التقوى منكم وإليكم

التقوى منكم وإليكم

  • في العيد تتجدد الروابط الإجتماعية فيتقوى فيها الحب والوفاء والإخاء.
  • العيد هو من الشعائر العظمى ذات مكانة روحانية عالية تنطوي على الرحمة والبر والإحسان لها تأثير بالغ في تربية الفرد والأمة.

__

تأملات عابد

لا شك أن عيد الأضحى تجلٍّ لشعيرة من شعائر الدين العظمى التـي تحمل بين طياتها حِكمًا عظيمه، ومعان جليلة، وأسرارًا بديعة. فعيد الأضحى من المنظور الديني شكر لله على تمام العبادة، لا يتفوه به المؤمن بلسانه فحسب، بل يردده في سرِّه فيكتسب الرضى والطمأنينة وتظهر عليه الفرحة والابتهاج التي يستشعر من خلالها بالأُنس الذي يمحو الجفوة بين الفقراء والأغنياء.

والعيـد مـن منـظور اجتماعي هو يوم الأطفال يُحـضر لهم الفـرح والمرح، ويوم الفقراء يعطيهم اليسر والسعة، ويوم الأرحام يجمعها على البرِّ والصلة، ويوم النفوس الكريمة تتناسى فيه أضغانها وتتصافى. وهكذا تتجدد الرابطة الاجتماعية فيتقوى فيها الحب، والوفاء، والإخاء. فيتذكر أصحاب الفطرة السليمة ما للسائل والمحروم من حقوق في ما رزقهم الله فيقاسمونهم فرحتهم ماديا ومعنويا حتى تشمل فرحة العيد كل بيت وتعم كل أسرة.

ولا يحدث هذا الأمر صدفة بل هو نتاج مباشر لتشـريع نحر الأضاحي في عيـد الأضـحى فتنطلق الأيادي الخيِّـرة لأصحاب النفــوس السخية تتقاسم فرحتها المادية والمعنوية مع من لم يسعفه الحظ؛ فلا تغرب شمس العيد إلا والبسمة تعلو كل شفة، والبهجة تغمر كل قلب.

ومما يدل على عظمة شأن عيد الأضحى هو أن الإسلام قرنه بشعيرة ذات مكانة روحانية عظمى تنطوي على البِرِّ والإحسان والرحمة. لها تأثير بالغ في تربية الفرد والأمة. وهكذا يَنضمّ الأضحى إلى ركن  الإسلام الحج فيصبح يوما من أيامه والظرف الشامل لأحكامه.

ولا ينطوي سر العيد وكرمه وبهائه وجماله في يومه الذي يبتدئ بطلوع الشمس وينتهي بغروبها، وإنما السر فيما يُعمِّر ذلك اليوم من أعمال، وما يغمره من إحسان، وما يملأ القلوب من خير. فللعيد أبعاد خيرية وروحانية لا تتقيد بساعاته المحدودة التي نفرح ونمرح خلالها.

هذا ما نستنتجه حول العيد وماهيته ظاهريا. فأين نحن اليوم من العيد ومعانيه؟ وأين آثار العبادة فيه من آثار العادة؟

للأسف الشديد إن بعض المسلمين جردوا العيد من حليته الدينية وعطلوا معانيه الروحية. فأصبح كثير من المسلمين يلقونه بهِمم فاترة، ومشاعر باردة، وأُسر عابسة، حتى أصبح العيد عملية تجارية لا همَّ لأصحابها إلا الربح. وطغت آثار العادة فأزاحت آثار العبادة وتمسك عامة الناس بالقشر واقتصر العيد على توزيع بعض اللحوم على المحتاجين وتعطلت أدوات التفكير الهادفة ومراجعة النفس على ما الذي يجب على كل فرد أن يتعلمه من عيد الإضحى؟

إن تاريخ الديانات يُعلمنا أنه لا يمكن للأمة أن تتبوأ عرش العزة والمجد إلا بعد ترويض نفسي، وتهذيب خلقي، وذلك بعد أن يظهر أبناؤها أعلى مظاهر التضحية والفداء والبذل والسخاء، وهذه المعاني الرفيعة لا ترسخ في النفوس إلا بعد تثقيف وتعليم، وتربية وترويض.

لا شك أن بذرة الفداء والتضحية زُرعت في نفوس المسلمين من خلال تعاليم القرآن وهدي النبي فأصبحت شعارا يركز روح التضحية في نفوس المؤمنين، الذين يجتمعون من كل أقطار الأرض في مكة المكرمة لحج بيت الله الحرام، ذاكرين ربهم وتائبين حيث يتم بزيارة منى ذروة شعيرة الحج في قالب الأضحى الذي امتثل فيه سيدنا إبراهيم لأوامر الله بالتضحية بولده وفلذة كبده.. وهيهات لما استقاه الفكر التقليدي من هذه الحادثة الدينية المباركة حيث أولوها حرفيا بالرغم من أن الـمُشار هنا إلى أن أعظم تضحية في سبيل الله سيقدمها الإنسان الكامل الذي سيكون من عترة سيدنا إبراهيم وكما أنه ليس في الله شك، فلا شك أن سيدنا ومولانا محمد هو الذبح العظيم المشار إليه في القرآن الكريم. ليس ذبحا ماديا كما يتصور البعض ولكن بتسليمه نفسه وروحه وكيانه لأوامر الله وتضحيته في سبيله بطريقة لم يشهد تاريخ الديانات مثيلا لها. اكتسب من خلالها بجدارة الوصف القرآني الجليل: الذبح العظيم.

فيا ليت الأمة تعي تضحياته وتقتفي بآثاره وتفهمها من منظور سليم خال من الخرافة. اقرأوا التاريخ بتمعن واستشعار لاستحضار تلك الظروف التي عرضت فيها قريش شتى أنواع المغريات من أموال وزعامة وتزويجه من أجمل فتيات العرب وذلك مقابل تجميد رسالته، وهددوه بالقتل والهلاك في حالة رفضه لعرضهم. وما كان منه إلا أن أجاب قريشا بتلك الكلمات الخالدة التي صارت دستور التضحية والفداء: «والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك ما بعثني الله به من النور والهدى ما تركته إلا إذا فارق رأسي جسدي».

وبعد هذا الرفض قضى   ثلاثة عشر سنة ما ترك فيها معنى من معاني التضحية والفداء إلا قام به بأحسن وجه. لقد تحمل بنفس هادئة راضية الأذى والاضطهاد والمقاطعة له ولأتباعه، فلا بيع منهم ولا شراء ولا مزاوجة. لقد ألقيت عليه الحجارة حتى سالت الدماء على عقبه الشريف فتحمل ذلك غير واهن، وصُودرت أمواله وداره فلم يحزن ولم ييئس، ودُبرت المؤامرات المتنوعة لاغتياله فلم يهن ولم يحزن. لقد ضحى بكل ما يملك من مال وراحة ومهجة، باذلا كل ذلك في سبيل الله ولإعلاء كلمته. فعلم أصحابه البذل والتضحية والفداء بأقواله وأعماله وأخلاقه وسيرته. ولم تقتصر تضحيات الرسول الكريم على ما قبل هجرته فحسب ولكن لن ننصف حتى لو بحثنا في السيرة بعين دقيقة جادة حيث وصله الأذى من قريب وبعيد ولا نود الخوض في التفاصيل ولكن لإبراز أن تضحية الرسول كانت على مدار حياته الطاهرة المطهرة كأعظم تضحية عرفها تاريخ الإنسانية.

فإن كانت الأمة اليوم فعلا تتطلع لاستعادة مجدها الغابر فعليها أن تعي مكانة الرسول ومدى تضحيته في سبيل إعلاء كلمة الله وأن تقف وقفة تأمل لفحص تضحيات الجماعة الإسلامية الأحمدية لعلهم يرون وجه المشابهة التي عبّر عنها مؤسس الجماعة حضرة مرزا غلام أحمد عليه السلام الذي ذاب كيانه ووجوده في سيده ومطاعه : “من فرَّق بيني وبين المصطفى فما عرفني وما رأى”. وصلِّ اللهم على سيدنا ومولانا محمد المصطفى وارزقنا شفاعته يوم القيامة.

مـساهمة الصـديق

محمد عبد المطلب (تونس)

Share via
تابعونا على الفايس بوك