أدلة وحقائق إنجيلية على عدم صلب المسيح عليه السلام

المسيح الناصري في الهند (2)

هذا الكتاب القيِّم لسيدنا الإمام المهدي يُعتبر عملاً متميزًا هامًّا في مسيرته الدينية والعلمية والأدبية. فلقد سلَّط الكتاب الضوء على حياة المسيح الناصري ووفاته بأسلوب بحثي علمي متفوق وبأدلة لا يملك القارىء اللبيب إلا التسليم بها. ولئن كان المؤلف قد تلقى هذه الحقائق بوحي من الله العليم الحكيم إلا أنه قد سلك في هذا الكتاب مسلكًا بحثيًّا علميًّا محْضًا وقدم الأدلة الدامغة الشافية الوافية البيّنة من مصادر عديدة متيسرة في متناول الجميع وبين أيديهم. ولقد جاء الكتاب في أربعة أبواب. الباب الأول يتناول الشواهد من الإنجيل على حقيقة حياة المسيح وأنه قد نجا من حادثة الصلب، وقام بالعديد من الأعمال بعد هذه الحادثة، وأن عقيدة النصارى واليهود في قتله على الصليب عقيدة باطلة ينقضها الإنجيل بنفسه. ثم تناول في الباب الثاني شواهد القرآن الكريم والحديث الشريف التي تؤكد نجاته من الصليب وانتقاله إلى مكان آخر، حيث آواه الله وأمَّنه بعد الظلم والعذاب، وتؤكد قيامَه بالعمل الموكل إليه قبل أن يُتوفى عن سن متقدمة جاوزت المائة وعشرين عامًا. ثم بين في الباب الثالث الشواهد التي وُجدت في كتب الطب والتي يتداولها العلماء منذ مئات السنين التي تذكر “مرهَم عيسى” وتُبين تركيبته وتذكر أن الحواريين قد استخدموه في علاج جروح المسيح الناصري . وتناول في الباب الرابع الشواهد من كتب التاريخ القديم والحديث، فلقد أخرج من بطون الكتب ما يذهل القارىء من فقرات تتحدث عن رحلات المسيح وتؤكد أنه قد وصل إلى الهند وأنه قد ألقى عصى التسيار فيها. ثم استنتج الدلائل على أن القبر الموجود في سيرينغر، كشمير في حارة خان يار والمسمى بضريح “يوز آصف” ما هو إلا قبر المسيح الناصري . ولقد اقتبس سيدنا الإمام المهدي من كتاب العلماء والباحثين الغربيين ما اعتقدوا به من أن المسيح قد انتقل إلى الهند وما وجدوه من تشابه كبير بين البوذية والمسيحية.

ولقد بين سيدنا الإمام المهدي في مقدمة الكتاب أنه سيجعله في عشرة أبواب. فبالإضافة إلى الأبواب الأربعة المذكورة أراد أن يضيف بابًا عن الدلائل التي وصلت بالمشافهة المتواترة، وبابًا آخر عن القرائن المتعاضدة التي تشد بعضها بعضًا، وبابًا عن الأدلة العقلية، وبابًا عن الأدلة التي تلقاها بالوحي المقدس. ثم أراد أن يفرد بابًا للمقارنة الموجزة بين الإسلام والنصرانية والبراهين الدالة على صدق الإسلام، ثم ينهي الكتاب بكلمة ختامية تشرح الهدف من بعثته  والبراهين على أنه هو المسيح الموعود.

ولقد تدخلت الإرادة الإلهية فلم يشأ الله تعالى أن يخرج الكتاب بالصورة التي أرادها واقتصر على الأبواب الأربعة الأولى. ولعل الله تعالى قد أراد أن يخرج هذا الكتاب في صورته الحالية ليكون بحثًا علميًّا مجردًا بحجج قوية لا يردها عاقل أو لبيب، ويحقق هذا الكتاب أيضا الإنجاز ليكون سهل القراءة والتداول. أما ما أراد شرحه في الأبواب الأخرى فلقد احتوت أعماله الأخرى معظم هذه الأغراض بشكل مطول كاف وواف. ولقد كشف الكتاب جانبًا آخر من عبقرية سيدنا الإمام المهدي ونبوغه، فبرهن هذا الكتاب أنه بحاثة لا يُشَقّ له غبار، كما برهنت أعماله الأخرى على تقواه وصدق طويته وحماسه المنقطع النظير للإسلام، وعلى قدرته المبهرة في استنباط المعارف القرآنية وسَوق الحجج والدلائل، وعلى مقدرته الأدبية بِأَلْسِنَة الإسلام الرئيسية الثلاث. وعلى كونه كاتبًا عربيًّا يَنهل من المصدر والمـَعين العذب لهذه اللغة المقدسة. ولقد بين أن هذا الكتاب ما هو إلا مواساة للمسلمين الذين ينتظرون مسيحًا سفاكًا للدماء، ما زال حيًّا في السماء، يُكره الناس على الدخول في الإسلام بالسيف، فينقض تلك الفكرة الباطلة ويزيل الآثار السيئة التي تركتها على الحالة الخلقية للمسلمين. كذلك هو مواساة للنصارى بتِبْيان أن الإله الحق منزّه عن الولادة والألم والضعف البشري. وها نحن نقدم هذا الكتاب القيّم للقراء في حلقات آملين أن يحقق الفائدة المرجوة منه. “التقوى”

ملاحظة: الهوامش التي كُتب في آخرها (المؤلف) هي من سيدنا الإمام المهدي . أما التي كتب في آخرها (المترجم) فهي من توضيح هيئة المترجمين.

الباب الأول

لِيكنْ معلومًا أن المسيحيـين يعتقدون بأن عيسى قد صُلب من جرّاء مكيدة دبَّرها يهوذا الإسخريوطي، ثم عاد إلى الحياة، فصعد إلى السماء. ولكن إذا فحصنا الإنجيل تبيَّنَ لنا جليًّا بطلان عقيدتهم هذه. فقد ورد في إنجيل “متّى” الإصحاح 12 العدد40: “كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثةَ أيام وثلاث ليال، هكذا يكون ابنُ الإنسان في قلب الأرض ثلاثةَ أيام وثلاث ليال.”

والواضح أن يونس لم يمت في بطن الحوت، بل غايةُ ما حدث به في بطن الحوت هو الإغماء فقط. وإن كتب الله المقدسة لتشهد على أن يونس قد ظل، بفضل الله ورحمته، حيًّا في بطن الحوت، وخرج منه حيًّا أيضًا؛ وقد آمن به قومه في نهاية المطاف. فإذا كان المسيح قد مات في بطن الحوت­، فأين المماثلة بين الميت والحي؟ كلا، بل شتان بينهما! الحق أن المسيح كان نبيًّا صادقًا، وكان على علم تامٍّ بأن الله الذي يحبه سوف ينقذه من الميتة الملعونة، فذكر هذا المثال كنبوءة، بناءً على وحي من الله، مشيرًا إلى أنه لن يموت على الصليب، ولن تزهق روحه على الخشبة اللعينة، وإنما سيُغمى عليه فقط مثلما أُغمي على النبي يونس عليهما السلام.

كما أن المسيح قد أشار بضرب هذا المثال أيضًا إلى أنه سيخرج من بطن الأرض فيجتمع بقومه، وينال بينهم الإكرامَ كما أُكرم يونسُ بين قومه. وهذا النبأ أيضًا قد تحقق، لأن المسيح قد رحل، بعد خروجه من بطن الأرض، إلى قبائل قومه التي كانت مقيمة في البلاد الشرقية مثل كشمير وتِبَّتْ وغيرهما.. أعني إلى القبائل العشر من بني إسرائيل التي أسَرها “شلمَناصر” المـَلِكُ الآشوري وأخذها من السامرة قبل المسيح بـ 721 عامًا،  والتي هاجرت في نهاية المطاف إلى الهند، وأقامت في مناطقها المختلفة.

ولم يكن للمسيح بدٌّ من أن يقوم بهذه الرحلة، لأن الله -سبحانه وتعالى- كان قد حدّد غاية نبوّته بأن يلقى بالقبائل اليهودية الضالة التي كانت قد أقامت في مختلف نواحي الهند. ذلك لأن هؤلاء كانوا الخرافَ الضالّة من بني إسرائيل الذين تركوا -بعد هجرتهم إلى بلاد الهند- دينَ أجدادهم، واعتنق معظمهم الديانة البوذية، ثم تحوّلوا عنها شيئًا فشيئًا إلى الوثنية. فقد ذكر الدكتورُ Bernier في كتابه “رحلات الدكتورBernier ” روايةً عن عدّة علماء أن سكان كشمير هم اليهود أصلاً، الذين نزحوا إلى هذه البلاد زمنَ تشرُّدهم بيد الملك الآشوري. (راجع المجلد الثاني من الكتاب Travels للدكتور الفرنسي (Bernier.

إذًا فكان من أهم واجبات المسيح أن يبحث عن تلك الخراف الضالة الذين كانوا، بعد هجرتهم إلى هذه البلاد، قد اختلطوا بالشعوب المحلية. وسنبرهن في الصفحات التالية على أن المسيح قد جاء إلى بلاد الهند، وظلّ يتنقل من مكان إلى مكان حتى وصل في نهاية المطاف إلى كشمير؛ وعثر على الخراف الإسرائيلية المختلطة بالأمّة البوذية؛ فآمنوا بالمسيح كما آمن قوم يونس بيونس. وكان هذا قدرًا مقدورًا، لأن المسيح بنفسه يصرّح في الإنجيل بأنه قد أُرسل إلى الخراف الضالة من بني إسرائيل.

هذا، وإن نجاة المسيح من الموت على الصليب كانت أمرًا محتومًا لسبب آخر أيضًا وهو أنه قد ورد في الكتاب المقدّس: ملعون كلّ من يُعلَّق على الخشبة. وكلمة اللعنة تتضمن معنًى شنيعًا بحيث يصبح إطلاقه على إنسان مقدس مثل المسيح عيسى، ولو للحظة واحدة، ظلمًا عظيمًا وتعسّفًا صارخًا؛ لأن معنى اللعنة عند علماء اللغة كافة مرتبطٌ بقلب الإنسان، ولا يُدعى أحد ملعونًا إلا إذا صار قلبه بالفعل مسودًّا بالخروج عن طاعة الله، ومحرومًا من رحمة الله، وخاليًا من حبّه، وصفرًا من معرفته -سبحانه وتعالى-، ممتلئًا بسموم الغواية، بعد أن أصبح كالشيطان شقيًّا أعمى، بحيث لا يبقى فيه ذرّةٌ من نور معرفة الله وحبه، بل تنقطع أية صلة له بالله من الصدق والوفاء، حتى تظهر بينه وبين الله الكراهيةُ والبغضاء والنفور والعداوة، بحيث يصير الله عدوًّا له ويصير هو عدوًّا لله، ويتبرّأ الله منه ويتبرّأ هو منه؛ وبالاختصار إنه يرث كلَّ صفة من صفات الشيطان، ومن أجل ذلك سُمِّي الشيطان لعينًا.­

فتبين أن مفهوم كلمة “الملعون” نَجِسٌ قَذِرٌ بحيث يستحيل تمامًا انطباقُه على أي إنسان صالح يفيض قلبه بحب الله تعالى!

إن المسيحيـين، مع الأسف الشديد، لم يفكّروا في معنى اللعنة عند اختلاق هذه العقيدة، وإلا لما تجاسروا قط على إطلاق مثل هذه الكلمة القذرة على إنسان صالح مثل المسيح . هل يسوغ لنا القول بأنه قد أتى على المسيح زمان انصرف فيه قلبُه عن الله تعالى، وأصبح كافرًا به، ومتبرِّئًا منه، وعدوًّا له؟ وهل لنا أن نظن أن المسيح قد شعر في يوم من الأيام بأنه قد تمرد على الله تعالى، وصار عدوًّا له، غارقًا في ظلمات الكفر والعصيان؟ فمادام قلب المسيح غيرَ مصاب بهذه الأعراض، بل ظل مفعَمًا بنور الحب والمعرفة دائمًا، فكيف يمكن القول، أيها العقلاء، بأنه حلّتْ بقلبه ليست لعنةٌ من الله واحدةٌ فحسب بل ألوف منها وبكل ويلاتها! كَلا، معاذَ الله! فكيف يمكن إذنْ أن نقول بأنه أصبح -والعياذ بالله- ملعونًا؟

من المؤسف جدًّا أن الإنسان إذا تفوّه بشيء أو تمسّك باعتقاد فلا يرضى بتركه مهما تبيّن له زيغُه. لا شك أن الرغبة في الحصول على النجاة أمر محمودٌ مادامت الرغبة قائمةً على أساس الحقيقة الواقعة؛ ولكن أيُّ رغبة هذه التي تقضي على حقيقة عظمى، وتدفع إلى الاعتقاد بأنه قد جاء على نبيٍّ طاهرٍ وإنسان كامل وقتٌ لم يبق فيه أيةُ صلة له بالله تعالى، وحلَّ بينه وبين الله العداء والكراهية والخلاف والخصام محلَّ الانسجام والوئام؛ واستولت على قلبه الظلمةُ بدل النور!

ولا يغيبنّ عن البال أيضًا أن هذه الفكرة لا تُنافي مكانةَ نبوّة المسيح ورسالته فحسب، بل تُناقض أيضًا دعاويه المتكرّرة في الإنجيل بالكمال والنـزاهة والحب والمعرفة! اقرؤوا الإنجيل لتروا فيه كيف يدّعي عيسى قائلا: أنا النور للعالم، وأنا الهادي، وأني على علاقة حب وثيقة بالله تعالى، وأني قد رُزقتُ منه ولادةً طاهرة، وأني ابنه الحبيب. فكيف يمكن إذًا، رغم هذه العلاقات المقدّسة غير المنفكة، أن ينطبق على قلب المسيح ما في كلمة اللعنة من مفهوم قذر؟ كلا.

فثبت دون أدنى ريب أن المسيح لم يُصلَب، أي لم يمت على الصليب، لأن شخصه أسمى مما يترتب على الصلب من نتائج مشينة. فإذا لم يكن قد صُلب فثَبَتَ بلا ريب أن قلبه معصوم من قذارة اللعنة؛ كما ثبت من ذلك أيضًا أنه لم يصعد إلى السماء أبدًا، لأن الصعود إلى السماء كان جزءًا من فكرة الصلب وشعبةً من شعبها. فلما ثبت أنه لم يكن ملعونًا، ولم يدخل جهنّم لثلاثة أيام، ولم يذق الموتَ، بطل أيضًا الجزءُ الثاني أي صعوده إلى السماء.

وثمة أدلّة أخرى على ذلك من الإنجيل نُسجّلها فيما يلي. أولاً ما تفوّه به المسيح في الإنجيل قائلا: “وَلكِنْ بَعْدَ قِيَامِي أَسْبِقُكُمْ إِلَى الْجَلِيلِ” (إِنْجِيلُ مَتَّى 26 : 32)”.

يتبيّن من هذا البيان جليًّا أن المسيح، بعد خروجه من القبر، قد رحل إلى الجليل لا إلى السماء. وقول المسيح: (بعد قيامي) لا يعني أبدًا قيامه بعد موته؛ بل بما أن المسيح، حسب زعم اليهود وعامة الناس، كان سيُقتَل على الصليب، لذلك فقد استخدم هذا التعبير نظرًا إلى مزاعمهم المستقبلية. والحق أن الذي يعلَّق على الصليب، وتُدَقُّ المساميرُ في يديه وقدميه حتى يُغمى عليه لشدّة الألم ويصير كالأموات، لو استعاد وعيَه بعد النجاة من مثل هذه المعاناة فقال: قد عدتُ إلى الحياة من جديد، فلن يعتبر قوله هذا من قبيل المبالغة. ولا شك أن خلاص المسيح من الموت رغم هذه المصيبة العظمية، لم يكن أمرًا عاديًا وإنما كان معجزة؛ ولكن ليس من الصحة في شيء الزعم أنه قد مات على الصليب.

لا جَرَمَ أن الأناجيل تتضمن مثل هذه الكلمات، ولكنها ليست إلا خطأ ارتكبه مؤلّفو الأناجيل كالأخطاء الأخرى الكثيرة التي وقعوا فيها لدى تسجيل الأحداث التاريخية الأخرى. ولقد اعترف الباحثون من شرّاح الأناجيل بأن بيانها ينقسم إلى قسمين: القسم الأول يحتوي على التعاليم الدينية التي تلقّاها الحواريون من المسيح ، وهي روح الإنجيل؛ والقسم الثاني يتضمن الأحداثَ التاريخية مثلَ نسبِ عيسى وحادث اعتقاله وقتله، وبِركةِ المعجزات وغيرها. وهذه أمور دوَّنها المؤلفون من عند أنفسهم بناء على أفكارهم، فهي ليست بوحي سماوي. وقد بالغوا في بيانها أحيانًا مبالغةً شديدة؛ فمثلاً ورد في أحد المواضع أن المعجزات التي أتى بها المسيح لو سُجّلت في الكتب لما وَسِعَتْها الأرض بما رحُبت. ويا لها من مبالغة!

وعلاوة على ذلك، فإن هذه المأساة التي تعرَّض لها المسيح لو وُصفتْ بالموت لما خالف ذلك أساليبَ اللغة، بل إن مثل هذا التعبير شائع معروف في لغة كلّ شعب، إذ يُقال لمن نجا من كارثة مهلكة بأنه قد وُهب الحياة ثانية، ولا يُعَدّ ذلك تكلّفًا في لغة أيّ شعب.

هذا، وثمة أمر آخر جدير بالذكر، ألا وهو أنه قد ورد في إنجيل برنابا، الذي توجد بالأغلب نسخة منه في مكتبة لندن الشهيرة، أن المسيح لم يمت مصلوبًا. وهنا يمكننا أن نستنتج أن هذا الإنجيل -الذي لم يُعَدَّ من بين الأناجيل بل رُفض دونما دليل- كتاب قديم معاصر لسائر الأناجيل الأخرى بلا شكّ. ألا يحق لنا، والحال هذه، أن نستفيد من هذا الكتاب العتيق باعتباره مرجعًا تاريخيًّا هامًّا يضم أحداث العصور القديمة؟ أَوَليس أقلّ ما يُفيد هذا الكتابُ أنه لم يتّفق كل الناس في ذلك الوقت على أن المسيح مات على الصليب.

إضافةً إلى أن الأناجيل الأربعة نفسها تتضمن مثل هذه الاستعارات حيث قيل فيها عن ميت إنه نائم وليس بميت. فهل من المستبعد إذن أن يكون الإغماء قد وُصف هنا أيضًا بالموت؟

ولقد سبق أن قلنا إن كلام النبي لا يُمكن أن يشوبه الكذب، وقد شبَّه المسيحُ بقاءَه في القبر لثلاثة أيام بالأيام الثلاثة في حادثة النبي يونس؛ الأمر الذي يتبيّن منه أنه كما بقي يونس في بطن الحوت ثلاثة أيام حيًّا، فكذلك ظل المسيح في بطن القبر ثلاثة أيام حيًّا؛ علمًا أن قبور اليهود في ذلك العصر لم تكن مثل القبور في أيامنا هذه، بل كانت فسيحة من داخلها كغرفة واسعة، وكانت على جوانبها نوافذ تُسَدّ بأحجار كبيرة. وسوف نبرهن في المكان المناسب على أن قبر المسيح المكتشَف أخيرًا في سرينغر بكشمير يُشبه تمامًا ذلك القبر الذي وُضع فيه المسيح في حالة الإغماء.

