سر الخلافة (12)

وأمـا مفاسد النصارى فلا تُعدّ ولا تُحصى، وقد ذكرنا شطرا منها في أوراقنا الأولى. فلما رأى الله سبحانه أن المفاسد فارت من الخارج والداخل في هذا الزمان، اقتضت حكمته ورحمته أن يُصلح هذه المفاسد برجُل له قَدمان: قدمٌ على قدم عيسى، وقدم على قدم أحمد المصطفى. وكان هذا الرجل فانيا في القدمين حتى سُمّي بالاسمين. فخذوا هذه المعرفة الدقيقة، ولا تخالفوا الطريقة، ولا تكونوا أول المنكرين. وإن هذا هو الحق وربِّ الكعبة، وباطل ما يزعم أهل التشيع والسُنة. فلا تعجلوا عليّ، واطلبوا الهدى من حضرة العزة، وأْتوني طالبين. فإن تُعرضوا ولا تقبلوا، فتعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم، ونساءنا ونساءكم، ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين.

وهذا هو الحق الذي كشف الله عليّ بفضله العظيم وفيضه القديم. وقد تُوفّي عيسى، والله يعلم أنه المتوفَّى. وتُوفِّي إمامكم محمد الذي ترقبونه، وقائمُ الوقتِ الذي تنتظرونه. وأُلهمتُ من ربي أني أنا المسيح الموعود وأحمد المسعود. أتعجبون ولا تفكّرون في سُنن الله، وتنكرون ولا تخافون؟ وحصحص الحق وأنتم تعرضون، وجاء الوقت وأنتم تبعدون. ومن سُنن الله القديم المستمرة الموجودة إلى هذا الزمان التي لم تنكرها * أحد من الجهلاء وذوي العرفان، أنه قد يذكر شيئًا أو رجُلا في أنبائه المستقبلة، ويريد منه شيئًا آخر أو رجُلا آخر في الإرادة الأزلية. وربما نرى في منام أن رجلا جاء من مقام، فلا يجيء مَن رأيناه بل يجيء مَن ضاهاه في بعض الصفات أو شابهَه في الحسنات أو السيئات. وأقص عليك قصةً عجيبةً وحكايةً غريبةً: إن لي كان ابنا صغيرًا وكان اسمه بشيرًا، فتوفاه الله في أيام الرضاع، والله خير وأبقى للذين آثروا سبل التقوى والارتياع. فأُلهمتُ من ربي: إنا نردّه إليك تفضلاً عليك. وكذلك رأت أُمُّه في رؤياها أن البشير قد جاء، وقال إني أعانقك أشد المعانقة ولا أفارق بالسرعة. فأعطاني الله بعده ابنا آخر وهو خير المعطين. فعلمتُ أنه هو البشير وقد صدق الخبير، فسمّيته باسمه، وأرى حُلْية الأول في جسمه. فثبتت عادة الله برأي العَين، أنه قد يجعل شريكَ اسمٍ رجلَين. وأما جعلُ البعض سَمِيَّ بعضٍ فهي أسرار لتكميل غرض لا يعلمها إلا مُهجة العارفين.

اقتضت حكمته ورحمته أن يُصلح هذه المفاسد برجُل له قَدمان: قدمٌ على قدم عيسى، وقدم على قدم أحمد المصطفى. وكان هذا الرجل فانيا في القدمين حتى سُمّي بالاسمين. فخذوا هذه المعرفة الدقيقة، ولا تخالفوا الطريقة، ولا تكونوا أول المنكرين.

ولي صديقٌ أحبُّ الأصدقاء وأصدق الأحبّاء، الفاضل العلامة والنحرير الفهّامة، عالمُ رموز الكتاب المبين، عارفُ علوم الحِكم والدّين، واسمه كصفاته المولوي الحكيم نور الدين. فاتفق في هذه الأيام من قضاء الله الحكيم العلام أن ابنه الصغير الأحد، الذي كان اسمه محمد أحمد، مات بمرض الحصبة، فصبر ووافق ربَّه ذا الحكمة والقدرة والرحمة، فرآه رجل في ليلة وفاته بعد مماته كأنه يقول لا تحزنوا لهذه الفرقة، فإني أذهب لبعض الضرورة، وسأرجع إليكم بقدم السرعة. وهذا يدل على أنه سيُعطى ابنا آخر، فيُضاهي الثاني الغابرَ. والله قادر على كل شيء، ولكن أكثر الناس لا يعلمون شؤون أحسن الخالقين.

وكذلك في هذا الباب قصص كثيرة وشهادات كبيرة وقد تركناها خوفا من طول الكلام، وكثيرة منها مكتوبة في كتب تعبير المنام، فارجع إليها إن كنتَ من الشاكّين. وكيف تشكّ وإن الأخبار تواترت في هذا الباب؟ ولعلك تكون أيضًا من المشاهدين لهذا العجاب. فما ظنك.. أتعتقد أن رجلاً متوفّى إذا رآه أحد في المنام، أو أخبر عنه في الإلهام، وقال المتوفى إني سأرجع إلى الدنيا وأُلاقي القربى، فهل هو راجع على وجه الحقيقة.. أو لهذا القول تأويل عند أهل الطريقة؟ فإن كنتم مؤوِّلين في هذا المقام، فما لكم لا تؤوّلون في أنباء تُشابهها بالوجه التام؟ أتُفرّقون بين سُنن الله يا معشر الغافلين؟ فتدبّرْ وما أخـال أن تتـدبّر إلا أن يشـاء ربي هـادي الضـالين.

وقد عرفت أن علامات ظهور المسيح الذي هو المهدي قد ظهرت، والفتن كثرت وعمّت، والمفاسد غلبت وهاجت وماجت، ويسبّون خير البشر في السكك والأسواق، وماتت الملة والتفّت الساق بالساق، وجاء وقت الفراق، فارحموا الدين المُهان، فإنه يرحل الآن. ونشدتكم الله.. ألا ترون هذه المفاسد بالعين؟ ألا يُترك عينُ زلالِ الإيمان للعَين؟ اشهدوا لله اشهدوا.. أحقٌّ هذا أو من المَين؟ وما زاوَلْنا أشدَّ مِن كيد النصارى، وإنا في أيديهم كالأسارى. إذا أرادوا التلبيس، فيُخجلون إبليس. ظهر البأس، وحصحص اليأس. وقست قلوب الناس، واتبعوا وساوس الوسواس. وبعدوا عن التقوى، وخوف الله الأعلى، بل عادَوا هذا النمط، وضاهَوا السقط. وقلتُ قليلا مما رأيتُ وما استقصيت. ووالله إن المصائب بلغت منتهاها، وما بقي من الملة إلا رسمها ودعواها، وأحاطت الظلمات وعدم سناها، ووطِئ زروعَنا الأوابد، فما بقي ماؤها ومرعاها، وكاد الناس أن يهلكوا من سيل الفتن وطغواها، فأُعطيتُ سفينةً من ربي، وبسم الله مجريها ومرساها. وتفصيل ذلك أن الله وجد في هذا الزمان ضلالات النصارى مع أنواع الطغيان، ورأى أنهم ضلّوا وأضلّوا خلقا كثيرا، وعلَوا عُلوًّا كبيرا، وأكثروا الفساد، وأشاعوا الارتداد، وصالوا على الشريعة الغرّاء، وفتحوا أبواب المعاصي والأهواء، ففارت غيرة الله ذي الكبرياء عند هذه الفتنة الصمّاء. ومع ذلك كانت فتنة داخلية في المسلمين، ومزّقوا باختـلافاتٍ دينَ سيد المرسـلين، وصال بعضـهم على البعض كالمفسـدين. فاختـارني الله لرفع اختلافهم، وجـعلني حَكَـما قـاضيا لإنصـافهم. فأنـا الإمـام الآتي على قدم المصـطفى للمؤمـنين، وأنا المسـيح متـمم الحجة على النصارى والمتنصـرين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك