الخطبة الإلهامية
التاريخ: 2014-04-11

الخطبة الإلهامية

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

الخليفة الخامس للمسيح الموعود (عليه السلام)
  • أحداث ما قبل الخطبة الإلهامية
  • وقائع إلقاء الخطبة وحال المسيح الموعود أثناءها
  • الخطبة الإلهامية في عيون صحابة المسيح الموعود
  • مواقف صحابة المسيح الموعود حول الخطبة الإلهامية
  • فقرات من الخطبة الإعجازية

__

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْم الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين* إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهمْ وَلا الضَّالِّين . (آمين)

سأذكر اليوم آية المسيح الموعود التي ظهرت في مثل هذا اليوم أي بتاريخ 11/4/1900م. وهذه الآية هي آية الخطبة في العربية التي جرت على لسان المسيح الموعود بتأييد خاص من الله تعالى، بل كانت إلهاما في الحقيقة. فكانت آية إلهامية لذا سمِّيت “الخطبة الإلهامية”. لقد سمع هذه الخطبة الإلهامية حينها قرابة مئتَي شخص وشاهدوا كيفية الإلهام. لقد وجّهني أحد الإخوة بمناسبة هذا اليوم وهو يوم الجمعة أيضا أن أبيّن هذه الآية العظيمة للمسيح الموعود ، لأنه قد يكون هناك من الأحمديين الذين سمعوا اسم الخطبة الإلهامية، لأنها منشورة بصورة كتاب ولكنهم لا يعرفون تاريخها وخلفيتها. ولشَدَّ ما كانت حيرتي حين علمتُ أن هناك بعض الأحمديين الذين لا يعرفون عنها شيئا. فليعلم كل أحمدي أن الآيات التي أظهرها الله تعالى لتأييد المسيح الموعود تزيدنا إيمانا وتهيئ لنا مادة لإفحام المعارضين وتزوّدنا بأدلة على صدقه . ولا سيما أن آية الخطبة الإلهامية هي من الآيات العظيمة التي أفحمت كبار العلماء.

فكما قلتُ آنفا، سأبين اليوم تاريخ الخطبة الإلهامية وخلفيتها بإيجاز، وسأذكر أيضا ماذا كان تأثيرها حينئذ على الأحباب والأغيار، والكيفية التي مروا بها، وماذا قال عنها الآخرون. وسأقرأ بعض المقتبسات أيضا من تلك الخطبة.

الحق أن عظمة الخطبة وحقيقتها يمكن أن تتبين بمجرد قراءتها، والفقرات التي اخترتها للقراءة الآن أيضا تبين عظمتها وتوحي بمكانة المسيح الموعود . لم تُنشر هذه الخطبة في “التذكرة” لأنها منشورة في كتاب منفصل. لكن عندي بعض التحفظات في هذا الموضوع، لذا إذا نُشرت “التذكرة” بعد الآن في أية لغة كانت أو أية طبعة كانت فليأخذ المسئولون المعنيون التعليمات بصددها مني قبل نشرها. وفيما يلي خلفية الخطبة كما وردت في جريدة “الحكم” أو كما ذُكرت في أدبيات الجماعة الأخرى.

وهذه الآية هي آية الخطبة في العربية التي جرت على لسان المسيح الموعود بتأييد خاص من الله تعالى، بل كانت إلهاما في الحقيقة. فكانت آية إلهامية لذا سمِّيت “الخطبة الإلهامية”.

في الصباح الباكر ليوم عرفة – أي اليوم الذي يسبق عيد الأضحى- بعثَ المسيح الموعود برسالة إلى حضرة مولانا نور الدين وقال: أودّ قضاء نهار اليوم وجزءًا من الليل في الدعاء لي ولأحبابي، فعلى الأحباب الذين قد حضروا هنا أن يبعثوا لي بأسمائهم مع عناوينهم لكي أذكرهم في دعائي. فأُعدّت قائمة بأسماء الأحباب حسب أوامره وأُرسلتْ له. ثم جاء إخوة آخرون من الخارج وأعربوا عن قلقهم من أجل زيارة حضرته ودعائه وأخذوا يبعثون إليه برسائلهم. فأرسل مرة أخرى ألا يبعث أحد إليّ أية رسالة الآن، لأن هذا يسبب لي حرجًا كبيرا. ثم حضر من أجل المغرب والعشاء اللتين تم أداؤهما جمعًا، وبعد الفراغ منهما قال : لأني قد وعدت الله تعالى أني سأقضي نهار اليوم وجزءا من الليل في الدعاء فإني ذاهب الآن لكيلا أخلف الوعد. ثم رجع إلى بيته واشتغل بالدعاء. وفي صباح الغد، أي صباح العيد، دخل عليه المولوي عبد الكريم السيالكوتي ورجاه رجاء خاصا بأن يلقي كلمة اليوم، فقال : لقد أمرني الله بذلك. ثم أضاف وقال: لقد تلقيت البارحة وحيًا: أَلْقِ جملاً بالعربية، وكنت أظن أن هذا الوحي يتعلق بمجلس آخر، ولعله هذا المجلس، أي مناسبة العيد.