وبالاختصار، فإنه يتضح من هذه العبارة الإنجيلية التي كتبناها آنفًا أن المسيح قد اتّجه نحو الجليل بعد خروجه من القبر. ولقد ورد في إنجيل “مرقس” أنه بعد خروجه من القبر شوهد متّجهًا نحو الجليل، وأنه لقي أخيرًا حوارييه الأحدَ عشر وهم يأكلون؛ وأراهم يديه وقدميه الجريحة؛ وأنهم حسبوه روحًا، فقال لهم: جُسُّوني وانظروا إلي، فإن الروح ليس لها جسم وعظام كما ترونني؛ وأنه أخذ منهم قطعةً مِن سمك مشوي وشيئًا مِن شهدِ عسلٍ، وأكل قُدّامَهم. (إنجيل مرقس الإصحاح 16 العدد 14، وإنجيل لوقا الإصحاح 24 العدد 39- 42)­

يتضح من هذه العبارة جليًّا أن المسيح لم يصعد إلى السماء قطّ، بل ذهب إلى الجليل بعد أن خرج من القبر، وكان كسائر الناس بجسم ولباس عاديـين. ولو كان قد استردّ الحياة بعد موته، لَما كان من الممكن أن تبقى آثار الصلب على جسمه الجلالي، ولَما كان بحاجة إلى الطعام؛ وإذا كان محتاجًا إليه آنئذ فهو أحوجَ ما يكون إليه اليوم أيضًا!

ولا ينخدعنّ القرّاء فيظنوا أن صليب اليهود في ذلك العصر كان مثل مشنقة اليوم التي مِن شِبه المستحيل أن ينجو أحد من الموت عليها. كلا، بل ما كان صليب اليهود في ذلك العصر يحتوي على حبل للشنق، ولم يكن المجرم يُعلّق به في الهواء بإزالة قاعدة خشبية من تحته، وإنما كان يُمَدّ على الصليب ويُدَقّ في يديه ورجليه المسامير؛ وكان من الممكن -إذا أريدَ العفوُ عنه- أن يُنـزَل من على الصليب حيًّا، بعد التسمير في أطرافه وبعد بقائه معلَّقًا عليه ليوم أو يومين، دون تحطيم عظامه، اكتفاءً بما يكون قد ذاق من العذاب. وأما إذا أرادوا قتله أبقَوه على الصليب ثلاثة أيام على الأقل، ولم يَدَعوا الطعام أو الشراب يصل إلى فمه، ثم بعد ذلك كسروا عظامه؛ وكان المجرم يلقى حتفه بعد أن يذوق كل تلك الألوان من التعذيب. ولكن الله بفضله ورحمته أنقذ المسيح من أن يتعرض للعذاب لهذه الدرجة التي تقضي على الحياة قضاءً نهائيًّا.

وإذا قرأتَ الأناجيل بشيء من التدبر اتضح لك أن المسيح لم يبق على الصليب لثلاثة أيام، ولم يذق العطشَ والجوع لثلاثة أيام، ولم تُكسر عظامُه، بل بقي عليه قُرابة ساعتين فقط، حيث قدّر الله، برحمة منه وفضل، أن تتم عملية صلبه في أواخر ساعات النهار، وكان ذلك في يوم الجمعة حيث لم يبق من النهار إلا القليل؛ وكان اليوم التالي هو السبت وعِيدُ الفصح لليهود، وكان محرَّمًا على اليهود ومستوجبًا للعقاب الإلهي أن يتركوا أحدًا معلَّقًا على الصليب يوم السبت أو ليلته؛ وكانوا، كالمسلمين، يُراعون التوقيت القمري ويقدّمون الليل على النهار.

وهكذا فقد حصلت هذه العوامل الأرضية من ناحية، ومن ناحية أخرى ظهرت تدابير سماوية من الله  ، حيث هبَّت في الساعة السادسة أي قُبيل المغيب عاصفةٌ أظلمتِ الأرضَ كلَّها، وبقيت هذه الظلمة لثلاث ساعات متوالية. (إنجيل مرقس الإصحاح 15 العدد 33). وعند هبوط هذه الظلمة الدامسة خاف اليهود من أن تحين ليلةُ السبت، فيستحقّوا العقاب لانتهاكهم حرمةَ السبت؛ فسارَعوا بإنزال المسيح واللِّصَّين المصلوبَين معه.

كما ظهر تدبير سماوي آخر أيضًا، وهو أن زوجة بيلاطس أَرسلت إليه وهو جالس على كرسيّ المحكمة قائلة: “إياك وذلك البارَّ، (أي لا تَسْعَ لقتله) لأني تألمتُ اليوم كثيرًا في حُلمٍ من أجله”. (إنجيل متى الإصحاح 27 العدد 19)

فهذه الرؤيا التي ظهر فيها ملاك الله لزوجة بيلاطس تكشف لنا ولكل منصف آخر وبكل تأكيد أن الله تعالى لم يُرد أن يُقتل المسيح على الصليب؛ إذ لم يحدث قط منذ بدء الخليقة إلى اليوم أن يكون الله تعالى قد حرَّض أحدًا في منامه أن يفعل كذا وكذا لإنقاذ شخص ثم لم يتحقّق ذلك الأمر. فمثلاً ورد في إنجيل “متى” أن ملاك الرب ظهر ليوسف في الحلم قائلا: “قُمْ وخُذِ الصبيَّ وأُمَّه وَاهْرُبْ إلى مصر، وكُنْ هناك حتى أقول لك، لأن هيرودس مُزمِعٌ أن يطلب الصبيَّ ليُهلكه.” (إنجيل متّى الإصحاح 2 العدد 13)

