{وأَوحى ربك إِلى النحلِ} (النحل: 68)
  • جولة بحثية حول سورة النحل
  • علاقة سورة النحل بغيرها
  • سبب تسميتها بهذا الاسم
  • اقتراب تحقق وعود الله
  • أحوال المؤمنين والمكذبين
  • الإيمان بالوحي وهداية الله

__

سورة النحل مكية وهي مع البسملة مائةٌ وتسعٌ وعشرون آيةً وستةَ عشرَ ركوعًا.

وهي مكية كلها، قاله الحسن والعطاء وعكرمة وجابر. وقال ابن عباس: إلا ثلاث آيات منها نـزلتْ بالمدينة، وهي قوله تعالى ولا تشتروا بعهد الله.. إلى قوله ولنَجزِينّهم أجرَهم بأحسنِ ما كانوا يعملون (الآيات: 96 – 98). بينما قال الآخرون: إن الآيات المدَنية هي قوله تعالى وإنْ عاقبتم فعاقِبوا بمثل ما عوقبتم به إلى قوله تعالى والذين هم محسنون ، وقد نـزلت هذه الآيات بشأن تمثيل الكفار بحمزة وغيره من قتلى أُحد. وقالت طائفة أخرى من العلماء: إن الآيات المدَنية تقع في مستهل السورة بدايةً من قوله تعالى أتى أمرُ الله إلى قوله عما يشركون . (البحر المحيط)

ولكن قتادة يحمل رأيًا معاكسًا تمامًا حيث يعتبر السورة كلها مدنية، ما عدا الآياتِ الثلاث الأولى. (المرجع السابق)

أما المستشرقون فإن “ويري” منهم يرى أن هذه السورة مكية كلها نـزلت في أواخر الفترة المكية. ويوافقه في الرأي “نولدكه” (Noeldeke) إلا أنه يقول أن الآيات التي رقمها 43، 111، 119، 120، 125 مدَنية، علمًا أن “نولدكه” لا يعتبر في ترقيمه البسملةَ جزءًا من السورة. وأما “سيل” (Sale) فيرى أنها مكية كلها ما عدا الآيات الثلاث الأخيرة. ولكن “ويل” (Weil) يعارض موقف “سيل” بشدة، ويرى أن السورة مكية كلها. (تفسير القرآن لـ “ويري”)

سبب تسميتها:

لقد سُمّيت هذه السورة بالنحل لأن الله تعالى قد تحدّث فيها عن نـزول الوحي على النحل، ليدلّل به على أن هذه المصنعة الكونية كلها تدار بالوحي. فالوحي هو الموضوع الرئيسي المحوري لهذه السورة.

والسبب الآخر لهذه التسمية هو أن الله تعالى قد تناول فيها موضوع الجهاد أي القتال لأول مرة، وكان طبيعيًّا أن تُثار الاعتراضات ضد القتال، فرد الله على هذه المطاعن سلفًا بذكر النحل، موضّحًا أن النحل تنفع بعسلها كما تلسع بحُمَتها أيضًا، ولكن نفعها أكبر من ضررها؛ وذلك هو مَثلُ الجهاد، فإنه أمر شاق، ولكن وراءه هدف نبيل ألا وهو الحفاظ على العسل الروحاني: الوحي.

ثم رد الله على اعتراض الكفار أن محمدًا إذا كان من عند الله حقًّا فلماذا يعارض تعاليم الأولين؟ فأخبر أن تكفير الرسل السابقين ومخالفة تعاليمهم شيء، ورفضُ الطقوس الخاطئة والتعاليم الرائجة المنسوبة إليهم خطأً شيء آخر تمامًا.

علاقة سورة النحل بغيرها:

لقد سبق أن بينتُ أن هناك صلة بين مواضيع السور القرآنية وبين المقطعات الواردة في مستهلّها، وأن السور الخالية من أي مقطع تابعةٌ في المعنى للسورة التي استهلّت بمقطع من قبل. وبحسب هذه القاعدة تُعتبر سورة النحل تسلسلاً للموضوع الذي عالجته السورةُ السابقة.. الحِجرُ، ولكن سورة النحل تتناوله بأسلوب آخر. لقد استهلت سورة الحجر بمقطع الر .. ومعناه: أنا الله أرى، وقد نوقشت هذه الصفة الإلهية نفسها في سورة النحل ولكن من زاوية أخرى، حيث بيّن الله فيها أهميةَ الوحي وعظمتَه، والغرضَ من نـزوله، والقوةَ الكامنة فيه. فقد برهن الله في سورة النحل على أن لا حدود للقوة القدسية الكامنة في القرآن: أكملِ الكتب السماوية قاطبة، فكيف يمكن أن يحوم الشك حول نجاح المسلمين؟

