يا سكان أرضٍ أوطأته قدم المصطفى

يا سكان أرضٍ أوطأته قدم المصطفى

هالة شحاتة عطية

  • مكانة أرض الحجاز لدى كل مسلم
  • الحج آية على صدق الإسلام
  • الحج الإسلامي في الكتاب المقدس
  • المسيح الموعود وشوقه إلى ديار الحج
  • النظر إلى الأحمدية بعين الإنصاف

__

ستبقى الحجاز أحب البلاد إلى قلب كل مسلم، مهما كان حالها، وستظل أفئدة كثير من الناس تهوى إلى مكة المكرّمة ببيت الله الحرام، والمدينة المنورة بروضة خير الأنام!

ولست هنا بصدد الحديث عن وجوب الفصل بين حب الأرض وبين استنكار بعض مما يحدث عليها من سكانها، ويكفينى قول خير من وطأت قدماه هذه الأرض المباركة، حتى نفرّق بين ما لها من خصوصية وبين أهلها في حال لم يقدّروها حق قدرها، فحين اشتد عليه أذى كفار بقعة منها حتى هاجر إلى أخرى، قال وهو يهاجر من مكة إلى المدينة: “إني لأعلم أنك أحب بلاد الله إلى الله، وأكرمه على الله، ولولا أنَّ أهلك أخرجوني منك ما خرجت”! وفى ذلك دلالة على أن حب الأرض شيء واستنكار ما يحدث عليها شيء آخر!

ويعتبر حج الناس إلى بيت الله الحرام آية على صدق الإسلام، إذ يقول الله عز وجل على لسان إبراهيم عليه السلام:

رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَل أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُون !

فلم يكن هذا المكان حين دعا أبو الأنبياء بهذا الدعاء سوى وادٍ لا زرع فيه ولا ماء، فشرّفه الله فجعل منه موطن خاتم الأنبياء، وبلدا آمناً مباركاً يأتيه الناس من كل فج عميق، وجعل كثيراً من الأفئدة تتوق شوقا إلى رؤية هذا المكان، الذي ترك فيه إبراهيم عليه السلام بأمر من الله زوجته هاجر مع ابنه الوحيد آنذاك إسماعيل عليه السلام، تهيئة لنزول الرسالة الخاتمة على النبي العربي الذي من ذريته، وهو خاتم الأنبياء سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام.. فتفجر لهاجر بئر ماء من بعد سعيها بين جبلين بحثا عن الماء في هذه الصحراء، فكان بئر زمزم الذي تفجّر بعد سعيها بين الصفا والمروة، والذي لم يجف منذ ذلك الحين وإلى الآن رغم ملايين الوافدين الذين ينهلون منه طيلة العام!

وحين يهتف حجاج بيت الله الحرام لبيك اللهم لبيك، تحلّق أفئدتهم في سماء الروحانية كما تحلّق الطيور في السماء! ولا يوجد مكان تشتاق إليه كثير من الأفئدة بقدر الاشتياق إلى مكان مكة المكرمة والمدينة المنورة، حتى ليكاد يكون حب هذه الأمكنة غريزة عند كل مسلم! وكم سكبت عبرات في بيت الله الحرام، وكم فاضت دموع شوقا لزيارة روضة خير الأنام!

ولقد ورد في كتب أهل الكتاب عدد من النبوءات عن حج البيت وعن أقدس بقاع الأرض، فمما ورد في إنجيل يوحنا (4 : 19- 26)، قول المسيح ابن مريم عليه السلام للمرأة السامرية: (يا امرأة صدقينى أنه تأتي ساعة لا في هذا الجبل ولا في أورشليم تسجدون للأب)! كما ورد : (ولكن تأتى ساعة وهى الآن حين الساجدون الحقيقيون يسجدون للآب بالروح والحق، لأن الآب طالب الساجدين..)! وفي ذلك نبوءة عن أن السجود لن يكون في جبل جرزيم السامري ولا في أورشليم، بل ستكون قبلة الساجدين إلى مكان آخر بأمر من الله لأنه طالب الساجدين.. وقد تحقق ذلك بالفعل حين أمر الله إبراهيم عليه السلام بأن يؤذن في الناس بالحج إلى مكة المكرمة، وها هم يأتون رجالا وعلى كل ضامر ومن كل فج عميق!

هذا، ولقد ورد في المزامير نبوءة ترمز بحِسٍ مرهف إلى بيت الله الحرام، وإلى حالة اشتياق المسلمين لحج البيت وهتافهم لبيك اللهم لبيك، كما أشارت تلك النبوءة إلى الطيور التي وجدت أمانها في هذا البيت بالعصفور والسنونة، وتلك الطيور تشبه بالفعل طيور الحرم.. فلقد ورد في مزمور 84 : “ما أحلى مساكنك يا رب الجنود، تشتاق بل تتوق نفسي إلى ديار الرب، قلبي ولحمي يهتفان بالإله الحي، العصفور أيضا وجد بيتا، والسنونة عشا.. مذابحك يا رب الجنود، ملكي والهي. طوبى للساكنين في بيتك أبدا يسبحونك سلاه. طوبى لإناس عزهم بك طرق بيتك في قلوبهم. عابرين في وادي البكاء، يصيرونه ينبوعا..”!

فأين هى ديار الرب التي يطرقها الناس بشوق يشهد عليه العالم أجمع إن لم تكن في مكة المكرمة؟! ومَن هؤلاء الذين تدمع أعينهم شوقا وحنينا إلى تلك الديار المقدسة غير المسلمين؟!

ولقد تاق المسيح الموعود حضرة ميرزا غلام أحمد عليه السلام حنينا إلى ذلك البلد الذي أوطأته قدم المصطفى ليزور تلك الديار المقدسة إذ يقول:

“يا سكّانَ أرضٍ أوطأته قَدَمُ المصطفى.. وإني أَحِنُّ إلى عِيانِ بلادكم، وبركاتِ سوادِكم، لأزورَ مَوطِئَ أقدامِ خيرِ الورى، وأجعلَ كُحْلَ عيني تلك الثرى.. يا أَكبادَ العرب.. قد خَصَّكم الله ببركاتٍ أَثيرة، ومَزايا كثيرةٍ.. فِيكم بيتُ اللهِ التي بُورِكَ بها أُمُّ القُرَى، وفيكم روضةُ النبيِّ المبارك الذي أشاعَ التوحيدَ في أقطارِ العالَمِ وأَظهَرَ جلالَ اللهِ وجَلَّى”

فيا سكان أرضٍ أوطأته قَدَمُ المصطفى، لماذا تكفرون المسيح الموعود خادم المصطفى وقد حَنّ إلى عيان بلادكم ليزور مَوطِئَ أقدامِ خيرِ الورى؟!

لماذا تكفِّرون مَن لم يكذبوه، وقد آمنوا بالله واليوم الآخر وجاهدوا جهادا كبيرا في سبيله، وتصدونهم عن المسجد الحرام وقد جعل الله البيت مثابة للناس وأمنا؟! فكم من أحمدي فاض دمعه شوقا لزيارة بيت الله الحرام وصُدّ عنه.. ولكن مع تكفيركم وصدّكم ستبقى بقاعكم من أحب البقاع إليه، وسيبقي من أشد المسلمين اشتياقا إليها!

ومَن يمكن أن ينكر جهودكم في سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام؟! ولكن، أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله؟! لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين!

فكم تحمِلون ظلما بتكفير المسلمين الأحمديين، الذين لم يكذبوا الخادم الأمين لسيد المرسلين، فهم المؤمنون الحقيقيون الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر ويجاهدون في سبيل الله جهادا كبيرا بدرء كل الشبهات عن الإسلام، فلا يقولون مثل غيرهم من المسلمين نؤمن بالقرآن من الباء إلى السين ثم يقولون بالنسخ فيه! ولا يزعمون توحيد الله توحيدا خالصا، ثم يشركون معه نبيا ورجلا أعور في القدرة على الخلق وإعطاء الحياة! ولا يدّعون الإيمان بكمال المصطفى ثم ينسبون إليه أباطيل لا تليق بكماله، ولا يزعمون ختم النبوّة به ثم يؤمنون بنبي من بني إسرائيل يأتي من بعده إسمه عيسى بن مريم..

فحري بكم بدلاً من تكفيرهم أن تضعوا تفاسيركم على إحدى طرفي ميزان النقل والعقل والفطرة، وعلى الطرف الآخر ضعوا تفاسير الأحمديين، ثم انظروا بعين الإنصاف أي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون؟! أسأل الله أن يهديكم إلى صراطه المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين.. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك