حماية الوحي الإلهي
  • ضمان الله لمقومات وجود البشرية على الأرض
  • كفالة حياة المخلوقات الأخرى على الله
  • حاجة الإنسان للغذاء الروحاني
  • مشابهة رزق المخلوقات الأخرى بحفظ الله للوحي السماوي
  •   حكمة جمع المؤمنين اختيارا لا جبرا
__
وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (20)

شرح الكلمات:

مددناها: مدَّه: بسَطه. مدَّ المديونَ: أَمهَلَه. مدَّ الله عمرَه: أطاله. ومدَّ الشيءَ: جذَبه. ومدّ القومَ: صار لهم مددًا وأغاثَهم بنفسه. وفي اللسان: مددت الأرضَ مدًّا: إذا زدتَ فيها ترابًا أو سمادًا من غيرها، فيكون أعمرَ لها وأكثرَ رَيعًا لزرعها (الأقرب).

موزون: وزَنه وزنًا: رازَ ثقلَه وخفّتَه وامتحنه بما يعادله. وفي “الأساس”: وَزَنْتُ الشيءَ ورَزَنْتُه وثَقَلْتُه: إذا رُزْتَه بيدك لتعرف وزنه. ووزَن تمرَ النخلة وزنًا: خرَصه وحزَره (الأقرب). فالشيء الموزون: المقدَّر؛ الذي تم وزنُه؛ المتناسب المتلائم.

لو كانت المعارف القرآنية محدودة مختصة بالماضي لعانى طلاب الغذاء الروحاني اليوم معاناة شديدة، ولكن الله قد جعل بفضله عالمَ الوحي القرآني واسعًا مثل العالم المادي، بل أوسَعَ منه، فلا يزال يزودنا في كل عصر بمعارفه الجديدة.

التفسـير:

لقولـه تعالى والأرض مددناها معنيان: الأول: لقد فرشناها لتتلاءم مع حاجات الناس.. أي وسّعناها كثيرًا بحيث إنها – رغم كونها مستديرة- لا تُعيق عيشَ الإنسان عليها، بل إنه لا يشعُر باستدارتها أصلاً.

والثاني: لقد زوّدناها بالسَّماد. ذلك أن الأرض لا تزال تستمد قدراتٍ جديدة من الأجرام الأخرى، بل لقد أثبتَ علماء الفلك أنه لا تنفك تسقط على الأرض ذرات دقيقة من هذه الأجرام، مما يزيد به حجم الأرض باستمرار، وهذا السماد الخارجي يزيد في طاقاتها زيادة كبيرة.

وإلى جانب السماد، تكون الأرض بحاجة إلى الماء، ولذلك قال الله بعده: وجعلنا فيها الجبال الثابتة التي تحتفظ بالثلوج، وهكذا تدّخر هذه الثلوج لأهل الدنيا بذخيرة كبيرة للمياه التي تصل عبر الأنهار إلى مختلف أقطار الأرض وترويها.

ثم قال الله تعالى وأنبتْنا فيها من كل شيء موزون . والإنبات تعني لغةً إخراجُ النبات من الأرض، وتعني مجازًا تنميةُ الشيء.. حيث ورد في القرآن الكريم عن السيدة مريم عليها السلام وأنبَتَها نباتًا حسنًا (آل عمران: 38). وقد وردت كلمة الإنبات هنا بالمعنيين: الأول: خلقنا في الأرض كل شيء مناسب لسد حاجات أهلها، أو لا نزال ننمّي ذلك الشيء، والثاني: أننا أخرجنا فيها كلَّ شيء بقدر معين مناسب أو ننمّيه. أي أن الله تعالى عالم الغيب.. يعلم ما الذي تحتاج إليه الأرض وبأي مقدار. فكلمة موزون تشير إلى أنه تعالى قد خلق فيها كل شيء مناسب كمًّا ونوعا.

وعلاقة هذه الآية بما قبلها هي أن الله قد تحدث من قبل عن نزول القرآن الكريم وحمايته، ودلّل على هذه الحماية غير العادية بضرب مثال ذي صلة بالسماء. والآن ضرب مثالاً آخر ذا صلة بالأرض وقال: إننا قد زوّدناها أيضًا بوسائل غير عادية تحميها من الضعف وتنمّي قدراتها. وبعض هذه الوسائل خارجية وبعضها داخلية مثل: 1- المواد والذرات التي تسقط عليها من السماء؛ 2- الجبال؛ 3- قدرات الأرض الداخلية. وهذا هو حال الوحي أيضًا، فإنه يتقوى بالمدد السماوي، ويعمل أئمةُ المؤمنين على حمايته، كما أن محاسنه الذاتية تجذب الناس من كل الطبقات إلى معارفه.

وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ (21)

شرح الكلمات:

مَعايِشَ: جمع معيشة، والمعيشة: التي تعيش بها من المطعم والمشرب؛ ما تكون به الحياة وما يُعاش به من طعام ونحوه مما يُكسَب أو يعاش فيه من مكان وزمان (الأقرب).

التفسـير:

يقول الله تعالى: لقد جعلنا لكم في الأرض أنواع الوسائل التي تعيشون بها، كما جعلنا فيها الرزق حتى لتلك الكائنات التي لا يقدر الناس على تزويدها بالغذاء.

يدّعي الإنسان بفضله على الحيوانات الأخرى، ولكنه يتكبد في كسب رزقه مشقةً وعناءً، بينما تجد هذه الكائنات الحية من حيوانات وحشرات – التي تبلغ البلايين لا الملايين – غذاءها مهيَّئًا ميسَّرًا. وهذا دليل على وجود ذات عليا لا يخفى عليها أي من مخلوقاتها، إذ لا يرزقها الإنسان، وإنما يرزقها الله .

وعلاقة هذه الآية بما قبلها هي أنه تعالى ينبّه هنا إلى أن الإنسان في احتياج دائم إلى الغذاء الروحاني أيضًا، لأن الناس في عصر معين لا يستطيعون أن يزوّدوا أهل عصر آخر بغذاء روحاني مناسب؛ ولذلك تجدون العلوم الإنسانية تتغير بمرور الزمن. فمن دواعي نزول الوحيِ ذي المعارف الواسعة وحفظِه أنه لو تُرك الأمر في أيدي الناس لما اهتموا بالرزق الروحاني للأجيال القادمة أبدًا، بل لأخضعوا وحيَ الله للظروف والعلوم السائدة في عصرهم، وبالتالي يظل الذين يأتون من بعدهم حيارى تائهين في الظلمات، لأن العلوم السابقة لا تشفي غليلهم، كما أن الوحي السابق المشوَّه لا يلبي حاجاتهم المتجددة. فكأن الله يقول: كما أننا هيّأنا الرزق للحيوانات التي لا تُطعمونها أو لا تقدرون على إطعامها.. كذلك ادّخرنا في هذا الوحي القرآني ما سيهيئ الغذاء الروحاني للأجيال القادمة التي لا يقدر الأولون على إمدادها به. عندما تمس حاجتـهم إلى هذا الرزق سوف يفتـح الله لهم هذه الذخـائر، ليأخذوا منها نصـيبهم.

كم هي كبيرة منة الله علينا! إذ لو كانت المعارف القرآنية محدودة مختصة بالماضي لعانى طلاب الغذاء الروحاني اليوم معاناة شديدة، ولكن الله قد جعل بفضله عالمَ الوحي القرآني واسعًا مثل العالم المادي، بل أوسَعَ منه، فلا يزال يزودنا في كل عصر بمعارفه الجديدة.

وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (22)

شرح الكلمات:

ننـزّل: نزله: صيّره نازلاً. ونزل القومَ: أنزلهم المنازلَ. ونزل الشيءَ: رتّبه. ونزل العِيرَ: قدّر لها المنازلَ. والتنـزيل يكون تدريجيًّا (الأقرب).

