كل من عليها فان

كل مخلوق في هذا الكون سواء كان عاقلا أم غير عاقل، حيا أم جمادا، يمر بدورة تبدأ وتنتهي بإحداثيات زمانية ومكانية معينة، وإن هذه المخلوقات خلقت لتؤدي غاية معينة قبل أن تفنى وينتهي دورها، فكل مخلوق ميسر لما خلق له، إن نهاية هذه الغاية هي خدمة الإنسان وضمان بقائه على هذه الأرض. فالعلاقات بين الكائنات الحية وغير الحية في النظم البيئية المكونة للغلاف الحيوي وما يصاحبه من عمليات حيوية، توفر الغذاء والطاقة التي تنتقل في السلاسل الغذائية المختلفة، وكذلك العلاقات الغذائية بين النوع الواحد من الكائنات الحية والأنواع المختلفة كل ذلك يحدث من أجل أن يوفر للإنسان النظام البيئي الذي يضمن بقاءه واستمراره على هذه الأرض. فلو أخذنا على سبيل المثال، الطاقة الشمسية التي تصلنا من الشمس حيث يستغلها الغلاف النباتي لنموه، فتتغذى عليه المستهلكات كالأغنام مثلا وتنتقل هذه الطاقة في النهاية إلى الإنسان سواء من الغطاء النباتي مباشرة أو من الأغنام بطريقة غير مباشرة.

إن الدورة التي يمر بها المخلوق سواء كان حيا أو غير حي، تمر بمراحل ذات أعمار زمنية محدودة، لا تعرف الشذوذ، وبما أن كل مخلوق هو مركب من عدة أشياء مادية، فإنه سوف يتحلل ويأتي عليه الفناء في نهاية دورته على هذه الأرض، أما الروح في الإنسان فليست بشيء مادي يتحلل كالجسد، فان فناءها يعني مغادرتها هذه الأرض بانفصالها عن الجسد، قال تعالى:

كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ

يقول حضرة المسيح الموعود في تفسير هذه الآية:

” أن كلّ ما هو موجود في الأرض أو يخرج منها، إنما هو في معرض الفناء؛ أي في حركة مستمرة إلى الفناء، ولا يخلو منها أحد…….ولقد استخدم الله تعالى كلمة فَانٍ في الآية المذكورة ولم يستخدم “يفنى”، ليُعلَم أن الفناء ليس بشيء سيحدث دفعة واحدة في المستقبل، بل إن سلسلة الفناء جارية باستمرار”.

إن سلسلة الفناء هذه لا تطال فقط الكائنات الحية على هذه الأرض بل تطال المادة أيضا، وفناء المادة يعني تحللها إلى مكوناتها الأولية عندما تنتهي دورتها وتحقق دورها الذي خلقت من أجله، ويعني أيضا تحولها إلى طاقة غير مستردة، وهذا ما حدث ولا يزال يحدث للمادة منذ أن تكونت من العدم، فهي تتحول إلى طاقة كما يحدث في التفاعلات النووية في مراكز النجوم، فتفاعلات الاندماج النووي مثلا في مركز الشمس ينتج عنها تحول عشرة ملايين طن من الهيدروجين الى طاقة غير مستردة كل ثانية واحدة، وما دام هذا التفاعل يحدث في مركز أي نجم أي ما دامت الطاقة تشع منه ما دام النجم ينبض بالحياة، وتكون الطاقة المشعة منه قليلة في مرحلة الطفولة ثم تزداد لتصل ذروتها في مرحلة الشباب وتعود لتضعف في مرحلة الشيخوخة، وعندما تتوقف التفاعلات النووية عن الحدوث في مركز النجم، ويتوقف إنتاج الطاقة نقول أن النجم قد مات موتا فيزيائياً، وانتهت دورته.إن تحول الكتلة إلى طاقة شمسية في مركز الشمس حسب علاقة اينشتاين، الطاقة الناتجة= الكتلة المتحولة مضروبا في مربع سرعة الضوء وعلى بعد أكثر من 150مليون كم من سطح الأرض، إنما سخر من أجل نشوء الحياة على هذه الأرض واستمرارها، وإنه لشيء مدهش يدعو الإنسان للتفكر والشكر لهذا الرحمن الذي وهب هذه الطاقة الجبارة لكل الناس إحسانا منه وتفضلا وبدون مقابل من أحد،كيف لا وهو رب العالمين، ولا شك أنه عند موات الشمس “أي توقفها عن إنتاج الطاقة” بعد خمسة بلايين سنة كما يقدر العلماء، فإن كل أشكال الحياة على هذه الأرض سوف تنتهي ولن تقوم لها قائمة، وسوف تأتي عليها سلسلة الفناء. ولكن إذا كانت الكتل الضخمة كالنجوم سوف تأتي عليها سلسلة الفناء. فهل سيأتي الفناء أيضا على الجسيمات المادية الصغيرة؟

إذا أخذنا الجسيمات المادية التي ليس لها تركيب بل هي مفردة وتسمى بالجسيمات النقطية مثل الالكترون والبزيترون…. فان هذين الجسيمين يفنيان عندما يدخل المجال الكهرومغناطيسي لكل منهما الآخر فيتحولان الى طاقة كهرومغناطيسة غير مستردة، وإذا أخذنا البروتون والنيوترون فإنهما جسيمات غير نقطية لها مكونات تسمى كواركات، وفناؤهما يعني تحللهما الى مكوناتهما البدائية أي انفصال كواركات كل منهما عن بعضها البعض، ولا يزال العلم الحديث عاجزاً عن إثبات عمر زمني لهذه الجسيمات كي تتحلل إلى مكوناتها وتأتي عليها سلسلة الفناء، إلا أن الخليفة الرابع رحمه الله ذكر في كتابه الوحي والعقلانية، أن الوقت قريب ليثبت العلماء إمكانية فناء البروتون وتقدير عمره حيث إن الأدلة من التجارب العلمية بدأت ترشح لتؤكد هذه الحقيقة.

صحيح أن بعض العناصر في الطبيعة تحقق الغاية من خلقها عندما تمر في دورات مثل الكربون والأكسجين والنيتروجين… بهدف إحداث التوازن البيئي، وتحقيق الغاية التي خلقت من أجلها وهي كما ذكرت خدمة الإنسان وبقاءه، وان عملية التدوير لهذه العناصر مستمرة بلا حدود، إلا أن هذه الدورات سوف تتوقف وتأتي عليها سلسلة الفناء بانتهاء المكونات الحية للنظام البيئي المرهون بقاؤه باستمرار إنتاج الطاقة الشمسية المتجددة والتي بينا أنها ستأتي عليها سلسلة الفناء حتى لو بعد زمن طويل.

وفي النهاية فإن الكرة الأرضية ككل ستأتي عليها سلسلة الفناء أي ستصبح غير مؤهّلة للحياة. أما بسبب الموت الفيزيائي للشمس أو بابتلاعها من خلال ثقب أسود عندما تقع في مجال جاذبيته. ولا أدري هل هذه الاحتمالات ستكون سناريوهات ليوم القيامة أم لا الله أعلم؟!!

ءإذا أخذنا على سبيل المثال مصادر الطاقة غير المتجددة مثل الوقود الاحفوري من نفط وغاز طبيعي وفحم حجري، فإنه وحسب تقدير العلماء سينفد بعد مرور قرن تقريبا، أي أن سلسلة الفناء تأتي عليه، وإن نواتج عمليات حرقه ستمر في دورات تبين أيضا أن سلسلة الفناء ستأتي عليها. إذا أخذنا مصادر الطاقة المتجددة مثل الرياح والمياه الجارية والطاقة الحيوية المستخلصة من الكائنات الحية مثل النباتات والبكتيريا…، فإن جميع هذه المصادر مرتبط تجددها بوجود الشمس بشكل مباشر وكما بينا فإن الشمس ستأتي عليها الفـناء، فالنتيجة الطبيعية أن هذه المصادر ستأتي عليها سلسلة الفناء أيضا إذا أخذنا العناصر المشعة، فإنها تبقى تشع لفترة زمنية محددة تعتمد على ما يعرف بفترة عمر النصف للعنصر، ثم تأتي عليها سلسلة الفناء لتتحول إلى عناصر جديدة غير مشعة، بعد أن تؤدي الغاية من خلقها وهي أن لهذه العناصر المشعة استخدامات واسعة في المجال الطبي والزراعي والبيئي والصناعي…..كما أنه ومن خلالها تم تقدير عمر الأرض والزمن المنقضي على موت الكائنات الحية.

أما بقية العناصر في القشرة الأرضية والتي لم نتطرق لذكرها، فقد أصبح الإنسان يستخدمها في المجال الصناعي وكثير منها ما يدخل في مركّبات ليس من السهل إعادة تدويرها، وحـيث أنه وبـسبب الاستخدام المتزايد لهذه العناصر فإنها أصبحت آيلة إلى النضوب.

وفي النهاية فإن الكرة الأرضية ككل ستأتي عليها سلسلة الفناء أي ستصبح غير مؤهّلة للحياة. أما بسبب الموت الفيزيائي للشمس أو بابتلاعها من خلال ثقب أسود عندما تقع في مجال جاذبيته. ولا أدري هل هذه الاحتمالات ستكون سناريوهات ليوم القيامة أم لا الله أعلم؟!!

على كل حال ليست الكرة الأرضية والشمس والنجوم فقط ستأتي عليها سلسلة الفناء، بل الكون كله ستأتي عليه سلسلة الفناء عندما تنسحب مادته في ثقب أسود واحد ليصل إلى نهاية البداية، قال تعالى:

يَوْمَ نَطْـوِي السَّمَـاءَ كَـطَيِّ السِّـجِلِّ لـِلْـكُتُـبِ كَمَـا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَـلْقٍ نُعِيـدُهُ وَعْدًا عَـلَيْـنَا إِنَّـا كُـنَّا فَاعِـلِـينَ (الأنبياء 105)

Share via
تابعونا على الفايس بوك