من حارب الصديق حاربه ربه

من حارب الصديق حاربه ربه

مصطفى ثابت

(تحت سلسلة السيرة المطهرة يتناول الكتاب سيرة حضرة ميرزا غلام أحمد الإمام المهدي والمسيح الموعود مبرزا الوقائع والأحداث الهامة من حياة حضرته المطهرة)

ذكرنا فيما سبق كيف أن الوعيد الذي تلقاه سيدنا أحمد من الله تعالى في حق عائلته وعشيرته كان تحقيقه مشروطا بعدم توبة هؤلاء الناس وعَدَمِ توقفهم عن أساليبهم الإلحادية. ولما لم يُلقوا بالاً لهذا الوعيد اختطف الموت عميد العائلة وشقيقتيه ،مماجعل الباقين يرتعدون خوفًا من العقاب الإلهي، الأمر الذي حدا بهم إلى إعلان توبتهم وإيمان الكثير منهم بالإمام المهدي . غير أن معارضي الجماعة الإسلامية الأحمدية الذين لايفهمون فلسفة الوعيد والعقاب يشيعون بأن نبوءات الوعيد لم تتحقق، وهم بذلك يجهلون أو يتجاهلون سنة الله تعالى التي بيّنها سبحانه في كتابه الكريم في حق قوم موسى وقوم يونس عليهما السلام. ولكن أولئك المخالفين والمعارضين ليس لهم حظ من مخافة الله، ولاينتفعون من الآيات الثابتة والأنباء المتحققة، ولذلك فهم يثيرون الإفك والبهتان، ويحاولون أن يصرفوا الناس عن الإيمان بإمام الزمان، ولا مانع لديهم من التوسل بكل أساليب البهتان، وبالمزيد والمزيد من البهتان، كما فعلوا في أمر الشيخ ثناء الله الأمرتسري، وزعموا أنه تحدى سيدنا أحمد للمباهلة، فأعلن سيدنا أحمد أن الكاذب سوف يموت في حياة الصادق، ولكن مات سيدنا أحمد أثناء حياة ثناء الله، الذي عاش بعده أربعين عاما. فما حقيقة هذا البهتان؟ لقد كانت وكأنها مسرحية هزلية متكونة من ثلاثة فصول.

الفصل الأول

حينما بعث الله تعالى سيدنا أحمد وجعله مسيحا موعودا ومهديا معهودا لهذا الزمان حسب نبوءات سيدنا محمد المصطفى ، وأسس الجماعة الإسلامية الأحمدية عام 1306 ه _1889م، وأعلن صراحة أنه مبعوث من الله تعالى، قام الكثير من المشايخ والعلماء لمعارضته وأصدروا فتاوى الكفر ضده، وأقاموا القيامة في تكذيبه، وعملوا كل ما كان في وسعهم لإفشاله. ولقد سبق أن أخبر سيدنا محمد المصطفى عن هؤلاء المشايخ والعلماء فقال: “علماؤهم شر من تحت أديم السماء” .(مشكاة المصابيح،كتاب العلم).

وقال الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي رحمه الله: “إذا خرج هذا الإمام المهدي فليس له عدو مبين إلا الفقهاء خاصة.” (الفتوحات المكية ج3 ص374). لما ازداد هؤلاء العلماء والمشايخ في التمرد والتكذيب والغي والتضليل لم يبق أمام سيدنا أحمد مجال سوى أن يجعل الله تعالى حكمًا بينه وبينهم، وذلك بأن يدعوهم إلى المباهلة التي ذكرها القرآن المجيد، وفيها يبتهل الطرفان إلى الله تعالى حتى يجعل لعنته على الكاذبين، فيظهر بذلك صدق الصادق وافتراء المفتري الكذاب. فألّف حضرته في سنة 1341ه -1897م كتابا أسماه: “أنجام آتهم” (أي نهاية أتهم)، وذكر فيه أسماء العلماء والمشايخ الذين كانوا يعارضونه، ودعاهم إلى المباهلة لتحكيم الله تعالى بينه وبينهم. وكان من بين هؤلاء العلماء شاب اسمه الشيخ ثناء الله الأمرتسري، ولكنه التزم الصمت خمس سنوات تقريبا، ولم يظهر أي رد فعل على دعوة المباهلة. وبعد مرور السنوات الخمس أظهر رغبته لقبول دعوة المباهلة. لقد ذكر سيدنا أحمد هذا الأمر في كتابه: “إعجاز أحمدي” الذي ألفه سنة 1320ه -1902م وقال ماتعريبه: “لقد سمعتُ بل رأيت تحريرًا وقَّع عليه الشيخ ثناء الله الأمرتسري وقال فيه: إنه يرغب من صميم فؤاده في هذا الاقتراح أي أن يدعو الجانبان -أي أنا وهو- بأن يموت المفتري منهما في حياة الصادق .” (إعجاز أحمدي، الخزائن الروحانية جزء 19 ص 121)

