإني لا أغلب بالعساكر الأرضية بل بملائكة من حضرة الكبرياء.

قيل: ما معنى الدعاء بعد قدَرٍ لا يُرَدّ، وقضاء لا يُصَدّ؟ فاعلمْ أن هذا السرّ مَوْرٌ تضلّ به العقول، ويُغتال فيه الغول، ولا يبلغه إلا مَن يتوب، ومِن التوبة يذوب، فلا تزيدوا الخصام أيها اللئام، وتَلقّفوا مني ما أقول، فإني عليم ومن الفحول. وليس لكم حظ من الإسلام إلا ميسمه، أو لبوسه ورسمه. فمَن أرهفَ أذنه لسمع هذه الحقائق، وحفَد إلينا كاللهيف الشائق، فسأُخْفِره بما يَسرُو ريبتَه، ويملأ عَيبتَه. وهو أن الله جعل بعض الأشياء معلَّقا ببعضها من القديم، وكذلك علّق قدَرَه بدعوة المضطرّ الأليم، فمَن نهض مُهروِلا إلى حضرة العزّة، بعبرات متحدّرة ودموع جارية من المُقْلة، وقلبٍ يضجر كأنه وُضع على الجمرة، تحرّكَ له موج القبول من الحضرة، ونُجِّيَ مِن كرب بلّغ أمرَه إلى الهلكة. بيد أن هذا المقام، لا يحصل إلا لمن فنى في الله وآثر الحبيب العلاّم، وترَك كل ما يُشابه الأصنام، ولبّى نداء القرآن، وحضر حريم السلطان، وأطاع المولى حتى فنى، ونهى النفس عن الهوى، وتيقّظَ في زمنٍ نعَس الناس، وعاثَ الوَسواس، ورضي عن ربه وما قضى، وألقى إليه العُرى، وما دنّس نفسه بالذنوب، بعد  ما أُدخِلَ في ديار المحبوب، بقلبٍ نقيّ، وعزمٍ قويّ، وصدقٍ جليّ. أولئك لا تُضاع دعواتهم، ولا تُردّ كلماتهم. ومَن آثر الموت لربّه يُرَدّ إليه الحياة، ومن رضي له بنجس تُرجع إليه البركات، فلا تتمنّوه وأنتم تقومون خارج الباب، ولا يُعطى هذا العلم إلا لمن دخل حضرة ربّ الأرباب. ثم يُؤخذ هذا اليقين عن التجاريب، والتجربة شيء يفتح على الناس باب الأعاجيب. والذي لا يقتحم تَنوفةَ السلوك، ولا يجوب مَوامِيَ الغربة لرؤية ملِكِ الملوك، فكيف تُكشَف عليه أسرار الحضرة، مع عدم العلم وعدم التجربة؟ وأمّا من سلك مسلك العارفين، فسوف يرى كلَّ أُطْروفة من رب العالمين.

(كتاب تذكرة الشهادتين)

Share via
تابعونا على الفايس بوك