وورد في التقارير أيضا: لما تجهز سيدنا المسيح الموعود لإلقاء الخطبة أمر المولوي عبدَ الكريم والمولوي نورَ الدين بالجلوس بالقرب منه لكتابة هذه الخطبة، فلما أخذا أُهْبَتَهما بدأ بإلقاء الخطبة العربية بقوله: “يا عباد الله”. وقد قال لهما خلال إلقاء الخطبة أيضًا: اكتبا الآن لأن هذه الكلمات ستغيب فيما بعد. أي اكتبا أولا بأول، وإذا لم تفهما أي لفظ فاسألاني على الفور. ولما جلس المسيح الموعود بعد إلقاء الخطبة قام المولوي عبد الكريم لقراءة ترجمتها بطلب من كثير من الأحباب، وقبل أن يبدأ في قراءة الترجمة قال المسيح الموعود : كانت هذه الخطبة جُعلت علامة قبولية الأدعية التي قمت بها أمس أعني نهار يوم عرفة وليلة العيد، أي لو تمكنت من إلقاء الخطبة ارتجالا لأجيبتْ كل تلك الأدعية، والحمد لله أن تلك الأدعية كلها أيضًا قد قُبلت بحسب وعد الله تعالى. ثم بدأ المولوي عبد الكريم بقراءة ترجمة الخطبة بالأردية، وفيما هو يقرأ الترجمة خرّ المسيح الموعود من فورة الحماس ساجدا لله شكرًا له، ولما رفع رأسه من السجود قال: لقد رأيت حالاً مكتوبا بالحبر الأحمر كلمة: “مبارك”. وكأن هذه آية القبول.يقول المسيح الموعود في كتابه “نزول المسيح”:

تلقيت صبيحة عيد الأضحى إلهاما: أَلْقِ كلمةً بالعربية. فأخبرتُ كثيرا من الأحباب بذلك. ولم يسبق لي أن ألقيتُ كلمةً بالعربية قط، ولكن قمتُ في ذلك اليوم بإلقاء خطبة العيد بالعربية، فأجرى الله على لساني كلاما عربيّا بليغا فصيحا مليئا بالمعارف، وقد سُجِّلَ في كتاب “الخطبة الإلهامية”. وهو خطاب يبلغ عشرات الصفحات، وألقيتُه ارتجالاً دفعة واحدة واقفًا. وقد سمّاه الله تعالى في وحيه آية؛ لأنني قمت بهذا الخطاب ارتجالا بمحضِ قدرة الله تعالى. إنني لا أصدّق أبدا أن أديبًا عربيًّا من أهل الفصاحة والعلم يقدر على أن يقف ويلقي مثل هذه الخطبة ارتجالا. فهذه هي الخطبة التي يشهد لها قرابة 150 شخصا.

ثم قال حضرته بشيء من التفصيل في كتابه حقيقة الوحي:

تلقيت في صباح يوم 11/4/1900 يوم عيد الأضحى إلهامًا تعريبه: “اخطُب اليوم بالعربية، لقد أُعطيتَ القوة”. ثم تلقيت وحيًا آخر: “كلام أُفصحتْ مِن لدن ربٍّ كريم.” أي: أن هذا كلام جُعل فصيحًا من عند الله تعالى. فأطلعتُ على هذا الإلهام فورا أخي المرحوم المولوي عبد الكريم وأخي المولوي نور الدين المحترم، وشيخ رحمة الله المحترم والمفتي محمد صادق المحترم والمولوي محمد علي المحترم ايم ايه وماستر عبد الرحمن المحترم وماستر شير علي المحترم بي ايه والحافظ عبد العلي المحترم وكثيرا من الإخوة الآخرين. فقمتُ بعد صلاة العيد لإلقاء الخطبة باللسان العربي، ويعلم الله أنني أُوتيتُ قوة من الغيب، وكان يخرج من فمي ارتجالاً خطابٌ عربي فصيح يفوق قدرتي تمامًا. ولا أظن أبدا أن أحدًا في الدنيا يقدر – من دون إلهام رباني خاص- على إلقاء خطاب بهذه الفصاحة والبلاغة يبلغ عدة صفحات من دون أن يكتبه على ورق أولاً. عندما ألقيتُ بين الناس هذه الخطبة العربية التي سُمّيت “الخطبة الإلهامية” -ولعل عدد الحضور كان يقارب مائتي شخص- سبحان الله! كانت عين غيبية تتدفق عندئذ، ولا أدري ما إذا كنتُ أنا المتكلم أم كان ملاك يتكلم بلساني؛ لأنني كنت أعلم أنْ لا دخل لي في هذا الكلام. كانت الجمل الجاهزة تخرج من فمي تلقائيا، وكانت كل جملة منها آية لي (فهذه الجمل كلها منشورة الآن بصورة كتاب اسمه “الخطبة الإلهامية، وبقراءته يستطيع الإنسان أن يعرف هل بوسع أحد أن يقف هكذا ويلقي خطابا طويلا بالعربية دون استعداد مسبق) إنها معجزة معرفية أراها اللهُ تعالى، وليس بوسع أحد أن يقدِّم نظيرها.

