ما أحوجنا إليك يا رمضان

ما أحوجنا إليك يا رمضان

التحرير

ما أحوَجَنا إليك يا رمضان. ما أحوَجَنا إليك يا موسمَ الخيرِ والحصادِ. يا مَن تعود في كل عام لجني القِطاف ولبشرى البيع للمؤمنين، ليستبشروا ببيعهم الذي بايعوه. يا زائرًا غاليًا ننظر إليه ونترقبه بكل الشوق والحنين. لترجع الروح إلى مسكنها وسكنها، وأنسها وأنيسها، ولتعود الطيور إلى وكناتها بعد موسم هجرة مرير طويل. يا أيها الشهر الذي أُنزل وفي حِكمه ومواسِمه ومعانيه. يا هدى للناس وبينات الهدى للمتقين. ويا شهر الفرقان وشهرَ الفصل من الله الذي يقص الحق وهو خير الفاصلين. لا أوحَشَ الله منك يا رمضان، ولا حَرَمنا اللهُ مِن فضلك العميم وخيرِك العظيم.

وهكذا يعود رمضان ويحلّ فينا، ويتفقد أحوالنَا وينظر فيها. ينظر في حال الأمة وفي حال المؤمنين. ويعود بالهدى لمن كان من الراغبين. ويفصل بين الحق وبين الباطل بحكم الفرقان المبين. فطوبى لمن أفلح فيه، وطوبى لمن رَبِحَ في سوقه التي لا تلبث أن تنفضَّ في أيام معدودات. فالرابح مَن قضى عامه يُعدّ بضاعتَه للبيع ويمعن في تحسينها. فهو لا شك من الرابحين ومن الذين تروج بضاعتهم عند رب العالمين، ويكون بفضل الله من المقبولين. أما من داهمه الموسم وهو غافل ففُرصتُه في الربح تتضاءل، وقد يربح بفضل الله وبرحمته فهو أرحم الراحمين، ولكنه يحتاج إلى مجهود مضاعَف وتوبةٍ نصوح لا تغادر مثقال ذرة من إثم، عسى أن يدرك السوقَ الذي مقامه في الأرض قصير، وموسمه لا يلبث أن يمضي. فعلينا أن نصوم قبل أن نصوم، وعلينا أن نستعدّ لهذا الشهر الفضيل بأفضل ما لدينا، وألا نأتي السوق ببضاعة مزجاة لا تسرّ الناظرين. علينا أن نعلم أن لا مجال لإخفاء عيوبها، فهي تُختبر من العليم الخبير. وشتان بين من أدركه الموسمُ وبين من أدرك الموسمَ بالاستعداد بكل الجهد وخرط القتاد. فالراحة تأتي بعد التعب، والجَني يكون بعد الزراعة والريَّ والعناية. ورمضان هو شهر الحصاد، فهو بينات الهدى للمهتدين. وهو هدى لمن أدركه الوقت ولم يكن من الرابحين، أو كان ممن نال بركات ضئيلة، فهو تذكرة له لكي يستعد الموسم القادم وأن يبدأ بالزراعة في رمضان، فلعل الله يدركه برحمته في هذه الايام المعدودات. ولكن إن كان له فيه تذكرة وعهد وإصرار على أن يلقاه في العام القادمِ، إن كُتبتْ له الحياةُ، بقلب سليم وبضاعة تسرّ الناظرين وتُقبَل عند رب العالمين، فالله تعالى سيثبته بإذنه ويكتب له الرحمة والسداد. فرمضان هو سوق البيع للمتقين وهدى لهم، كما أنه هدى للغافلين الذين يجدون أنفسهم فيه غير مستعدين.

ها هو رمضان شهر القرآن بين ظهرانينا. بشرى للمؤمنين والهدى لمن اهتدى أو كان في الهدى من الراغبين وهو بينات هذا الهدى ومظهره ومظهر لملكوت رب العالمين. وفرقان للحق ودامغ للباطل وسجن للشياطين. وهو السوق التي تعرض فيها بضاعة الناس على رب العالمين فيأخذ الطيب ويترك الخبيث.

