ازرع الصدق تحصد الأمان

ازرع الصدق تحصد الأمان

التحرير

  • تسرب الكذب إلى القيم الإجتماعية والسياسية والإقتصادية وأصبح مألوفًا وكأنه شىء طبيعي
  • أهم القيَم التي دعت إليها الأديان وخاصة الإسلام هو الصدق
  • تاريخ الإسلام يشهد أن المسلمين عُرفوا بمصداقيتهم وأمانتهم ومعاملتهم المتحضرة الصادقة
  • مفاسد عصرنا هذا نتيجة لغياب الصدق

__

من المؤسف أن تكون الحقيقة في زمننا أول الضحايا التي تُذبح كل يوم على أصعدة شتى. حيث أصبح الكذب سلعة تُباع وتُشترى، وأصبح له مصطلحات تضفي عليه شكلا براقا يغطي جوهره القبيح. ولقد تسرب الكذب إلى القيم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وأصبح مألوفا ومقبولا، واعتُبر الصدق تخلفا ورجعية وعدم توافق مع روح العصر!

مضت عقود على هذا الفساد وحصد العالم حصيلة ما زُرع من قيم هدامة. فعانت الإنسانية من ويلات لم تشهد لها مثيلا في السابق. ولا شك أن الكذب أصبح ديدن الزمان ووصفته السحرية بسبب اعتقاد من أصّلوه ونظروا له وطبقوه. فإنهم يرون أنه الوسيلة المثلى للوصول إلى الغايات المنشودة. فيقدمون الكذب والدجل والتمويه تحت عباءة براقة زاهية تخفي ما تحتها من طمع وجشع وتوحش وفظاظة وقسوة واستبداد. وغالبا ما يبرر العامة مواقفهم بمقولات واهية مثل: يجب أن تكون ذئبا في محفل الذئاب وإلا تهاجمك وتفترسك.

ولا شك أن غياب الصدق من المعاملات أدى لهذا الوضع المتردي. فالدين المعاملة حسب نص الحديث فإذا كانت المعاملة خالية من الصدق فبأي دين يتعاملون؟!

إن من أهم القيم التي دعت إليها الأديان وخاصة الإسلام هو الصدق وذلك لدوره الرئيس في النهوض بحياة الفرد والمجتمع، وهو العنصر الأهم في إرساء السلام الذاتي والاجتماعي في العالم أجمع. فالصدق هو العمود الفقري للأخلاق التي لا يمكن أن تقوم بدونه. فإذا انهار، انهار معه بنيان الأخلاق وعاد الإنسان عبدا للطبائع والغرائز الحيوانية التي تقوده إلى الانهيار. ولقد أمرنا المصطفى   بتحري الصدق أي البحث عنه والتدقيق فيه لأنه يهدي إلى البِرّ الذي يهدي إلى الجنة أي طمأنينة الدنيا والآخرة. بينما الكذب يهدي دوما إلى الفجور والخروج عن المألوف وتأجيج نيران الحسد والضغينة والتكالب على الدنيا. فيحترق الكاذب قبل غيره بما صنعته يداه وتفوه به فاه.

ولا يصح أمر من أمور الدين والدنيا إلا إذا كان أساسه الصدق. فالعبادة لا تصح إلا بالصدق وكذلك الخُلق والآداب وغير ذلك من متطلبات المعاملات. ولقد أثنى الله تعالى على أنبيائه ووصفهم بالصدق فقال

  وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (1).

 كما أن الصدق أداة التمييز بين أهل النفاق والإيمان فهو روح الأعمال والـمُعِين على اقتحام الأهوال والباب الذي يدخل منه الواصلون إلى حضرة الكبرياء. وهو أساس بناء الدين وعتبة مقام النبوة التي هي أرفع درجات العالمين. ولقد قدم سيدنا محمد المصطفى أعظم نموذج للصدق فكان تجسيدا له حيث لُقب بالصادق الأمين قبل بعثته. أما بعدها فقد رسم الله عز وجل مسار معاملاته في حركاته وسكناته وجعلها مبنية على الصدق رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا (2). وتأسيا بأسوته أمرنا الله عز وجل أن نرتقي روحانيا إلى درجة الصدق ونحافظ عليها في قوله تعالى

  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (3).

إن المطلع الباحث الأمين في تاريخ الإسلام يعلم أن المسلمين انتعشوا في فترات زمنية متفرقة بعلو شأن واحترام على الساحة العالمية آنذاك. خصوصا ما عُرف به التاجر المسلم من مصداقية وأمانة في معاملاته الأمر الذي لم يسد عليه بأرباح وافرة فحسب، بل انضم الكثيرون للإسلام على يديه. ولا شك أن ما يُشار إليه  بالبنان من إنجازات المسلمين على مر العصور كان مبنيا على الصدق مجملا وتفصيلا.

وهكذا وبعد أن لامسنا بعض معالم الصدق وفضائله نتطرق لنقيس بمعاييره مستجدات وأحداث الساحة الإسلامية حاليا وما تعانيه من ويلات على جميع الأصعدة. فإن المتأمل لا بد أن تستوليَ عليه الدهشة والحيرة ويتملَّكَه الأسى والحزن، لما يراه من شرور ومفاسد وصراعات ومظالم، تدفع إليها الضغائن والأحقاد، أو المطامع والأهواء. ولا شك أن غياب الصدق من المعاملات أدى لهذا الوضع المتردي. فالدين المعاملة حسب نص الحديث فإذا كانت المعاملة خالية من الصدق فبأي دين يتعاملون؟!

والأمَرُّ والأدهى من هذا هو أن قوى الدجل التي ابتكرت الكذب والدبلوماسية الدجلية أصبحت تصف كثيرا من المسلمين بالكاذبين وتقدم أمثلة على كذبات ساذجة كي تُظهر أنها صاحبة القيم المثلى وأن المسلمين مُنحطون. ولكن والحال هذه، يجب على المسلمين أن يلوموا أنفسهم. فعدوهم يتربص بهم ويتتبع عوراتهم. فعلى أبناء الأمة أن لا ينسوا أمجاد أجدادهم الذين قدموا للدنيا أنصع نماذج للصدق. فلا شك أن الصدق والأخلاق السامية المرتبطة به هي مفتاح الخروج من الأزمة فلا بد على أبناء الأمة أن يدركوا أن الأزمة أزمة أخلاق، يتلخص حلها في: ازرع الصدق تحصد الأمان.

هدانا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه وجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

(1) مريم: 42(2) الإسراء: 81(3) التوبة: 120
Share via
تابعونا على الفايس بوك