عـكـا
  • معلومات عامة أساسية عن مدينة عكا
  • تاريخ عكا مع القائد صلاح الدين
  • حصار الصليبيين لعكا واستسلامها
  • الصلح وسيطرة الصلبيين
  • استرجاعها من قبل المماليك

__

عكا أقدم وأهم مدن فلسطين التاريخية، تقع اليوم حسب التقسيم الإداري بعد حرب 1948 في لواء الشمال الإسرائيلي، على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط ويبلغ عدد سكانها حوالي 46 ألف نسمة. عكا مدينة مختلطة يتكون سكانها من اليهود والعرب المسلمين والمسيحيين. يشكل اليهود 67.1% من السكان، والعرب المسلمون 25.3%، العرب المسيحيون 4% و5.2% من باقي المعتقدات. تأسست المدينة في الألف الثالثة قبل الميلاد على يد الكنعانيين، الذين جعلوا منها مركزا تجاريا ودعوها باسم ” عكو” أي الرمل الحار. أصبحت بعد ذلك جزءا من دولة الفينيقيين، ثم احتلها العديد من الغزاة كالإغريق والرومان والفرس والفرنجة الصليبيون.

تعتبر عكا ذات موقع اقتصادي وتجاري مهم بفضل مينائها الذي يُعد من أهم وأقدم موانئ فلسطين التاريخية لصيد الاسماك، كما تعتبر ذات موقع أثري مهم فهي تحتوي على العديد من الآثار والمعالم والأماكن الأثرية القديمة من غالبية العصور التاريخية . فهناك السوق الأبيض، حمام الباشا، القلعة وأسوارها الحصينة والممر الألماني وجامع الجزار وغيرها.

غالبا ما يربط ازدهار عكا بموقعها الجغرافي فهيئ مرفا طبيعي معد بصورة جيدة، كما أنها محطة لجميع القوافل القادمة من الشمال والشرق ومن مصر. ولقد ساهم هذا الأمر في ازدهار المدينة كما كان السبب في جعلها محط أنظار الغزاة.

لمحة تاريخية ما بين القائد صلاح الدين الأيوبي ومدينة عكا

يعتبر السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي أحد القادة العسكريين الكبار الذين أنجبتهم الأمة الإسلامية على مدى العصور، وقد شاءت الأقدار أن يخلص البلاد المقدسة في المشرق العربي من حكم الإفرنج الصليبيين الذين احتلوا هذه البلاد في أواخر القرن الحادي عشر الميلادي، وذلك بهدف انتزاع كنيسة القيامة من أيدي المسلمين على حد زعمهم. وقد بدأت الحملة الصليبية الأولى في ربيع سنة 1096 م وسميت صليبية إشارة الى الصليب الذي حمله أعضاء هذه الحملة على صدورهم. كما كانت هناك أسباب أخرى لهذه الحملة والتي تبعتها حملات أخرى منها اقتصادية واجتماعية بالإضافة إلى الدافع الديني الذي أشرت إليه.

وقد ولد القائد صلاح الدين يوسف في “تكريت” الواقعة على نهر دجلة سنة 1138م من أبوين كرديين، وكان أبوه محافظا على مدينة “بعلبك”. ولم يشتهر اسمه بين الناس حتى سنة 1164 حين رافق عمه في حملته على مصر، وعندها أخذ نجمه في الصعود. ويقال بأنه كان لصلاح الدين أمنيتان جاهد طول حياته في سبيلهما، الأولى إحلال السنّة محل الشيعة في مصر والثانية مواصلة الجهاد والحرب على الإفرنج الصليبيين. ففي سنة 1169م أسندت اليه الوزارة في مصر واستطاع بعد عامين أن يقوّض أركان خلافة الفاطميين في ذلك البلد.

وفي سبيل تحقيق أمنيته الثانية وهي الأهم فقد رأى أنه لا بد له أولا من السيطرة على سورية الإسلامية وقد تم له ذلك، بعد أن انتصر في معركة “قرون حماة” من يد حاكمها الصبي اسماعيل بن نور الدين الذي كان يحكم مصر في تلك الفترة.

وهكذا لما أمِن صلاح الدين شر الحكام المحليين، تفرغ لمكافحة الصليبيين، وفي أول تموز سنة 1187م استولى على طبريا بعد حصار دام ستة أيام، ثم تلا ذلك معركة حطين التي وقعت في الثالث والرابع من شهر تموز من نفس السنة، وكانت حطين بالقرب من طبريا حيث شرع صلاح الدين بالقتال في يوم الجمعة وهو يوم كثيرا ما اختاره صلاح الدين ووُفق فيه، بينما كان هذا اليوم يوم بؤس على الإفرنج الصليبيين، وكان النصر في يوم حطين نصرا حاسما قرر مصير المملكة الصليبية وقضى عليها قضاء مبرمًا. ولم يطل الأمر على بيت المقدس أكثر من أسبوع فقد حاصرها صلاح الدين حتى استسلمت في الثاني من تشرين الأول 1187م حيث دوّى صوت المؤذن في المسجد الأقصى بدلا من ناقوس الكنيسة وأنزل رجال صلاح الدين الصليب الذهبي من فوق قبة الصخرة.

وبعد سقوط القدس في يد المسلمين ارتاعت أوروبا لهذا السقوط المدوّي فنسي حكامها خصوماتهم ونشطوا للجهاد مثل “فردريك بربروسا” امبراطور ألمانيا و”رتشارد قلب الاسد” ملك انجلترا و”فيليب أغسطس” ملك فرنسا، وأخذوا يعدون لحملة صليبية ثالثة، وكانت هذه أكبر الحملات من حيث عدد المحاربين. وقد سلك “فريدريك” طريق البر فغرق خلال عبوره نهرا في “كليكية” الواقعة في جنوب غرب آسيا الصغرى وعاد معظم رجاله إلى أوطانهم. أما “رتشارد” فقد عرج في طريقة على قبرص فاحتلها وأصبحت قبرص عندها آخر ملجأ للصليبيين المنهزمين من السواحل السورية.

لماذا عكا بالذات؟

وفي هذه الحالة أيقن الصليبيون أن عكا هي المفتاح الذي يمكن أن يستعيدوا ما خسروه فحملوا عليها بجحافلهم مع من تبقى من جيش “فريدريك” وكتائب ملك فرنسا. أما الملك “غي ده لوسينيان” ملك اورشليم القدس فقبل استعادتها من قبل المسلمين فقد حنث بيمينه وخرج ثانية للقتال يقود الهجوم على عكا رغم أن القائد صلاح الدين قد أحسن معاملته واستقبله خير استقبال. وقد وصل صلاح الدين لإنقاذ المدينة في اليوم الثاني وجعل معسكره قبالة العدو ونشب القتال برا وبحرا وكان أن وصل “رتشارد قلب الأسد” أيضا فاحتفى الصليبيون بمقدمه وتهللوا وأشعلوا نيران البشرى. ويقال أنه خلال هذه الحوادث قتل الصليبيون ثلاثة عشر شخصا من سكان عكا.

ورغم حالة الحرب التي كانت بين الطرفين إلا أنه كان هناك نوع من الاحترام المتبادل بين القائد صلاح الدين و”ريتشارد” فقد كانا يتبادلان الهدايا مع أنهما لم يتلاقيا قط. وقد استمر حصار الصليبيين لعكا نحو سنتين من 1189- 1191م. وكان “ريتشارد” في هذه الأثناء يُنعم على كل من زحزح حجرا من أسوار عكا، فقام المحاربون من جيش صلاح الدين بمن فيهم النساء بأعمال عظيمة من البسالة والبطولة وقد استفاد الإفرنج الصليبيون من أسطولهم وعدتهم الحديثة في هذا الحصار. أما المسلمون فانحصرت خبرتهم في أن القيادة كانت موحدة في شخص واحد هو صلاح الدين. وقد طلب صلاح الدين النجدة من الخليفة فلم يستجب له. وهكذا لما ضاق الأمر بالحامية طلبت الصلح واستسلمت.

وكان من أهم شروط الصلح أن لا يتعرض الإفرنج للحامية بسوء مقابل مئتي ألف دينار، وأن يعيد المسلمون الصليب المقدس. ولكن “ريتشارد” لما رأى تأخر صلاح الدين شهرا عن دفع المال أمر بالأسرى فجُمعوا وقُتلوا وكانوا زهاء ألفين وسبعمئة أسير. وهذا يختلف عما فعله صلاح الدين بالأسرى حين دخل بيت المقدس ظافرا، فقد كان هو الواضع لشروط الصلح هناك، وكان منها أن يؤدي الافرنج عن أنفسهم مالا، ولكنه في نهاية الأمر أطلق سراح هؤلاء الأسرى دون فدية.

وهكذا أخذت عكا تحتل مكانة بيت المقدس في الزعامة وأخذت محاولات الصلح تدور بين الفريقين المتحاربين دون انقطاع. وقد اقترح “ريتشارد” زواج “أخته” من الملك العادل أخ صلاح الدين على أن تعطى القدس هدية للزوجين فينتهي بذلك العداء بين النصارى والمسلمين.

وأخيرًا تم الصلح في الثاني من تشرين الثاني سنة 1192م على أن تكون منطقة الساحل للافرانج والمنطقة الداخلية للمسلمين، وعلى أن لا يتعرض أحد بأذى للحجاج الوافدين على بيت المقدس من أوروبا. وفي 19 شباط من السنة الثالثة أي 1193م أصابت القائد صلاح الدين الحمّى في دمشق فتوفي بعد اثني عشر يوما وهو في الخامسة والخمسين من العمر، ولا يزال قبره في العاصمة السورية قِبلة للزائرين.

وهكذا فقد كان رحمه الله بطلا وحاميا من حماة الدين العظام، ويعد عند المسلمين في مصاف القادة العظام وفي مقدمة الذين نالوا شهرة عالمية بشكل عام وعند المسلمين بشكل خاص، ولا يزال يعتبر مثالاً ورمزًا للبطولة والفروسية العربية والإسلامية.

أما عكا فقد بقيت في قبضة الصليبيين حتى 1291م وذلك عندما قرر السلطان الأشرف خليل حاكم مصر وبلاد الشام السير إليها لفتحها وإنهاء احتلال الصليبيين لها. فقام بتعبئة جيوشه من مصر وبلاد الشام التي كانت تضم أعدادا كبيرة من المتطوعين، وكان له ما أراد حيث عادت عكا إلى المسلمين بعد حصار دام أربعة وأربعين يوما وبعد أن احتلها الصليبي لمدة مئة عام.

مساهمة الأخت: هديل عودةألدرشوت، سري، المملكة المتحدة

Share via
تابعونا على الفايس بوك