- نشأة الخلق في القرآن الكريم
- المفهوم السليم للجن
- الطاقة الإشعاعية ونار السموم
- العلم التجريبي والقرآن العظيم
__
إن القرآن الكريم الذي لا تنقضي عجائبه وأسراره التي أودعها الله في آياته المحكمات تدعونا إلى التدبر والتأمل دوما لكشف تلك الكنوز الإعجازية في بطون آياته، ولا شك أن الإعجاز العلمي في القرآن العظيم يُظهر أحد الأوجه الجمالية فيه، كما ويمثل أحد الكنوز الدفينة التي أصبحت تتلألؤ في عصرنا الحالي، بعد أن استخرجها ذوو القلوب البصيرة وأولو الألباب الخادم الصادق للقرآن مؤسس الجماعة وخلفاؤه من بعده.
إن القرآن الكريم ككتاب هداية لكل البشر في كل الأمكنة والأزمنة يخاطب اليوم علماء الطبيعة والبيولوجيا والفيزياء بل كل العلماء بتخصصاتهم المختلفة ويدعوهم إلى حسم خلافاتهم العلمية في قضايا علمية كبيرة لطالما حاروا فيها، بينما هي جلية بينة في بطون آياته المحكمة.
لفظ الجن هنا يعني الكائنات الدقيقة غير المرئية والتي تشمل البكتيريا والفيروسات وغيرها، وإن هذه الكائنات خُلقت قبل خلق الإنسان أي بُدء بها الخلق…. الجان خُلق من قبل أي من قبل خلق الإنسان وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ وأن هذا الجن أو الجانّ كما تبين الآية خُلق من نار السموم. فما هي نار السموم؟
إن من بين القضايا العلمية التي يتناولها القرآن الكريم وتتفق معها النظريات العلمية التي أصبحت راجحة في الأوساط العلمية هي نشأة الخلق وتطوره على هذه الأرض. وفي هذا المقال سنركز على بداية الخلق على سطح هذه الأرض آملين أن تتاح لنا الفرصة للحديث عن تطور أشكال الحياة المختلفة والتي تُوِّجت بخلق الإنسان بصفته الهدف النهائي لعملية الخلق المعقدة والبطيئة، بمراحلها الطويلة والمختلفة والبعيدة طبعا عن فكرة الخلق الفجائي الخرافية أو الخلق العشوائي الإلحادية.
يقول تعالى:
إن هذه الآية تحث المتدبرين والباحثين على دراسة وتتبع الآثار التي تركتها المخلوقات القديمة كالأحافير وغيرها من الآثار، من أجل معرفة كيفية بدء الخلق على هذه الأرض.
ثم في آية أخرى يبين الله تعالى شكل الكائنات الحية وصفتها التي بدأت بالتكون ولأول مرة على هذه الأرض، بل وتشير هذه الآية أيضًا إلى العامل الحاسم في عملية الخلق هذه، يقول تعالى:
بداية دعونا نتدبر لفظ “الجانّ” الوارد في الآية والذي يطلق لغويا على “كل شيء يتصف بصفة الخفاء أو الاختفاء، أو الانعزال، أو البعد، أي كل شيء مظلم أو مستتر عن الأعين كما يدل أيضا على الأطياف القاتمة والظلال المعتمة. ولهذا استعمل القرآن لفظ “جنة” التي تعني حديقة كثيفة الأشجار. وينطبق أيضا لفظ “الجن” على الحيات والثعابين، لأن من طبيعتها أن تظل في خفاء عن الأنظار، وتعيش حياة منعزلة عن بقية الحيوانات في شقوق الصخور وحُفر الأرض. كذلك فإن نفس اللفظ يُطلق على النساء اللواتي تنعزل في خدورها عن مخالطة الناس، وأيضا تنطبق على القادة وعِلْية القوم الذين يُفضلون الانعزال عن عامة الناس. كذلك فإن اللفظ يُطلق أيضا على سكان الجبال الوعرة التي يصعب الوصول إليها، لانعزالهم عن المجتمع البشري العادي. وعلى هذا.. فإن كل ما يظل بعيدا عن أعين الناس عامة والنطاق المباشر لرؤية العين المجردة يمكن أن يُطلق عليه لفظ “الجن”. ويؤيد هذا المعنى أيضا حديث شريف للرسول ينصح فيه الناس بعدم الاستنجاء بكتلة من الرَوث أو بعظام الحيوان الميت حيث إنها طعام الجن، يقول رسول الله : “لا تستنجوا بالرَّوث ولا بالعظام، فإنه زادُ إخوانكم من الجن”. (الترمذي: أبواب الطهارة؛ وأبو داود: كتاب الطهارة)، ومن هنا يمكن استنباط أن ما كان يعنيه الرسول بلفظ الجن في هذا السياق لم يكن سوى الكائنات غير المرئية التي تتغذى على الرَوث، وعلى العظام العفنة، وما شابه ذلك، وإن هذه الكائنات الدقيقة لم تكن معروفة قبل أن يكتشفها العالم الفرنسي “باستور” قبل أكثر من مئة وخمسين عاما.