قَدَرٍ: القدَر: ما يقدّره الله من القضاء؛ وعرّفه بعضُهم بأنه الإرادة بالأشياء في أوقاتها. والقدَر: مبلغُ الشيء؛ الطاقة (الأقرب).

التفسـير:

هذه الآية شرح للآية السابقة، حيث كشفت عن حقيقة كبرى ألا وهي أن عند الله خزائن كل شيء، وأنه يوجه انتباه البشر إليها لدى حاجتهم إليها، فينتفعون بها. فكل هذه الكنوز الأرضية التي تُكتَشف اليوم كانت موجودة فيها منذ البداية. خذوا مثلاً الحديد، فإنه كان موجودًا في الأرض منذ القِدم، ولكن لم يعلم الإنسان بوجوده إلا بعد مدة مديدة، وعندما علم به انتفع به بكثرة. ولما احتاج الإنسان إلى السير في الأرض راكبًا الحديدَ عثر على الفحم الحجري وعلى الطاقة البخارية، فأصبح هذا الجمادُ أي الحديدُ الذي لم يكن به حراكٌ ولا حياة، يجري ويعمل كذوي الحياة. ثم لما زادت حاجات الإنسان أكثر اخترع الطاقة الكهربائية. وبالاختصار، لا تزال الأرض تلقي بخزائنها في كل زمن وعصر بحسب حاجة البشر إليها.

يقول الله تعالى: هكذا تمامًا نحافظ على الوحي ونحتفظ بكنوزه التي ننـزلها وفق حاجات البشر شيئًا فشيئًا. فلا تظنوا أن وحي الله تعالى كتاب فحسب.. أنزله ثم تخلى عنه. كلا، بل إن الوحي عالَم فيه ملايين الكنوز للبشر من مختلف العصور، فكيف يمكن أن يتخلى الله عن حماية هذه الكنوز ما لم توزَّع كلها على مستحقّيها أجمعين؟ نعم، حينما ينتهي ما في الوحي من خزائن يتخلى الله عن حماية ذلك الوحي، حيث لا يبقى فيه ما يمكن توزيعه على الناس.

وليكن معلومًا أن الآيات السابقة أيضًا تناولت موضوع حماية القرآن الكريم، بيد أن الخطاب فيها شمل المسلمين أيضًا، وذلك ردًّا على الأخطاء التي كان من الممكن أن يقع فيها المسلمون حول عقيدة حماية القرآن.

وأما المسلمون فنبّههم ألا يغتروا من وجود القرآن بينهم، فيظنوا أن هذا كافٍ. كلا، وإنما عليهم أن يدركوا أن الماء السماوي لا يعود إليهم صافيًا إلا من قِبل السماء. فكلما يكدّرون ماء معارف الوحي القرآني بشوائب أفكارهم الفاسدة سوف يدبّر الله تعالى من السماء تصفيةَ هذا الماء الروحاني ليعود إلى الدنيا صافيًا نقيًّا مرة أخرى.

وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (23)

شرح الكلمات:

لَوَاقِحَ: يقال: لقِحت الناقةُ لَقاحًا وكذلك الشجرةُ: (أي صارت حُبْلى). وألقحَ فلان النخلَ: (أي أبّرها). وأرسلنا الرياحَ لواقحَ: أي ذوات لَقاحٍ (المفردات). واللواقح من الرياح التي تحمل الندى ثم تمجّه في السحـاب، فإذا اجتـمع في السحـاب صـار مـطرًا (الأقرب).

التفسـير:

اللواقح هي الرياح التي تحمل ذرات اللقاح من عضو المذكر إلى عضو المؤنث من الأشجار؛ فتأتي بثمارها. وتعني اللواقح أيضًا الرياح التي تحمل البخار الصاعد من على سطح الأرض ثم تؤلّف بينه فيصير سحابًا. وقد ينطبق هنا كلا المعنيين لكلمة اللواقح؛ فيبين الله تعالى: نرسل الرياح التي تحمل ذرات اللقاح من عضو المذكر إلى عضو المؤنث من الأشجار لتكون صالحة للإثمار؛ كما نرسل أيضًا الرياح التي تحمل البخار الصاعد من على سطح الأرض ثم تؤلّف بينه فيصير سحابًا ينـزل في شكل المطر على الأشجار التي لقّحتها الرياح الأولى، لتكون هذه الأشجار أكثر ريعًا وإنتاجًا.

وأخيرًا لَفَتَ النظر إلى أمر هام حيث بيّن أن هذا الماء، الذي يوجد بكثرة والذي هو بالغ الأهمية للإنسان، لا يستطيع الإنسان تخزينه، فكيف يدّعي إذن أنه قادر بنفسه على الحفاظ على ما يحتاج إليه في المجال الروحاني.

لقد وجّه الله الخطاب هنا إلى الكفار والمؤمنين معًا فيما يتعلق بحفظ الوحي. فأما الكفار الذين قالوا: ما الداعي لنـزول القرآن الكريم رغم وجود الأسفار السابقة، فأجابهم: ألستم بحاجة إلى السحب رغم المياه الأرضية؟ لماذا؟ لأن المياه الأرضية لا تبقى صالحة بدون المطر من السماء.

وأما المسلمون فنبّههم ألا يغتروا من وجود القرآن بينهم، فيظنوا أن هذا كافٍ. كلا، وإنما عليهم أن يدركوا أن الماء السماوي لا يعود إليهم صافيًا إلا من قِبل السماء. فكلما يكدّرون ماء معارف الوحي القرآني بشوائب أفكارهم الفاسدة سوف يدبّر الله تعالى من السماء تصـفيةَ هذا الماء الروحاني ليـعود إلى الدنيـا صافـيًا نـقيًّا مرة أخرى.

وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ (24)

شرح الكلمات:

الوارثون: اسم فاعل من وَرِثَ؛ الباقي بعد فناء الخلق، وفي الدعاء: “اللهم أَمْتِعْني بسمعي وبصري، واجْعلْه الوارثَ مني”.. أي أَبْقِهما معي صحيحين حتى أموت (الأقرب).

التفسـير:

يقول الله تعالى: نحن الباقون وأنتم الفانون، وكيف تستطيعون أيها الفانون أن تحافظوا على وحينا. لذلك فلا نفوّض أمر حماية الوحي إلى البشر المعرَّضين للفناء.

وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِين (25)

التفسـير:

أي لا تقولوا: ما دام المؤمنون موجودين في الدنيا فكيف لا يستطيعون الحفاظ على الوحي؟ ذلك أن حماية القرآن لا تتم بالعلوم الظاهرة وحدها، وإنما مدارها على طهارة القلب، والله تعالى وحده يعلم أحوال القلوب، وهو الوحيد الذي يعلم من هو المخلص في إيمانه والسابق في الخير حقيقةً؛ ولذلك فإنه يتولى بنفسه عملية تعيين المحافظين على هذا الوحي. فمن رآه سبّاقًا في طهارة القلب عهد إليه هذه المهمة، أما الذين وجدهم مقصّرين في طهارة الباطن لم يعتبرهم أهلاً لحمل هذه المسئولية، وإن كانوا جهابذة في العلوم الظاهرة.

وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (26)

شرح الكلمات:

يحشُر: حشَر الناسَ يحشر حشْرًا: جمَعهم. ويومُ الحشر: يوم البعث والمعاـد، وهو مأخـوذ مِن حَشَرَ القومَ إذا جمَعـهم. والحاشـر اسمٌ من أسمـاء نبي المسلمـين (الأقرب).

التفسـير:

يسمّى يوم البعث بعد الموت حشرًا لأن الله تعالى سوف يحشر فيه الأولين والآخرين. ويُطلَق الحشر أيضًا على ذلك الاجتماع الذي يتم في الدنيا على أيدي الأنبياء.. حيث يُخرج الله القوم كله من شتى الاختلافات والنـزاعات لينخرطوا في سلك الوحدة تحت راية نبيهم. ما من نبي إلا وقد تم على يده هذا الحشر. انظروا إلى الحشر الرائع الذي وقع في عهد النبي حيث جُمع أصحاب الأفكار المتباينة على كلمة واحدة، ثم انتشروا في العالم أجمع.

وهذه الآية تشير إلى الحشر بنوعيه الدنيوي والأخروي. فقال عن الحشر الدنيوي: إن قومك، يا محمد، يعارضونك اليوم ولا شك، لكننا سنجمعهم كلهم على يدك في يوم من الأيام.

فإنه يتولى بنفسه عملية تعيين المحافظين على هذا الوحي. فمن رآه سبّاقًا في طهارة القلب عهد إليه هذه المهمة، أما الذين وجدهم مقصّرين في طهارة الباطن لم يعتبرهم أهلاً لحمل هذه المسئولية، وإن كانوا جهابذة في العلوم الظاهرة.

وذكر الله هنا صفتَي حكيم عليم ليبيّن أنهم لن يُجمَعوا حول النبي فورًا لأن هذا ينافي الحكمة الإلهية. وذلك (أوّلاً) لأن السبيل لجمعهم حوله على الفور هو أن يتصرف الله في قلوبهم فيُكرِههم على الإسلام، ولكن إسلامهم هذا ما كان لينفعهم شيئًا، لأن مثل هذا الإيمان لا يُكسب صاحبَه جزاء ولا إنعامًا. و(ثانيًا) لو أنهم آمنوا بهذا الأسلوب لما انكشف للناس الفرق بين ضعاف الإيمان وبين أصحاب القوى الروحانية العظيمة الذين يعرفون النبي منذ البداية، ولمَاَ أمكنَ التمييز بين أبي بكر وأبي جهل، ولما عرفت الدنيا الكفاءاتِ الكامنة في الأول والجهالةَ المتأصلة في الأخير. فمن أجل هذه الحِكم لم يُجبرهم الله على الإسلام، وكانت النتيجة أن عرف الناس مزايا الكاملين وكذلك مَن دونهم من المؤمنين، كما عرفوا أيضًا الحالةَ المتردية للذين كانوا عاطلين أصلاً من أي خير وصلاحية؛ فانتفعت الدنيا من كفاءات أبي بكر وعمر وعثمان وعلي كلٍّ في عهده – رضوان الله عليهم. ولو أن الجميع آمنوا في أول يوم فلربما اختار القوم أبا جهل أو مَن على شاكلته سيدًا عليهم بسبب سيادته السابقة، وبالتالي لحُرموا من المنافع التي جنوها من أبي بكر وغيره من الصحابة الأوائل الذين سبقوا بالإيمان.

وأما صفة عليم ففيها تذكير إلهي للنبي بأن تأخير إسلام القوم لهذه الحكمة يجب ألا يولّد فيك اليأس، فإننا نؤكد لك – بناءً على علمنا – أن القوم جميعًا سوف يجتمعون على هذا الدين.

أما بالنظر إلى الحياة الآخرة فالمراد من هذه الآية أن الأولين والآخرين سوف يحُشرون جميعًا عند الله في يوم من الأيام، ليُجزَوا على أعمالهم. فيجب ألا يضيق أحد ذرعًا مما يلاقيه المسلمون اليوم من أذى وفتنة، وألا يُعتبر خائبًا مَن يُقتَل في هذه المعركة الدائرة بين قوى الرحمن والشيطان قبل فتح المؤمنين، لأن يوم الجزاء الحقيقي سوف يكون بعد الموت، إذ لم يجعل الله – لحكمته وعلمه – هذا العالم دار الجزاء الحقيقي.

Share via
تابعونا على الفايس بوك