رمضان شهر القرآن - علاقة الصيام بالقرآن الكريم
التاريخ: 20140711

علاقة الصيام بالقرآن الكريم

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

الخليفة الخامس للمسيح الموعود (عليه السلام)

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْم الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين* إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهمْ وَلا الضَّالِّين . (آمين)

شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ الله بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا الله عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (البقرة: 186)

لقد بيّن الله تعالى لنا في القرآن الكريم أمورا كثيرة بما فيها أهمية القرآن الكريم ومكانته وأهمية العمل به وكيف ينبغي أن نعمل به، وفيمن ينفخ القرآنُ روحَ الحياة، وما تأثيراته على حياة الإنسان. باختصار، هناك أمور كثيرة بيّن الله لنا تفاصيلها في القرآن الكريم. لذا علينا أن نعمل بهذا الكتاب العظيم المحتوي على الشريعة كي نطوِّر روحانيتنا وأخلاقنا، بل نحوز تقدما دنيويا أيضا.
في الآية التي تلوتها ذُكرت بركات القرآن الكريم وعلاقته بشهر رمضان، حيث أُكِّد على مزيد من أهمية رمضان بربطه بالقرآن الكريم؛ فقد بيّن الله تعالى في قوله:

شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن

أن لهذا الكتاب الكامل والشريعة الأخيرة علاقة برمضان، فالذي يريد أن يتقدم في الإيمان وينشر هذا الكتاب الأخير والكامل وهذه الشريعة في العالم ليطّلع العالم عليها، والذي يريد أن ينتقل إلى زمن النبي ، والذي يريد أن ينال قرب الله تعالى ويسمع صوتَ “فإني قريب” عليه أن يؤدي حق رمضان والقرآن، ويدرك العلاقة بينهما. الأبعاد التي تبدو مترامية الأطراف في الأيام الأخرى تُطوى في شهر رمضان وتُجعل قريبة. فعلى المؤمن أن يسعى جاهدا لينال البركات من هذا الشهر الفضيل بقدر ما يستطيع. يقول المفسرون أن في هذه الآية ذُكرت أهمية صيام رمضان.. أيْ أن تعليم القرآن الكريم أُنزل في شأن رمضان.
يقول المسيح الموعود أيضا عن الآية:

شهر رمضان الذين أُنزل فيه القرآن ،

بأن هذه الجملة وحدها تبين عظمة رمضان. وقال أيضا بأن أجر رمضان كبير وعظيم جدا بسبب هذه العظمة، ولكن للذين يدركون العلاقة بين الصيام والقرآن ويؤدون حقهما. والمراد من ذلك الحق هو أنّ عليهم أن يتلوا القرآن بكثرة إلى جانب الصوم، وأن يتأملوا فيه ويقرأوا تفسيره أو يسمعوه. فبقدر ما تفحّصتُ في الموضوع توصّلت إلى النتيجة بناء على معلوماتي أن هناك عددا كبيرا منا الذين لا يسعون لأداء حق القرآن في رمضان أيضا ولا يتلونه حق تلاوته، بمعنى أنهم لا يقرأونه بانتباه خاص وكما هو حقه، ولا يتلون إلا جزء بسيطا منه غير راغبين فيه. فهناك حاجة ماسة للانتباه إلى هذا الأمر.
ومن معاني “شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن” أن نزول القرآن بدأ في هذا الشهر.
هناك رواية عن السيدة عائشة رضي الله عنها حيث ذكر رسول الله :

“أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُنِي بِالْقُرْآنِ كُلَّ سَنَةٍ وَإِنَّهُ عَارَضَنِي الْعَامَ مَرَّتَيْنِ”.