إذن لفظ “جن” في هذا السياق يعني الكائنات الدقيقة من بكتيريا وفيروسات وغيرها، وحقيقة فليس في اللغة العربية لفظ يصلح لوصف تلك الكائنات أفضل من لفظ الجن. وعلى ضوء ما تقدم نستطيع أن نفهم أن لفظ الجانّ الوارد في الآية:
يعني أيضا هذا المعنى الذي ينسجم مع سياق الآية كما سنرى، أي أن لفظ الجن هنا يعني الكائنات الدقيقة غير المرئية والتي تشمل البكتيريا والفيروسات وغيرها، وإن هذه الكائنات خُلقت قبل خلق الإنسان أي بُدء بها الخلق، لأن الله تعالى عندما ذكر خلق الإنسان في قوله:
جاءت الآية التالية مباشرة لتذكر أن الجان خلق من قبل أي من قبل خلق الإنسان:
وأن هذا الجن أو الجانّ كما تبين الآية خُلق من نار السموم. فما هي نار السموم؟
إن من معانيها النار المتقدة، أو الحر الشديد النافذ في المسامّ (الأقرب). والسموم عند ابن عباس: “نار لا دخان لها” (البحر المحيط). وأيضا السَّموم: الشيء الذي ينفذ إلى شيء آخر بطريق دقيق ويؤثر فيه، ومنه سُمي السمّ الـذي يسري إلى داخل جسم الضحية عبرَ العروق فيقضي عليها بسرعة، وعلى ضوء المعاني المذكورة لـ “نار السموم” نفهم أنها تشير إلى الطاقة الإشعاعية العالية لأن خصائص هذه الطاقة تنطبق على جميع المعاني المذكورة لـ “نار السموم” فهي تسخّن الأجسام كالنار كما أنه لا يصاحبها أي دخان كالنار الناتجة من الاحتراق، ثم إن لها قدرة على الاختراق والنفاذ من خلال الأجسام بسبب طاقتها العالية، وعلى ضوء هذه الآية القرآنية والتي تتحدث عن بداية الخلق على سطح الأرض فإننا نخلص إلى أن الحياة بدأت على هذه الأرض بكائنات دقيقة مثل البكتيريا أطلق عليها القرآن”الجن” وأن هذه الكائنات الدقيقة كانت تستمد الطاقة اللازمة لاستمرار وجودها مباشرة من “نار السَّموم” أي من الإشعاعات ذات الطاقة العالية.
