من أفضال الله على الناس.. أن يوفقهم للإنفاق في سبيله
قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيم (264)

من دروس: حضرة مرزا بشير الدين محمود أحمد المصلح الموعود الخليفة الثاني لسيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود

شرح الكلمات:

مَنًّا: منَّ على فلان بما صنع: عدَّد له ما فعله من الصنائع كأن يقول: أعطيتك وفعلت لك. تقول العرب: المن أخو المن.. أي أن الامتنان بتعديد الصنائع أخو القطع والهدم (اللسان). والمن قد جاء هنا بهذا المعنى.

أذى- الأذى ما تأذَّيت به؛ النجاسة.

وفي حديث العقيقة (أميطوا عنه الأذى) يريد الشعر والنجاسة وما يخرج على رأس الصبي حين يولد يُحلق عنه يوم سابعه (اللسان).

التفسير:

يقول الله تعالى إنكم إذا أنفقتم في سبيل الله فيجب ألا يؤدي ذلك إلى الاستكبار والخيلاء، وتقولوا لقد أعطينا كذا وضحَّينا بكذا.. لأن هذا سوف يضيع حسناتكم. قال الله عن الأعراب يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ (الحجرات: 18)..

إنهم يتصرفون وكأنهم قد أحسنوا إليكم بقبول الإسلام. قل: على رِسْلكم، إنما هو فضل الله عليـــكــم أن وفقكم للاعتقاد في دين صادق. كذلك من الجهل الشديد أن يتفاخر الإنسان على الآخرين بتضحياته المالية، لأن ذلك يعني أنه لم يقم بما فعل لوجه الله، وإنما لكي يتعالى ويمُن على الناس، وهذا يَحرمه من الثواب.

لقد نصح سيدنا المهدي جماعته وقال: “لا تظنوا أنكم تحسنون إلى الله وإلى من أرسله بإنفاق قدر من مالكم أو القيام بأي خدمة أخرى. بل إنه من إحسان الله إليكم أنه وفقكم لهذه الخدمة… فحذار أن تتكبروا في قلوبكم أو تظنوا أنكم تقومون بخدمة مالية أو غير ذلك. أقول لكم مرة بعد أخرى إن الله تعالى لا يحتاج أبدا إلى خدمتكم، وإنما هو فضله عليكم أن وفقكم لهذه الخدمة…. لو أنكم قدمتــم خدمــات كثيرة حتى أنفـقـتـم كـل أموالــكم وعقاراتكم فإنه لمما ينافي الأدب أن تظنوا أنـكم قمـتم بأي خدمــة …. كـل هذه الأفكار بعيدة عن الأدب. ولا يهلك أحد بأسرع مما يهلك سيء الأدب (تبليغ الرسالة).

وبكلمة أَذًى أشار إلى أنه ينبغي ألا يعتبر الإنسان من يحسن إليهم عبيدًا له بسبب إحسانه إليهم، ويستغلهم استغلالا، أو يتبرع أحد ببعض ماله ثم يقول: لقد كنت أنفقت كذا وكذا ، ويجب الآن على الجماعة أن تساعدني وتزيل مشاكلي المالية.

وقوله: وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ يبشر الذين ينفقون في سبيله خالصا لوجهه أنهم -بسبب سمو سلوكهم- سوف يدخلون في أمان الله وحفظه، وينالون سكينة القلب فيما يتعلق بماضيهم، ويكون مستقبلهم باهرا أيضا.

قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (الآية: 264)

شرح الكلمات:

قول معروف- كلمة خير ونصح، مثلا: يعامل السائلَ معاملة لينة، أو يقول له مثلا: ليس معنا الآن ما نعطيك.

مغفرة- تغطيةٌ؛ وستر خطأ أحد ؛ العفو عن ذنبه؛ الصفح عما ارتكب من خطأ في حقه. (الأقرب).

التفسير:

نصح من قبل أن من قدم خدمة للدين، أو ضحى بماله لأولئك الذين يقفون حياتهم للدين ويهاجرون إلى المركز للإقامة هناك، أو أعان الفراء بإنفاق ماله .. عليه ألا يجرح مشاعر هؤلاء مثلا بقوله: أنتم تعيشون على تبرعاتنا؛ أو أحسنت إليك بكذا وكذا. والآن يخبر هؤلاء المنفقين أن الأفضل من هذا الإنفاق أن يقول المرء كلمة خير.. كأن يقول: سد الله حاجاتك وفتح عليك أبواب فضله. وهكذا يعامل السائل بالرفق والحب، ويواسيه، ويتعاطف معه بصدق. وبقوله وَمَغْفِرَةٌ وجّه النظر إلى أنه إذا التمس أحد منك العون وذكر عندك حاجته فينبغي أن تستر حاله ولا تذكر ضعفه المالي وحاجته هنا وهناك.

وتعني الآية أيضا أن الأمر بالمعروف، أو العبادة باللسان، أو الدعاء للآخرين وغفران خطاياهم .. أفضل من صدقة يتبعها سلسلة من الإيذاء للمحسَن إليهم. فالقيام بحسنات عقلية وبدنية خير لكم من أن تحاولوا إسداء الخير للآخرين بأسلوب لا يحقق ذلك بل يؤذيهم ويجرح مشاعرهم.

وبقوله: وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ أشار أنكم إذا لم تمتنعوا عن المن والأذى بعد الإنفاق .. فتذكروا أن الله غَنِيٌّ ، وليس بحاجة إلى مالكم، ويمكن أن يأتي مكانكم بقوم آخرين يقومون بخدمة الدين أفضل منكم. وصفة حَلِيمٌ تشير إلى أن الله مع كونه في غنىً عن خدمتكم، إلا أن حلمه يقتضي أن يرحمكم وينجيكم من الهلاك. وقد قرّب إليكم الجنة بهذه التعاليم، وأنتم مخيرون الآن في أن تقوموا بما يجعلكم عرضة لصفة غَنِيٌّ الإلهية، أو تنتفعوا بصفة حَلِيمٌ الإلهية، فتحسنوا العمل ابتغاء مرضاته، وليس للمكاسب الدنيوية.

Share via
تابعونا على الفايس بوك