إذًا، إن أسوة النبي وسنته بحسب أمر الله تعالى تلفت أنظارنا إلى أن نكمل دورة تلاوة القرآن مرة واحدة على الأقل في شهر رمضان. وكما قلت بأنه يجب علينا أن نتدبر القرآن أيضا، حيث عندها فقط سنكون ممن يعملون بأمر الله تعالى: “هدى للناس”، أي عندما نتلوه ونفهم مضامينه ونعلم أنه هدى للناس ونعرف أنه هدى للذين يريدون أن يتلقوا الهداية منه، لأن الهداية لا تتأتى بدون قراءته وفهمه.
إذًا، قراءةُ القرآن وفهمه ضروريان، لأن الله تعالى يقول أيضا بأنه: “بيّنات من الهدى”، بمعنى أنه تعالى لم يأمركم فقط بأن تقرأوه بل قال إنه يقدم دليلا أيضا على كل هداية. فاقرأوه وافهموه واعملوا بحسبه لأن ما يفهمه الإنسان بالأدلة يمكن العمل به من الأعماق. كذلك إذا كانت الهداية مصحوبة بالأدلة والبينات يسهل إبلاغها إلى الآخرين وإفهامها إياهم، وبذلك يمكن العمل بأمر الله بالجهاد بالقرآن أيضا. ثم أعلن الله تعالى بأن فيه الفرقان أيضا، أي فيه أدلة قوية وبينة تفرِّق بين الحق والباطل. والعامل بالقرآن يتراءى مختلفا عن غيره في كل الأحوال، وتكون حالته العملية والروحانية والعقدية أعلى من غيره بكل وضوح.

فاقرأوه وافهموه واعملوا بحسبه لأن ما يفهمه الإنسان بالأدلة يمكن العمل به من الأعماق. كذلك إذا كانت الهداية مصحوبة بالأدلة والبينات يسهل إبلاغها إلى الآخرين وإفهامها إياهم، وبذلك يمكن العمل بأمر الله بالجهاد بالقرآن أيضا.

عندما نناقش الآخرين عن القرآن نستمد الأدلة أيضا من القرآن نفسه. والمعلوم أنه لا يمكن لكتاب أو دين أن يقاوم القرآن الكريم، لأن تعليمه أعلى وأسمى، وفيه شواهد تاريخية، وحجج قوية مقابل الأديان الأخرى تُثبت تفوّقها كالنهار الساطع. ثم يعلن القرآن الكريم أنه من الله تعالى من بدايته إلى نهايته وأنه محفوظ على حالته الأصلية ويعلن أنه سيبقى مصونا محفوظا إلى الأبد. فيقول بأن شهر رمضان شهر المجاهدة فحاوِلوا أن تقرأوا فيه هذا الكنـز للعلم والعرفان وتعلّموه، واجعلوا تعليماته جزء من حياتكم لا يتجزأ، وتأملوا في أحكامه واجعلوا حياتكم بحسبها. وأعيدوا في هذا الشهر ما نسيتم منها وافحصوا أنفسكم في ضوء هذه التعاليم لتروا مدى التزامكم بالقرآن الكريم. إذًا، هذا ما يأمرنا الله به لأن هذه هي الأمور التي تضمن تحسين دنيانا وعقبانا.
يقول المسيح الموعود في شرح الآية: هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان :

“القرآن يتحلى بثلاث صفات: أولا: إنه يهدي الناس إلى علوم الدين التي جهلوها. ثانيا: يفصّل العلوم التي كانت مجملة من قبل. ثالثا: يميز بين الحق والباطل ببيان قولِ الفصل في الأمور التي حدث فيها الاختلاف والنـزاع”.

فهذا كتاب جامع وكامل لا نظير له قط، وقد بيّن كل شيء كاملا، وصحح أخطاء الأديان السابقة كلها وسدّ ما نقص في الكتب السابقة. إنه لفضل من الله تعالى علينا إذ خلقنا في هذا العصر ووفقنا للإيمان بالمسيح الموعود وبذلك هيأ لنا فرصة أن نطّلع على أهمية القرآن ومعارفه بواسطة المسيح الموعود الذي قدّم لنا كنوز العلم والمعارف القرآنية. الحق أن الإنسان يدرك ذلك على وجه الحقيقة بقراءة كتب المسيح الموعود . على أية حال، سأقرأ عليكم اليوم بعض المقتبسات من كلام المسيح الموعود عن القرآن الكريم التي تبين لنا أهمية القرآن ومكانته ونعرف أيضا ما هي مسؤولياتنا تجاهه وكيف يجب أن نؤديها. فيجب علينا أن نجعل هذه الأمور نصب أعيننا دائما ونتوجّه إلى تعلُّم القرآن وتعليمه والعمل به. لقد شرحت بإيجاز الآية التي تلوتها، أما الآن فأقدم لكم بعض المقتبسات من كلام المسيح الموعود فيقول:

“إن كلمة خاتم النبيين التي أُطلقت على رسول الله تقتضي بحد ذاتها أي من مقتضى هذه الكلمة بالطبع أن يكون الكتاب الذي نزل عليه خاتم الكتب وأن توجد فيه كافة أنواع الكمالات التي هي موجودة فيه في الحقيقة.
إن المبدأ العام لنـزول كلام الله هو أنه بقدر ما يتحلى المنـزَّل عليه من قوة قدسية وكمال باطني بقدر ما يتحلى الكلام النازل عليه بقوة وشوكة. ولما كانت قوة النبي القدسية وكماله الباطني وبلوغه أعلى درجة على الإطلاق والتي لم يسبقه فيها أحد من قبل ولن يسبقه أحد في المستقبل، لذا احتل القرآن الكريم من بين الكتب والصحف السابقة كلها المقام الأعلى الذي لم يبلغه كلام آخر، لأن قدرة النبي وقوته القدسية كانت تفوق الجميع وتمت عليه الكمالات كلها وكان قد بلغ قمة المقامات كلها، فالكلام الذي نزل عليه في هذا المقام بلغ الكمال أيضا. وكما تمت عليه كمالات النبوة كلها كذلك ختمت على القرآن الكريم كمالات إعجاز الكلام. فكان خاتم النبيين وكان كتابه خاتم الكتب، وكان كتابه قد بلغ منتهى الكمال من حيث المراتب وأوجه إعجاز الكلام كلها. فمن أية ناحية فحصتم سواء من حيث الفصاحة والبلاغة أو من حيث ترتيب المضامين أو من منطلق التعليم أو كمالات التعليم أو من حيث ثمرات التعليم ترون القرآن الكريم كاملا من كل جهة ويثبت إعجازه. لذلك لم يطلب القرآن الكريم الإتيان بنظيره في أمر معين بل طلب بوجه عام مبارزته من أي منطلق تريدون، سواء في الفصاحة والبلاغة أو في المطالب والمعاني أو في التعليم أو من منطلق النبوءات والغيب الموجود فيه. فمن أيّ منطلق رأيتموه تجدونه معجزة”.
ثم يقول حضرته في بيان أهمية القرآن الكريم: لولا القرآن عندنا ولو كانت الأحاديث وحدها مدار إيماننا واعتقادنا لما استطعنا أن نواجه أحدا بسبب الخجل والندم. لقد تدبرت في لفظ “القرآن”، فانكشف عليّ أن في هذا اللفظ المبارك نبأً عظيمًا بأن القرآن هو الكتاب الجدير بالقراءة، وسيصبح أجدر بالقراءة في الزمن الذي تُجعل كتب أخرى شريكة معه في القراءة، وعندها، وذودًا عن شرف الإسلام واستئصالاً للباطل، سيكون هذا الكتاب وحده جديرًا بالقراءة، بينما تكون الكتب الأخرى كلها أَولى بالترك نهائيًا. هذا هو معنى الفرقان أيضا، أي سيميِّز هذا الكتاب وحده بين الحق والباطل ولن يحتلّ حديث أو كتاب آخر هذه المرتبة. لذا اتُركوا الآن الكتب الأخرى كلها واتلوا كتاب الله وحده ليل نهار. إنه لَمُلحد من الدرجة القصوى مَن لا يلتفت إلى القرآن وينكبّ على كتب أخرى ليل نهار. يجب على أفراد جماعتنا أن ينصرفوا إلى التدبر والاشتغال بالقرآن قلبا وقالبا تاركين الاشتغال بالأحاديث. من المؤسف أنه لا يتم الاعتناء بالقرآن ولا تدارُسُه كما هو حقه. خذوا حربة القرآن في أيديكم وستنالون الفتح حتما، ولن تقوم ظلمة أمام هذا النور. (جريدة “الحَكم” مجلد 4 عدد 37 يوم 17 أكتوبر/ 1900 ص 5)

ثم قال المسيح الموعود في بيان طرق الإصلاح: “كيف يمكن الإصلاح والتغيُّر الحسن؟ والجواب على هذا السؤال هو: بالصلاة لأنها الأصل. ثم تدبّروا في القرآن ففيه كل شيء. فيه تفصيل الحسنات والسيئات، والأخبار عن المستقبل”.
إذًا، الأمر الأول هو الانتباه إلى الصلوات، وفي هذه الأيام بوجه خاص يجب الاهتمام الخاص بالصلاة جماعةً. كذلك ما دامت هناك علاقة خاصة بين القرآن وشهر رمضان لذا لو تعودتم على تلاوة القرآن والتدبر فيه والعمل به في هذا الشهر لنفعتكم هذه العادة في المستقبل أيضا. يقول المسيح الموعود :