فهل لأحد أن يدّعي بعد ذلك أن قتلَ يسوع بعد أن بلغ مصر كان ممكنًا؟ وكذلك فإن رؤيا زوجة بيلاطس كانت تدبيرًا إلهيًّا لإنقاذ المسيح، وكان فشل هذا التدبير أمرًا مستحيلا. فكما أن احتمال هلاك المسيح في حادث مصر كان أمرًا يُخالف الوعد الإلهي المحتّم، كذلك ليس من المعقول أن يَظهر ملاكُ الله لزوجة بيلاطس في الحلم محذِّرًا إياها بأن قتل المسيح على الصليب لن يكون خيرًا لكم، ومع ذلك يذهب ظهور الملاك سُدًى، ويُقتَل المسيح على الصليب! فهل تجدون لذلك مثالاً؟ كلا! بل كلّ عاقل سليم الفطرة إذا اطّلع على رؤيا زوجة بيلاطس أيقن في أعماق قلبه بأنه لم يكن الهدف من تلك الرؤيا إلا أن توضع خطّة لتخليص المسيح.

أَجَلْ، لكل إنسان في الدنيا الخيار أن يرفض حقيقة ناصعة ولا يقبلها تعصبًا لعقيدته، ولكن مقتضى العدل يدفعنا للاعتراف بأن رؤيا زوجة بيلاطس تمثل شهادة قاطعة على نجاة المسيح من الموت على الصليب؛ وقد سجّلها أوثق الأناجيل أعني “متّى”. لا جَرَمَ أن الشواهد التي سوف أبيّنها في هذا الكتاب بأسلوب قوي مُحكم لكافيةٌ لإبطال ألوهية المسيح والكفارة، ولكن مقتضى الصدق والأمانة يفرض علينا ألا نحفل أبدًا، في سبيل قول الحق، بقومنا أو عشيرتنا وعقائدنا التقليدية. فمنذ أن خُلق الإنسان فإنه بسبب قصور فهمه قد جعل آلافَ الأشياء آلهةً، حتى عَبَدَ القططَ والأفاعي أيضًا، ومع ذلك لم يزل العقلاء ينجون بتوفيق الله تعالى من أمثال هذه العقائد المشركة.

ومن الشهادات الإنجيلية على نجاة المسيح ابن مريم من الموت على الصليب، سَفَرُه الطويل الذي قام به إلى الجليل بعد خروجه من القبر؛ حيث اجتمع أولاً بمريم المجدلية صباحَ يومِ الأحد، فأخبرتْ الحواريـين على الفور بأن المسيح حيّ، ولكنهم لم يستيقنوا. ثم ظهر لاثنين من الحواريـين حين ذهابهما إلى إحدى القرى، وأخيرًا ظهر للأحد عشر حين كانوا جلوسًا يأكلون؛ فلامَهم على ضعف إيمانهم وقسوة قلوبهم. (مرقس الإصحاح 16 العدد 9-14)

ثم لقي المسيحُ الحواريـين حين كانوا متّجهين نحو قرية تُدعى “عِمْواس” الواقعة على بُعد 75,3 فراسخ من أورشليم؛ ولما اقتربوا من القرية أراد أن يتقدّمهم لينفصل عنهم، فحالوا دونه قائلين: امْكُثْ معنا الليلة. فتناولَ العَشاء معهم، وباتوا جميعًا في قرية عِمْواس. (لوقا الإصحاح 24 العدد  13-31)

والظاهر أنه من المستحيل وغير المعقول أن تصدر من الجسم الجلالي، الذي تخيَّله المسيحيون للمسيح بعد موته، أعمالٌ تخص الجسمَ المادّي الفاني كأكلِه وشربه ونومه وسفره إلى الجليل التي تبعد عن أورشليم نحو70 فرسخًا­. وبالرغم من أن تطرُّف الأفكار قد حرّف كثيرًا من قصص الإنجيل هذه، غير أن الكلمات الموجودة فيها لتدل دلالة صريحة على أن المسيح لقي الحواريـين بهذا الجسم المادي الفاني، وقام بالسفر الطويل إلى الجليل مشيًا على الأقدام، وأرى الحواريـين جروحَه، وتعشّى وبات تلك الليلة عندهم. وسنثبت فيما بعد أنه قد عالج جروحه باستعمال مرهم خاص.

أَوَليس مما يدعونا إلى التفكير أن ذلك الجسم الجلالي الأبدي الذي ناله المسيحُ -مكانَ الجسم المادّي الفاني- والذي كان جديرًا بأن يتشرّف بالجلوس عن يمين الله وأن يسمو عن الأكل والشرب وعن كلّ أثر (من الجروح) أو ألمٍ أو عيب، وأن يصطبغ بصبغة جلال الله الأزلي الأبدي؛ أقول: إن ذلك الجسم الجلالي كيف بقي بعدُ مشوبًا بالضعف البشري حيث وُجدتْ فيه بقايا الجروح الحديثة الدامية المؤلمة الناتجة عن الصليب والمسامير، والتي أُعدّ لعلاجها مرهم خاص؟! نعم إن ذلك الجسم الجلالي غير الفاني -الذي كان ينبغي أن يبقى للأبد سليمًا من كل عيب ومنقصة وكاملاً غيرَ متغيّر- كيف ظلّ مصابًا بأنواع العيوب، حتى أرى المسيحُ حوارييه لحمَه وعظامَه؛ وليس ذلك فحسب، بل كان ذلك الجسم الجلالي يُعاني من حاجات الجسم البشري الفاني كشدّة الجوع والعطش؛ ولو لم يكن الأمر كذلك لما كان المسيح بحاجة للقيام بذلك السخف.. أعني أن يأكل ويشرب ويستريح وينام خلال سفره إلى الجليل. وأيُّ شك في أن الجوع والعطش هما من آلام الجسم الفاني في هذه الدنيا، حتى إن شدّتهما قد تقضي على حياة الإنسان.