كان سيدنا أحمد المسيح الموعود في ذلك الوقت قد بلغ سن الشيخوخة، إذ كان عمره قد ناهز 67 عاما، وكان الشيخ ثناء الله يصغره بثلاثة وثلاثين عاما، ورأى سيدنا أحمد.. بثاقب بصره .. أن ثناءالله يسعى لكي يجعل لنفسه مكانة بين الناس، وأحس بأنه غير صادق في تقديم اقتراح المباهلة ، وإنما كان يعتمد على أن سيدنا أحمد الذي بلغ الشيخوخة لن يَقْبلَ أن يباهل شابا مثله على أن يموت الكاذب في حياة الصادق. ولعل الشيخ ثناء الله كان يتوقع أن يرفض سيدنا أحمد اقتراح المباهلة لكبر سنه، فيعلن هو أنه أنتصر وفاز بهذه المبارزة، وأن سيدنا أحمد قد خاف وهرب من مواجهته. كان سيدنا أحمد يعلم بسابق خبرته أن هؤلاء الأشرار يعلنون رغبتهم اليوم، لينالوا صيتا واحتراما في أعين العامة، ثم يتراجعون غدا أو ينصرفون بعد فترة. وكان يشعر أن الشيخ ثناء الله يتوقع أن يرفض سيدنا أحمد شرط المباهلة، ولذلك فقد كانت مفاجأة مفزعة لثناء الله أن سيدنا أحمد قَبِلَ اقتراحه، وكتب في كتابه “إعجاز أحمدي” ماتعريبه: “إذا ظل (أي ثناء الله) ثابتًا ومستعدًّا لقبول هذا التحدي، بأن يموت الكاذب في حياة الصادق، فلسوف يموتّنَّ هو قبلي حتمًا.” (المرجع السابق ص 148)

ثم طلب من الشيخ ثناء الله أن يصادق على هذه الكلمات، ويُعلن أمام الناس أنه يقبل المباهلة ويثبت عليها. وأعرب سيدنا أحمد عن شكه في أن يثبت ثناء الله ولا يتراجع عن قبول المباهلة، فكتب عن ذلك يقول: “إن هذا الأقتراح (عن دعوة المباهلة) اقتراح جيد ولكن هل سيظل ثابتا على اقتراحه؟” أثارت مفاجأة قبول سيدنا أحمد للمباهلة دهشة الشيخ ثناء الله ، الذي لم يكن يتوقع أن يقبل رجل في مثل سنّ سيدنا أحمد الذي بلغ السابعة والستين .. أن يباهل شابًّا في سن الرابعة والثلاثين. وأراد الشيخ ثناء الله أن يسرع بالإنسحاب من المباهلة قبل أن يأخذه عقاب الله تعالى، فقال في كتابه: “إلهامات ميرزا” صراحة ماتعريبه: “أنا لست نبيًّا ولا أدّعي مثلك النبوة أو الرسالة أوالبنوة لله أو تلقّي الوحي، ومن ثم لا أجرؤ على الدخول في مثل هذه المعركة” (إلهامات ميرزا ص 16 الطبعة السادسة). ثم قال: “إنني آسف جدًّا لعدم وجود الجرأة لدي لمثل هذه الأمور”. (المرجع السابق )

وهكذا أصبح واضحًا من بيان الشيخ ثناء الله أنه تراجع عن قبول دعوة المباهلة، تماما كما كان يتوقع سيدنا أحمد ، وبذلك انتهى ذلك الفصل ، ولم تعد هذه المباهلة قائمة أو سارية المفعول.

“مضت خمس سنوات على هذا التراجع المشين .. التزم فيها ثناء الله الصمت المطبق ..تمامًا كصمت أهل القبور.”

الفصل الثاني

مضت خمس سنوات على هذا التراجع المشين أيضا.. التزم فيها ثناء الله الصمت المطبق ..تمامًا كصمت أهل القبور، حتى إذا جاء عام 1906 تلقى سيدنا أحمد من الله تعالى مايشير إلى قرب انتقاله إلى الرفيق الأعلى، فأصدر كتابا سماه: “الوصية”، وكتب فيه وصيته وذكر دنو أجله فقال ماتعريبه: “الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله وأصحابه أجمعين. أما بعد، فبما أن الله أخبرني بوحيه المتواتر أن موعد وفاتي قد دنا، وقد تواتر هذا الوحي إلى درجة هزت أصول كياني حتى فَتَرتْ فيَّ الحياةُ ، لذلك رأيت من المناسب أن أسجل بعض النصائح للراغبين في الاستفادة من كلامي. فأولا أُطلعكم على ذلك الوحي المقدس الذي أخبرني بقرب أجلي مما دفعني لأقدم على هذه الخطوة. وفيما يلي ذلك الوحي الذي نزل باللسان العربي: “قَرُبَ أجلُكَ المقدّر ، ولا نُبقي لك من المخزيات ذكرًا. قلَّ ميعادُ ربك ، ولا نُبقي لك من المخزيات شيئًا. وإمّا نُريَنَّك بعض الذي نَعِدُهم أو نتوفّينَّك. تموتُ وأنا راضٍ منك. جاء وقتك، ونُبقي لك الآيات باهراتٍ. جاء وقتك، ونبقي لك الآيات بيّناتٍ. قَرُبَ ما تُوعَدون.” (الوصية، الخزائن الروحانية ج 20 ص 301 )

وجّه حضرته في هذه الوصية إلى جماعته نصائح عديدة غالية، وطَمْأنَها بأن الله لن يضيعها أبدا. وبطبيعة الحال ..فقد وصل كتاب “الوصية” إلى الأصدقاء والأعداء على السواء. وكان ممن اطلع عليه الشيخ ثناء الله، الذي لم يتأثر بما احتواه من نصائح، ولم يُدرك منه مدى صدق سيدنا أحمد وإخلاصه، بل أراد أن يحقق لنفسه مغنمًا ومكسبًا، فصوّر له شيطانه اللعين وخياله السقيم أن مؤسس الجماعة قد صار الآن عجوزًا طاعنا في السن، وأن صحته قد بدأت في التدهور، وهاهو قد أعلن نبأ قرب وفاته أيضا، فلينتهز هو هذه الفرصة ليعيد احترامه في أعين الناس، خاصة وإن أفراد حزبه أنفسهم كانوا يلومونه بسبب تهرّبه وتراجعه عن قبول دعوة المباهلة. وهنا يبدأ الفصل الثاني من المباهلة ضد ثناء الله الأمرتسري .. إذ إنه بتاريخ 29 مارس (آذار) 1907 م نشر فجأة في صحيفته: “أهل الحديث” ماتعريبه: “أيها الميرزائيون .. إن كنتم صادقين فهلموا مع مرشدكم … وقدِّموا أمامي هذا الذي تحداني بالمباهلة في كتابه: “أنجام آتهم.”

هكذا .. بكل وقاحة وتعالٍ ، وبأسلوبه الرخيص المتدني، يوجه الشيخ كلامه إلى الجماعة الإسلامية الأحمدية بأسرها في كلمات ملؤها الاحتقار، فيقول: قدموا أمامي هذا الذي تحداني بالمباهلة. وكما سبق القول فإن سيدنا أحمد كان قد نشر كتابه: “أنجام آتهم” الذي دعا فيه المشايخ المعارضين على المباهلة عام 1897 م، ثم بعد مرور عشر سنوات .. يشير الشيخ ثناء الله إلى تلك الدعوة، وينسى أنه جَبُن عن قبول الدعوة في وقتها، ثم تهرب وتراجع حين قبل سيدنا أحمد دعوته التي أعلنها، فأظهر بذلك جُبنه مرة أخرى. والآن ..بعد أن صار سيدنا أحمد في نهاية خريف عمره وهو مريض معتل الصحة، وقد أنبأ عن قرب وفاته بناءً على وحي الله تعالى، يريد الشيخ ثناء الله أن ينتهز الفرصة، ظنًّا منه أنه في هذه الظروف الحرجة لن يقبل سيدنا أحمد الخروج للمباهلة، فينال هو البطولة في أعين عامة الناس.

