أنا لغتي..! (3)
  • اللغة العربية الفصيحة كانت هي اللغة المتداولة في الحديث اليومي إنما هذه الأيام أصبحت تقتصر على المعاملات الرسمية فقط.
  • العامية أو اللغة المحكية هي اللغة التفكيكية الناتجة عما اعترى الفصحى من تأثر إنساني وثقافي وحضاري.

__

الازدواج اللُّغويّ، بين الفُصحى والعامّيّة أو المحكِيّة، أو بينها/ بينهما والأجنبيّة

«لا حاجَة» أم «فِشّ حاجِة» أم «نُو نِيد»؟!

إن كانت اللّغـة هي الوجـود؛ هي وجـودنا المعنـويّ والمـادّيّ، الثّقافيّ والحضـاريّ والإنسـاني، في آنٍ معًا، فهي، أوّلاً وآخِرًا، وقَبْلاً وبَعْدًا، وأزَلاً وأبدًا وسَرْمَدًا، كائن حيّ، بل الكائن الحيّ، والمخلوق الأجمل والأكمل والأروع، الّذي ارتضـاه الله لبني نوع الإنسـان؛

وَعَلَّمَ آدَمَ الأسْمَاءَ كُلَّهَا (البقرة: 32).

وهي بذلـك تخـضع لقوانـين الطّبيعـة، من تـأثّر وتأثـير، وبقـاء وفنـاء.

ونحن إذ نقول “الفُصحى”، إنّما نعني لغتنا العربيّة المعياريّة التّركيبيّة المُعرَبة، الّتي كانت – في يوم من الأيّام – لغة الحديث اليوميّ والرّسميّ، الشّفهيّ منه والتّحريريّ، بين النّاس كافّة. لتقتصر، اليوم، على المعاملات الرّسميّة، بين خالق ومخلوق، أو مُبدِعٍ ومتلقٍّ قارئ، أو مدرِّسٍ ومدرَّس، أو وزير وغفير، أو تابع ومتبوع، أو قاهر ومقهور، أو ظالم ومظلوم. مع ما يَعْتَوِرُها ويَعتريها، غالبًا، من ضحالة وركاكة وخطأ ولَحَنٍ وقلّة ذوق لغويّ وأسلوبيّ، تعود كلّها إلى ما نحن فيه، أصلاً، من ضُعفٍ وضَعف، في كلِّ مستوًى وعلى أيِّ صعيد.

ونحن إذ نقول العامّيّة/العامّيّات أو المَحْكِيّة/المَحْكِيّات، إنّما نعني تلك اللّغة/اللّغات التّفكيكيّة، النّاتجة عمّا اعترى الفُصحى من تأثّر ببيئات إنسانيّة ولسانيّة، وثقافيّة وحضاريّة، والّتي إن اضطلعنا بتحليلها إلى عوامل، تكشّف لنا وجهها الفصيح في الأصل، بما اعتراه من تشويه، وإن كانت له مساهمته في الدّرس اللّسانيّ الحـديث، أو علم تأثـيل المفردات والمعـاني والدّلالات أو تأصيـلها.

وفي مشهدنا اللّغويّ المَعِيش – إضافة إلى ما تقدّم – لا يخفى على أيٍّ منّا، صغيرًا كان أو كبيرًا، عالمًا أو متعلِّمًا، ناظِمَ شِعرٍ أو ناظِمَ شَعر، ما تشهده لغة الخطاب – فيما بيننا – من عمليّة إعْجام قد تجاوزت سرعة الصّوت، تسري على ألسنتنا دونما وازع أو رادع، ومن دون أن نشعر، تُعيد صياغة وعينا المشوَّه، أصلاً، ونفسيّاتنا المُتعبة، وقاماتنا المُنهَكة تحت وطأة اللُّهاث وراء لقمة العيش. لتُصبح، مثلاً، الكلمة الإنچليزيّة – عذرًا، “العربيّة” – “مُودْ”، هي الحاضرة والواضحة والمتداولة والمفهـومة، وتُصبح الكلمة العـربيّة – عذرًا، “الإنچليزيّة” – “مِزاج”، هي الغائبة والمُبهَمة والمتروكة والمُستعصية! وهكذا أصبـحنا نقول، من بـاب الدُّعابـة، أو من بـاب “شرّ البليّة”: “مِزاج – يَعْنِي بِالَعـرَبي “مُودْ” …”.

اسمعوا وعُوا صوت درويش القصيد، إذ يقول:

“… أنا لغتي. أنا ما قالتِ الكلماتُ:

كُنْ

جَسَدي، فكنتُ لنَبْرِها جَسَدًا…”

وهو ما ذهبنا إليه، سابقًا، من أنّ اللّغة تَشْحَذ الوَعي والنّفس والرّوح والجسد.

فهل نريد أن تصبح لغتنا أسيرة الكتب والألـواح، والمسـلاّت والجداريّات، والطّقوس الدّينيّة والعبادات؛ كالهيروغليفيّة والقِبطيّة، والآراميّة والسُّريانيّة، واللاّتينيّة، وغيرها؟ ومن هناك الطّريق إلى زوال اللّغة وفنائها، لتصبح في المصطلح اللّسانيّ “لغة ميّتة”، ليس بطويل. أم نريدها لغة حيّة نابضة، تنمو وترتقي، فنرتقي بها ولها، حيث لا رقيَّ لنا بدونها؟!

إسرائيل أحيت لغة ميّتة هي اللّغة العبريّة، وباتت هُويّة وجودها، وفيها من يدعو، أيضًا، إلى رفع العربيّة عن اللاّفتات، ونقل العبريّة إلى أحرف عربيّة – وهو ما يُسمّى في الدّرس اللّسانيّ الحديث “النَّقْحَرَة”، منحوتة من “النّقل الحرفيّ” – لتُصبح “عكّا” “عَكّو”، وتُصبح “النّاصرة” “نَتْسِيرِت”، وتُصبح “يافا” “يافُو”… بما تحمله هذه الحروف، أصلاً، من بُعد لُغويّ ودلاليّ وزمانيّ ومكانيّ وثقافيّ وحضاريّ وتاريخيّ وإنسانيّ، وهكذا دواليك!

ألـم تُـدركـوا بـعـدُأنّ معركتنا لُغـويّـة؟!!!

لَشَدّما يبعث فيّ السّرور ويُضيء فيّ الأمل، تلقّي تعليقاتكم على، وتساؤلاتكم عمّا تطرحه هذه الزّاوية، عبر عُنـوان البريد المُسـجّل أدناه. وإلى لقاء آخر، إن شـاء الله!

الكاتـب دارس عاشـق للّغـة العـربيّة،

مترجم ومحرّر لغويّ / asarabic@gmail.com

Share via
تابعونا على الفايس بوك