“فيه تفصيل الحسنات والسيئات والأخبار عن المستقبل وغيرها. اعلموا يقينا أن القرآن يقدم دينا ليس لأحد أن يعترض عليه، لأنه يعطي ثماره وبركاته المتجددة دائما. لم يقدَّم الدين في الإنجيل بصورة كاملة. إذا كان تعليمه يسد مقتضى ذلك العصر فلا بأس فيه ولكنه لا يصلح للأبد ولجميع الحالات. هذا الشرف يعود إلى القرآن وحده أن الله تعالى قد بيّن فيه علاج كل مرض وربّى القوى كلها. وإذا ذكر سيئة ذكر إلى جانب ذلك طريق إزالتها أيضا. لذا أكثِروا من تلاوة القرآن واسعوا أن تجعلوا أعمالكم بحسب أوامره”.

يقول الخليفة الثالث للمسيح الموعود أن وزيرا باكستانيا كان ذات مرة في زيارة إلى الصين في عهد “ماوتسي تُنغ” فسأله: كيف استطعتَ أن تُحدث هذا الانقلاب في قومك؟ قال “ماوتسي تُنغ”: لا تسألني بل عليك أن تقرأ أسوة نبيك واقرأ قرآنك واعمل به ستجد كل شيء فيهما.
فالعقلاء من غير المسلمين أيضا يرون نورا في القرآن الكريم، سواء آمنوا به أم لم يؤمنوا.
ثم يذكر المسيح الموعود الانقلاب الذي يمكن أن يحدث نتيجة العمل بالقرآن الكريم فيقول:

“ثم معجزة القرآن الثانية في حكم المشهودة والمحسوسة لنا هي تلك التغييرات الملفتة والمذهلة التي حدثت في الصحابة ببركة اتّباعهم النبي وتأثير القرآن الكريم وصحبة النبي الأكرم . فحين نرى كيف كانت حالة هؤلاء القوم قبل نوالهم شرف الانضمام إلى الإسلام، وكيف كانت سيرتهم وعاداتهم، ثم كيف صاروا بعد ذلك ببركة صحبة النبي واتّباع القرآن الكريم وكيف حُوِّلوا من حيث أخلاقهم ومعتقداتهم وسلوكياتهم وأقوالهم وسيرتهم وجميع عاداتهم من حالة خبيثة إلى حالة طيبة وطاهرة إلى أقصى الحدود، نضطر- بعد رؤية هذا التأثير العظيم الذي أضفى على كيانهم الصدئ نضرةً وضياء ولمعانا ملفتًا- للإقرار أن ذلك كان تصرفا خارقا حدث بيد قدرة الله تعالى بوجه خاص”.

وقد بيّن المسيح الموعود تلك الأوجه من قَبل، أي صحبة النبي والعمل بتعليم القرآن الكريم. ثم يقول :
ثم الواضح على كل منصف أنه بعد اعتناق الإسلام وقبول القرآن الكريم كيف تغيّر تماما الجهلةُ والوحوش والهمجيون والطالحون من الناس، وكيف غيَّرتْ قلوبَهم تأثيراتُ الكلام الإلهي وصحبةُ النبي المعصوم خلال مدة قصيرة دَفعة واحدة بحيث تمتعوا بعد الجهل بمعارف الدين، وتفانوا في الحب الإلهي – بعد أن كانوا فانين في حب الدنيا- بحيث تركوا أوطانهم وأموالهم وتخلّوا عن أنَفَتهم وراحة نفوسهم من أجل رضوان الله سبحانه وتعالى، فكلا النموذجين لحالتهم السابقة والحياة الجديدة التي تمتعوا بها بعد الإسلام مذكوران في القرآن الكريم بوضوح لدرجة حين يقرأها إنسان صالح وطاهر القلب تفيض عيناه من الدمع. فما الذي نقلهم من عالم إلى عالم آخر بهذه السرعة؟ كان سببه أمرين اثنين؛ أحدهما أن ذلك النبي المعصوم كان قوي التأثير في قوته القدسية لدرجة لم ولن يكون له نظير في ذلك، والثاني هو التأثيرات القوية العجيبة لكلام الله القادر المقتدر الحي والقيوم التي أخرجت جموعًا كثيرة من آلاف المؤلفة من الظلمات إلى النور، لا شك أن تأثيرات القرآن الكريم هذه خارقة للعادة لأنه لا يسع أحدا في العالم أن يخبر عن كتاب ينافس القرآن في التأثير. من ذا الذي يقدر على إثبات أن أي كتاب أحدث تغييرًا وإصلاحًا مماثلا لما أحدثه القرآن الكريم…. ولقد جرّب مئات الآلاف من القدوسين أنه باتباع القرآن الكريم تنـزل بركات الله على القلب، وتنشأ علاقة عجيبة بالمولى الكريم، وتنـزل أنوار الله وإلهامه على قلوبهم وتخرج المعارف والنكات من أفواههم، ويوهب لهم توكل قوي، ويعطى لهم يقين محكم، ويودع قلوبهم الحب الإلهي اللذيذ الذي يتربى بلذة الوصال، وإذا دُقّت قلوبهم في هاون المصاعب وعُصروا في معاصِر قوية، فلا يكون عصيرهم غير الحب الإلهي”.
(أي مهما سحقهم العالم كما يُسحق شيء في المطحنة، ولو عُصروا في معاصر قوية وشديدة – أي إذا كانت هناك آلة يُعصر بها ما بداخل الإنسان لكانت النتيجة النهائية للمتدبرين في تعاليم القرآن الكريم والمحبّين للنبي هو عصير المحبة الإلهية ليس إلا). وقال :

“الدنيا لا تعرفهم وهم بعيدون عن الدنيا وأرفع عنها، وإنّ تعامل الله معهم خارق للعادة، وهم الذين قد ثبت عليهم أن الله موجود، وهم الذين انكشف عليهم أنه أحد، حين يدعونه يجيبهم، وحين ينادونه يستجيب لهم، وحين يستجيرونه يهرع إليهم، هو يحبهم أكثر من آبائهم، ويُنـزل على أبوابهم وجدرانهم غيثَ البركات فهم يُعرَفون بتأييداته الظاهرة والباطنة والروحانية والجسمانية وهو ينصرهم في كل مجال، لأنهم له وهو لهم، وهذه الأمور ليست بلا برهان”. (كحل عيون آريا)

إن سر الرقي اليوم أيضا يكمن في العمل بالتعاليم القرآنية، ولا يكفي الإيمان بها فقط. يقول حضرته :
أصل كل شيء هو ما علّمه الله تعالى في القرآن الكريم وهو أن المسلمين لا يمكنهم إحراز أي رقي ما لم يتبعوا القرآن الكريم اتباعًا كاملا ويتمسكوا بتعاليمه. كلما ابتعدوا عن القرآن الكريم ابتعدوا عن مدارج الرقي وسبله. إن العمل بالقرآن الكريم وحده يحقق كل رقي وهدى. (الملفوظات)
ثم ينصح حضرته جماعته فيقول – وقد سبق أن قرأت هذا المقتبس -:

“فكونوا حذرين ولا تخطُوا خطوةً واحدة خلاف تعليم الله وهدْي القرآن. أقول والحق أقول لكم إنه من يعرض عن أصغر أمر من أوامر القرآن السبعمئة فإنه بيده يسدّ على نفسه باب النجاة. إن القرآن قد فتح سبل النجاة الحقيقية والكاملة، أما ما سواه فلم يكن كله إلاّ ظلاّ له. لذلك فاقرؤوا القرآن بالتدبر، وأحِبّوه حبًّا جمًّا، حبًّا ما أحببتموه أحدًا، لأن الله قد خاطبني قائلاً: “الخير كله في القرآن”. إي وربي إنه لحقٌّ. فوا أسفًا على الذين يقدّمون عليه غيرَه.
إنّ مصدرَ فلاحكم ونجاتكم كله في القرآن. وما من حاجة من حاجاتكم الدينية إلا وهي توجد في القرآن. وإن القرآن لَهُو المصدّق أو المكذّب لإيمانكم يوم القيامة. ولا يستطيع كتاب غير القرآن -تحت أديم السماء- أن يهديكم بلا واسطة القرآن. لقد أحسن الله إليكم إحسانًا عظيمًا إذ أعطاكم كتابًا مثل القرآن. أقول لكم صدقًا وحقًا بأن الكتاب الذي يُتلى عليكم لو تُلي على النصارى لما هلكوا، وإنّ هذه النعمة والهداية التي أوتيتموها لو أوتيها اليهود مكان التوراة لما كفر بعضُ فِرَقهم بيوم القيامة. فاقدروا هذه النعمة التي أوتيتموها. إنها لَنعمة غالية للغاية، وما أعظمها من ثروة! فلو لم يأت القرآن لكانت الدنيا بحذافيرها كمضغة قذرة. إن القرآن هو ذلك الكتاب الذي جميع الهدايات لا شيء مقابله”. (سفينة نوح)