ولكن الشيخ ثناء الله لم يكن يعرف أن “أسد الله” لا يخاف أحدا سوى ربه سبحانه وتعالى، والإنسان الصادق.. الذي يعلم أنه في جنب الله ..يكون على يقين بأن الله لن يضيعه ولن يخذله. لذلك فقد رد عليه سيدنا أحمد بسرعة وبدون أدنى تأخير، وصرّح يوم 15/4/1908 بهذا الدعاء: “اللهم افصل بيني وبين المولوي “ثناء الله”، واجعَل مثير الفتنة الفعلي الكاذب يَهلِكُ في حياة الصادق!” (الفصل النهائي في الخلاف مع المولوي ثناء الله الأمرتسري).

أُرسِل هذا الإعلان إلى المولوي الأمرتسري مع طلبٍ لنشره في جريدته “أهل الحديث”، واختتم الإعلان بتصريح من سيدنا أحمد يقول فيه: “وأخيرا أرجو من المولوي “ثناء الله” أن ينشر تصريحي هذا في صحيفته “أهل الحديث”، ويعلّق في نهايته بما يشاء، ويترك الحكم لله تعالى.” (المرجع السابق)

لعل ثناء الله حين كتب تلك الجملة التي وجهها إلى الجماعة الإسلامية الأحمدية، كان يظن أن سيدنا أحمد لن يجرؤ على قبول المباهلة بعد أن بلغ من العمر 72 عاما، بينما كان ثناء الله لا يزال شابا في التاسعة والثلاثين من عمره، لذلك فقد أراد بهذه الجملة أن يُظهر بطولته ويكسب تأييد الناس. لقد كانت مفاجأة عمره أن أعلن سيدنا أحمد عن قبوله المباهلة مرة أخرى وبهذه السرعة، بل وتحداه أن ينشر إعلان القبول في صحيفته. وهنا ظهرت حقيقة أمر الشيخ ثناء الله إذ تراجع للمرة الثانية لائذًا بالفرار كالفأر المذعور ورافضًا الخوض في المعركة، بل وكتب بعد مرور 22 يومًا في صحيفته يقول: “هذه الوثيقة غير مقبولة لدي، ولا يقبل أي إنسان عاقل الموافقة َعلى مثل هذا التحدي. وإني أرفض هذا العرض الذي نشرتَه.” (جريدة “أهل الحديث” 26/4/1907).

ولم يقتصر الشيخ الأمرتسري على رفض تحدي سيدنا أحمد له، بل بلغ به الخوف من عواقب دعاء سيدنا أحمد أن اشتكى قائلا: “لا يمكن أن أدخل طرفًا في هذا التحدي، لأنه لم تؤخذ مني موافقةٌ على هذا الدعاء، ونُشر فحواه دون علمي.” (المرجع السابق) ويبدو أن ثناء الله كان يخشى أن يموت هو في حياة سيدنا أحمد ، إذ صار من الواضح أنه لايريد أن يدخل في المباهلة، ولا يريد أن يدعو الله كي يموت المفتري في حياة الصادق، ولا يرغب في أن يكون طرفًا فيه، بل راح يُشكك في هذا الأسلوب وقال في صحيفته “أهل الحديث” مخاطبًا سيدنا أحمد: “أَرِني آيةً أشهدها بنفسي. لو أني مُتُّ فماذا أستطيع رؤيته؟” (المرجع السابق)

وكتب ثناء الله في نفس الصحيفه وفي نفس الصفحة يُعلن رفضه لدعوة المباهلة فقال: “أنا لا أقبل هذه الطريقة ولا أرضى بهذا التحرير ولن يقبله عاقل أبدًا” (المرجع السابق) ثم صرّح بوضوح أكثر فقال: “لا شك أني سميت هذه الدعوة مباهلة .. وأنكرت هذه الدعوة …” (النشرة المسماة: فصل قضية القادياني) وعلّق نائبه في تحرير صحيفة “أهل الحديث” على الموضوع في الحاشية.. بموافقة ثناء الله نفسه .. فقال:

“إن القرآن المجيد يقول بأن الفُسّاق يُمهَلون من قبَل الله تعالى. فاسمعوا:

مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ ،

وغيرها من الآيات التي تفضح دجلك وتدل دلالة واضحة على أن الله تعالى يُطيل أعمار الكذابين المكارين الخونة المفسدين العصاة،كي يتورطوا في الأعمال السيئة في زمن الإمهال “(المرجع السابق)

وبهذا أصبح من الواضح الجلي أن ثناء الله الأمرتسري قد تراجع مرة أخرى عن قبول دعوة المباهلة التي عرضها عليه سيدنا أحمد المسيح الموعود ، وتهرب منها للمرة الثانية . وهكذا أُسدِل الستار على الفصل الثاني من المباهلة مع ثناء الله.