هذا التحدي قائم على حاله إلى اليوم، وقد ذُكرت بعض الأمور في “تاريخ الأحمدية” عن هذه الخطبة الهامة. فلما كانت هذه الخطبة آية علمية عظيمة فشجعّ المسيح الموعود خدامه نظرا إلى أهميتها على أن يحفظوها عن ظهر غيب. فقد حفظها بناء على أمر منه بعض الإخوة مثل الصوفي غلام محمد، والسيد مير محمد إسماعيل، ومفتي محمد صادق، والمولوي محمد علي وبعض الصحابة الآخرين. ثم قرأها الصحابيان المذكوران في الأخير في مجلس المسيح الموعود عن ظهر غيب على سطح المسجد المبارك بين صلاة المغرب والعشاء. من المعلوم أن المولوي عبد الكريم كان يملك ذوقا علميا كبيرا وكان مشغوفا بهذه الخطبة إلى حد لا يوصف فكان يقرأها على الناس كثيرا وكانت تستولي عليه حالة من الوجد عند قراءته بعض العبارات منها.

…. كانت الجمل الجاهزة تخرج من فمي تلقائيا، وكانت كل جملة منها آية لي (فهذه الجمل كلها منشورة الآن بصورة كتاب اسمه “الخطبة الإلهامية” وبقراءته يستطيع الإنسان أن يعرف هل بوسع أحد أن يقف هكذا ويلقي خطابا طويلا بالعربية دون استعداد مسبق) إنها معجزة معرفية أراها اللهُ تعالى، وليس بوسع أحد أن يقدِّم نظيرها.

إن استيلاء حالة من الوجد على عالم كبير مثل عبد الكريم عند قراءته كلاما إعجازيا ورد في الخطبة الإلهامية يمكن أن يُعَدّ أمرا عاديا ولكن الأمر المحير للعقول الذي أظهره هو أن الأولاد الصغار أيضا لم يخلوا من جذبها ومتعتها. يقول الخليفة الثاني : لم يغرب النهار الذي أُلقيت فيها هذه الخطبة إذ شوهد أولاد صغار أيضا الذين كانت أعمارهم دون 12 عاما وهم يرددون فقرات الخطبة في أزقة قاديان وأسواقها، وكان ذلك أمرا غير عادي. نُشرت هذه الخطبة في شهر آب 1901م، واهتم حضرته بإملائها على الناسخ بوجه خاص، وترجمها بالفارسية والأردية وشكّلها أيضا بنفسه. الخطبة الإلهامية الأصلية تنتهي عند الصفحة 38 من الكتاب وهي مسجَّلة فيه تحت “الباب الأول”، والجزء المتبقي منه كُتب بصورة عادية وألحقها حضرته بالكتاب، وسمى الكتاب كله بـ “الخطبة الإلهامية”. إذًا، الجزء الأول من الكتاب يحتوي على الخطبة الإلهامية الأصلية. عندما نُشرت الخطبة بصورة كتاب استغرب كبارُ علماءِ اللغة نظرا إلى لغتها العديمة النظير والحقائق والمعارف العظيمة المذكورة فيها استغرابا ما بعده استغراب. الحق أنها آية علمية للمسيح المحمدي لا نظير لها بعد القرآن الكريم. هناك رؤيان سجلهما المسيح الموعود بقلمه المبارك في “التذكرة”. فكتب بتاريخ 19/4/1900م رؤيا للسيد عبد الله السنوري كما يلي:

“يقول السيد عبد الله السنوري: حضر هنا المرحوم منشي غلام قادر السنوري، فسألتُه عن أخبار هذه الجلسة في ذلك العالَم، وماذا يقولون عنها، فقال: هناك ضجّة عنها في الملأ الأعلى.