إن ما يبينه القرآن في هذه الآية يتفق مع ما أصبح مرجحا في الأوساط العلمية حول بداية الحياة على هذه الأرض، حيث تذكر النظريات العلمية أن البكتيريا البدائية “الجن” هي أول الكائنات الحية التي تكونت بفعل الطاقة المنبعثة من البرق والأشعة المنبعثة من الشمس (الأشعة الكونية) بالإضافة إلى الطاقة الحرارية الناتجة من البراكين أي باللفظ القرآني “نار السموم”، والنظرية تبين أن جو الأرض البدائي قبل حوالي 5 مليارات سنة كان مختلفًا عن جوّ الأرض اليوم، حيث لم تكن طبقة الأوزون الواقية من الإشعاعات فوق البنفسجية قد تكونت بعد مما سهل وصولها إلى سطح الأرض وبوصول هذه الطاقة الإشعاعية “نار السموم” إلى الأرض حسب هذه النظرية فإن المادة غير العضوية المكونة للغلاف الجوي البدائي أو تلك الموجودة في البحار القديمة تحتاج إلى هذه الطاقة “نار السموم” حتى تتحول إلى مادة عضوية حيّة بسيطة (أحماض أمينيه) والتي بدورها تشكل اللبنات الأساسية التي تكون جزيئات عضوية أكثر تعقيدا تدخل في تركيب الخلايا الحية المكونة لأجسام الكائنات الحية.
وعلى ضوء النظريات التي صاغها العلماء حول بداية الخلق على سطح الأرض قام العالم ستانلي ل. ميلر (Stanley L. Miller) عام 1953 باختبار تلك النظريات من خلال تجربة صمم فيها جهازًا زجاجيًا محكم الإغلاق أوجد فيه ظروفا مشابهة لظروف الأرض في المراحل الأولية كما يظن العلماء، حيث ملأ الجهاز ببضع لترات من غاز الميثان والأمونيا والهيدروجين. وأضاف إلى هذا الخليط قليلا من الماء، واستبدل أثر البرق بجهاز يطلق بعض الشرارات، بينما استعمل لولب كهربي لتسخين الماء وإبقائه في حالة غليان. وخلال بضعة أيام بدأت تترسب على الزجاج طبقة حمراء، وعند تحليلها وجدها غنية بالأحماض الأمينية التي تترابط لتكوين البروتينات التي تشكل المادة اللازمة لتكوين الخلية.
إن نتائج هذه التجربة بالرغم من العيوب والنقائص التي فيها إلا أنها تؤكد صحة النظرية العلمية التي تتفق مع القرآن الكريم حول بداية الخلق والتي تنص على أن: البكتيريا البدائية (أي الجانّ) هي أول من تكونت على سطح الأرض نتيجة تحول المادة غير العضوية إلى عضوية بسيطة ثم معقدة تكونت منها الخلية البكتيرية وأن هذا التحول تم بفعل الحرارة الناتجة من الإشعاعات الكونية والبرق والحرارة المنبعثة من البراكين (التي سماها القرآن الكريم بـ “نار السموم”).
وعلى ضوء هذه الآية القرآنية والتي تتحدث عن بداية الخلق على سطح الأرض فإننا نخلص إلى أن الحياة بدأت على هذه الأرض بكائنات دقيقة مثل البكتيريا أطلق عليها القرآن»الجن» وأن هذه الكائنات الدقيقة كانت تستمد الطاقة اللازمة لاستمرار وجودها مباشرة من «نار السَّموم» أي من الإشعاعات ذات الطاقة العالية.
وكذلك فإن نتائج هذه التجربة فتحت شهية العلماء نحو السير قدما من أجل تخليق خلايا حيّة وبالتالي خلق كائنات حية جديدة! خاصة بعد أن استطاعوا أن يكوّنوا المادة الحيّة الأولية التي تتكون منها الخلايا، إلا أن التحدي القرآني جعل جميع هذه المحاولات تبوء بالفشل، فليس بمقدور الناس حتى لو كانوا مجتمعين أن يخلقوا خلية حية تنبض بالحياة وتتكاثر، يقول الله تعالى:
إن بداية الحياة على هذه الأرض في تفاصيلها الكثير الكثير، والذي لا يزال مجهولا أكثر مما هو معلوم، وأن الله الحكيم أودع الكثير من الأسرار في كل مخلوقاته، وسيبقى البشر عاجزين عن خلق خلية واحدة مهما اكتشفوا من حقائق تتعلق ببداية الحياة على هذه الأرض.