الفصل الثالث والنهائي

نشر الشيخ ثناء الله الأمرتسري في شهر أغسطس (آب) 1907م-1325ه في مجلة باسم “مرقع قادياني” وكتب فيها:

“… إن محمدا المصطفى ، مع كونه نبيا صادقا، توفي قبل مسيلمة الكذاب، وإن مسيلمة مع كونه كذّابًا مات بعد الصادق … ولكنه مات خائبا خاسرا …”

وبهذه العبارة جعل الشيخ ثناء الله معيار اختبار صدق الصادق وكذب الكاذب هو أن يموت الصادق في حياة الكاذب، تماما كما توفي سيدنا محمد قبل مسيلمة الكذاب.

لقد كان الشيخ ثناء الله يخشى أن يموت قبل سيدنا أحمد ، لأنه قد رأى بعينيه مصير جميع أولئك الذين باهلوا سيدنا أحمد ، وكيف أن الموت قد اختطفهم واحدا بعد الآخر بغير إنذار. ويبدو أن الله تعالى قد ألقى في قلبه الرعب من موته في حياة سيدنا أحمد ، لذلك فقد جاء بهذه الحيلة الجديدة، مشيرا إلى أنه حتى إذا مات قبل سيدنا أحمد فإن هذا لايدل على كونه من الكاذبين ولا على صدق سيدنا أحمد .. لأن رسول الله الذي كان أصدق الصادقين قد مات في حياة مسيلمة الكذاب.

ولم يَدْرِ الشيخ ثناء الله أنه بهذه الحيلة إنما كان يحفر حفرة ليقع هو فيها، وأنه كان ينصب شَرَكًا ليسقط هو فيه. فقد أخذه الله تعالى بنفس معياره الذي اقترحه هو بنفسه، وتوفى اللهُ سبحانه وتعالى سيدنا أحمد في حياة الشيخ ثناء الله كما توفى رسولَ الله في حياة مسيلمة الكذاب، وأبقى الله الشيخ الأمرتسري على قيد الحياة بعد وفاة سيدنا أحمد كما أبقى مسيلمة الكذاب على قيد الحياة بعد وفاة سيدنا محمد .

ميتةُ خسرانٍ

وتماما كما كتب “ثناء الله” بنفسه، وكما دوّن بخط يده، عن مسيلمة الكذاب الذي مات بعد الصادق فقال: “ولكنه مات خائبا خاسرا”، فقد جعل الله تعالى هذا الشيخَ أيضا يذوق طعم بعض آثامه في حياته، حيث كفَّره علماء الوهابيين في مكة والحجاز، حتى قال عنه الشيخ محمد عبد اللطيف، قاضي الرياض في فتواه: “فلا شك في كفره فيجب اجتنابه واعتزاله وهجره واعتزال من جادل عنه”. وقال الشيخ سليمان بن محمد بن جمهور النجدي في فتواه عن ثناء الله الأمرتسري: “ضال مضل، ولا ريب أنه جهنمي، يجب على المسلمين هجره وعلى ولاة الأمور زجره، فإن لم يتب فلا يُسَلَّم عليه ولا يُجالَس ولا يُصلَّى خلفه ولا يُقام على قبره.”

كما أفتى أحدهم:

“إن المولوي الأمرتسري رجل ضال أبتدع عقائد جديدة”. (فيصلة مكة ص 17)

وتصرح الفتوى التالية التي أصدرها علماء مكة ضد الشيخ الأمرتسري: “لايجوز أن يُسأل عن علم ولا يُتَّبع . ودليله لا يُقبَل، ولا يجوز أن يؤم الصلاة. لا شك في كفره وارتداده.” (المرجع السابق)

وكتبت صحيفة “الاعتصام”  بتاريخ 15 يونيو (حزيران) 1962 ص 10 عن ثناء الله الأمرتسري مشيرةً إلى الاضطرابات الدموية التي حصلت لدى انقسام شبه القارة الهندية إلى باكستان والهند:

“في شهر آب 1947م قامت قيامة صغرى في مدينة أمرتسر، وأحاطت أمواج اضطرابات مدمرة بمنزله من كل جانب. ورغم أنه نجح في مغادرة بيته سالما مع بعض أقاربه، ولكن ابنه الوحيد الشاب “عطاء الله” ذُبِحَ أمام عينيه بصورة مريعة مما قطع أوصال قلب الشيخ …”