كذلك هو فرقان للمتقين، فهو يفصل الحق عن الباطل بسلطان مبين، يميز الحق من الباطل ويدمغ الباطل فإذا هو زاهق، فالويل لمن كان في الباطل من المستمسكين. ففرقان رمضان يبرز الحق وينزع من الباطل، فمن أخذ بالباطل فهو في ضلال مبين، ومن استمسك بالعروة الوثقى وأخذ الحق بقوة، فلا خوف عليه ولا هو من المحزونين. فعلينا ألا نجعل فرقان رمضان حجة علينا.

ورمضان هو الذي أُنزل القرآن في فضائله. وهو الشهر الذي اختاره الله تعالى ليظهر ملكوته في الناس، فيتبعون الحق أكثرُهم وتظهر علائم الطاعة عليهم. فهم خاضعون لنظام في مأكلهم ومشربهم ومنامهم فيه. فمن أطاع وأصلح فلنفسه، ومن عصى فعليها، وهو في الدنيا وفي الآخرة من المقبوحين. ألا ترون أن الشياطين تصفَّد في رمضان، ومعظمهم يستترون من المعاصي. وتظهر في الطرقات علائم الخضوع لله الواحد القهار. وفي ذلك تذكار للناس ليوم الفصل الذي سيلقونه أجمعين. هنالك يكون الملك لله وحده الواحد القهار. وتسقط كل السلطات وتنهار. فرمضان يذكِّر بخضوع الناس لملكوت الله. فيرون نفحة من هذا السلطان الذي غفل عنه أكثرهم، وظنوا أنهم من سلطانه يفرون. ويظنون أنهم معجزين في الأرض وأنهم منه من الآمنين. فرمضان هو رسول السلطان الذي جاء برسالة من مالك الملك يذكّر الناس بسلطانه عليهم. وهو الكاتب بالعدل. الذي يتفقد أحوالهم ويسجل أسماءهم في سجل الرابحين أو الخاسرين. وهو القيِّم على التجارة الذي يأخذ منهم بضاعتهم ويقبل الطيب منها ويوفيهم أجورهم برحمةٍ في أوله ومغفرةٍ في وسطه وعتقٍ من النار في آخره. وهو الذي يرد على أصحاب البضاعة الفاسدة بضاعتهم، فيعودون بالخيبة والخسران واللوعة إن كانوا من المقبوحين المخذولين. ولكنه مع ذلك يستقبل العصاة الغافلين بوجهٍ بشوش ونفحاتِ خير تجعلهم يشعرون بشيء من السرور. فتنشأ فيهم رغبة بلقائه بشكل مختلف في العام القادم، كي يكونوا من أوليائه المقربين. وكي تصلهم رسالات رب العالمين فيه وتتنزل عليهم الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام من رب العالمين. ولكي يعلموا أن الاستقامة هي معراجهم ووسيلة نزول الملائكة عليهم حيث تناديهم:

ألَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ .

فهكذا يلتحقون بركب المؤمنين المتقين، وتتنزل عليهم بركات من السماء والأرض، وينعمون برضوان من الله ومغفرة وأجر عظيم.

ها هو رمضان شهر القرآن بين ظهرانينا. بشرى للمؤمنين والهدى لمن اهتدى أو كان في الهدى من الراغبين وهو بينات هذا الهدى ومظهره ومظهر لملكوت رب العالمين. وفرقان للحق ودامغ للباطل وسجن للشياطين. وهو السوق التي تعرض فيها بضاعة الناس على رب العالمين فيأخذ الطيب ويترك الخبيث. وهو الذي أنزلت فيه أولى آيات القرآن ونزلت فيه آيات أخرى وكان مظهرا للقرآن كله. وما جاء القرآن إلا في ذكر رمضان وفي تحقيق رمضان وفي الحصول على بركات رمضان لمن كان من الطالبين. جعلنا الله ممن ربح فيه. ولا حَرَمَنا الله من فضله، وأعاده علينا بكل الخير والبركة، وقد عاد المسلمون إلى الله وأعلنوا من صميم فؤادهم أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله خاتم النبين وسيد الأولين والآخرين وصاحب الفيوض التي لا تنتهي على الأرض إلى يوم الدين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك