وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا} (النمل 14)

وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا} (النمل 14)

هالة شحاتة عطية

  • تصديق الواقع يثبت صحة الخبر
  • آيتا الخسوف والكسوف للإمام المهدي
  • كيف استقبل علماء المسلمين هذا الحدث؟
  • فوائد حديث الكسوف والخسوف
  • تشابه احوال الملسمين الآن مع اليهود والنصارى

__

أتقبلون شهادة الإنسان و لا تقبلون شهادة الرحمن..

إذا كنت بعيدا عن أهلك، وتعذّر بك الاتصال بهم لسبب قهرى، فبعثت لهم برسالة هامة مع شخص، فكذّبوه ورفضوا استلامها بحجة أنها وصلت عن طريقه ولم تصل عن الطريق الرسمى وهو البريد! فما أنسب وصف يمكن أن يوصفوا به؟! لا شك بأنهم قوم لا يتفكرون!

فثبت لمن كانوا يشكون فى صدقه بأنه هو حقا الإمام المهدى، فبايعوه… ولكن ماذا فعل المكذبون الذين كانوا يطالبونه بهذه العلامة آيةً على صدقه؟! لقد تناسوا من خبثهم بأنها كانت مطلبهم! وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا! فاعترضوا عليها بشبهات واهية.

وهكذا يشبه هذا التصرف مع الرسالة- تصرف المشايخ مع العلامة التى شاء الله سبحانه وتعالى أن يجعلها من أدلة صدق الإمام المهدي والمسيح الموعود، ألا وهى علامة خسوف القمر وكسوف الشمس، فقد رفضوها رغم تحققها بوضوح الشمس فى كبد السماء- بحجة أنها وصلت عن طريق الدارقطني، ولم تصل عن طريق البخاري الذي يعتبرونه بلسان الحال هو الطريق الرسمي للهداية، وربما أكثر من القرآن الكريم نفسه!

فلقد ورد فى سنن الدار قطني حديث يقول:

“إِنَّ لِمَهْدِينَا آيَتَيْنِ لَمْ تَكُونَا مُنْذُ خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ تَنْكَسِفُ الْقَمَرُ لأَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ وَتَنْكَسِفُ الشَّمْسُ فِى النِّصْفِ مِنْهُ وَلَمْ تَكُونَا مُنْذُ خَلَقَ اللهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ.”

وهذا الحديث ينبئ عن وقوع خسوف للقمر وكسوف للشمس فى أوقات محددة من شهر رمضان، وذلك بعد إعلان المهدى عن دعوته، لتكون هاتان الآيتان علامة على صدقه، وحجة على من يُكذّبه. وبما أن ليالى الشهر القمرى، وهو هنا شهر رمضان- التى يمكن أن ينخسف فيها القمر هي الليالى 13، 14، 15، وذلك إذا وقعت الأرض بين الشمس والقمر فتحجب الأرض ضوء الشمس عن القمر- فإن خسوف القمر وفقا لهذا الحديث- سوف يقع في أول ليلة من ليالي الخسوف، أي في الليلة 13. وبما أن أيام الشهر القمرى التى يمكن أن تنكسف فيها الشمس هى أيام 27، 28، 29، وذلك عندما يقع القمر بين الأرض والشمس فيحجب القمر ضوء الشمس- فإن كسوف الشمس سوف يقع في منتصف أيام الكسوف، أي في اليوم 28.

والآن لنرى كيف تحققت هاتان الآيتان كما ورد فى الحديث:

كان حضرة ميرزا غلام أحمد قد أعلن أنه الإمام المهدي والمسيح الموعود، وكان بأمر من الله قد أنشأ جماعته في عام 1889 وأخذ البيعة ممن صدّقوه، بينما شكّ فى صدقه البعض، وكذبه آخرون.

أما المكذبون وعلى رأسهم المشايخ- فطفقوا يبحثون عن أدلة لإدانته من أى طريق! فطالبوه بدليل الآيتين المذكورتين فى الحديث، فابتهل حضرته إلى ربه ليؤيده بنصره المكتوب، حتى جاء نصر الله وتحقق ما في الحديث، وجُمع الشمس والقمر في آيتي الخسوف والكسوف في رمضان!

فقد وقع خسوف للقمر في ليلة 21 مارس من العام الميلادي 1894، الموافق 13رمضان من العام الهجري 1311، وحينها أخبر حضرة ميرزا غلام أحمد الناسَ بأن الشمس ستنكسف أيضا في اليوم 28 من هذا الشهر المبارك بإذن الله تعالى. وقد وقع الكسوف فعلا في اليوم المحدد وهو الموافق 6 أبريل عام 1894. وليس ذلك فقط، بل حدثت نفس الظاهرة في رمضان من العام التالي مباشرة في أمريكا، أي في النصف الثاني من الكرة الأرضية. وبذلك تحققت الآيتان في نصفي الكرة الأرضية لكي تُقام الحجة على الجميع، وقد تم تدوينهما في سجلات المراصد الفلكية، بعد أن تم تدوينهما في هذا الحديث بحوالى 13 قرنا – كعلامة على صدق المهدي المنتظر!

وبذلك كان حضرة ميرزا غلام أحمد هو الوحيد عبر التاريخ الذي استدل على صدقه بهذا الحديث الذي ذكر هاتين الآيتين، وقد استعمل الرسول لفظ (مهدينا) في هذا الحديث – وهو الذي أوتي جوامع الكلم- للدلالة على أنه سيوجد مدعون مزيفون، ولكن المهدي الحقيقي هو من سيُستدل على صدقه بهاتين الآيتين اللتين لم تكونا لأحد علامة على صدقه منذ خلق الله السموات والأرض. وبحدوث هذه العلامة الربانية المتمثلة في هاتين الآيتين تمحص الخبيث من الطيب، فثبت لمن كانوا يشكون فى يصدقه بأنه هو حقا الإمام المهدى، فبايعوه. أما المصدّقون منذ البدء فقد ازداد كل مبايع ذي فطنة إيمانا على إيمان. ولكن ماذا فعل المكذبون الذين كانوا يطالبونه بهذه العلامة آيةً على صدقه؟! لقد تناسوا من خبثهم بأنها كانت مطلبهم! وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا! فاعترضوا عليها بشبهات واهية.

فمما زعموه، أن الحديث غير صحيح ولم يُرو عن الرسول ، هذا فضلا عن طعنهم في الرواة! فرد عليهم الإمام المهدي والمسيح الموعود بقوله:”ما كان حديثا يُفترى.. أفأنت تشك في حديث حصحصت صحّته وتبيّنت طهارته.. وقد صدّقه الله وأنار الدليل وبرّأ الرواة مما قيل.. فهل بقي شك بعد أمارات عظمى؟ أتشكّون في شمس الضحى؟ أتعاميتم أو كنتم من العمين؟ أتقبلون شهادة الإنسان ولا تقبلون شهادة الرحمن.. وإذا حصحص الصدق فلا يشك إلا من كان من قوم عادين. وهذا أمر لا يحتاج إلى التوضيح والتعريف، ولا يخفى على الذكيّ الحنيف، وعلى كل من أمعن كالمتدبرين”. (نور الحق، الخزائن الروحانية ج 8 ص 206-208)

ولو أمعنوا حقا كالمتدبرين لكفاهم لصحة هذا الحديث تحقق ما فيه!

أما طعنهم فى الرواة، وقولهم بأن هذا الحديث لم يُرو عن الرسول ، فكأنهم مع وقوع الحدث يظنّون بأن الله يُظهر على غيبه الكذابين والفاسقين، وفي ذلك نقض صريح لقوله تعالى:

عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا. إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ

(الجن: 27-28 ) وهل هناك أكرم على الله من محمد المصطفى حتى يُطلعه على هذا الغيب الذي بوقوعه يُفصل بين حق وباطل، والذي بالفعل أصبح واقعا مشهودا؟!

ولكن، هكذا كان هذا الاستقبال المحزن من علماء المسلمين لهذه الهدية الربانية حين وصلت بالفعل في أواخر القرن التاسع عشر الذي خرج فيه قوم يأجوج ومأجوج في هيئة المستعمرين لشبه القارة الهندية، وظهر الدجال معهم في هيئة الـمُنَصِّرين الذين نشطوا بالدعوة إلى الإيمان بأن الله اتخذ ولدًا، وعملوا على تدمير عقائد الإسلام بالشبهات وأخلاق المسلمين بالشهوات، هذا فضلا عن علو صوت المزيد من العقائد المزيفة، من سيخية كانت صامتة، والهندوسية كانت محاربة للإسلام، وبهائية خرجت في نفس القرن يعلن صاحبُها نسخ عقيدة الإسلام.. فلزم لكل ذلك فى علم الله الأزلى أن يبعث المهدي لإعادة الإيمان الصحيح بمحاربة العقائد الفاسدة بالحجة والدليل، مع دليل ناصع على صدقه، يقام به الحجة على الجميع، ويدحض ما سواه من دعاوى مزيفة! فبدلا من أن يفرحوا بها ويضعوا الحديث الذي تنبأ بها في أعلى مراتب الصحة، ويظهروه على العالم الذي شهد ذلك الحدث بشرقه وغربه كدليل صدق الإسلام وإظهاره على الدين كله- كذّبوا الحديث، وأثاروا الشبهات الواهية حول الحدث، ولم يكتفوا بذلك بل تألّوا على الله وأخرجوا من الملة المصدِّقين بمَن كان مصداقًا له! فهل هناك شر على الإسلام أكبر من هؤلاء الذين اتخذهم الناس رؤوسا جهالا فضلوا وأضلوا؟! فلا عجب أن يتنبأ الرسول الأعظم بأفعالهم الشنيعة، حين وصف علماء آخر الزمان- بأنهم شر من تحت أديم السماء..

إن حدوث الآيتين في هذا الحديث الذي يُعتبر غير صحيح عند الكثيرين- يدل على أن منهج الجماعة الإسلامية الأحمدية في قبول الحديث أو رده هو الصحيح. حيث لا ينبغى قبول أي حديث أو رفضه إلا بعد عرضه على القرآن الكريم، فإذا عارض متنه القرآن الكريم فيُنبذ. أما إذا وافق القرآن أو لم يوجد فيه ما يعارضه- فكفى بالقرآن سندا وحكما على صحته، حتى ولو طُعن في الراوي،

والحق أن المتدبر يجد أن وجود هذا الدليل الناصع على صدق الإمام المهدي والمسيح الموعود في هذا الحديث بالذات وما له من موقع في كتب المسلمين- يحمل في طياته الكثير من الفوائد والعبر، منها ما يلي:

1- إن حدوث الآيتين في هذا الحديث الذي يُعتبر غير صحيح عند الكثيرين- يدل على أن منهج الجماعة الإسلامية الأحمدية في قبول الحديث أو رده هو الصحيح. حيث لا ينبغى قبول أي حديث أو رفضه إلا بعد عرضه على القرآن الكريم، فإذا عارض متنه القرآن الكريم فيُنبذ. أما إذا وافق القرآن أو لم يوجد فيه ما يعارضه- فكفى بالقرآن سندا وحكما على صحته، حتى ولو طُعن في الراوي، ومثال على ذلك موضوع حديثنا- ففضلا عن ثبوت صحته بالواقع المشهود- فإنه حدث تحقيقا لنبوءة وردت في القرآن الكريم عن اجتماع هاتين الآيتين معا كعلامة من علامات آخر الزمان، إذ يقول الحق تبارك وتعالى:

فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ * وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (القيامة: 8-10)

2- إن الإيمان لا يتحقق إلا بالدليل القاطع الذي لابد من التفكر فيه  بعيدا عن الجمود، ومع سلامة القلب من الزيغ والجحود، فلا يصح مثلا بأن نقول بما أن هذا الحديث لم يرد في البخاري، أو بما أنه مطعون في الراوي- إذاً فهو غير صحيح! فمن قلة العقل القول بذلك، لأن تحقق مضمون الحديث هو في حد ذاته دليل قاطع على صحته وهو أهمّ من عدالة الراوي، لأن العدل يمكن أن يخطئ وينسى، أما تحقّقُ الحديث فهو تجاوزٌ لهذا الاحتمال.

3- لقد أثبت الواقع أن المكذبين بالإمام المهدي والمسيح الموعود في خطر عظيم، إذ يثقون عمليا في الرواة أكثر من ثقتهم بالله! ويشهد على ذلك إيمانهم بحديث سحر الرسول على أيدى اليهود رغم تعارض ذلك مع كلام الله الذي يقول والله يعصمك من الناس كما يشهد على ذلك عدم إيمانهم بصحة حديث الخسوف والكسوف رغم أن الله أظهر عليهم دليل صحته مرتين متتاليتين لعلهم يؤمنون!

4- لقد أثبت الواقع أن الطاعنين في دعوة الإمام المهدي والمسيح الموعود لا يتبعون إلا الظن الذي لا يغني من الحق شيئا، ويكفي دليلا على ذلك أن اعتقادهم بعدم صحة حديث الخسوف والكسوف لا يغني من تحقق ما ورد فيه شيئا!

5- لو نحّينا جانبا اعتبار هذا الحديث دليلا على صدق المهدي- سنجد من أهم الفوائد والعبر، أنه يعتبر في الأصل دليلا على صدق خاتم النبيين ورسالة الإسلام أمام أتباع العقائد المزيفة! إذ شاء الله أن يُطلع مصطفاه على هذا الغيب المقدر تحقيقه في هذا الزمن بالذات- إثباتا بأنه لا ينطق عن الهوى، وإعلانا بأن المنتظر من جميع الملل لن يكون إلا ممن يبتغي الإسلام دينا، وبالتالى تأييدا لدين الله في الزمن الذي خرجت فيه العقائد الفاسدة وارتفع فيه الإيمان عند الثريا!

وأكتفي بذلك، ولكل عاقل متدبر أن يزيد..

ولا ينبغي أن تغيب الطامة الكبرى لليهود والنصارى عن عقل كل لبيب، تلك المتمثلة في جحودهم وزيغ قلوبهم، إذ صرفوا جهودهم إلى الطعن في أدلة صدق أكمل النبيين، بدلا من استكشاف عظمته وجمال ما أتى به من عند الله،  ولو جاء بسورة واحدة من سور القرآن الكريم لكفى ذلك دليلا على صدقه عند أصحاب القلوب الطاهرة! ولكن ها نحن الآن نرى تشابه قلوب جل المسلمين مع قلوب اليهود والنصارى في الزيغ والجحود، فلقد حذوا حذوهم حين صرفوا جهودهم إلى الطعن في أدلة صدق الإمام المهدى والمسيح الموعود، بدلا من الانضمام إلى جماعته لخدمة دين الله على قلب رجل واحد. ولو لم يكن إلا دليل آيتي الخسوف والكسوف- لكفى ذلك على صدقه دليلا، ولكن المتكبرين، حق عليهم وعيد الله بأن يصرف عنهم آياته، وإن يروا كل آية لا يؤمنون بها، وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا!!

Share via
تابعونا على الفايس بوك