وكتب عنه المولوي عبد المجيد شودهري في كتابه: “سيرة ثنائي” ص 389-390:

“إن المخربين والإرهابيين كانوا له بالمرصاد فشنّوا هجوما على بيته بُعَيد مغادرته، ونهبوا الأثاث والأموال والحلي ثم حرقوا داره. ولم يتوقف الإرهابيون عند هذا الحد، بل حرقوا أيضا مكتبته الغالية على قلبه، والمحتويه على كتب نادرة وقيّمة يبلغ ثمنها آلاف الروبيات، وكان قد جمعها واقتناها بجهد وعناء، ولم تكن صدمة حرق المكتبة بأقل من صدمة مقتل ابنه … والحق أن هاتين الصدمتين أدتا إلى موته المفاجئ”.

كان الشيخ ثناء الله الأمرتسري شخصًا انتهازيًّا يتطلع إلى كسب الصيت الرخيص دون أن يحرك ساكنًا على صعيد الواقع، وكان يلوذ بالأعذار الواهية تهربًا من المعركة الحقيقية. فكان معروفًا بين زملائه أنه يتلون تلوّن الحرباء ويراوغ مراوغة الثعلب. ومثال ذلك أنه حينما دُعي إلى نصرة الدين وتبليغه عند فتنة ارتداد المسلمين الذين كانوا قبل إسلامهم هندوسًا، في منطقة “ملكانه” بالهند، تهرَّبَ من هذا الجهاد متعذرًا بأن ذلك سوف يضر الوحدة بين المسلمين والهندوس. عندها كتبت جريدة “مشرق” الصادرة في “غورخبور” بالهند، ونِعم ماكتبت عن تصرف الشيخ الأمرتسري: “…إنه يخاف على الوحدة بين الهندوس والمسلمين، ويقول إذا فعلتُ ذلك فبأي وجه سوف أواجه السيد غاندهي[1]*. أقول إن الشيخ لايجد سببًا للخجل أمام الله تعالى لأنه طُبع على مثل هذه الأخلاق والعادات المتلونة بحيث يغير رأيه في كل دقيقة. على أية حال ليست هذه من المهام التي تتم عن طريق المشائخ بل الأمر في يد الله تعالى يكلف بها أناسًا لم يكونوا في أغلب الأحيان مشائخ، ولكنهم كانوا صنّاع المشائخ. (عدد29 مارس 1923)

نعم .. لقد عاش الشيخ ثناء الله بعد وفاة سيدنا أحمد .. تماما كما عاش مسيلمة الكذاب بعد وفاة سيدنا محمد . وكان هذا هو المعيار الذي ذكره واختاره الشيخ ثناء الله بنفسه، ولكنه مات خائبا خاسرا، تماما كما ذكر وكتب بخط يده وصفًا لمسيلمة الكذاب. واليوم.. قد انمحى ذكر الشيخ ثناء الله الأمرتسري، فلا جماعة له تحيي ذكراه، ولا أتباع له ينهلون من منهله، ولولا هذه المسرحية الهزلية التي حاول الشيخ ثناء الله أن يلعب أدوارها لما سمع الناس عنه شيئا، ولما عرفه أحد. وهكذا فقد أبقى اسمَه سوءُ عمله، تماما كما أبقى اسمَ ابليس كبرُه وعجرفتُه، وكما أبقى أسمَ أبي جهل عداوتُه وبغضُه، كما أبقى اسمَ مسيلمة كذبُه وافتراؤه.

وعلى النقيض ترفرف اليوم راية سيدنا أحمد خادمِ المصطفى ومهديِه الموعود .. عالية خفاقة .. في مائة وسبعين دولة من دول العالم من خلال الجماعة المباركة التي أنشأها وصَدَقَ سيدنا أحمد حين قال:

مَن حَارَبَ الصِّدِّيق َ حَارَبَ رَبَّهُ      وَنَبِيَّهُ وَطَوَائِفَ الصُلَحَاءِ

ألا فاعتبروا يا أولي الأبصار!

(يُتبع)

[1] – علمًا أن الزعيم الهندوسي غاندي كان ينادي حينذاك بوحدة المسلمين والهندوس للتخلص من حكم الإنجليز، ومن ناحية أخرى كان زملاؤه الهندوس يحاولون إرجاع المسلمين الذين كانو قبل إسلامهم هندوسًا إلى الهندوسية مرّة أخرى، مستخدمين لذلك كل أساليب الضغط من تخويف وإغراء بالمال.
Share via
تابعونا على الفايس بوك