القرضاوي.. الافتراء والغموض

القرضاوي.. الافتراء والغموض

هاني طاهر

  • اتهام القرضاوي للجماعة بأنها ألغت الجهاد.
  • ولا شك أن المسيح الموعود لم يلغ الجهاد وبالأحرى لم يلغ أي حرف في القرآن الكريم.

__

هناك قضايا لا تحتمل إلا أحد موقفين: طبيعي ومتطرف، وليس لك إلا أن تختار أحدهما، لكن بعض الجبناء لا يجرءون على مواجهة من يتبنّوْن الرأي المتطرف، فيخترعون قولا ثالثا متطرفا باتجاه معاكس للقول المتطرف، رغم أن هذا القول الثالث لا وجود له، ثم يتبـنّوْن المـوقـف الطبيـعي ويقولون: ها نحن في الوسـط بـين موقفي الإفـراط والتفـريط، والوسـطية هي الحق، فنحن على الحق.

هذا ملخص قصة القرضاوي مع الجهاد وموقفه منه.

هناك رأيان فقهيّان في تفسير الجهاد القتالي لا ثالث لهما، أحدهما القول بعدم قتال إلا مَن يبدأ بالعدوان. وثانيهما: وجوب قتال الناس كافة، سواء اعتدوا أم لم يعتدوا. وحجة هذا القول أن الإسلام دين عالمي لا بدّ من فرض شريعته بالقوة إن لم تتيسر الطرق السلمية، وغير ذلك من حجج. وليس هناك قول إسلامي ثالث يقول: من هاجمك في بيتك فرحِّب به، أو لا يجوز أن تعدّ القوة، بل كن عاشقا للذل والهوان، وكن راغبًا في أن يهاجمك الأعداء ليقضوا عليك.

القرضاوي يقول بالقول الأول، وحيث إن هذا الموقف يعرّضه لهجوم السلفيين الجهاديين ومَن على شاكلتهم، حيث اتهموه بأنه “قادياني” لقوله هذا، فأراد أن يردّ عن نفسه هذه التهمة بتقويل “القاديانيين” ما لم يقولوه، ليُفهم من ذلك بطلان التهمة الموجهة ضده. أي أنه افترى على غيره ليبرئ نفسه من تهمة لم  يجرؤ فيها على مواجهة خصومه دليلاً بدليل. فقال: “فهناك من يريد إلغاء الجهاد من حياة المسلمين، وهذا من قديم، حتى إن الاستعمار أنشأ نحلة دينية معروفة في الهند اسمها القاديانية، وكان أهم ما جاءت به القاديانية …إلغاء الجهاد؛ بزعم أن الجهاد كان في أيام الرسول والصحابة والآن لم يعُد”.

أما حين أراد أن يناقش القول الذي له أصحاب حقيقيون فلم يفلح في نقاشهم، بل اكتفى بنقل حججهم من غير ردّ عليها، فقال: “الطرف الآخر هو الذي يريد أن يقاتل العالم، كل العالم سالم أو حارب، يرى أنه على المسلمين أن يحاربوا العالم كله، حتى يسلم أو يعطي الجزية عن يد وهو صاغر”

وعلّق بقوله: “وهؤلاء كلامهم خطير جدًّا، لأن هؤلاء ينتهون إلى ماذا؟ يقول لك لا يجوز لنا أن ندخل في الأمم المتحدة، ولا أن نؤمن بميثاقها ولا أن نقبل عضويتها، وأي دولة تقبل عضوية الأمم المتحدة تكون آثمة، لماذا؟ يقول لك لأن الأمم المتحدة من ميثاقها احترام حدود الدول الإقليمية، ومعنى احترام الحدود أنه ليس لنا حق في أن نغزو بلاد الآخرين، وغزو بلاد الآخرين فرض علينا. ثم أيضًا ميثاق الأمم المتحدة يفرض حل النـزاعات بالطرق السلمية، وليس بالجهاد…”

وهكذا لم يردّ عليهم بشيء. وقد قرأتُ بعض التعليقات من أصحاب هذا الاتجاه أو المقربين منه على أحد المواقع المشهورة، فقال أحدهم: “ماذا عن سبي نساء العدو؟، والإغارة على الكفار رغم وجود مسلمين؟، والتترس؟ (أي قتـل المسلم خطأ حين يستهدف الكافر)، والفتوحات الإسلامية؟ واستهداف نساء وأطفال الكفار إذ ابتدؤوا هم بذلك؟ والقول بأن الكافر الحربي دمه وماله حلال؟ و أدلة جواز كل ذلك من القرآن والسنة معلومة… حاجتنا اليوم لحكم هذه المسائل أكيدة، وجب على الكاتب بيانها. هل مرّ الدكتور على هذه المسائل؟”

وقال الآخر: ” كل علم في الشريعة يؤخذ من أهله. ففقه الجهاد يؤخذ من أمثال عبد القادر الجزائري وعمر المختار و….. ونحوهم، أما الشيخ القرضاوي فلم يعرف عنه أي ممارسة للجهاد العسكري الذي يعنون له فقهاء الإسلام بكتاب الجهاد، ولم يطلق رصاصة واحدة في ساحات الوغى، ولم يزر أفغانستان – مثلا – إلا مرة واحدة وذلك لثني طالبان عن تدمير أصنام بوذا. فليس هو المرجع في هذا الباب. كلمة مؤلمة قد تنغص على الكثيرين من محبيه، لكنها حق، والله أعلم.”

وقال ثالث: ” أيُؤخذ فقه الجهاد ممن أجاز للمسلم الأمريكي القتال مع الجيش الأميركي في أفغانستان؟ ما لكم كيف تحكمون؟… أيجب أن أيقاتل المسلم مسلما إذن؟ ما لكم كيف تحكمون. هل َبيّن الدكتور قول العلماء قديمهم و حديثهم بكفر من أعان الكفار على المسلمـين؟”.. فهذه التعليقات تبين أن كتابه ناقص وأن كلامه ناقص وغامض ويجيب على كل شيء إلا المسألة التي يتحدث عنها.

أما حين تحدث عن منهجه الذي سماه وسطا فقد جمَع التناقضات؛ فحين سأله المقدّم عن الجهاد في أفغانستان بقوله  “بعض الشباب يفهم من هذا أنه يتعين عليه أن يترك أهله وولده، ووطنه، مجاهدًا في سبيل الله عز وجل؟”

أجاب:  “للأسـف بعض الشبـاب المتحمـس، وحتى بعض العلمـاء المتحمسين، يفهمون هذا الأمر فهمًا غير سديد، وهذا ما جعلني أناقش بعض إخواننا أيام حرب أفغانستان، حينما قالوا: إن الحرب أصبحت فرض عين على المسلمين، وعلى المسلمين في أنحاء العالم أن يهبوا لنجدة إخوانهم في أفغانستان. وأنا ناقشتهم في أن الحرب فعلاً فرض عين، ولكن ما معنى فرض العين؟”

ثم أخذ يتحدث بأمثلة ولا يؤصل للقضية، فجاء كلامه بلا فائدة كالعادة.. ولا يفهم منه الشاب المسلم أيجب عليه أن يذهب الآن إلى أفغانستان أم لا يجب… وهذه هي الطريقة القرضاوية في الإجابة على المسائل الهامة؛ إنها زيادة في الغموض و الحيرة والتساؤل والخربطة، والذي يؤدي إلى انقسامات جديدة عبر الزمن في أتباع المدرسة التي ينتمي إليها.

وحين تحدث عن جهاد الطلب جعل الأمر غامضا كعادته، فقد سئل: “ماذا عن جهاد الطلب؟” فقال: “جهاد الطلب أن يكون المسلمون في ديارهم، وأعداؤهم في ديارهم، ونحن الذين نطلبهم لسبب من الأسباب… ”

ثم لم يضع القاعدة التي تحكم هذه الأسباب، ولم يحدد بدقة معنى جهاد الطلب وما الذي يشمله وما الذي لا ينطبق عليه، بل أخذ يضرب أمثلة وقصصا، ويكتفي بها كعادته.

ثمّ بيّن في الأخير أن جهاد الطلب قد انتهى. مع أن عباراته هذه يمكن لخصومه أن يتهموه من خلالها بنسخ الجهاد، حيث قال: “إننا في عصرنا هذا لم نَعُد محتاجين إلى قتال الطلب إطلاقًا؛ لأن الأبواب مفتحة أمامنا للدعوة العالمية، ولسنا في حاجة إلى أن نذهب بالجيوش إلى أوربا، أو إلى أمريكا، أو إلى الصين، أو إلى الهند، فالفضائيات موجودة، والإذاعـات الموجهـة موجـودة، والإنـترنت مـوجود، وتستطيع أن تغزو العالم بها. نحن الآن لسنا في حاجة إلى جيوش تقاتل بالسيف والمدفع، نحن في حاجة إلى جيوش جرارة تجاهد بالقلم، والعلم، والفكر، والدعوة، إلى آلاف وعشرات الآلاف من الإعلاميين والدعاة والمعلمين الذين يخاطبون الناس بلغتهم”.

على أية حال، ليس مهمًا نقد الرجل، ولا تبيان مدى جرأته على الافتراء على غيره مَن غير أي بينة، لكن المهم هو توضيح أن المسيح الموعود عليه السلام لم يُلْغِ الجهاد ولم يُلْغِ أي حرف في القرآن الكريم

مع أن قوله هذا يتضمن أنه يجوز للمسلمين أن يهاجموا الدول الأخرى إن مَنَعتهم من الدعوة. وهذا عين ما يقول به القائلون بقتال الناس كافة، لأنهم يرون أن الدعوة لا يمكن أن تنفع مِن دون أن يكون الحُكْم للمسلمين. وهكذا يجمع القرضاوي بين المتناقضات.

على أية حال، ليس مهمًا نقد الرجل، ولا تبيان مدى جرأته على الافتراء على غيره من غير أي بينة، لكن المهم هو توضيح أن المسيح الموعود عليه السلام لم يُلْغِ الجهاد ولم يُلْغِ أي حرف في القرآن الكريم، بل قال إن الحرب الدينية انتهت من العالم، ولم تعُد الدول تقتتل بسبب الخلاف الديني، بل لأسباب أخرى. وبالتالي فلا يجوز أن يُرفع سيف الجهاد ضد من لم يعتد علينا لديننا.

أما العدوان لاغتصاب المال أو الأرض أو الثروة، فهذه مسألة دنيوية. وأصحاب القضية هم مَن يقررون كيف يردون العدوان. أما المسيح الموعود عليه السلام فلم يتحدث عن هذه المسألة الدنيوية، و”أنتم أدرى بشؤون دنياكم”.. فالمعتدى عليه قد يفاوض وقد يقاتل وقد يعقد هدنة.. والمسلم لا يختلف عن ذلك إلا في تقيّده بالأخلاق مهما كان خياره في مواجهة المعتدي.

وأختتم بفقرات للمسيح الموعود عليه السلام حيث قال:

“القرآن لا يأمر بحرب أحد إلا بالذين يمنعون عباد الله أن يؤمنوا به ويَدخلوا في دينه ويطيعوه في جميـع أحكـامه، ويعبدوه كما أُمِروا. أما الذين يقاتِلون بغير الحق، ويخرجون المؤمنين من ديارهم وأوطانهم، ويُدخلون الخلق في دينهم جبرًا وقهرًا، ويريدون أن يطفئوا نور الإسلام، ويصدّون الناس من أن يسلموا، فأولئك الذين غضب الله عليهم ووجب على المؤمنين أن يحاربوهم إن لم ينتهوا.”

“إن القرآن الكريم يأمر صراحة ألا ترفعوا السيف لنشر الدين، بل قدِّموا ميزاته الحسنة، واجذبوا الناس من خلال أسوتكم الحسنة. ولا تظنوا أن الإسلام في بداية الأمر أمر برفع السيف. كلا، إن ذلك السيف لم يُرفع لنشر الدين، بل رُفع دفاعًا عن هجمات الأعداء، أو توطيدًا لدعائم الأمن؛ ولم يكن الهدف منه الإكراه في سبيل الدين إطلاقًا.””كانت الحاجة في صدر الإسلام تقتضي حروبًا دفاعية وحروبًا مادية لأن الذي كان يبشِّر بالإسلام لم يكن يلقى ردًّا بالأدلة والبراهين وإنما بالسيف، لذلك اضطر المسلمون لاستخدام السيف في الرد عليهم. ولكن لا يُردّ اليوم بالسيف بل يُطعن في الإسلام بالقلم والأدلة، لذلك أراد الله تعالى في هذا الزمن أن نأخذ من القلم عمل السيـف، وأن نصارع المخالفين بالكتابة، لذلك لا يليـق بأحـد أن يردّ على القلم بالسيف.”

Share via
تابعونا على الفايس بوك