ومما يربط هذه السورة بالتي قبلها أن الله قد أنذر الكفار بالعذاب في السورة السابقة بقوله: وأن الساعة لآتِيَةٌ ، وبقولـه: فَوَرَبِّك لنَسئَلنّهم أجمعين ، وقد أخبر الآن في مستهل سورة النحل أن هذا الوعيد على وشك أن يتحقق حيث قال: أتى أمرُ الله فلا تستعجِلوه .

هناك سؤال يجب الرد عليه: لماذا استخدم الله في السورة السابقة كلمةَ آتية بينما قال هنا أتى ؟ليكن معلومًا أن من أسلوب القرآن أنه حين يريد التأكيد على حدوث أمر أو على اقتراب وقوعه يستخدم لـه صيغة الماضي، لأن ما قد حدث في الماضي لا يحوم حول حدوثه شك ولا شبهة. وعليه فقولـه أتى أمر الله أيضًا يشكّل دليلاً على أن سورة النحل نـزلت قبل حادثة الهجرة بفترة قصيرة جدًّا.

ملخص محتواها:

تتلخص مضامين هذه السورة في أن ساعة تحقُّق الوعد الذي قُطع مع الكفار قد اقتربت جدًّا، وألا وزنَ لاعتراضهم: كيف نزل الوحي على شخص عادي كمحمد!؟ أفلا ينظرون إلى الإنسان كيف كان حقير الشأن في بداية خلقه، ومع ذلك رفع الله تعالى مكانته بتطوير قواه الكامنة، وجعله وارثًا لنعمه التي لا تعد ولا تحصى. كذلك تمامًا إذا اختار الله شخصًا قليلَ الشأن فيما يبدو وفضّله على الآخرين في العالم الروحاني، فليوقن هؤلاء أنه لم يقع عليه الاختيار الإلهي إلا لكفاءاته التي ما تزال عليهم خافية.

ثم بين الله تعالى أنه كيف يمكن للذي هيأ الوسائل لرحلاتكم المؤقتة في العالم المادي أن يتغافل عن أن يهيئ الوسائل لرحلتكم الأبدية. لا أحد يقدر على سد حاجاتكم الروحانية، لا أنتم ولا آلهتكم الباطلة، وإنما الله وحده هو القادر على أن يدلكم على الطريق الصحيح والأقرب إليه ، ثم يهديكم إلى الوسائل الملائمة للسير في هذا الطريق. وبالفعل يُطلِع اللهُ عبادَه على هذه السبل والوسائل. أما إذا تدخَّل الإنسان في هذا الأمر وأخذه في يده، وخلق لنفسه المشاكل، فهو المسؤول عن هذه العواقب.

ثم أخبر الله تعالى عن أحوال السالكين في سبيله، ومصير الذين ينحرفون عنه. كما وضّح أن جزاء الإنسان يترتب بالنظر إلى عاقبة أمره. فلا قيمة للاعتراض بأن جميع الناس لا يؤمنون برسل الله على الفور، بل هناك من يعارضون دعوتهم في البداية ثم يصدقونها، فماذا سيُفعل بهم؟ لأن المؤمنين والمنكرين سوف يُسألون بالنظر إلى خواتيم أمرهم، لأن الطريق المؤدي إلى الدار الآخرة يبدأ حيث ينتهي سفرهم في الدنيا بالموت.

ثم ردّ الله على السؤال القائل: إذا كان الرسل يُبعثون من عند الله تعالى فكيف يتجاسر الناس على إنكارهم؟ فأخبر أن الله القادر يستطيع أن يجبرهم جميعًا على الإيمان، ولكن هذا يتنافى مع مشيئته تعالى. وبالإضافة إلى هذا الدليل المنطقي قدم برهانًا من التاريخ وقال: أنتم أيضًا تؤمنون ببعض الرسل، فأخبِرونا: هل جميع الناس آمنوا بهم؟ ثم نبّه الله المؤمنين أنهم إذا كانوا حريصين على أن يؤمن أقاربهم أيضًا بهذا الوحي فلا سبيل لذلك إلا أن يسعوا لتطهير قلوبهم، لأن الله تعالى لا يهدي أحدًا بالجبر إذا ما كان هو مصرًّا على الضلال، لأن هذا يكون إجحافًا وظلمًا بالمؤمنين، ويبطل الحكمة من البعث بعد الموت. ثم أعاد الله تعالى قول الكفار بأن لا حقيقة للبعث بعد الموت، ثم ساق الأدلة على ضرورة البعث، موضحًا أن ما تأكدت ضرورته فلا بد من وجوده وفقًا لسنة الله الجارية.

ثم أقام الدليل على ضرورة البعث بعد الموت بذكر بعض ما يقع في العالم المادي، فقال: إن الله تعالى يبعث الشعوب في هذه الدنيا أيضًا، وهذا البعث يبدأ بهجرة المؤمنين من بلد الكافرين، وهذا ما سيحدث مع جماعة هذا النبي أيضًا. وما دام لا بد من الفصل بينهم وبين الكفار بالهجرة لرقي المؤمنين رقيًّا ماديًّا كاملاً، فلماذا لا يفصل الله بين الفئتين تحقيقًا للغاية العليا.. لكي تسير كل من الفئتين في طريقها الخاص بحرية تامة دونما عائق. وهذا الفصل بين الفئتين- أو بتعبير آخر – هذه الهجرةُ الروحانية ستتم بالموت. بعد هذه الهجرة يبدأ كل منهما في السير في طريقه الخاص في حرية تامة، ليحقق المؤمن الرقي الروحاني في الجنة بعيدًا عن أي عرقلة من العدو. فبرؤية ما سيحققه المؤمنون بعد الهجرة من رقي مادي ..سيدرك الكفار ضرورة فصل الأرواح المؤمنة من الكافرة لتحقيق الغاية التي خُلقوا من أجلها.

ثم أشار الله إلى نتائج الهجرة الدنيوية وبيّن كيف ستؤدي هجرة المؤمنين إلى نزول العذاب بالكفار وغلبة المؤمنين عليهم، حيث أخبر أن هذا لن يتم بتدابير مادية، بل إن تمسكهم بالتوحيد هو وحده سيأتي بهذه النتائج كلها.

ثم أوضح أن إنكار الإنسان الآخرةَ يؤدي إلى فساد أعماله، وهذا أيضًا يشكل دليلاً على ضرورة البعث بعد الموت.

ثم قال الله تعالى: إن ما نمنح الكفار من مهلة لا يعني أننا لا نريد توطيد الدين، وإنما نفعل ذلك رغبةً في نجاة البشر. ذلك أن ظاهرة المهلة جارية حتى في نواميس العالم الطبيعي المادي أيضًا، فكيف يمكن إنكار وجودها في العالم الديني الروحاني خصوصًا وأننا نريد إنقاذ أكثر من يمكن إنقاذه.

ثم أبطلت الآية نظرية الجبر قائلة: إن تزيين السيئة للناس هو دأب الشيطان ولا يمكن أن يُعزى ذلك إلى الله ، لأن من واجبه سبحانه وتعالى أن يبين طريق الهدى فحسب. غير أن رحمته الواسعة تهيئ مزيدًا من أسباب الهدى للناس حيث إن المؤمنين بوحيه يزدادون بالعمل به نعمةً وفضلاً على الدوام، وهكذا يتضح لأولي الألباب أن الله تعالى يحب هذا الطريق، فيهتدون.ثم رد الله على اعتراض الكفار أن محمدًا إذا كان من عند الله حقًّا فلماذا يعارض تعاليم الأولين؟ فأخبر أن تكفير الرسل السابقين ومخالفة تعاليمهم شيء، ورفضُ الطقوس الخاطئة والتعاليم الرائجة المنسوبة إليهم خطأً شيء آخر تمامًا. لأن النبي إنما يُبعث حين يقوم الناس بتشويه التعاليم الحقّة السابقة ولا يستطيعون الحِفاظَ عليها، فيُحييها النبي من جديد.

ثم ضرب مثالاً رائعًا ليبرهن على أن الله وحده حقيقٌ بأن يهدي الناس، فقال: انظروا إلى الحيوانات كيف تأكل الكلأ وتنتج الحليب. الواقع أنه منتوج الآلة التي ركّبها الله في جسم هذا الحيوان. ومثلُ أخلاق الإنسان البهيمية كمثل الكلأ، يحوّلها الله عبر آلة القانون الروحاني إلى أخلاق فاضلة نبيلة.

ثم ضرب مثالَ النحل وأخبر أنها أيضًا تعمل وفق الوحي الإلهي، وتنتج من عناصر النبات البسيطة عسلاً مصفّى، فيمكن أن تدركوا من هذا أن كل الكون يعمل بحسب قانون خفي من الوحي، فكيف تستبعدون أن ينزل الوحي لتطوير أخلاق الإنسان، ويأتيَ بنتائج طيبة شافية له كما يأتي عسل النحل بشفاء للناس؟ غير أن النحل أنواع وأن العسل من حيث جودته درجات متفاوتة، كذلك البشر متفاوتون في مراتبهم، فمع أن المؤمنين يتبعون الوحي نفسه إلا أن كل واحد منهم ينتج عسلاً روحانيًا مختلفًا عما ينتجه غيره.

ثم دلّل بأسلوب آخر على ضرورة الوحي، فقال: كلما يكتب الله لقوم الازدهار فإنه بعد مرور زمن تحتكر فئة معينة منهم كل المنافع التي يأتي بها هذا الازدهار، مما يسد في وجه الآخرين طريق التقدم، لأن الفئة المستولية على زمام الأمور لا تسمح لهم بالتقدم رغم كفاءتهم وجدارتهم، مع أن الله تعالى قد جعل الجميع شركاء في نعمه وأفضاله. فهل هناك من طريق لتغيير هذا الوضع إلا الوحي؟ إن الكبراء في ذلك العصر المظلم يدّعون دائمًا: نحن أكفأ القوم وأفضلهم ولذلك نملك زمام الأمر في قبضتنا. ولا يكون هناك من سبيل لإبطال دعواهم، اللهم إلا أن يدبر الله لإلقاء القوم في اختبار جديد، وهذا يحتّم بعث نبي. وعندما يأتي النبي ينكشف للجميع أن أهل السيادة الحالية ليسوا أكفاء لحمل مسئولية قيادة القوم لأنهم يبقون محرومين من اتباع الوحي النازل على النبي، وأما الذين يُستضعفَون فإنهم يوفَّقون لتصديق كلام الله، مما يبين أن السيادة لم تكن في أيدي الأكفاء. وهكذا يقوم الله بحماية حقوق البشر من جديد، فيبدأ كل إنسان في الرقي وفق كفاءاته، ويَتمّ القضاء على النظام القائم على العصبية والانحياز.

ثم يسوق القرآن الكريم دليلاً آخر على ضرورة الوحي حيث يقول: حين تبتعد الأمم عن الله فإنها تقع في الأعمال الوثنية وتربط نفسها بمن لا يملك لهم ضرًّا ولا نفعًا، وبالتالي تُحرَم من وسائل الرقي الحقيقية. ولو لم يتم القضاء على هذا الوضع لتوقفت عجلة التقدم والازدهار.

وبعدها بيّن أن البعد عن الوحي يُلحق نوعين من الأضرار: أحدهما ما سبق بيانه أي أن البعض يأخذ زمام أمور الناس عنوةً، ولا يسمح لأهل الكفاءة الحقيقية أن يتقدموا ويبرزوا على ساحة الأحداث، وثانيهما: أن الأعمال الوثنية تدمر الكفاءات والقدرات الكامنة في القوم. والله رحيم فكيف يمكن أن يلزم الصمت على هذا الظلم، ويبطل خطّته بيده؟ إذ كيف يُستساغ أن يخلق هذه القدرات في القوم ثم يَدَعها تموت بنفسها، أو يسمح للظالمين أن يحولوا دون ظهورها؟

وبالاختصار فإن الله تعالى يكشف زيف دعاوى الكفار، لأن حكمته البالغة تقضي بأن يدمر الذين هم رأس هذه الفتنة والظلم. وهكذا فالذين لا يتلقون الدرس من وسائل الحماية الإلهية الظاهرة فإن الله ينـزع منهم حمايته الظاهرة، كما أن الحماية الزائفة المتمثلة في شركائهم الباطلة أيضًا تتسبب في ذلهم وهوانهم.. في الدنيا والآخرة. غير أنه تعالى وضّح أيضًا أنه لن يعامل سائر الظالمين معاملة واحدة، بل سوف يعاقب أئمتهم الذين أضلوا غيرهم بأشد مما يعاقب به أتباعهم الضالين.

ثم قال: أفلا يرون أن أسباب هذا الانقلاب لموجودة وبادية تمامًا، وأوّلُها الشهادة الداخلية للقرآن وهي كون تعليمه كاملاً جامعًا، وثانيها أن تعليمه يهدي إلى الرقي والفلاح، وثالثها أن العاملين به ينالون البركات والنعم فعلاً.

بعد ذلك عندما ذكر أمثلة من التعاليم القرآنية الكاملة، قال الكفار مرة أخرى إنها تخالف ما ورد في الأسفار السابقة، فرد الله عليهم بأن هذا الاعتراض سخيف وواهٍ، لأن الوحي ينـزل وفق متطلبات كل عصر.

ثم أخبر أن الكفار حين يسمعون هذا الجواب يقولون أن هذا التعليم مسروق من كتب الأولين، فرد عليهم وأثبت أن هذا الاعتراض يتنافى مع العقل تمامًا.

ثم وضح الله تعالى أنه يمكن أن يرتد البعض عن الإسلام، ولكن ارتدادهم ليس دليلاً على أن القرآن الكريم لا يهب اليقين الكامل، إنما يتأكد ذلك إذا كان ارتدادهم بناء على دليل وبرهان. وما دام ارتدادهم يرجع إلى المصالح الدنيوية فهذا دليل على خبث باطن المرتدين لا على ضعف تعاليم القرآن.

وبعد ذلك أخبر أنه قد حان موعد حكم المسلمين، وأن ما بُشّروا به في القرآن أوشك على التحقق. سوف تقع حرب شديدة بين الكفر والإسلام، لينال فيها كلٌّ جزاءه وفق إيمانه.

ثم وضح الله تعالى أنه يمكن أن يرتد البعض عن الإسلام، ولكن ارتدادهم ليس دليلاً على أن القرآن الكريم لا يهب اليقين الكامل، إنما يتأكد ذلك إذا كان ارتدادهم بناء على دليل وبرهان. وما دام ارتدادهم يرجع إلى المصالح الدنيوية فهذا دليل على خبث باطن المرتدين لا على ضعف تعاليم القرآن.

ثم أخبر بكلمات لا لبس فيها عن هلاك المكيين وزوال حكمهم. ثم تحدث مرة أخرى عن الرحمة، وبيّن كيف أن القرآن الكريم يمثِّل رحمةً لبني آدم حيث ينقذهم من قيود الطقوس الفارغة والعادات غير المعقولة.

ثم ذكّر أهلَ مكة بأبيهم إبراهيم وقال: إن أباكم هذا كان مسلمًا ومطيعًا لله ، فعليكم باتباع خطوات أبيكم، والعمل بأسوته.

بعد ذلك خاطب اليهود والنصارى وقال لهم: إنكم أيضًا قد غيّرتم دينكم، فعليكم أن تصلحوا أنفسكم ولا تزدادوا ضلالاً وغوايةً، مغترين بما آتاكم الله من نعم الحياة ومتع الراحة.

وأخيرًا نبّه الله رسوله الكريم أن نطاق دعوتك سوف يتسع ليشمل اليهود والنصارى أيضًا، لذا نؤتيك من الآن بعض الأوامر والتعاليم في شأنهم.

ثم قال الله للمسلمين: كان أهل مكة وحدهم الذين يضطهدونكم إلى الآن، ولكن عن قريب سوف يبدأ اليهود والنصارى في العدوان عليكم، فيجب أن تتمسكوا بأهداب الصبر والرحمة عند عدوانهم أيضًا، ولكن لا تحزنوا على هلاكهم حينما يقرر الله عذابهم. كما قال للمؤمنين إن النصر سيكون حليفكم في الصراع مع أهل الكتاب أيضًا.

Share via
تابعونا على الفايس بوك