وهذه الرؤيا تشبه تمامًا رؤيا للسيد سيد أمير علي شاه، حيث رأى أن سيدنا رسول الله وعيسى وموسى والخضر موجودون وقت إلقائي الخطبةَ العربية يوم العيد منصتين لها. وقد رأى هذه الرؤيا حين كنت ألقي هذه الخطبة، وقد علِم بذلك عن طريق الكشف جالسًا بمكانه.

هناك انطباعات لبعض الصحابة عن الخطبة، يقول الحافظ عبد العلي : كنت موجودا في أثناء إلقاء الخطبة الإلهامية، كان صوت المسيح الموعود حينها متغيرا. كان هناك شخص ملهَمٌ من محافظة سيالكوت (كان أحمديا من عائلة السادات وكان يتلقى إلهامات) جالسا بقربي فقال: الملائكة أيضا حاضرون للسماع.

يقول حضرة مرزا فضل بيك : لقد ألقى المسيح الموعود الخطبة الإلهامية، خطبة عيد الأضحى باللغة العربية، بحضوري واقفا في الباب الخارجي أمام الباب الداخلي لمحراب المسجد الأقصى القديم كما كان في زمن المسيح الموعود. كان المسيح الموعود واقفا على عتبة الباب. كان يكرر كل كلمة ثلاث مرات وكان المولوي الحاج (الخليفة الأول) والمولوي عبد الكريم يكتبانها ويسألان حضرته هل هذا الحرف هو “س” أم “ث” أو “ع” أو “أ”. فكانا يتأكدان من صحة الأحرف والكلمات فيصححها حضرته . فقال للمولوي عبد الكريم عند نهاية الخطبة أن يترجمها للحضور. فقرأ المولوي عبد الكريم ترجمتها ثم سجدوا سجدة الشكر في المسجد.

يقول المولوي شير علي المحترم: لقد ألقى المسيح الموعود خطبة العيد بصورة الخطبة الإلهامية. أرسل صباحَ يوم الحج رسالة إلى حضرة المولوي نور الدين أن يكتب له أسماء جميع الناس الموجودين هنا ليدعو لهم. فجمع المولوي المحترم الأحبة في مدرسة تعليم الإسلام التي كانت تقع في تلك الأيام حيث تقع “المدرسة الأحمدية” حاليا، وأعدّ قائمة بأسمائهم وأرسلها إلى المسيح الموعود . فأغلق باب غرفته وانصرف إلى الدعاء. والذين جاؤوا بعد ذلك أرسلوا أسماءهم من خلال الباب المغلق. وفي الصباح خرج للعيد عبر سُلّم المسجد المبارك وقال: لقد تلقيت الليلة إلهاما أن أقول بضع كلمات بالعربية. وأرسل رسالة إلى المولوي عبد الكريم والمولوي نور الدين أن يحضرا مع القلم والمحبرة لأنه أُمر بالإلهام أن يقرأ بعض الجمل بالعربية. صلّى المولوي عبد الكريم بالناس إماما ثم خطب المسيح الموعود بالأردية أولا ولعله كان جالسا على الكرسي. بعد الخطبة الأردية بدأ يخطب بالعربية جالسا على الكرسي. وفي هذه الأثناء كانت حالة معينة مستولية عليه، كانت عيناه مغمضتين وكان صوته عاليًا عند بداية كل جملة، ثم كان ينخفض تدريجيا. كان المولويان يكتبان جالسَين على يساره، فلم يسمع أحدهما كلمةً ما جيدا، فسأله عنها، فأخبره بها، ثم قال: اسألاني فورًا عما لم تسمعاه جيدا، لأني قد لا أتذكره فيما بعد. لقد قال : ما دامت هذه السلسلة مستمرة من السماء فقد ظللتُ أتكلم، وعندما انتهت ختمتُ الخطبة. لقد اهتم حضرته بإملاء الخطبة بوجه خاص، وترجمها بنفسه إلى لغتين، الفارسية والأردية، وحثّ الإخوة على حفظها عن ظهر غيب كما يُحفظ القرآن الكريم. فحفظها مفتي محمد صادق والمولوي محمد علي وقرآها على حضرته في المسجد المبارك. بعد ذلك استفسر أخي الحافظ عبدُ الحي عنها من المولوي المحترم فقال: نعلم أنها تفوق قدرة حضرته . وكان يقصد من ذلك أنها كانت كلام الله لا كلام المسيح الموعود .

يقول حضرة ميان أمير الدين : عندما خرج المسيح الموعود بعد إلقاء الخطبة وقال في الطريق: عندما كنت ألفظ جملة ما كنت أدري ماذا عسى أن تكون الجملة التالية فكانت الجمل تمثل أمامي فأقرأها. كان حضرته يقرأ ببطء شديد وتأن.

يقول المولوي عبد الله البتالوي أن السيد عبد الحي عرب كان قد جاء من بلاد العرب ومكث في قاديان لعدة أيام بغية التحري والتحقيق حتى بايع المسيحَ الموعودَ، ثم حكى لي قصة بيعته قائلا: كنتُ قد اقتنعت من الأعماق بمجرد قراءة كتب المسيح الموعود الفصيحة والبليغة بأنه لا يمكن لأحد أن يكتب كلاما مثله دون تأييد من الله تعالى ولكني ما كنت أوقن أنه كلام المسيح الموعود . مع أن المولوي نور الدين وغيره من العلماء كانوا يؤكدون لي ويشهدون بذلك ولكن لم يقدر بيانهم على إزالة شبهاتي، وبدأت أبحث عن الأدلة من مختلف الزوايا لأتأكد دون مساعدة أحد هل هو كلام المسيح الموعود فعلا. فكنت أكتب إلى المسيح الموعود الرسائل بالعربية وأستلم الردود عليها بالعربية ثم أقرأ تلك العبارة بتأمل شديد وأقارن بينها وبين كتبه وأتوصل إلى نتيجة أن كلا الكلامين سيان. ولكني كنت ألاحظ بعض الفروق البسيطة بينهما وكان يقال لي على ذلك أن ما يكتبه ردا على الرسائل لا يحالفه التأييد الإلهي الإعجازي، ولأنه ألّف الكتب العربية بصورة التحدي بحسب مشيئة الله وبأمره وتأييده الخاص لذا فإن كتبه تحمل في طياتها صبغة معينة ويجب أن يكون الأمر كذلك، وإلا لما بقي فرقٌ بين المؤهلات العادية والتأييد الإلهي.باختصار قد مكثتُ في قاديان من أجل تقصّي الحقائق لكي أتمكن من رؤية أي ساعة ينـزل فيها مثل هذا التأييد الإلهي بأم عيني، فحان نزول الخطبة الإلهامية فرأيت بأم عيني نزول هذا الكلام الإلهامي والإعجازي وسمعتُه بأذني، أنه كيف ألقى هذا الإنسانُ كلاما بليغا وفصيحا في وضح النهار دون الاستعانة بأحد. فبعد الاستماع إلى هذه الخطبة بايعتُ بانشراح الصدر.

لقد ذهب أحد الإخوة واسمه الحاج عبد الكريم بموجب الوظيفة العسكرية إلى مصر، ولعل ذلك قبل عام 1940 وبدأ ينشر الدعوة هناك، وبايع أحدُ أصدقائه، وهو “علي حسن” المحترم، فكان الحاج يتوجه برفقة هذا الأخ إلى سكان البلدة من العرب لكي يبلغهم رسالة الأحمدية، كان من بينهم موظف في مؤسسة البريد والبرقية، فظل يتكلم معه عدة أيام ويتبادل الأفكار، فاتفق معه في جميع المسائل ما عدا “إمكانية النبوة من الأمة” (أي لم يكن مستعدا للإيمان بأن المسيح الموعود نبي من الأمة) فأعطاه الخطبة الإلهامية وانقطع عن زيارته عدة أيام. ذات يوم تلقَّى الحاج رسالة من ذلك الصديق دعاه لتناول الطعام عنده، وعندما وصل إليه الحاج طلب منه ذلك الصديق أن يرسل رسالة بيعته، فسأله الحاج هل انحلت مسألة النبوة؟ فأخبره قائلا: لقد دعوت أحد كبار مشايخ الأزهر لتناول العشاء عندي وأخبرته أن بعض الهنود بلَّغوني رسالة الأحمدية، وقالوا لي إن المسيح عيسى قد مات وأن عيسى القادم هو رجل من الأمة، وأنه سيأتي مسيحا ومهديا، وأن حضرة الميرزا غلام أحمد القادياني يقول إنه هو ذلك المسيح الموعود والإمام المهدي، فاتفقت معهم في كل شيء إلا كون الميرزا نبيا من الأمة وهذا لا أستسيغه ولا أستوعبه. فأنت عالم دين فأرجو أن تخبرني هل موقفي صحيح أم لا؟ فقال لي ذلك الشيخ الأزهري: لقد قرأت كتب الميرزا وقابلت بعض الأحمديين أيضا، وتبادلت معهم الأفكار أيضا، فالنبوة التي ادّعاها الميرزا لو جاء ألف نبي بحسبها فلا يتأثر بذلك ختم النبوة. فقلت له: الآن سوف أنضم إلى الجماعة الإسلامية الأحمدية فمسئوليتي ستقع عليك يوم القيامة، فقال الشيخ الأزهري. إن جوابي هذا يخصك أنت هنا فقط، فإذا طرحتَ علي السؤال نفسه في العامة فسوف أقول: لا يمكن أن يأتي أي نبي حتى من الأمة، فلن أقبل ذلك في الناس. وإذا أردت أن تنضم إلى الجماعة الإسلامية الأحمدية فافعلْ فأنا أتحمل المسئولية. أما أنا فتعترضني بعض العقبات، أكبرها أني إذا أصبحت أحمديا فسوف أُسرَّح من العمل، (فقد استولى عليه حب الدنيا) فحين سمعت ذلك من فم ذلك الشيح الأزهري، عقدتُ العزم على الانضمام إلى الجماعة الإسلامية الأحمدية، وبدأت أقرأ الخطبة الإلهامية، وأنهيتها قبل النوم. ورأيت في الرؤيا ليلا أن سيدنا أحمد المسيح ذاهب إلى مكان مع جماعة كبيرة من الناس، فسألته مَن هؤلاء يا سيدي؟ وإلى أين تأخذهم؟ فقال هؤلاء أولياء الله الذين سبقوني في الأمة المحمدية وآخذهم لزيارة النبي وأنا خاتم الأولياء ولا وليَّ بعدي إلا من كان من جماعتي ولا نبي بعد النبي إلا أن يكون نبيٌ من أمته. وعندما استيقظت كانت مسألة ختم النبوة قد حُلت، وكنت فرحانا جدا. يقول الحاج عبد الكريم: أرسلت استمارة بيعته مع تفصيل هذا الحادث فورا إلى قاديان.

كان هناك شيخ كبير يسمى الشيخ عبد القادر المغربي وكانت له علاقات صداقة طيبة مع حضرة سيد ولي الله شاه لمزاجه العلمي والأدبي والديني، وكان أول لقاء بينهما قد حصل في عام 1916 وذات يوم قال الشيخ المغربي لحضرة ولي الله شاه المحترم: تعال نتصور معا ونُقرّ علاقات الصداقة واضعين الأيدي على القرآن الكريم. فبسبب هذه الصداقة حين ذهب سيدنا المصلح الموعود إلى دمشق جاء لزيارته الشيخ المغربي وطرح على حضرته كثيرا من الأسئلة، فرد عليه حضرة المصلح الموعود، ولكن لما كان عنيدا ومتعصبا قال لحضرته بما أننا العرب وأهل اللغة لذا نفهم القرآن الكريم جيدا ومن ذا الذي هو أعلم منا بمعاني القرآن الكريم، واستمر الحديث حول هذا الموضوع. وقال له الخليفة الثاني إنكم أيضا محتاجون مثلنا للقواميس، أما القرآن الكريم فقد علَّمه الله إيانا نحن وفهَّمَناه ونحن نعرف اللغة العربية بأفصح وأبلغ منكم مع أن لغتنا هي الأردية ولا يتسنى لنا الكلام باللغة العربية، وغير ذلك من الأمور.

بعد ذلك ألقى حضرته بمنتهى الحماس كلمة باللغة العربية الفصيحة حتى قال سيد من الحضور موجِّها الكلام إلى الشيخ عبد القادر: إن لغته أفصح منا فعلا، عندئذ لانَ عبد القادر ومال إلى لهجة لطيفة نوعا ما، وبدأ يتكلم باحترام.

على كل حال قد قال الشيخ المغربي في أثناء الكلام أيضا إن في كتب المسيح الموعود أخطاء، فرد عليه أيضا الخليفة الثاني، وأضاف قائلا إذا كنت تقدر فانشر قائمة الأخطاء الواردة في هذه الكتب أو انشر الرد على هذه الكتب. لكن تذكَّر أنك لن تقدر على ذلك أبدا، وإذا أردت أن تمسك القلم للرد فسوف تُسلب منك القدرة على الكتابة فلك أن تجرِّب. عندها بدأ يقدم الأعذار ويلتمس من حضرته أن لا ينشر هذه الدعاوى في العرب ومصر والشام لأنها تزيد الاختلاف وهو يضرنا جدا. إذ قد سبق أن سبَّب الوهابيون مشاكل كثيرة سلفا، وأرجو أن تنشر الدعوة في الكفار والنصارى في أوروبا وأميركا وأفريقيا، وأرسل الدعاة إلى هناك، أما هنا فأرجو أن لا تذكر هذه المعتقدات بتاتا. وقال له باللغة العربية متوسلا بالله “أرجوكم يا سيدي”، والتمس ذلك من حضرته مرة بتقبيل يدي حضرته ومرة أخرى ضامًّا يديه بأدب، أن لا ينشر حضرته تعاليم المسيح الموعود في هذه المناطق ولا يرسل الدعاة، وغير ذلك من الأمور.

ثم قال نحن نعرف أنه كان إنسانا طيبا وكانت لديه غيرة على الإسلام لكننا لا نستطيع أن نقبل أنه كان نبيا، فليجمع الناس على “لا إله إلا الله” فقط. باختصار قد ردَّ على ذلك سيدُنا المصلح الموعود بكلمات جليلة أنه لو كان هذا النظام من عندنا لتخلينا عنه، لكنه أمْر من الله وليس لنا ولا لسيدنا أحمد أي دخل فيه. فهو أمر من الله ولننشرنَّه حتما.

حين أرسل حضرةُ المصلح الموعود حضرةَ مولانا جلال الدين شمس إلى الشام، فيذكر حضرة سيد زين العابدين ولي الله شاه المرحوم حادثا من تلك الأيام، ويقول: ذات يوم كنت أنا وحضرة مولانا شمس نتكلم مع بعض الناس عن الأحمدية حتى دخل علينا الشيخ المغربي المرحوم وجلس عندنا يستمع إلى الحديث. ثم ذكر أثناء الحديث لقاءه السابق مع حضرة الخليفة الثاني بمنتهى الاستخفاف وذكر باحتقار اقتراحه الذي كان قد قدمه لحضرته، أي لا تنشروا الدعوة هنا في هذه المناطق، ثم قال ساخرا ومستهزئا إن عبارات الإلهامات العربية ليست صحيحة، أي هناك أخطاء في إلهامات المسيح الموعود العربية. فسلَّمتُ له الخطبة الإلهامية وقلت له: اقرأْها وبيِّن الأخطاء. فقرأها بصوت عال وقال عن كلمة أو كلمتين إنها ليست عربية. فأخرج مولانا شمس فورا قاموس “تاج العروس” من الخزانة وأراه الكلمتين نفسيهما في القاموس، فاندهش الحضور. وقلت للشيخ مغتنما الفرصة: أيها الشيخ إنك تُدعى أديبا وعالما كبيرا ولا تعرف اللغة العربية مثلما يعرفها تلميذي هذا. -ذلك لأن مولانا شمس كان يتعلم مني اللغة الإنجليزية في تلك الأيام- فاستشاط الشيخ غضبا وخرج من الغرفة فورا قائلا سأردّ عليك غدا وانصرف. يتابع حضرة الشاه قائلا: عندها رأيت أن الجالسين قد تأثروا بكلامي قلت لهم قد عايشتُ هذا الشيخَ إذ كنت أنا أيضا أدرِّس هناك، كان ينبغي أن لا يبدي هذا الرأي عن الخطبة الإلهامية، بل كان يجب عليه أن يقبل الحق. باختصار ظل الحديث يجري في الأصدقاء. صباح اليوم التالي قال لي مولانا شمس إن الخليفة الثاني كان قد حذَّرك من إفساد العلاقات مع الشيخ عبد القادر المغربي، لكنك قد أغضبته، فقلت له لا تقلق سنحسِّن العلاقات. وفي صباح اليوم التالي توجهنا إلى بيت الشيخ، وحين وصلنا إلى بيته وطرقْنا الباب خرج إلينا الشيخ وفور أن رآني عانقني وقبَّلني واعتذر وطلب العفو. وقال كنت أريد أن آتي إليكم فادخلوا نشرب القهوة، وأخبرْكم كيف بتُّ الليلة، فحين دخلنا أشار إلى كتاب “حقائق عن الأحمدية” لحضرة شاه ولي الله وقال: كان هذا الكتاب في يدي وكنت عاقدا عزما أن أنشر الرد عليه. وضعت كتب التفسير والأحاديث على طاولتي وبدأت بكتابة الرد بعد صلاة العشاء. فكنت أقرأ كتابه ثم أقرأ الكتب الموضوعة على طاولتي للرد عليه. فكنتُ أكتب ردًّا وأجده تكلُّفا وأمزّقه ثم أكتب ردّا آخر وأمزقه أيضا. هكذا انقضى الليل. قالت لي زوجتي أيضا: ما الذي جرى لك، تعال ونم. أُذّن لصلاة الفجر وأنا ما زلتُ في حيص بيص دون أن أخطّ شيئا. كل ما كنت أكتبه أجده خاطئا. (لأن الكتاب الذي كان ينوي الرد عليه كان مبنيا على نصوص من كلام المسيح الموعود )

فحان نزول الخطبة الإلهامية فرأيت بأم عيني نزول هذا الكلام الإلهامي والإعجازي وسمعتُه بأذني، أنه كيف ألقى هذا الإنسانُ كلاما بليغا وفصيحا في وضح النهار دون الاستعانة بأحد. فبعد الاستماع إلى هذه الخطبة بايعتُ بانشراح الصدر.

يتابع الراوي ويقول: يا صاحبي الشاه المحترم، أعدك أنك لن تسمع مني بعد الآن كلمة واحدة في معارضتك، إن أفكارك إسلامية تماما فلك أن تبلّغ دعوتك بحرية تامة، وإذا استفسر مني أحد سأقول بحقك كلاما حسنا دائما ولكني لن أنضم إلى جماعتكم. (فكان يمدح الجماعة إلى آخر لحظة في حياته)

والآن أقدم لكم بعض المقتبسات من الخطبة الإلهامية التي توحي بعظمتها كما قلتُ من قبل، إلا أنكم ستطلعون على عظمتها الحقيقية عندما تقرأونها بكاملها. يقول المسيح الموعود ما نصه:

“أيها الناس.. إني أنا المسيح المحمدي، وإني أنا أحمَدُ المهدي، وإن ربي معي إلى يوم لَحْدي من يومِ مهدي. وإني أُعطيتُ ضِرامًا أكّالاً، وماءً زُلالاً، وأنا كوكبٌ يمانيّ، ووابلٌ روحانيّ. إيذائي سِنانٌ مذرَّب، ودعائي دواءٌ مجرَّب. أُرِي قومًا جلالا، وقومًا آخرين جمالا، وبِيَدِي حربةٌ أُبيدُ بها عاداتِ الظلم والذنوب، وفي الأخرى شربةٌ أُعيدُ بها حياةَ القلوب.”

ويقول أيضا:

“أيها الناس، قُوموا للهِ زُرافاتٍ وفُرادى فُرادى، ثم اتّقوا اللهَ وفَكِّروا كالذي ما بخل وما عادى، أليس هذا الوقت وقتَ رحمِ الله على العباد، ووقتَ دفعِ الشرّ وتدارُكِ عَطَشِ الأكباد بالعِهاد؟ أليس سيلُ الشرِّ قد بلَغ انتهاءَه، وذيلُ الجهلِ طوَّل أرجاءَه، وفسَد المُلك كله وشكَر إبليسُ جهلاءَه؟ فاشكروا اللهَ الذي تَذكَّرَكم وتذكَّرَ دينَكم وما أضاعَه، وعصَم حَرْثَكم وزرعكم ولُعاعَه، وأنزلَ المطر وأكمل أبضاعَه، وبعَث مسيحَه لدفع الضير، ومهديَّه لإفاضة الخير، وأدخلَكم في زمانِ إمامكم بعد زمان الغير.”

يقول أيضا:

“وإني على مقام الختم من الولاية، كما كان سيدي المصطفى على مقام الختم من النبوة. وإنه خاتم الأنبياء، وأنا خاتم الأولياء، لا وليَّ بعدي، إلا الذي هو مني وعلى عهدي. وإني أُرسلتُ من ربي بكل قوة وبركة وعزة، وإن قدمي هذه على منارةٍ خُتِمَ عليها كلُّ رفعة. فاتقوا الله أيها الفتيان، واعرفوني وأطيعوني ولا تموتوا بالعصيان. وقد قرُب الزمان، وحان أن تُسأل كلُّ نفس وتُدانُ.”

فهذه هي تلك الآية العظيمة. هذه هي تلك الكلمات العظيمة والدعوة العظيمة التي وجهها حضرته بأمر الله تعالى وبوحيه. وكما قلت لقد ظهرت هذه الآية في 11 نيسان/ إبريل عام 1900، وهذه آية لا تزال تُري بريقها حتى اليوم، حيث لم يقدر حتى اليوم ولن يقدر أبدًا أي من أكبر علماء العربية والأدباء، ولو كان من العرب، أن يتحداها ولو أراد ذلك. وأنّى له أن يتحداها، فإنها كلام الله الذي جرى على لسان المسيح الموعود .

“أيها الناس.. إني أنا المسيح المحمدي، وإني أنا أحمَدُ المهدي، وإن ربي معي إلى يوم لَحْدي من يومِ مهدي.”

نسأل الله تعالى أن يهَبَ للعالم، ولا سيما للمسلمين العرب، العقل والشجاعة لكي يفهموا دعوة هذا المبعوث الرباني، ويكونوا أنصارًا لهذا الخادم الصادق للمصطفى في جعل الأمة أمة واحدة من جديد. كما أسأل الله تعالى أن يوفقنا أيضًا لأداء ما علينا من واجبات.

Share via
تابعونا على الفايس بوك