ثم يذكر أهمية القرآن فيقول:
إن القرآن المجيد كتاب طاهر عظيم جاء في الدنيا لما كان الفساد العظيم يعمها، وكانت الأخطاء الكثيرة المتعلقة بالمعتقدات والأعمال قد راجت وقتها، وكان الجميع تقريبًا قد وقعوا في سوء الأعمال والعقيدة، وإلى ذلك أشار الله تعالى في قوله التالي في القرآن المجيد: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ (الروم : 42) ..أي كلهم قد وقعوا في الأمور المنافية للعقيدة الصحيحة سواء كانوا من أهل الكتاب أم غيرهم وحدث في الدنيا فساد عظيم، وفي مثل هذا الزمن ردّ الله تعالى على المعتقدات الباطلة وأنزل لهدايتنا كتابًا كاملا مثل القرآن المجيد الذي يحوي ردًّا على الديانات الباطلة، وأُجمل الرد على جميع تلك المعتقدات بوجه خاص في سورة الفاتحة التي تُقرأ في كل ركعة من كل صلاة من الصلوات الخمس.
ثم يقول حضرته :
“لقد وعد الله تعالى القادر القديرُ بجلال ألوهيته الكامل شخصا ضعيفا متواضعا- لا حول له ولا قوة- فقيرا وأُمِّيًّا، ولم يتلق من أحد علما ولا تربية- بالفوز مقابل العالم كله؛ ضد المعاندين والأعداء كلهم، ومقابل المنكرين جميعا، وإزاء الأثرياء والأقوياء قاطبة، ومقابل الملوك والحكماء والفلاسفة وأهل الأديان أجمعين. فهل لأحد من أصحاب الإيمان وطلاب الحق أن يشكّ في هذه الوعود التي تحققت كلها في مواعيدها ولا تزال تتحقق، فيزعم أن تحققها كان من صنع الإنسان؟ (ملفوظات)
سأل سائل حضرته : كيف تجب تلاوة القرآن الكريم؟ فقال فيما يتعلق بآداب تلاوة القرآن ما يلي:

“اُتلوا القرآن الكريم بتدبر وتفكر وإمعان نظر. ورد في الحديث الشريف: “رُبَّ قارئ يلعنه القرآن”.. أي هناك كثير ممن يقرؤون القرآن ولكن القرآن يلعنهم. إن الذي يقرأ القرآن ولا يعمل به هو الذي يلعنه القرآن. فإذا مرّ المرء أثناء تلاوة القرآن بآية رحمة فعليه أن يسأل الله من رحمته، وإذا مرّ بآية تذكر نزول عذاب على قوم فعليه أن يستعيذ بالله من عذابه. وينبغي تلاوة القرآن بالتدبر والإمعان، كما يجب العمل به. (الملفوظات ج 9 ص 199-200)

ثم ذكر كيف يتحقق الهدف من تلاوة القرآن الكريم فقال :

“إن الناس يتلون القرآن الكريم ولكن كالببغاء دون أن يتدبروه. وكما أن البانديت الهندوسي يقرأ كتابه بسرعة دون أن يفهم هو أو المستمعون منه شيئًا، أصبح الناس يتلون القرآن الآن هكذا، حيث يقرأون ثلاثةَ أجزاء أو أربعة منه ولا يدرون ماذا قرأوا. غاية ما يهتمون به هو القراءة بصوت جميل وإتقان النطق بحرف القاف والعين. لا شك أن تلاوة القرآن تلاوة صحيحة وبصوت حسنٍ أمرٌ محمود، (وقد ورد في الحديث أيضا الحث على التغنّي بالقرآن) ولكن الهدف الحقيقي من تلاوته هو أن يطّلع المرء على معارفه ويُحدِث تغييرًا طيبًا في نفسه. تَذكّروا أن في القرآن الكريم فلسفة حقة رائعة محيرة، وفيه نظام لا يتنبهون له. لا تتحقق أهداف تلاوة القرآن الكريم بدون مراعاة هذا النظام والترتيب الموجودَين فيه. (جريدة “الحَكَم”، مجلد 5 عدد 12 يوم 31 مارس 1901 ص 3)

ثم ذكر أنه بسبب تلاوة كلام الله تنشأ المحبة الإلهية فقال:
إن أصل العبادة هو تلاوة كلام الله وذلك لأنه إذا قُرئ كلام المحبوب أو سُمع لكان مثيرًا للحب لدى المحبّ الصادق وولّد لديه ثورة العشق.
قال : القرآن يحوي أيضا علاجًا لقساوة القلوب.
يجب على الإنسان أن يتلو القرآن بكثرة وكلما صادف دعاء فيدعو ويسأل الله لنفسه ما سُئل في ذلك الدعاء. وإذ بلغ آيةً ذُكر فيها العذاب فليستعذ بالله منه ويجتنب سوء الأعمال التي بسببها هلك ذلك القوم. إذا كانت في قلبه قسوة فالطريق الأمثل لتليينه هو أن يكثر من تلاوة القرآن الكريم. حيثما يُذكر دعاء في القرآن يتمنى المؤمن من الأعماق أن تحالفه أيضا الرحمة نفسها. إن مَثل القرآن كمثل حديقة، يقتطف المرء زهرة ثم يتقدم ويقتطف زهرة أخرى من نوع آخر. كذلك يجب على الإنسان أن يستفيد بحسب مقتضى الأمر دائما.
ويقول المسيح الموعود أيضا: لا حاجة لأيّ كتاب إلهامي بعد القرآن الكريم فهو كتاب كامل ومكتمل من كل الجوانب والنواحي.
وقال :

نزل القرآن الكريم في زمن ظهرت فيه كافة الحاجات التي كان ظهورها ممكنا.. أي كانت الأمور المتعلقة بالأخلاق والمعتقدات والقول والفعل قد فسدت كلها، وكان فساد الإفراط والتفريط والفساد من كل نوع قد بلغ منتهاه، فجاءت تعاليم القرآن أيضا في ذروتها. فبهذا المعنى صارت شريعة القرآن الكريم مُختتِمة ومكمِّلة، أما الشرائع السابقة فكانت ناقصة؛ لأن المفاسد التي جاءت تلك الكتبُ الموحى بها لإصلاحها لم تبلغ ذروتها في الأزمنة السابقة، بينما بلغت أوجها في زمن القرآن الكريم. فالفرق بين القرآن الكريم والكتب الأخرى الموحى بها هو أنه وبسبب النقص في تعاليمها كان ضروريا أن ينزل التعليم الكامل – أي القرآن الكريم- في وقت من الأوقات، حتى ولو ظلّت الكتب السابقة محفوظة من كل نوع من الخلل. أما القرآن الكريم فلا يحتاج أن يأتي بعده كتاب آخر، إذ لم تبق في الرفعة درجة أخرى بعد بلوغ القرآن درجة الكمال. ولو افترضنا جدلا أن مبادئ القرآن الكريم الحقةَ أيضا ستُحوَّل في زمن من الأزمان إلى الشرك مثل الفيدا والإنجيل، وسيتطرق التحريف والتبديل إلى تعليم التوحيد، وكذلك لو افترضنا جدلا إلى جانب ذلك أن ملايين المسلمين الثابتين على التوحيد أيضا سيسلكون طريق الشرك وعبادة المخلوق في زمن من الأزمان، لوجب في هذه الحالة أن تنزل شريعة أخرى ويأتي رسول آخر. ولكن كِلا هذين الأمرين محال. (البراهين الأحمدية)

من التعاليم الضرورية لكم هو أن لا تتخذوا القرآن الكريم مهجوراً، فإنّ لكم في القرآن وحده حياةً. مَن أكرمَ مِن الناس القرآنَ فسوف يُكرم في السماء، ومَن آثر القرآن على كل حديث وعلى كل قول سيُؤثرُ في السماء، الآن لا كتابَ لبني نوع الإنسان على ظهر البسيطة إلا القرآن، ولا رسولَ ولا شفيعَ لبني آدم إلا محمد المصطفى .