فثبت بلا مراء أن المسيح لم يمت على الصليب، ولم يتلقَّ أيَّ جسم جديد جلالي، وإنما تعرّض لحالة الإغماء الشبيهة بالموت.

وكان من عجائب فضل الله ورحمته أن القبر الذي وُضع فيه المسيح لم يكن مثل قبور بلادنا، بل كان شبه حجرة ذات نافذة يتخللها الهواء؛ إذ كان من عادة اليهود في تلك الأيام أن يجعلوا القبور كغرفة واسعة ذات نافذة يتخللها الهواء، وتكون جاهزة سلفًا ليوضع فيها الميّت لدى الحاجة. والأناجيل تشهد على ذلك بكل صراحة، حيث نجد في إنجيل لوقا قوله:

“ثُمَّ فِي أَوَّلِ الأُسْبُوعِ، أَوَّلَ الْفَجْرِ، أَتَيْنَ إِلَى الْقَبْرِ حَامِلاَتٍ الْحَنُوطَ الَّذِي أَعْدَدْنَهُ، وَمَعَهُنَّ أُنَاسٌ. فَوَجَدْنَ الْحَجَرَ مُدَحْرَجًا عَنِ الْقَبْرِ”. (هذه العبارة تستدعي التفكير). فَدَخَلْنَ وَلَمْ يَجِدْنَ جَسَدَ الرَّبِّ يَسُوعَ” (إِنْجِيلُ لُوقَا 24 : 2-3).

والآن فكّروا في قوله: “فدخلن”! إذ من الواضح أن الإنسان الحي لا يمكن أن يدخل في القبر إلا إذا كان واسعًا كحجرة ذات نافذة؛ وسنبيّن في المكان المناسب من هذا الكتاب أن قبر عيسى  الذي تمّ العثور عليه مؤخرًا في سرينغر بكشمير، هو أيضًا ذو نافذة كمثل القبر المذكور أعلاه. وهذا سرّ عظيم إذا اهتم به الباحثون أَمْكَنَهم الوصولُ إلى نتيجة هامّة عظيمة.

ومن جملة الشهادات التي وجدناها في الأناجيل قولُ بيلاطس الذي سُجّل في إنجيل مرقس وهو:

“وَلَمَّا كَانَ الْمَسَاءُ، إِذْ كَانَ الاسْتِعْدَادُ، أَيْ مَا قَبْلَ السَّبْتِ، جَاءَ يُوسُفُ الَّذِي مِنَ الرَّامَةِ، مُشِيرٌ شَرِيفٌ، وَكَانَ هُوَ أَيْضًا مُنْتَظِرًا مَلَكُوتَ اللهِ، فَتَجَاسَرَ وَدَخَلَ إِلَى بِيلاَطُسَ وَطَلَبَ جَسَدَ يَسُوعَ. فَتَعَجَّبَ بِيلاَطُسُ أَنَّهُ مَاتَ كَذَا سَرِيعًا”. (مرقس الإصحاح 6­ العدد 42 – 44)

نستنتج من هذا أن موت يسوع كان قد أصبح محلَّ الشبهة ساعة حادث الصليب ذاتها، وكانت تلك الشبهة من قِبل رجل يعرف جيدًا مقدارَ الوقت الذي يموت فيه الإنسان على الصليب.

ومن الشهادات التي وجدناها في الأناجيل العبارةُ التالية:

“ثم إذ كان استعداد، فلكيلا تبقى الأجساد على الصليب في السبت، لأن يوم ذلك السبت كان عظيمًا، سأل اليهودُ بيلاطسَ أن تُكسَر سيقانُهم ويُرفَعوا. فأتى العسكرُ، وكسروا ساقَي الأوّلِ والآخَرِ المعلَّقِ معه. وأما يسوع فلما جاءوا إليه لم يكسروا ساقَيه، لأنهم رأوه قد مات؛ ولكن واحدًا من العسكر طَعَنَ جَنْبَه بحَرْبةٍ، وللوقت خرج دمٌ وماء”. (يوحنا الإصحاح 19 العدد 31-34)

يتضح من هذه العبارة جليًّا أنه كان من عادتهم آنذاك، بُغيةَ إنهاءِ حياة المصلوب، أن يتركوه على الصليب أيامًا، ثم يكسروا عظامه؛ ولكن عظام المسيح لم تُكسَر عمدًا، بل أُنزل من على الصليب وهو حيّ حتمًا كاللِّصَّين المصلوبين معه، ولذلك خرج الدم من جسمه عند طعن ضلعه بالحربة، مع أن دم الميّت لا يلبث أن يتجمّد.

كما يتضح من ذلك أيضًا أنه كانت هناك خطة سريّة، وهي أن بيلاطس كان رجلاً تقيًّا طيب القلب، ولكنه كان يتجنب الانحيازَ العلني للمسيح خوفًا من قيصر؛ إذ كان اليهود يتّهمون المسيح بالثورة. كان بيلاطس سعيد الحظ حيث عرف صدقَ المسيح، بينما بقي قيصر محرومًا من هذه النعمة. وبيلاطس لم يعرف صدقَ المسيح فحسب، بل بذل جهده للتخفيف عنه، ولم يُرد قطّ أن يُصلَب. والأناجيل أيضًا تذكر صراحةً أن بيلاطس أراد مرارًا أن يُطلق سراح المسيح، ولكن اليهود قالوا له: إنك إن أطلقتَ هذا فلستَ مخلصًا لقيصر. إن المسيح ثائر على الحكومة ويريد أن يكون بنفسه ملِكًا. (يوحنا الإصحاح 19 العدد 12)

كما أن رؤيا زوجة بيلاطس كانت دافعًا آخر جعله يسعى جاهدًا لإنقاذ المسيح من الصليب بأي طريق، وإلا سيكون مصيره الدمار. ولكن اليهود كانوا قومًا أشرارًا، وكانوا على استعداد لإثارة قيصر على بيلاطس عن طريق الوشاية، لذلك سعى بيلاطس لإنقاذ المسيح بطريق حكيم؛ فهو أوّلاً أجَّلَ صلبَ المسيح إلى يوم الجمعة، ثم أخّره إلى أواخر ساعاته حتى لم يبق من النهار إلا بضع ساعات، وكانت ليلة السبت الكبير موشكة، وكان بيلاطس يعلم جيدًا أن اليهود لا يمكنهم، نظرًا لأحكام شريعتهم، إبقاءُ المسيح على الصليب إلا لغاية مغيب الشمس، وأنه بعد الغروب سيبدأ فورًا سبتُهم الذي لا يجوز فيه إبقاءُ أحد على الصليب. فتمّ ما أراد بيلاطس، وأُنزل المسيح من على الصليب قبل الغروب.

وبعيد عن القياس ألا يموت أيٌّ من اللِّصَّين المصلوبَين مع المسيح، ولكن المسيح يموت خلال ساعتين فقط! كلا، بل إن كل ذلك كان تخطيطًا نُسج لكيلا تُكسَر عظام المسيح. لا شك أن هناك برهانًا عظيمًا لكلّ لبيب في كون اللصين كليهما قد أُنزلا من الصليب حيَّـينِ؛ إذ كانت العادة المتّبَعة دومًا أن المجرمين كانوا يُنـزَلون من على الصليب أحياءً، وكانوا لا يموتون إلا بعد كسر العظام، أو كانت أنفسهم تزهق من شدة الجوع والعطش لبقائهم على الصليب أيامًا. ولكن المسيح لم يتعرّض لشيء من ذلك؛ فهو لم يبق على الصليب جائعًا عطِشًا لأيام، كما لم تُكسَر عظامه، ثم ذُرَّ الرماد في أعين اليهود حيث قيل لهم بأن المسيح قد مات. وأما اللصان فقد قُضي عليهما بكسر عظامهما حالاً. وهنا نتساءل: لماذا ما قيل عن أي من اللصَّين إنه مات أيضًا فلا حاجة لكسر عظامه؟!

أَضِفْ إلى ذلك أن يوسف الذي كان من أصدقاء بيلاطس المكرَمين وكان سيدَ تلك المنطقة ومِن تلامذة المسيح سرًّا وصَل هنالك في حينه -وكان مجيئه في رأيي إشارةً من بيلاطس نفسه-فسلّم إليه المسيحَ باعتباره جثةً هامدة. ولأن يوسف كان من أشراف القوم، فلم يكن بوسع اليهود أن يعارضوه. فوصل هنالك وتسلَّم المسيحَ باعتباره ميّتًا مع أنه كان في حالة الإغماء في الواقع. وكان هنالك مكانٌ أُعدّ مسبقًا كقبر على شكل حجرة واسعة ذات نافذة، حسب عادة القوم آنذاك، وكان يقع خارجًا عن تصرّف اليهود، فوُضع المسيح فيه حسب تعليمات بيلاطس.

­ هكذا ورد سهوًا في الأصل، والصحيح: في بطن الأرض. (المترجم)

­  رَاجِع المعاجمَ العربية مثل لسان العرب والصحاح للجوهري والقاموس المحيط وتاج العروس وغيرها. (المؤلف)

­  هذه الأرقام تختلف في طبعات وتراجم مختلفة للكتاب المقدس، لذا تمسكنا بالأرقام التي سجلها المؤلف في هذا الكتاب. (المترجم)

­  الفرسخ مقياس لمعرفة المسافة، وقد قيل في مقداره أقوال شتى، ولكنه عند المؤلف يساوي 625,1 ميل تقريبًا. انظُر الصفحة رقم 76. (المترجم)

­  هذا سهو، والصحيح: الإصحاح 15. (المترجم)

Share via
تابعونا على الفايس بوك