أي لا مجال لمثل هذا السؤال، ولا يمكن أن يحدث ذلك.ثم يقول :

اعلموا أن القرآن الكريم مصدر للبركات الحقيقية وذريعة حقّة للنجاة. ومن خطأ هؤلاء الناس أنهم لا يعملون بالقرآن الكريم. ومِن هؤلاء الذين لا يعملون بحسب تعاليمه حزبٌ لا يؤمن بالقرآن ولا يعتبره كلام الله تعالى، وبالتالي إنهم بعيدون جدًّا عنه. أما إذا لم يعمل به من يؤمنون بأنه كلام الله تعالى، وأنه وصفة شافية للحصول على النجاة فهو أمر يبعث على التعجب والأسف الشديدين. منهم من لم يقرأ القرآن مرة واحدة في حياته. ومَثلُ هؤلاء المتغافلين عن كلام الله تعالى وغير المبالين به كمَثَلِ شخص يعلم علمَ اليقين أن ثمة عينًا صافية عذبة وباردة، ماؤها شفاء وترياق لكثير من الأمراض، ولكن ما أشقاه وما أجهله إذا كان لا يتوجه إلى هذه العين مع علمه ذاك، وعلى عطشه وإصابته بأمراض كثيرة. كان ينبغي له أن يضع فاه على هذا الينبوع ويرتوي بمياهه العذبة الشافية. ولكنه رغم علمه بعيدٌ عنه كمن لا يعرف عنه شيئا، ويظلّ بعيدا حتى يأتيه الموت وينهي أجله. لا شك أن في حالة هذا الشخص عبرة كبيرة وعِظة. هذه هي حالة المسلمين اليوم. إنهم يعلمون يقينا أن مفتاح الرقي والنجاح كلِّه هو القرآن الكريم الذي يجب أن يعملوا به، مع ذلك لا يولونه أدنى اهتمام. وإذا دعاهم أحد إلى القرآن بدافع المواساة والنصيحة وبكل رفق ولين، بل بأمر من الله تعالى وبإشارته فينعتونه بالكذاب والدجال. هل يمكن تصور حالة أتعس لهذا القوم مما آلو إليه؟ كان ينبغي على المسلمين – وهو ما يجب عليهم الآن أيضا – أن يعتبروا هذا الينبوع نعمة عظمى ويقدروها حق قدرها، وقدرُها أن يعملوا بتعاليمه، ثم لينظروا كيف يخرجهم الله تعالى من المصائب والمشاكل. يا ليت المسلمين يفهمون هذا الأمر ويدركون أن الله تعالى قد جعل لهم سبيل البر والحسنة هذا فليسلكوه ولينتفعوا به.”

ثم يقول :

“صحيح أن معظم المسلمين قد تركوا القرآن مهجورا، ولكن رغم ذلك فإن أنوار القرآن وبركاته وتأثيراته حيّة وتتجدد دوما، ولقد بُعثتُ أنا لإثبات هذا الأمر. إن الله تعالى يبعث دوما عباده لحفظه (أي القرآن الكريم) وتأييده بين وقت وآخر، لأنه قد قطع وعدا بقوله: إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون وإن وعد الحفظ الذي وعد به الله تعالى عن القرآن لم يكن عن التوراة ولا عن أي كتاب آخر، لذلك تطرقت إلى تلك الكتب تحريفات البشر. ومن أكبر وسائل حفظ القرآن الكريم أن تأثيراته تتجدد وتتحقق على الدوام. وبما أن اليهود قد هجروا التوراة بتاتا لذلك لم يبق فيهم أي تأثير ولا قوة تذكر مما يدل على موتهم. (جريدة الحكم، 17 نوفمبر 1905)

ثم وجّه نصيحة ملؤها الألم فقال:
“من التعاليم الضرورية لكم هو أن لا تتخذوا القرآن الكريم مهجوراً، فإنّ لكم في القرآن وحده حياةً. مَن أكرمَ مِن الناس القرآنَ فسوف يُكرم في السماء، ومَن آثر القرآن على كل حديث وعلى كل قول سيُؤثرُ في السماء، الآن لا كتابَ لبني نوع الإنسان على ظهر البسيطة إلا القرآن، ولا رسولَ ولا شفيعَ لبني آدم إلا محمد المصطفى “. (سفينة نوح)
كانت هذه بعض المقتبسات التي قرأتها عليكم لتنبيهكم إلى أهمية القرآن الكريم وأهمية تلاوته وإلى العمل بتعاليمه، وذلك لكي نهتم بها ونستفيض بهذه الخزينة الهامة في رمضان، كما سبق أن قلت في مستهل الخطبة أن تتلوا القرآن وتتدبروا فيه وتستذكروا ما نسيتم منه في هذا الشهر. البعض كانوا قد حفظوا بعض آياته إلا أنهم نسوها، فعليهم أن يستذكروها، وعليكم أن تسعوا جاهدين للعمل بأحكام القرآن التي كانت خافية عن أنظاركم. وفقنا الله تعالى لذلك. آمين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك